المحتوى المحلي وتنمية اقتصادنا العُماني
تاريخ النشر: 7th, July 2025 GMT
يعد المحتوى المحلي ركيزة أساسية لتنمية الاقتصاد الوطني ومهما لتعزيز النمو المستدام في سلطنة عُمان من خلال تشارك جميع فئات المجتمع والقطاعين العام والخاص في تفضيل المحتوى المحلي في المشتريات الحكومية وعمليات شراء الأفراد اليومية؛ لدوره في تحسين مؤشرات الاقتصاد الكلي والمساهمة في تحقيق نمو بالقطاعات الاقتصادية من خلال زيادة الإنفاق على عناصر المحتوى المحلي مثل الصناعات الوطنية والقوى العاملة الوطنية؛ فتفضيله واجب وطني يعزز من التنمية المستدامة.
ولا تقتصر أهمية المحتوى المحلي على تعزيز الصناعات الوطنية فحسب وتشغيل القوى الوطنية، فهناك عوامل نجاح اقتصادية على المستوى الوطني مثل تحسن الميزان التجاري لسلطنة عُمان، وارتفاع الرصيد من العملات الأجنبية، إضافة إلى دور المحتوى المحلي المهم في جذب الاستثمارات الأجنبية، مما يسهم في تكوين بيئة اقتصادية أكثر استقرارا وخصبة لنمو الأعمال واستقطاب المزيد من الكفاءات والخبرات الوطنية في شتى المجالات التجارية والاستثمارية.
لقد كان المحتوى المحلي وما زال يحظى باهتمام كبير على المستوى الوطني منذ أن أصبح عاملا مهما لتعزيز التنمية الاقتصادية وتحقيق الأمن الاستراتيجي، فلم يعد خيارا بل ضرورة استراتيجية لتحقيق الاكتفاء الذاتي من الصناعات وتعزيز الاستقرار والنجاح الاقتصادي في ظل الظروف غير المستقرة المحيطة بمنطقة الخليج والعالم عموما، وفي رأيي علينا ألا نكتفي بتصنيع المنتجات في مراحلها النهائية أو يقتصر دورنا على المرحلة الأخيرة من الإنتاج مثل التجميع والتركيب، ومن المهم أن نكون مساهمين في إنتاج المواد الأساسية في التصنيع والإنتاج حتى يكون المحتوى المحلي عُمانيا 100%، كذلك من المهم أن نطوّر استراتيجيتنا في تعزيز المحتوى المحلي من خلال دراسة احتياجات المصانع العاملة في سلطنة عُمان من المواد والصناعات، بحيث نطور صناعاتنا ومواردنا لتلبي الطلبات والاحتياجات من المواد للمصانع بدلا من الاستيراد من الخارج وبذلك نقلل نحقق أمرين اثنين مهمين، الأول: تحقيق تقدم في الميزان التجاري لصالح سلطنة عُمان مع الدول والآخر تطوير الصناعات الوطنية وتلبية متطلبات السوق المحلي والخارجي.
إن التوجه الوطني لتنمية المحتوى المحلي عبر إنشاء هيئة المشاريع والمناقصات والمحتوى المحلي يعد مؤشرا مهما لتحقيق الأمن الاقتصادي في مرحلة يشوبها العديد من التحديات الاقتصادية والسياسية التي تشهدها المنطقة والعالم أجمع، إذ إن الهيئات عموما أكثر رقابة والتزاما بالأدوار والمسؤوليات المنوطة بها فضلا عن أدوارها التمكينية وتعزيز الثقة بين أطراف إنتاج المحتوى المحلي ومتابعة زيادته في الاقتصاد الوطني، وبتحقيق الاكتفاء الذاتي سنكون قادرين على مواجهة الأزمات الاقتصادية وتأثر سلاسل الإمداد وإحداث ربكة في مؤشرات الاقتصاد الكلي، وعلينا أن نغتنم الفرصة الآن للمسارعة في الاشتغال على تطوير المحتوى المحلي وتنمية قبل أن نتعرض لأزمة اقتصادية أخرى تؤثر على الصناعات الوطنية وتتضرر منها القطاعات الاقتصادية، وهنا نشير إلى دور المحتوى المحلي في دعم القطاع الخاص والسوق العُماني الذي بلا شك سيشهد تطورا وتوسعا مع الالتزام بسياسات المحتوى المحلي، وأدعو مختلف شرائح المجتمع لوضع المحتوى المحلي أولوية عند الشراء من المحال وارتياد الأسواق؛ لدعم الصناعات الوطنية وتنمية الاقتصاد الوطني.
أقترح قيام هيئة المشاريع والمناقصات والمحتوى المحلي بوضع مؤشرات التزام المنتجين والمصنعين المحليين بالمحتوى المحلي من خلال تقديم إقرار بنسبة المحتوى المحلي في كل منتج مع رصد جوائز قيّمة للمشتغلين على زيادة المحتوى المحلي في الصناعات؛ لضمان نجاح التوجه الوطني بتعزيز المحتوى المحلي والمساهمة في تنمية الاقتصاد الوطني، وتوسّع الناتج المحلي الإجمالي وتحفيز الاستثمار والبحث والتطوير والابتكار، حقيقة نحن بحاجة إلى الاشتغال بشكل جماعي أفرادا ومؤسسات وشركات لتعزيز المحتوى المحلي في سلطنة عُمان حتى يكون رافدا لاقتصادنا العُماني الذي يشهد تطورا ومتانة بفضل السياسات الاقتصادية الفاعلة، وسيستمر في التطور والتوسّع في حال الالتزام بسياسات المحتوى المحلي،
ولذلك تفضيله واجب وطني لتنمية الاقتصاد العُماني لضمان تدفق الأموال داخل القطاعات الاقتصادية ومنع تسرب الأموال إلى الخارج مما يسهم في إنعاش القطاعات خاصة قطاع المقاولات الذي يتطلب مواد يتم استيرادها من الخارج، ولذلك من الضروري تكثيف الصناعات الوطنية في المواد التي يحتاجها قطاع المقاولات وتنمية الأنشطة التجارية المرتبطة بالقطاع عبر توفير مزيد من فرص العمل واستدامتها وتوسّعها وكذلك تعزيز القوة الشرائية، وأقترح الاشتغال على تطوير الصناعات العُمانية حتى تلبي احتياجات السوق المحلي من السلع والخدمات مع البدء بوقف استيراد المواد تدريجيا من الخارج حتى نصل إلى مرحلة الاكتفاء الذاتي من السوق المحلي من خلال تقديم الدعم المالي للمصانع والاستمرار في تقديم الإعفاءات الضريبية لضمان عدم ارتفاع أسعار السلع والخدمات الناتج عن ارتفاع الكلفة التشغيلية للمصانع وبالتالي
ضمان نمو الاقتصاد الوطني وتنويع مصادره.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: المحتوى المحلی فی الصناعات الوطنیة الاقتصاد الوطنی المحلی من الع مانی من خلال
إقرأ أيضاً:
الاقتصاد السوري بعد الأسد.. بين إرث الانهيار وتحديات التحول
تشهد سوريا لحظة تحول فارقة في تاريخها السياسي والاقتصادي منذ إسقاط نظام بشار الأسد أواخر عام 2024، فقد ورثت الحكومة الجديدة بقيادة الرئيس أحمد الشرع اقتصادا منهكا وبنية تحتية شبه مدمرة ومجتمعا متعبا بفعل أكثر من 13 عاما من الحرب.
وتحاول القيادة الحالية إعادة تعريف هوية الاقتصاد السوري منتقلة من نموذج مركزي بيروقراطي إلى اقتصاد السوق الحر، في محاولة لإنقاذ البلاد من الانهيار الكامل، والانخراط من جديد في النظام المالي والاقتصادي العالمي.
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2دراسة: ما خسرته إسرائيل في الطوفان عوضته بالتطبيعlist 2 of 2هل خذلت النخب العربية غزة؟end of listونشر مركز الجزيرة للدراسات ورقة تحليلية بعنوان "الاقتصاد السوري.. تحديات التحول نحو نظام السوق ومواجهة إرث النظام السابق" للباحث عبد العظيم المغربل بحثت الواقع الاقتصادي لسوريا في ظل الظروف السياسية الراهنة، وناقشت رؤية الحكم الجديد للبلاد والتحديات التي تواجهها، إضافة إلى المآلات التي تنتظر دمشق في ظل الظروف الجيوسياسية الإقليمية والدولية المتقلبة.
اقتصاد هش وإرث ثقيليعاني الاقتصاد السوري من تشوهات كبيرة في بنيته وقطاعاته، وهي تشكل تحديا للحكومة السورية، من أهمها:
وضع سياسي هش:ورثت الحكومة السورية نظاما سياسيا منهارا إثر هروب بشار الأسد من البلاد إلى روسيا، إلى جانب وجود مطالبات باللامركزية الإدارية من قبل ما تسمى قوات سوريا الديمقراطية الموجودة شرق الفرات، وبعض الفصائل الدرزية جنوب البلاد.
وقد أطلقت الإدارة السورية الجديدة مؤتمر الحوار الوطني، ومن أهم التحولات التي تشهدها سوريا في هذه المرحلة اعتماد نموذج السوق المفتوح، حيث يؤدي القطاع الخاص دورا محوريا، وسيؤدي إلى انفتاح سوريا تجاه الدول الإقليمية والعالمية بشكل أكبر ويعزز اندماجها بالاقتصاد العالمي.
مؤشرات اقتصادية متراجعة:وتشير الدراسة إلى أن وضع الاقتصاد السوري حاليا يتميز بـ"الهشاشة البنيوية"، حيث لا تزال آثار الحرب تهيمن على مختلف نواحي الحياة، فقد أدى القتال والدمار إلى تراجع الناتج المحلي بنسبة هائلة.
إعلانوتعاني البلاد من نسب فقر كارثية، إذ يعيش 90% من السكان تحت خط الفقر، وتضاعف الفقر المدقع إلى 66%، في حين تبلغ معدلات البطالة 25%، ويعتمد نحو 75% من المواطنين على المساعدات الإنسانية، كما تراجعت العملة الوطنية إلى مستويات غير مسبوقة، مما أفقدها دورها في التداول المحلي لصالح الدولار.
وركزت القيادة السورية جهودها منذ اليوم الأول نحو الحصول على الشرعية السياسية ورفع العقوبات ودمج سوريا في النظام العالمي وإعادة تفعيل القطاع التجاري، وسينعكس هذا على تحسين المؤشرات الكلية تدريجيا.
تراجع قطاعات الإنتاج الحيوية:خلال سنوات الحرب تعرضت القطاعات الإنتاجية الرئيسية لتدمير واسع، وأدت إلى تهجير اليد العاملة الخبيرة وتدمير المنشآت الصناعية وحرق الأراضي الزراعية، وتعرضت رؤوس الأموال للضغط والابتزاز وغيرها من الإكراهات.
وبعد سقوط النظام بدأت هذه القطاعات تسعى إلى تأمين الحد الأدنى من احتياجاتها الرئيسية التي تساعدها على الاستمرار فقط.
وعلى صعيد إجراءات الحكومة بدأت العمل على إصلاح القطاع الزراعي والصناعي، وسط رغبة محلية وعربية بضخ استثمارات في هذين القطاعين عبر تقديم تسهيلات وإعفاءات ضريبية ومحاولة تأمين الطاقة اللازمة لتشغيل القطاعين.
البنية التحتية وإعادة الإعمار:تشير التقديرات الدولية إلى أن تكلفة إعادة الإعمار تقدر بـ400 مليار دولار، فالبنى التحتية مثل الكهرباء والماء والطرقات تحتاج لإعادة تهيئة وإصلاح، بل وإنشاء بنى جديدة لها.
ويبدو أن الحكومة السورية تراهن على مزيج من التمويل الخليجي والدولي كخطة مشابهة لمشروع مارشال لإعادة إعمار البلاد، وتركز جهودها على جذب مشاريع استثمارية كبرى.
قطاع تجاري مترهل:تأثرت خطوط الإمداد والنقل وسلاسل الإمداد والتوريد إلى حد كبير خلال الحرب في سوريا بسبب النشاط العسكري الذي حصل والانقسامات في الجغرافيا العسكرية والسياسية داخل البلاد وغياب القوانين الضابطة والناظمة للعمل التجاري، إلى جانب فرض العقوبات.
وتعمل الحكومة السورية على ضبط الاقتصاد غير الرسمي، سواء على مستوى مكافحة الفساد والتهريب وغيرها.
حياة صعبة:لا تزال الحياة المعيشية للمواطنين السوريين تعتمد إلى حد كبير على التحويلات الخارجية والمساعدات الإنسانية وبعض الأعمال الحرة في ظل وجود مؤشرات تضخم وبطالة مرتفعة، خاصة أن الإدارة الجديدة أعلنت التحول نحو اقتصاد السوق الحر، في حين كان الاقتصاد إلى عهد قريب جدا يعتمد على الحكومة بشكل مركزي.
وقد جعلت الحكومة الانتقالية من أهم أولوياتها محاربة الفساد وإعادة بناء مؤسسات الدولة على أساس المساءلة والشفافية والتركيز على حماية المواطنين وتعزيز الاستقرار، لكن تحقيق نتائج على صعيد هذه الأولويات فضلا عن أن تنعكس على حياة المواطنين اليومية يحتاج إلى مسار ليس بالقصير.
فقدان الثقة بالعملة المحلية والقطاع المصرفي:تراجعت قيمة الليرة السورية أمام الدولار خلال سنوات الحرب، وجرى اعتماد الدولار بدلا من الليرة، وذلك نتيجة السياسات النقدية غير العقلانية والتي أدت إلى انتهاء الاحتياطي من العملات الأجنبية وطباعة كميات ضخمة من الليرة السورية، وغياب الثقة بالنظام المصرفي، إلى جانب العقوبات المفروضة على البنوك، خصوصا البنك المركزي.
إعلانوعملت الحكومة الجديدة على إعادة تفعيل القطاع المالي والنقدي وضخ الثقة به، فاستأنفت سوق دمشق للأوراق المالية التداول بعد 6 أشهر من التوقف، مما يشير إلى أن الاقتصاد السوري بدأ يتعافى، وأن سوريا تحولت من اقتصاد مركزي يديره القطاع العام واقتصاد الظل إلى اقتصاد قائم على الحرية الاقتصادية.
الآفاق المستقبلية.. فرص مشروطة بنجاح الإصلاحترى الدراسة أن الفرصة اليوم متاحة أمام سوريا لتحقيق نهضة اقتصادية شاملة خلال السنوات العشر المقبلة، شريطة استمرار الإصلاحات واستقرار البيئة السياسية والأمنية، فالنمو المتوقع في القطاعين الزراعي والصناعي قد يسهم في تقليص البطالة وتحقيق الأمن الغذائي، كما أن فتح سلاسل التوريد وخطوط النقل تدريجيا سيعزز التجارة الداخلية والخارجية.
وفي حال استمرت الاستثمارات الخليجية والتركية وتوفرت الشفافية والثقة لدى المانحين فقد تتمكن سوريا من تجاوز "مرحلة الإغاثة" والانتقال إلى مرحلة "التنمية المستدامة".
وتتوقع الحكومة انخفاضا تدريجيا في معدلات التضخم والبطالة خلال 5 سنوات، بالتزامن مع تحسن العملة الوطنية وانخفاض الاعتماد على الدولار.
اختبار كبيروتخلص الدراسة إلى أن مستقبل الاقتصاد السوري يعتمد أساسا على قدرة الحكومة على خلق بيئة سياسية مستقرة، واستكمال مسار العدالة الانتقالية، وضبط الأمن الداخلي، وبناء مؤسسات كفؤة وشفافة.
وتبقى إعادة تعريف هوية الاقتصاد السوري -كمجتمع منفتح قائم على اقتصاد السوق- مرهونة بجدية الحكم الجديد في محاربة الفساد، وبناء الثقة، والتفاعل النشط مع المجتمع الدولي.
ورغم أن الطريق لا يزال طويلا فإن التحولات الجارية -سياسيا واقتصاديا- تشير إلى لحظة حاسمة في تاريخ سوريا، وفرصة لإعادة بناء البلاد على أسس جديدة، ربما تكون الأعمق منذ الاستقلال.