العراق بين محاور الصراع ومصير الدولة
تاريخ النشر: 7th, July 2025 GMT
7 يوليو، 2025
بغداد/المسلة: ناجي الغزي
لم يكن العراق في يوم من الأيام رقماً عابراً في معادلة الشرق الأوسط، بل كان وما زال أحد المفاتيح الجيوسياسية الكبرى في المنطقة. إلا أن ما يعيشه العراق اليوم من تخبط في القرار السياسي، وتحديات داخلية، وضغوط خارجية، يُعكس في جانب منه موقعه الجغرافي الفريد، وفي جانب آخر ما يمثّله من ثقل حضاري، ديني، وموردي لا يمكن تجاوزه في أي مشروع للهيمنة أو التوازن.
وفي ظل صعود سياسات المحاور والتخندق المذهبي، وإعادة تشكيل خرائط النفوذ الإقليمي على وقع “الابتزاز السياسي”، و”صفقات التطبيع”، و”أحلاف الردع”، يجد العراق نفسه أمام سؤال وجودي:
هل سيكون رقماً تابعاً في لعبة المحاور؟ أم مركز توازن يملك مشروعه وقراره ومكانته؟
هذا السؤال يُجسد جوهر المأزق العراقي الراهن، بل يمكن اعتباره عنواناً لمرحلة تاريخية مفصلية. فالعراق اليوم لا يُسأل فقط عن تحالفاته، بل عن هويته ومصيره ودوره في الإقليم. هو ليس أمام خيار سياسي بسيط، بل أمام سؤال وجودي مركّب:
هل يظل دولة تتحرك بردود الأفعال، تابعة لمحاور تتقاطع فوق أرضه، وتستنزف قراره وسيادته ومجتمعه؟
أم يتحول إلى مركز توازن إقليمي، يملك مشروعه الوطني المستقل، ويعيد صياغة علاقاته وفق منطق المصالح المتبادلة لا الاصطفافات القسرية؟
هذا السؤال لا يخص الدولة كسلطة فقط، بل يشمل النخب والتيارات والوعي الشعبي. لأن الانحياز لأي محور دون مشروع وطني متكامل، يعني التحلل من القرار، والانخراط في لعبةٍ تتجاوز حدود العراق، وتُسقطه في التبعية، أو تُحوّله إلى ساحة صراع لا لاعب فاعل.
العراق يملك المقومات الجيوسياسية، والتاريخية، والموارد الغنية، والثقل السكاني والثقافي، ليكون لاعباً لا ساحة، ومحور توازن لا أداة في المحاور. العراق إما أن يكون مركز ثقل نابع من ذاته، أو رقماً وظيفياً يُستثمر في معادلات غيره. والفرق بين الخيارين هو الفرق بين الدولة والمستعمرة المقنّعة.. ومن أجل تحقيق مشروعنا الوطني يتطلب أولاً: إعادة بناء القرار الوطني، وتحقيق الاستقلال السياسي عن الوصايات الناعمة والخشنة، وبلورة رؤية استراتيجية لا تكتفي بالمناورة بل تصنع المسار.
أولاً: موقف العراق – مع مَن؟
العراق لا ينبغي أن يُختزل في “مع أو ضد”، بل يجب أن يتجاوز ثنائية المحاور المذهبية والإقليمية إلى صياغة مشروع وطني مستقل ينطلق من أمنه القومي وهويته الجامعة ومصالحه الاستراتيجية. العراق لا يمكنه أن يكون أداة في صراع الغير، ولا يجب أن يكون ساحة لصراع الآخرين على أرضه. مشكلة العراق في جغرافيته الحرجة فهو محاط بقوى متصارعة: إيران من الشرق بمشروعها الثوري-العقائدي. وتركيا من الشمال بمشروعها العثماني-الاقتصادي. والخليج بمشروعه الايدولوجي- العضوي. والوجود الأميركي من الغرب بمشروعه الأمني- الإسرائيلي. العراق اليوم محاط بتصورات متعارضة، وكل طرف يراه من زاويته الخاصة كجزء من مشروعه لا ككيان مستقل بذاته:
1- إيران تنظر إليه كـ”عمق استراتيجي طبيعي” لامتدادها الشيعي، و”ساحة دفاع أمامية” تُشكّل درعاً جيوسياسياً في مواجهة أي اختراق أميركي أو إسرائيلي. فالعراق بالنسبة لطهران ليس جاراً فقط، بل جزء من هندستها الأمنية والعقائدية.
2- تركيا تتعامل مع العراق بوصفه فضاءً حيوياً لتصريف فائض طموحاتها الإمبراطورية – العثمانية الطابع – سواء عبر النفوذ الاقتصادي، أو التدخل العسكري شمالاً لضبط المسألة الكردية، أو عبر أدواتها السياسية والدينية التي تتحرك في الساحة السنية.
3- أما الولايات المتحدة، وخاصة في ظل إدارة ترامب الثانية، فترى العراق أداة وظيفية متعددة الأوجه: ورقة ضغط على إيران، ركيزة لضبط ميزان القوى الخليجي، ومنصة مستقبلية لفرض أجندة التطبيع مع إسرائيل، ولو بالقوة الناعمة أو عبر تفكيك بيئة الرفض.
4- السعودية ودول الخليج تدخل على خط الرؤية، حيث تعتبر العراق امتداداً لـ”عمقها العربي”، ومجالاً حيوياً لإعادة إنتاج التوازن المذهبي في وجه طهران، وساحة لاختبار مشروع “الشرق الأوسط الجديد” برؤية عقلانية من وجهة نظرهم!! تحكمها “اتفاقيات ابراهام” أو ” السلام الإبراهيمي “، ومنفتحة اقتصادياً، ومتصالحة مع اسرائيل والغرب.
وهنا تكمن المعضلة العراقية: لا يستطيع العراق أن يعزل نفسه عن هذه المحاور، ولا أن يندمج في أي منها دون أن يخسر شيئاً من سيادته أو وحدة مجتمعه.
ثانياً: مصير الدولة العراقية
المخاطر التي تحيط بالعراق لا تقتصر على الحروب أو الانقلابات، بل تتجسّد اليوم في أخطر ثلاثة مشاريع ناعمة:
أولاً: مشروع التفكيك الناعم عبر تغذية النزعات الطائفية والإثنية، وتحويل العراق إلى ” ساحات حكم متنازعة بدل أن يكون دولة موحدة ذات سيادة ” هذا المشروع لا يهدف فقط إلى إضعاف السلطة المركزية، بل إلى إعادة تشكيل العراق ككيان منقسم تتحكم به ولاءات محلية وخارجية، مما يؤدي إلى تفريغ الدولة من مضمونها، وتحويلها إلى سلطة شكلية بلا قرار مستقل.
ثانياً: مشروع الترويض السياسي يتجلى هذا المشروع الى السعي لتطويع القرار العراقي وإخضاعه لمنطق التبعية الاقتصادية والأمنية، بحيث يُجرد من استقلاله ويُدار وفق إيقاع المصالح الخارجية. هذا المشروع يعمل على خنق مراكز القرار الوطني، وإضعافها عبر الضغوط المالية، والاتفاقات المشروطة، والتحالفات المفروضة، ليبقى العراق في موقع التلقي لا المبادرة، وتُصادر إرادته تحت غطاء “الشراكة” أو “الدعم الدولي”.
ثالثاً: مشروع الدمج القسري في محور “السلام الإبراهيمي” دون مراعاة هوية العراق وتاريخه ومزاجه الشعبي والثقافي. هذا المشروع لا يستند إلى حوار داخلي أو توافق وطني، بل يُفرض بمنطق الإملاء السياسي، متجاهلاً أن العراق ليس رقماً يمكن دمجه ضمن محاور إقليمية موجهة، بل هو بلد يحمل إرثاً تاريخياً معقداً وموقفاً مبدئياً من قضايا الأمة العربية والاسلامية.
وفي ظل هذه المشاريع، يقف العراق اليوم أمام مفترق تاريخي حاسم، لا يتعلق بمسار سياسي أو انتخابي عابر، بل بإعادة تعريف الدولة وهويتها ووظيفتها.
فإما أن ينهض بمشروع وطني حقيقي، يعيد تأسيس الدولة على قواعد المواطنة الجامعة، والسيادة غير المنقوصة، والقرار الحر المستقل، وهذا خيار لا يمكن أن يتحقق بشعارات فارغة أو تسويات هشة، بل يحتاج إلى إرادة نخبوية صلبة، ووعي شعبي عميق، ومشروع بنيوي يعيد ضبط العلاقة بين الدولة والمجتمع، ويحرر القرار الوطني من قبضة المصالح الخارجية والاصطفافات المذهبية والولاءات العابرة للحدود.
وإما أن يستمر في التآكل التدريجي، ويتحول إلى كيان هش فاقد للمبادرة، تتحكم به مراكز نفوذ داخلية مرتهنة، وتسيره بوصلة العواصم الخارجية لا بوصلته الوطنية. حينها لن يكون العراق دولة بالمعنى الكامل، بل هامشاً جيوسياسياً على خرائط الآخرين، يتلقى الأزمات بدل أن يصنع الحلول، ويستورد القرارات بدل أن ينتجها.
اللحظة الراهنة لا تقبل المنطقة الرمادية. فإما دولة لها قرارها ومكانتها، أو كيان مستلب تتقاذفه موجات التوازنات الكبرى دون مرساة وطنية تحميه.
المسلة – متابعة – وكالات
النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لايعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المسلة، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية المسلة هو في نقل الأخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها.
About Post Author moh mohSee author's posts
المصدر: المسلة
كلمات دلالية: العراق الیوم هذا المشروع أن یکون
إقرأ أيضاً:
عاجل: مجلس الوزراء يعتمد حزمة قرارات شاملة في جلسته اليوم
صراحة نيوز- قرَّر مجلس الوزراء في جلسته التي عقدها اليوم الأحد، برئاسة رئيس الوزراء الدكتور جعفر حسَّان، الموافقة على توسعة مشروع التنمية الاقتصادية الريفية والتشغيل / المرحلة الثالثة.
ويهدف المشروع الذي تنفذه المؤسسة الأردنية لتطوير المشاريع الاقتصادية (جيدكو) بتمويل من الصندوق الدولي للتنمية الزراعية (إيفاد) بقيمة 15 مليون دولار إلى بناء القدرات الفنية والتنافسية لصغار المزارعين والشركات الزراعية المتوسطة والصغيرة بهدف توفير فرص عمل للشباب الأردني في مختلف محافظات المملكة.
وسيتم تنفيذ المشروع على مدى ست سنوات، وسيُخصَّص 30% من برامج المشروع للمبادرات التي تُسهم بشكل مباشر في التكيف مع التغير المناخي أو التخفيف من آثاره.
ويهدف المشروع إلى تحسين فرص إقامة المشاريع في المناطق الريفية من خلال بناء القدرات الفنية والتنافسية لصغار المزارعين والشركات الزراعية الصغيرة والمتوسطة، وتوفير فرص عمل في المناطق الريفية للشباب والنساء إضافة إلى المساهمة في النمو الاقتصادي وزيادة الدخل وزيادة حجم الصادرات الزراعية.
ويستهدف المشروع الأسر الريفية وفئتيّ النساء والشباب وصغار المزارعين المنتجين والمصنِّعين لمحاصيل الخضار والفواكه، الذين يعملون في القطاع الزراعي وليس لديها مصدر دخل مستقر أو أي أنشطة اقتصادية،
ويساهم المشروع بتنمية وبناء القدرات للأُسر الريفية، وتقديم الدعم الفني والمالي لصغار المزارعين والجمعيات والمنتجين والمصدِّرين والشركات، بالإضافة إلى ترويج وتسويق منتجاتهم بما يسهم في تحقيق النمو الاقتصادي وزيادة الدخل والتشغيل الذاتي وتحسين المعيشة للأسر الريفية وللنساء والشباب.
وساهم المشروع منذ تأسيسه بتوفير ما يزيد على 7 آلاف فرصة عمل مباشرة، وتقديم ما يزيد على ألفيّ منحة لاقامة المشاريع الإنتاجية والريادية والحصاد المائي والزراعة المائية وإعادة تأهيل شبكات الري والآبار وتمويل ما يزيد عن 2300 مشروع زراعي صغير وتأهيل المزارعين والمصدِّرين للحصول على شهادات الجودة والمواصفات القياسية.
وعلى صعيد تخفيف الأعباء عن المواطنين، قرَّر مجلس الوزراء الموافقة على تعديل قراره السَّابق المتعلق بالحجز على أموال المدين لصالح مديرية الأموال العامة في وزارة المالية، بحيث يصبح الحجز على مقدار الدين فقط للأموال غير المنقولة أو بأقرب قيمة مساوية لقيمة الدين من العقارات المتاح الحجز عليها، وليس كما كان في السابق بمقدار يزيد عن قيمة الدين.
ويبقى الحجز على الأموال المنقولة وفقاً لما هو معمول به حالياً بحيث يكون الحجز على أموال المدين مساوياً لمقدار الدين.
ويأتي القرار لغايات تخفيف الأعباء عن المدينين وتسهيل إجراءات تحصيل المبالغ المالية المترتبة عليهم.
واشترط القرار إبرام تسوية أصولية لرفع الحجز عن الممتلكات التي تم الحجز عليها من خلال تقديم الضمانات اللازمة للحفاظ على حقوق الخزينة، واحضار قيمة تقديرية صادرة عن الجهات المختصة تتضمن قيمة الأموال المحجوز عليها حسب الأصول.
كما قرَّر مجلس الوزراء الموافقة على اتفاقيَّة لنقل التمويل البالغة قيمته بقيمة 30 مليون يورو بين وزارة المالية وبنك الإعمار الألماني؛ لدعم مشروع تحلية ونقل المياه من العقبة إلى عمان (الناقل الوطني للمياه)، بالإضافة إلى التدابير الداعمة لإدماج الأشخاص ذوي الإعاقة في قطاع التعليم في الأردن.
وسيتم تخصيص ما قيمته 25 مليون يورو من هذا التمويل لمشروع الناقل الوطني للمياه، و5 ملايين يورو لدعم الإجراءات الداعمة لدمج الاشخاص ذوي الإعاقة في قطاع التعليم.
وتأتي هذه الاتفاقية في إطار الجهود الحكومية لتأمين التمويل اللازم لتنفيذ مشروع الناقل الوطني للمياه الذي يعد أحد أهم المشاريع الاستراتيجية الوطنية، والذي سيقوم بتحلية ونقل المياه من العقبة إلى العاصمة عمان لتوفير 300 مليون متر مكعب سنويَّاً؛ بما يسهم في معالجة نقص المياه وزيادة إمدادات المياه لجميع المحافظات.
وقرَّر مجلس الوزراء أيضاً الموافقة على قبول المنحة المقدمة للمملكة من حكومة جمهوريَّة كوريا الجنوبية بقيمة 11 مليون دولار أمريكي لتمويل مشروع إنشاء المعهد الكوري الأردني للتدريب الهندسي والتكنولوجيا في الجامعة الأردنية.
ويأتي المشروع في إطار علاقات الصَّداقة والتَّعاون بين البلدين، والحرص المشترك على تطوير التَّعليم من خلال إنشاء معهد للتدريب الهندسي الذي من شأنه المساهمة في تحسين جودة التَّعليم الهندسي في الجامعة الأردنية، وتهيئة البيئة الملائمة لتدريس الطلبة وفقاً لأفضل الممارسات.
ويهدف إنشاء المعهد إلى تطوير وإدخال نماذج تعليم وتدريب متقدمة تتواءم مع سوق العمل واحتياجاته وتساعد الطلبة على إيجاد فرص عمل يطلبها واقع الأعمال المتغير داخل المملكة وخارجها.
وعلى صعيد التَّعاون الدَّولي، قرَّر مجلس الوزراء الموافقة على الإجراءات المتعلقة بإنشاء مكتب عالمي لليونيسف، ومكتب اليونيسف الإقليمي الجديد لمنطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا وأوروبا وآسيا الوسطى في العاصمة عمَّان.
ويأتي القرار في إطار تعزيز التَّعاون مع منظمة اليونيسف وتمكينها من تنفيذ برامجها لدعم الطُّفولة سواءً في المملكة أو الإقليم، كجزء من دور الأردن الداعم للمنظمات الدولية وأعمالها التنموية والإنسانية المختلفة وبما يستثمر في قدرات المملكة في البنية التحتية ومستوى الحضور الدولي والمصداقية السياسية العالية التي يتمتع بها.
كما أقرَّ مجلس الوزراء مشروع قانون التَّصديق على اتفاقيَّة تسليم الأشخاص بين حكومة المملكة وحكومة جمهوريَّة أوزبكستان لسنة 2025م؛ تمهيداً لإحالته إلى مجلس النوَّاب للسَّير في إجراءات إقراره حسب الأصول.
ويأتي مشروع القانون لغايات تعزيز التعاون بين البلدين في مجال مكافحة الجريمة والحدّ منها، وضمان تحقيق العدالة وتسهيل تسليم الأشخاص بما يتوافق مع المبادئ الدستورية.
وقرَّر المجلس الموافقة على مذكرة التفاهم المنوي توقيعها بين وزارة البيئة ونظيرتها في جمهوريَّة رواندا بشأن التعاون في مجال حماية البيئة والتغيُّر المناخي.
وتأتي الاتفاقيَّة في إطار تعزيز العلاقات الوديَّة بين البلدين وتطوير التعاون بينهما في مجال حماية البيئة وتغيُّر المناخ، وتوفير طاقة نظيفة، وإدارة الموارد الطبيعية، وذلك وفقاً للتشريعات الوطنية والالتزامات الناشئة عن المعاهدات الدولية النَّاظمة.
وتشمل مجالات التعاون بين البلدين وفقاً للاتفاقيَّة: حماية البيئة والإدارة المستدامة للموارد الطبيعية، والتخفيف من آثار تغير المناخ والتكيُّف معها، وتبادل الخبرات في مجال إدارة الأراضي والغابات، وخدمات الأرصاد الجوية وعلوم المناخ، ورصد جودة الهواء ومكافحة التلوث، وتنمية الطاقة المتجددة.