مسرحية على خط النار للفلسطيني معتصم أبو حسن: اشتباك الجيل مع تحولات المجتمع
تاريخ النشر: 12th, June 2025 GMT
ترى ما المسافة ما بين تركيز العرض على الدعوة الآمرة الحادة بعدم اعتياد الواقع، "تتعودوش"، وبين قلق الشخصية بين باطنها وظاهرها؟ هل هو إيحاء نقدي للذهاب بشخصياتنا باتجاه ما يراه ضميرنا حتى لو كان ذلك على ما ننتفع به من التعامل العملي الواقعي؟ صورت المسرحية من خلال حركات وأصوات نزقة حالة الصراع الداخلي لدى الشباب إزاء التحولات السياسية التي وجدوا أنفسهم قد ولدوا خلالها، وكبروا وهم لم يستوعبوا تماما ما كان ويكون.
إنه مسار نمو الإدراك الذاتي في تواز وتداخل مع الحالة الوطنية العامة؛ فقد استطاع العرض بصدق تقديم حالة تفاعل الشباب مع خصوصية الحالة المركبة للمجتمع الفلسطيني ببنيته السياسية والاقتصادية التي حدثت إثر اتفاقية أوسلو، في ظل بقاء الاحتلال.
إنها محاولة إبداعية على مستوى النص، بغض النظر عن الشكل الأدبي والفني، للكتابة عن حالة الاشتباك الفكري لدى الناشئة، بمن فيهم فئة الشباب، مع التحولات التي وجدوا أنفسهم فيها، باختلاف حالة من عايش مدركا لما قبلها، حيث تداعت المشاعر والأفكار التي صارت تبدو لنا الكبار بأنها رومانسية؛ ففي الوقت الذي رأى الشباب أن حال الفلسطينيين لم تتغير في العمق، رغم شكليات التحول على مدار 3 عقود، فقد أصبح ذلك نوعا من المراجعة النقدية التي تحمل بذور التمرد، والتي تجلت في ظاهرة الشياب المسلحين وإن لم تشر لهم المسرحية. والظن أن التعريج على لبنان، كان من هذا الإيحاء، حتى وإن حمل منحى ساخرا (ما في بلبنان الا الصواريخ والزبالة).
لذلك كان هناك تساؤل عن معنى البطولة لدى الجيل الجديد، وهو وإن بدا لنا الكبار متكلفا وليس في مكانه، فهو لمثل هذه المرحلة مهما من باب إثبات الذات الفاعلة أو الناقدة، لربما من باب وجودهم كمهمشين أكثر من كونهم ثوريين حقا.
هو صوت معتصم أبو حسن، الكاتب والمخرج، وصوت الشاب الإعلامي، وقد كان اختيار مهنة الإعلام مناسبا، كون الإعلام الرسمي هو إعلام الظاهر والنمطي، بما يخدم المنظومة القائمة سياسيا واقتصاديا.
هو الصوت الباطني والظاهري، ولعل الصوت الباطني هو الأكثر نقدا، وقد تجلى ذلك بأداء الشاب النزق المتوتر والمحرض والغاضب، والمتهم له بأنه يخاف قول الحقيقة المهنية خشية تعرضه لخسارة المنفعة-العمل.
لقد لاءم الحوار المسرحي حالة المونولوج الداخلي المحتدم داخل شخصية الشاب، حيث أننا من بدء العرض، وتقدمه، لمسنا أن الحوار على الخشبة إنما يتم داخل الشخصية التي تعاني من انفصام وجودي ما، وقد عزز ذلك الشعور تمثل الشخصية عبر أكثر من شكل حركي، وسردي، وقد كان ذلك الإيحاء المحتمل جميلا، ولم يكن هناك ضرورة لوصف الممثل الآخر نفسه بأنه صوته الداخلي. وكان من الممكن أيضا أن يكون حوار بين شابين، فهذا محتمل، بل لعل المخرج في العروض القادمة يترك ذلك لتأويل المشاهدين. كذلك ثمة مجال لتأمل إنهاء حياة الإعلامي، حيث كان من المحتمل عدم الذهاب الى هذا المنحى.
يحسب للمخرج الشاب أبو حسن تفكيره بمقترحات التمثيل والحركة والديكور والسينوجرافيا، بما فيها الشاشات الملائمة للإعلام، فهي وإن لم توظف بشكل احترافي في تقديم المضمون، بسبب اعتماد المخرج على مضمون النص، إلا أن عمله يعدّ جادا على طريق الإبداع، من ذلك مثلا البدء بحركة سريعة تتلوها حركة بطء، والمزاوجة بينهما لترك مسافة تأمل، كذلك كان للحركة النزقة أثر كبير في التعبير عن الحالة الشعورية. وضع قماشة سوداء على يد (الشخصية الداخلية) وتعليق قماشة خضراء في أعلى الجانب الأيسر من المسرح، وجعل القماشة البيضاء في عمق المسرح في حالة عضوية مع الطاولة كتابوت الشهيد الذي كان مجال الدوران حوله في مشهد آخر، أضفت بصريات إيحائية. كما أعجبنا ارتباط السرد بالحركة، سرد الشخصية الداخلية وحركة الخارجية كما في أداء الركض في أحد الأحداث المروي عنها.
لقد اختتم العرض برسالة مهمة من خلال: تتعوّدوش"، ولم أجد أفضل مما ذكره الكاتب والشاعر الراحل ممدوح عدوان، كي أختتم مقالتي: "ذات يوم شرحوا لنا في المدرسة شيئا عن التعود، حين نشم رائحة تضايقنا فإن جملتنا العصبية كلها تنتبه وتعبّر عن ضيقها، بعد حين من البقاء مع الرائحة يخف الضيق، أتعرف معنى هذا؟ معناه أن هناك شعيرات حساسة في مجرى الشم قد ماتت فلم تعد تتحسس، ومن ثم لم تعد تنبّه الجملة العصبية. والأمر ذاته في السمع، حين تمر في سوق النحاسين فإن الضجة تثير أعصابك، لو أقمت هناك لتعودت مثلما يتعود المقيمون والنحاسون أنفسهم. السبب نفسه: الشعيرات الحساسة في الأذن قد ماتت. نحن لا نتعود إلا إذا مات فينا شيء.. تصور حجم ما مات فينا حتى تعودنا على كل ما يجري حولنا".
المسرحية من تمثيل: محمود أبو عيطة وجمال جعص، إخراج حركي ودراموتورج إبراهيم فينو، تقنيات أحمد أبو حمادة. وهي من إنتاج مسرح رسائل النابلسي، وقد عرضت على خشبة مسرح القصبة.
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
وسط صمت دولي .. مسؤل يمني يكشف عن أكثر من 80 حالة اختطاف حوثية بمحافظة إب منذ شهرين .. والانتهاكات مستمرة
كشف محافظ محافظة إب المعيّن من الحكومة الشرعية، اللواء عبدالوهاب الوائلي، عن تصاعدٍ خطير في حملة الاعتقالات والانتهاكات التي تنفذها جماعة الحوثي بحق أبناء المحافظة، مؤكدًا أن إب باتت من أكثر المحافظات اليمنية استهدافًا منذ سيطرة الجماعة على المدينة في 2014، حيث تجاوز عدد المختطفين فيها 2300 حالة خلال نحو عقد من الزمن.
وأوضح الوائلي أن جماعة الحوثي صعّدت مؤخرًا حملات الاعتقال التعسفي ضد مختلف فئات المجتمع في إب، حيث سجلت أكثر من 80 حالة اختطاف خلال الشهرين الأخيرين فقط، شملت أكاديميين وناشطين وتربويين وأطباء وخطباء مساجد وطلابًا ورجال أعمال، وحتى بعض كبار السن، في مؤشر على الطابع الانتقامي الواسع للحملة.
إب.. المحافظة المستهدفة دومًا
وعن أسباب هذا الاستهداف المكثف، أكد المحافظ في حوار ل"يمن ديلي نيوز"، أن محافظة إب كانت -ولا تزال- من أكثر المحافظات حيوية ورفضًا للمشروع الحوثي، سياسيًا ومجتمعيًا، مشيرًا إلى أنها من أولى المناطق التي قاومت التمدد الحوثي في مديريات مثل الرضمة ويريم والحزم وبعدان، وتتمتع بموقع استراتيجي وخزان بشري مؤثر في مختلف جبهات القتال.
وأضاف أن الجماعة تدرك جيدًا مدى رفض المجتمع الإبي لها، خصوصًا بعد تزايد الوعي العام وانكشاف ممارساتها القمعية، ما دفعها لتكثيف حملات الترهيب والاختطاف لكتم أي صوت معارض أو نشاط مدني.
أرقام صادمة للانتهاكات
وفيما يخص الإحصاءات، كشف المحافظ عن توثيق أكثر من 2300 حالة اختطاف واعتقال تعسفي في إب منذ انقلاب الحوثيين في 2014 وحتى منتصف 2025، مبينًا أن العديد من المعتقلين لا يزالون قيد الإخفاء القسري أو لقوا حتفهم تحت التعذيب أو أجبروا على توقيع التزامات بعدم ممارسة أي نشاط.
وأكد الوائلي أن الفئة المستهدفة تشمل شرائح واسعة من المجتمع، وليس فقط الناشطين، لافتًا إلى أن الجماعة اختطفت مؤخرًا حتى رئيس جمعية الأقصى السابق رغم مزاعمها المتكررة بدعم القضية الفلسطينية، ما يكشف تناقضها واستخدامها الشعارات الدينية غطاءً سياسيًا وأمنيًا.
لا حاضنة حقيقية للفكر الحوثي في إب
وفيما يتعلق بانتشار الفكر الحوثي داخل إب، قال المحافظ إن نسبة الانتماء العقائدي للفكر السلالي الحوثي لا تتجاوز 3 إلى 5%، ومعظم هؤلاء ينتمون لأسر محدودة تم تجنيدها مؤخرًا أو لها ارتباطات تاريخية بالجماعة. وأكد أن الجماعة تعتمد بشكل أساسي على عناصر قادمة من خارج المحافظة، حتى في تأمين مؤسساتها، نظرًا لعدم ثقتها بالسكان المحليين.
أبرز الانتهاكات: اختطاف وتجريف للهوية
ورصد المحافظ أبرز الانتهاكات الحوثية في إب، والتي شملت الاختطافات، تفجير المنازل، مصادرة الممتلكات، مداهمة المساجد، فرض الجبايات، وتجنيد الأطفال، إلى جانب تدمير البنية التعليمية واستبدال الكادر التربوي بعناصر مؤدلجة، وفرض مناهج طائفية تهدد الهوية الثقافية والاجتماعية.
رسالة للداخل والخارج
وختم اللواء الوائلي رسالته لأبناء محافظة إب قائلاً: "اثبتوا، فأنتم لستم وحدكم، وسينتصر الحق مهما طال الظلم"، داعيًا المجتمع الدولي إلى التحرك الجاد والفعّال، معتبرًا أن "الصمت لم يعد مقبولًا، والمطلوب ليس فقط الإدانة، بل اتخاذ مواقف حازمة لحماية المدنيين في إب وغيرها من المحافظات الواقعة تحت سيطرة هذه الجماعة الإرهابية".