لماذا تعيد جوجل اختراع محركها للبحث؟
تاريخ النشر: 14th, September 2023 GMT
يعد الذكاء الاصطناعي التوليدي في الأساس والنسخة الأكثر تقدما في جوجل، وهو الذي يساعد في تشغيل كل شيء من الإكمال التلقائي إلى المساعد الصوتي "سيري"، ولكن الاختلاف الكبير يتمثل في أن "الذكاء التوليدي" قادر على إنشاء المحتوى الجديد، مثل الصور والنصوص والصوت والفيديو وحتى التعليمات البرمجية، وكتابة المقالات الإخبارية ونصوص الأفلام والشعر.
منذ عقود كان الذكاء الاصطناعي بمثابة الجندي المجهول ضمن محرك بحث جوجل، إذ سمح للشركة بإعادة تصور كيفية تفاعل الأشخاص مع المعلومات واكتشافها، وتحسين الجودة والأهمية، ودعم شبكة الويب المفتوحة والصحية.
وفي السنوات الأخيرة، استثمرت جوجل مبالغ ضخمة وموارد كبيرة في الذكاء الاصطناعي، إذ كان أحد تطبيقاتها الأولى المعتمدة على التعلم الآلي هو نظام التصحيح الإملائي المبكر الذي ساعد الأشخاص عام 2001 في الحصول على النتائج ذات الصلة بشكل أسرع، مع مراعاة أقل للأخطاء الإملائية أو الأخطاء المطبعية.
وعام 2016، وصف سوندار بيتشاي الرئيس التنفيذي للشركة، غوغل بأنها شركة ذكاء اصطناعي أولا.
ولا يزال فريق الذكاء الاصطناعي في جوجل موضع حسد من قبل المجتمع التكنولوجي، خلال 2017، توصل باحثو الشركة إلى التصميم الأساسي لخوارزمية الشبكة العصبونية الاصطناعية المسماة "المحول"، التي يعتمد عليها الذكاء الاصطناعي التوليدي.
وفي 2021، أنشأت جوجل روبوت الدردشة "لامدا" الذي يتمتع بمهارات مميزة في الحوار، لكن الشركة كانت تخشى أن يؤدي إطلاقه إلى المخاطرة بسمعتها إذا أنتج ردودا غير دقيقة أو منحازة أو غريبة.
و الاختراقات في الذكاء الاصطناعي وفي السنوات الأخيرة أدت إلى تحسين البحث بشكل كبير، خلال عام 2019، أضافت الشركة تقنية "بيرت" إلى تصنيف البحث، مما أدى إلى تغيير كبير في جودة البحث.
وبدلا من محاولة فهم الكلمات بشكل فردي، ساعدت تقنية "بيرت" محرك البحث في فهم الكلمات ضمن سياقاتها المستخدمة فيه، الأمر الذي سمح للأشخاص بطرح استفسارات أطول وأكثر حوارية والتواصل مع مزيد من النتائج المفيدة وذات صلة.
منذ ذلك الحين، استفادت الشركة من النماذج اللغوية الكبيرة الأكثر قوة ضمن البحث، مثل النموذج الموحد المتعدد المهام "إم يو إم"، وهو نموذج أقوى ألف مرة من "بيرت"، تم تدريبه على 75 لغة مختلفة وعديد من المهام المختلفة في وقت واحد، وهو متعدد الوسائط.
المنافسة الشرسةفي ديسمبر/كانون الأول من العام الماضي، وجدت جوجل نفسها في موقف غريب مع وصول روبوت الدردشة "شات جي بي تي" المدعوم بالذكاء الاصطناعي التوليدي من الشركة الناشئة الصغيرة "أوبن إيه آي".
ويعمل "شات جي بي تي" بواسطة نموذج اللغة الكبير المُدرب على التنبؤ بالكلمات التي من المحتمل أن تتبع سلسلة نصية عن طريق استيعاب كميات هائلة من النص، بما في ذلك عدد كبير من صفحات الويب.
نتيجة لذلك، أحدث "شات جي بي تي" تغييرا كبيرا في صناعة التكنولوجيا، إذ أظهر للملايين من الأشخاص القدرات الهائلة للذكاء الاصطناعي التوليدي، وكيف يمكنه فعل كل شيء، من كتابة الشعر الأصلي إلى كتابة التعليمات البرمجية، كل ذلك في غضون ثوان.
وسرعان ما أصبح واضحا أن تقنية الذكاء الاصطناعي التوليدي لديها القدرة على تغيير طريقة استهلاك المعلومات وإنشائها بشكل جذري، إضافة إلى إمكانية تغيير كل جانب من جوانب حياتنا اليومية.
وبعد وصول هذه الأداة إلى المستخدمين، حاولت معظم شركات وادي السيليكون إيجاد استخدام لهذه التقنية الجديدة، وفي مقدمة هذه الشركات تأتي جوجل، التي سابقت الزمن لإعادة ابتكار كيفية البحث عبر الإنترنت.
وهددت هذه التقنية الناشئة نشاط غوغل الرئيسي المتمثل بالبحث، الذي يعتبر المنتج الأول والأهم للشركة، إذ حقق أكثر من 160 مليار دولار من العائدات العام الماضي، أي نحو 60% من إجمالي عائدات "ألفابت" الشركة الأم لجوجل.
ومنذ عام 2019 وحتى الآن، حصلت "أوبن إيه آي" على نحو 13 مليار دولار من التمويل من مايكروسوفت، وبفضل هذا الاستثمار المبكر، حصلت مايكروسوفت على ما تأمل أن يكون تحديا حقيقيا لهيمنة غوغل منذ فترة طويلة في البحث.
وفي يناير/كانون الثاني الماضي، وسط ضجة كبيرة، عرضت شركة مايكروسوفت النسخة المحدثة من محرك بحثها "بينغ" المدعومة بالذكاء الاصطناعي التوليدي.
هذه النسخة تستخدم التقنية الناشئة ضمن البحث لتوفير النتائج التي تظهر على أنها إجابات طويلة مكتوبة ومنتقاة من مصادر الإنترنت المختلفة بدلا من قائمة الروابط لمواقع الويب ذات الصلة.
وهناك أيضا ميزة دردشة مصاحبة جديدة تتيح للمستخدمين إجراء محادثات مع روبوت دردشة يعمل بالذكاء الاصطناعي لتحسين نتائج البحث بشكل أفضل.
وقد لا تكون النتائج دقيقة دائما، ولكن مايكروسوفت تواصل تطوير النتائج بكامل قوتها. وخلال الأشهر التالية، أضافت الذكاء الاصطناعي إلى مجموعة من منتجاتها، من نظام التشغيل "ويندوز 11" إلى "أوفيس".
إعادة اختراع العجلةفي هذه الأثناء، شعرت جوجل، التي كانت تهيمن على سوق البحث لعقود من الزمان وتحقق معظم إيراداتها من الإعلانات الموضوعة جنبًا إلى جنب مع نتائجها للبحث، بالقلق من هيمنة مايكروسوفت على الذكاء الاصطناعي، إذ شكل هذا الإطلاق تهديدا وجوديا لها.
وأصبحت غوغل تواجه احتمال فقدان هيمنتها في سوق البحث وسمعتها كشركة رائدة في مجال الذكاء الاصطناعي، وهي تقنية يشعر الكثيرون بأنها ثورية مثل الهاتف المحمول أو الإنترنت نفسه.
ورغم أن جوجل كانت تطور نماذجها للذكاء الاصطناعي التوليدي لسنوات، فإن هذه النماذج كانت بعيدة عن الجماهير، لأن الشركة كانت متخوفة من أن تكون التكنولوجيا الناشئة غير آمنة للاستخدام.
وبمجرد ظهور مايكروسوفت كتهديد تنافسي كبير، قررت جوجل أن التكنولوجيا أصبحت آمنة بما فيه الكفاية للوصول إلى المستخدمين، إذ أعلنت الشركة في مارس/آذار الماضي عن روبوت الدردشة "بارد" المدعوم بالذكاء الاصطناعي.
وفي سبيل مقارعة المنافسين، أعلنت جوجل في أبريل/نيسان الماضي جمعها بين مجموعتها البحثية للذكاء الاصطناعي وشركة الذكاء الاصطناعي "ديب مايند".
وبعد الإصدار المحدود المخيب للآمال من روبوت الدردشة "بارد"، بدأت غوغل بطرح عروضها الحقيقية للذكاء الاصطناعي التوليدي في مؤتمرها السنوي للمطورين، الذي انعقد في مايو/أيار الماضي.
ومن أجل استعادة مكانتها كشركة رائدة في هذه التكنولوجيا المتطورة بسرعة، صرحت الشركة بأن الذكاء الاصطناعي يجب أن يصبح قريبا ميزة أساسية في كل منتج رئيسي من منتجاتها، من محرر المستندات وصولا إلى البريد الإلكتروني.
بحسب الشركة، فإن هذه التقنية قادرة على كتابة رسائل البريد الإلكتروني وإنشاء العروض التقديمية الكاملة المزودة بالصور، وذلك من خلال بضعة توجيهات نصية.
من بين أشياء أخرى، أصبحت الشركة تتيح للمستخدمين استخدام الذكاء الاصطناعي لإنشاء رسائل بريد إلكتروني في "جيميل"، وإنشاء عروض تقديمية جديدة باستخدام صور تم إنشاؤها بواسطة الذكاء الاصطناعي استنادا إلى عدد قليل من الكلمات الرئيسية.
لكن التغييرات الأكبر تأتي إلى منتج الشركة الرئيسي المتمثل في محرك البحث، وفي البداية، أتاحت الشركة للمستخدمين إمكانية الاشتراك في ما أسمته "تجربة البحث التوليدي".
وبفضل أحدث نماذجها اللغوية الكبيرة المسمى "بالم 2″، كان من الممكن طرح الأسئلة على محرك البحث الجديد للحصول على إجابات على شكل محادثة، الأمر يمثل التغيير الأكثر جذرية في محرك بحث غوغل الذي كان العمود الفقري للويب لأكثر من 20 عامًا.
وعند كتابة استعلام ضمن الإصدار التجريبي من محركها للبحث، فإن المستخدم لا يحصل على قائمة طويلة من الروابط الزرقاء، بل يحصل -بدلاً من ذلك- على بعض النتائج في مربعات رمادية قبل تقديم كتلة نصية كبيرة تم إنشاؤها بواسطة الذكاء الاصطناعي داخل مربع أخضر فاتح يشغل غالبية الشاشة.
هذه النتيجة تمنح المستخدم المعلومات التي يبحث عنها، والتي جمعت من مصادر مختلفة عبر الويب.
وإلى يسار النتيجة التي تم إنشاؤها بواسطة الذكاء الاصطناعي، فإن المستخدم يرى بعض الروابط الأكثر صلة ببحثه.
وهناك أيضا بعض المربعات الخضراء أسفل نتيجة الذكاء الاصطناعي، إذ تطالب جوجل المستخدم بالتعمق أكثر من خلال طرح أسئلة متابعة مقترحة، أو طرح أسئلة خاصة به.
وعند النقر على النص الفعلي لنتيجة الذكاء الاصطناعي، فإن المستخدم يجد روابط لمواقع الويب التي سحبت جوجل المعلومات منها. وإذا لم تعجبه تجربة البحث الجديدة، فيمكنه الرجوع إلى التجربة القديمة.
وتهدف الإجابات التي تم إنشاؤها بواسطة الذكاء الاصطناعي إلى تنظيم المعلومات بشكل أكثر وضوحا من صفحة نتائج البحث التقليدية، وذلك عن طريق تجميع المعلومات من مواقع ويب متعددة.
المخاوف المستمرةبعد وقت قصير من إطلاقه، كان روبوت الدردشة "بارد" يولد إجابات غير صحيحة أو مختلقة، التي تُعرف في مجال الذكاء الاصطناعي باسم "الهلوسة".
ورغم كون هذه الأخطاء مشكلة شائعة في روبوتات الدردشة المعتمدة على النماذج اللغوية الكبيرة، لكنها تمثل تهديدا قد يضر بسمعة جوجل بشأن مهمتها الأساسية المتمثلة في تنظيم معلومات العالم بشكل موثوق.
وبعد أن أجاب "بارد" بشكل غير صحيح عن سؤال واقعي حول تاريخ التلسكوبات في أحد أول عروضه التجريبية العامة، خسرت غوغل 100 مليار دولار من القيمة السوقية.
ورغم من أن "بارد" مصمم لتجنب إنتاج محتوى مستقطب، فقد وجد باحثون خارجيون أنه مع القليل من التحريض، يمكنه بسهولة الحديث عن نظريات مؤامرة معادية للسامية وخطاب مناهض للقاحات.
ومن الواضح أن جوجل تدرك هذه المشكلة، إذ دربت النسخة الجديدة من محرك البحث بطريقة يكون فيها هامش الخطأ أقل من "بارد"، مع تركيز الشركة بشكل أكبر على الوقائع، حتى لو كان ذلك يعني أحيانا أنها لا تجيب عن السؤال.
نتيجة لذلك، يتجنب محرك البحث الجديد الرد على الموضوعات التي قد تعتبر مثيرة للجدل مثل السياسة، أو عندما يتعلق الأمر بموضوعات معينة، بما في ذلك الاستشارات الطبية أو المالية أو الأحداث الإخبارية الحاصلة في الوقت الحالي، كما أنه لا يجيب على الاستفسارات عندما لا يكون واثقا من مصداقية مصادره.
ختاما، لا شك في أن جوجل، التي تتمثل مهمتها في جعل المعلومات في العالم أكثر عالمية وسهولة في الوصول إليها، تجد نفسها الآن في موقف غير مألوف من التسرع في مواكبة منافسيها، وفي حال لم تضف هذه الميزات الجديدة، فإن المنافسين قادرون على إلحاق الضرر بنشاطها التجاري الأساسي، لكن في الوقت نفسه يجب عليها الموازنة بين المكاسب والمخاسر في حرب الذكاء الاصطناعي.
المصدر : وكالة سوا-الجزيرةالمصدر: وكالة سوا الإخبارية
كلمات دلالية: الذکاء الاصطناعی التولیدی بالذکاء الاصطناعی للذکاء الاصطناعی روبوت الدردشة محرک البحث من محرک
إقرأ أيضاً:
ميتا تستقطب علماء الذكاء الاصطناعي من المنافسين
استقطبت "ميتا" مجموعة من علماء الذكاء الاصطناعي لدى كبرى الشركات المنافسة، ومن بينها غوغل، من أجل تأسيس فريق جديد يركز على تطوير نموذج الذكاء الاصطناعي الشامل (artificial general intelligence)، وذلك حسب تقرير من بلومبيرغ.
ويتزامن هذا التقرير مع تصريح الرئيس التنفيذي لشركة "أوبن إيه آي" سام ألتمان -في بودكاست مع شقيقه جاك ألتمان- بأن "ميتا" حاولت استقطاب مجموعة من علماء الذكاء الاصطناعي في "أوبن إيه آي" عبر عروض ورواتب وصلت إلى 100 مليون دولار، ولكنها فشلت في ذلك حسب تقرير موقع "تيك كرانش" التقني.
New episode of Uncapped with @sama. Enjoy ???? pic.twitter.com/2IxYt3B4Gm
— Jack Altman (@jaltma) June 17, 2025
وأضاف تقرير "تيك كرانش" -على لسان سام ألتمان- مجموعة من التعليقات بشأن وضع "ميتا" الحالي وما تقوم به من جهود للوصول للذكاء الاصطناعي الشامل، مؤكدا أن "أوبن إيه آي" لديها فرصة أكبر في تحقيق الذكاء الاصطناعي الشامل مقارنةً ببقية الشركات، وذلك بفضل البيئة الإبداعية التي ترعاها الشركة، مشيرا لكون "ميتا" تركز على الرواتب أكثر من تركيزها على البيئة الإبداعية.
نواة لفريق جديدوأكد تقرير بلومبيرغ أن موجة الانتقالات والتعيينات التي تخوضها "ميتا" الآن هي جزء من مساعي الشركة لتأسيس فريق ذكاء اصطناعي جديد يعزز من موقف الشركة وسط الشركات المنافسة.
لذا كان من المحوري أن تستقطب الشركة مجموعة من أبرز الأسماء في عالم الذكاء الاصطناعي، وهو ما يحاول زوكربيرغ القيام به شخصيا، حسب تقرير بلومبيرغ الذي أكد أن الرئيس التنفيذي للشركة يجري في بعض الأحيان المقابلات بنفسه من منزله ويتصل بالمرشحين شخصيا.
وأشارت بلومبيرغ إلى نجاح زوكربيرغ في استقطاب جاك راي، باحث رئيسي في "غوغل ديب مايند" (Google DeepMind) فضلا عن يوهان شالكويك رئيس قسم التعلم الآلي في شركة "سيسامي للذكاء الاصطناعي الصوتي" (Sesame)، وذلك عبر إنفاق عشرات الملايين من الدولارات إلى جانب عرض بعض أسهم الشركة ضمن هذه الصفقات، حسب ما جاء في التقرير.
إعلانوفي مقدمة المواهب الجديدة الواردة إلى "ميتا" يأتي ألكسندر وانغ (28 عاما) مؤسس شركة "سكيل إيه آي" التي استثمرت "ميتا" فيها 14 مليار دولار مقابل 49% من أسهم الشركة، ومن المتوقع -حسب بلومبيرغ- أن ينتقل مجموعة من علماء الذكاء الاصطناعي في الشركة إلى "ميتا"، إذ تسعى الأخيرة لتعيين 50 عالم ذكاء اصطناعي جديدا.