في الوقت الذي تنفس فيه الاقتصاد الأميركي الصعداء بعد موجة ذعر أعقبت فرض الرئيس دونالد ترامب رسومًا جمركية تحت عنوان "يوم التحرير" في أبريل/نيسان الماضي، أطلقت مجلة إيكونوميست تحذيرًا واضحا في تقرير حديث لها، من أن مشروع "القانون الكبير الجميل" الذي أُقرّ في مجلسي الشيوخ والنواب مطلع هذا الشهر، لا يُبشّر بازدهار، بل يهدّد بنسف القواعد التي بُني عليها الاقتصاد الأميركي الحديث.

عجز مالي يُذكّر بالحرب العالمية الثانية

أبرز ما في "القانون الكبير الجميل" هو تمديد التخفيضات الضريبية التي أقرها ترامب في ولايته الأولى، والتي كانت من المفترض أن تنتهي قريبًا.

ورغم أن الجمهوريين يروّجون لهذه الخطوة باعتبارها "إبقاءً على الوضع القائم"، إلا أن إيكونوميست تؤكد أن "الوضع القائم غير قابل للاستمرار أصلًا".

وتُشير الأرقام الرسمية إلى أن العجز في الميزانية الأميركية بلغ 6.7% من الناتج المحلي الإجمالي خلال الأشهر الـ12 الماضية، ومع تطبيق القانون الجديد، من المتوقع أن تستمر هذه النسبة المرتفعة، ليتجاوز الدين الأميركي نسبة 106% من الناتج خلال عامين فقط، وهو ما يعادل أعلى مستوى سُجّل بعد الحرب العالمية الثانية.

ورغم الإيرادات الناتجة عن الرسوم الجمركية، فإنها لا تكفي لوقف تصاعد الدين، ما يعني أن "الانزلاق نحو أزمة مالية سيستمر بلا كوابح"، على حدّ تعبير المجلة.

الدين العام سيتجاوز 106% من الناتج خلال عامين، وهو مستوى تاريخي لم يُسجل منذ الحرب العالمية الثانية (الفرنسية) تقليصات تمسّ الضعفاء

وفي الوقت الذي تتجه فيه معظم الدول المتقدمة إلى رفع سن التقاعد لمواجهة شيخوخة السكان، يختار القانون الأميركي الجديد الاتجاه المعاكس: تخفيضات ضريبية لفئة المتقاعدين، مقابل خفض تمويل "ميديكيد" وهو برنامج التأمين الصحي للفقراء.

وتوقعت التقديرات الرسمية أن يؤدي ذلك إلى حرمان نحو 12 مليون أميركي من التأمين الصحي، في بلد يُفترض أنه الأغنى عالميًا.

إعلان

كما أُدخلت شروط عمل معقدة للحصول على بعض المساعدات، وهي شروط وصفتها المجلة بأنها "متاهة بيروقراطية لا تحقّق نتائج فعلية في رفع نسبة التشغيل".

حنين للوقود الأحفوري

ومن أبرز ما تضمّنه "القانون الكبير الجميل" أيضًا، إلغاء الحوافز الضريبية التي أقرها الرئيس السابق جو بايدن لصالح مشاريع الطاقة النظيفة، تحت ذريعة أن هذه الحوافز كانت مشروطة بسياسات حمائية مثل "صُنِع في أميركا".

لكن إيكونوميست تحذّر من أن هذه الخطوة "تعني عمليًا غياب أي سياسة اتحادية واضحة لتقليل انبعاثات الكربون"، مما سيزيد من إجمالي انبعاثات الغازات الدفيئة ويضر بقدرة أميركا على خوض سباق الذكاء الاصطناعي، الذي يعتمد جزئيًا على وفرة الكهرباء.

وكتبت المجلة "العودة إلى الوقود الأحفوري ليست فقط قصيرة النظر، بل تُضعف مكانة أميركا المستقبلية في مجالات التقنية والطاقة".

أزمة ديمقراطية تشريعية

المجلة لم تغفل عن انتقاد الطريقة التي أُقرّ بها القانون، مشيرة إلى أن تمريره عبر ما يُعرف بآلية "التصويت الجماعي" داخل مجلس الشيوخ، كشف عن "اختلال جوهري في قدرة النظام التشريعي الأميركي على التدقيق والإصلاح".

وذكرت أن "أحزاب الحكم لا تحظى بسوى فرصة واحدة في السنة لتمرير قانون ضريبي أو إنفاقي بأغلبية 51 صوتًا فقط، ما يدفعها لتكديس كل شيء في مشروع واحد، بغض النظر عن الجودة والمضمون".

الإنفاق العلمي تراجع تحت إدارة ترامب مما يهدد الابتكار الأميركي (أسوشيتد) نمو اقتصادي بدون أسس

ورغم أن إدارة ترامب تتوقع نموًا بنسبة 5% خلال السنوات الأربع المقبلة، ترى إيكونوميست أن هذه التوقعات "متفائلة بشكل مضلل". فمع ارتفاع أسعار الفائدة إلى 3 أضعاف ما كانت عليه عند التخفيضات السابقة، فإن الحوافز الضريبية المحدودة الحالية لن تُحدث نموًا يُذكر، خصوصًا أن كثيرًا من الإعفاءات الجديدة مجرّد "حِيَل انتخابية"، مثل إعفاءات على الإكراميات والعمل الإضافي.

وتُشير تقديرات بنك "غولدمان ساكس" إلى أنه في حال تأخرت أميركا في الإصلاح المالي 10 سنوات أخرى، فإنها ستضطر حينها إلى تقليص الإنفاق أو زيادة الضرائب بمعدل 5.5% من الناتج المحلي سنويًا وهو مستوى تقشف يفوق ما شهده الاتحاد الأوروبي في أزمته السيادية خلال عقد 2010.

ورغم انتعاش المؤشرات في الأسواق الأميركية، تُنذر مؤشرات أخرى بانزلاق طويل الأمد: فقد تراجع الدولار بنسبة 11% منذ بداية العام، في إشارة إلى "مخاطر حقيقية تتزايد على المدى الطويل".

وتحذّر المجلة من أن هجمات ترامب المتكررة على الاحتياطي الفدرالي، وتقليصه لتمويل البحث العلمي، وتهديده لسيادة القانون، كلها عوامل "تجعل مناخ الاستثمار في أميركا أكثر تقلبًا وخطورة".

واختتمت إيكونوميست تقريرها بتشخيص قاتم، مؤكدة أن "الاقتصاد الأميركي في طريقه إلى أزمة انفجار صامتة، حيث تُخفي الإيجابيات الظاهرة هشاشة عميقة في السياسات والبُنى المالية".

وكتبت المجلة "ترامب لا يهاجم خصومه فقط، بل يهاجم الأعمدة التي جعلت من أميركا دولة عظيمة اقتصاديًا. وإذا استمر هذا النهج، فإن السؤال لن يكون متى تنمو أميركا، بل متى تنهار".

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات من الناتج

إقرأ أيضاً:

إيلون ماسك يعلن تأسيس حزب أميركا

أعلن الملياردير الأميركي إيلون ماسك السبت تأسيس "حزب أميركا"، وذلك بعد يوم من منشور كتبه على منصة "إكس" سأل فيه متابعيه عمّا إذا كان ينبغي تأسيس حزب سياسي جديد في الولايات المتحدة.

وقال ماسك في منشور جديد إنه على حسابه "بنسبة اثنين إلى واحد، تريدون حزبا سياسيا جديدا، وستحصلون عليه". وتابع "اليوم، تأسس حزب أميركا ليعيد لكم حريتكم".

By a factor of 2 to 1, you want a new political party and you shall have it!

When it comes to bankrupting our country with waste & graft, we live in a one-party system, not a democracy.

Today, the America Party is formed to give you back your freedom. https://t.co/9K8AD04QQN

— Elon Musk (@elonmusk) July 5, 2025

ويأتي إعلان ماسك بعد يوم من توقيع الرئيس دونالد ترامب على مشروع قانون خفض الضرائب، وهو القانون الذي عارضه بشدة ماسك الحليف السابق لترامب.

وموّل ماسك جزءا كبيرا من حملة ترامب الانتخابية الرئاسية، ثم تمت الاستعانة به ليكون أبرز مستشاري الرئيس الأميركي بعد ذلك، وقاد جهودا واسعة ومثيرة للجدل لتقليص حجم القوى العاملة الفدرالية وخفض الإنفاق قبل أن يترك الإدارة الأميركية في مايو/أيار.

والشهر الماضي، تصاعدت الخلافات بين ترامب وماسك وظهرت للعلن، بعد تحالف وثيق جمع الرجلين، وانتهى الخلاف من دون عودة العلاقات باعتذار ماسك من الرئيس الأميركي وقول ترامب إن ماسك "رجل رائع وناجح".

وهدد ترامب الأسبوع الماضي بقطع مليارات الدولارات من الإعانات التي تتلقاها شركات ماسك من الحكومة الاتحادية.

وقال ماسك في وقت سابق إنه سيؤسس حزبا سياسيا جديدا وسينفق الأموال لإزاحة المشرّعين الذين دعموا مشروع القانون.

وعبر نواب من الحزب الجمهوري عن قلقهم من أن عداء ماسك لترامب قد يضر بأغلبيتهم في انتخابات التجديد النصفي للكونغرس العام المقبل.

إعلان

وانضم ماسك إلى إدارة ترامب بخطط جريئة لخفض تريليوني دولار من الميزانية الاتحادية، ثم تركها بعد أن حقق أقل من ذلك بكثير، حيث تمكّن من تقليص حوالي 0.5% فقط من إجمالي الإنفاق.

وتسبّبت خططه التي تضمنت إلغاء آلاف الوظائف الاتحادية وخفض مليارات الدولارات من المساعدات الخارجية وغيرها من البرامج في إحداث اضطراب بالهيئات الاتحادية، في حين أثار احتجاجات واسعة النطاق في مراكز بيع تسلا بالولايات المتحدة وأوروبا.

مقالات مشابهة

  • إيلون ماسك يعلن تأسيس حزب أميركا
  • ماسك يُعلن تأسيس (حزب أميركا) لاستعادة حرية الشعب الأميركي
  • إيلون ماسك يعلن تأسيس "حزب أميركا"
  • إيكونوميست: لماذا لم تغير الحرب الإسرائيلية- الإيرانية الشرق الأوسط
  • ترامب يوقع قانون خفض الضرائب والإنفاق في ذكرى الاستقلال
  • ترامب يوقع قانون "الكبير والجميل" لخفض الضرائب والإنفاق بقيمة 3.4 تريليون دولار
  • ترامب يثبت أجندته ويوقع قانون الطفرة الاقتصادية
  • «النواب الأميركي» يتجّه إلى إقرار قانون ترامب للموازنة
  • "المال ليس كافيا".. هل يستطيع ماسك تأسيس حزب جديد في أميركا؟