«جنود الكاميرا».. السينما الوثائقية تصنع تراثا ضخما لحرب أكتوبر وأبطالها
تاريخ النشر: 5th, October 2023 GMT
الأقدام تنغرز في رمال الأرض الطاهرة تعانقها، الأيادي تتسابق لزرع العلم الذي أنبت بمجرد ما لمس تلك الرمال، هتافات النصر وصيحات التكبير ممزوجة بالدموع ورائحة البارود تتداخل وتصنع لوحة مرئية عصية على النسيان، مشاهد عديدة نجحت السينما التسجيلية في حبس انتصار أكتوبر للأبد داخل شرائط سينمائية ضخمة ليظل الانتصار بنفس النكهة الطازجة داخلها حتى مع مرور 50 عاما على الملحمة التاريخية، مما يعكس أهمية السينما التسجيلية في الاحتفاظ بالذاكرة البصرية لواحدة من أهم اللحظات في التاريخ المصرى الحديث.
أعمال وثائقية بديعة عن «الحرب التي دمَّرت الأساطير» سجلتها عيون الآباء الأوائل للسينما التسجيلية في مصر، على الجبهة ما بين سيناء والقناة كان المخرجون جنبا إلى جنب مع المقاتلين، يستخدمون كاميراتهم في التأريخ لتلك المعركة لتكون شهادة مرئية على بطولات وبسالة الجنود للأجيال القادمة، وذلك بعد أيام قليلة من إعلان النصر حتى أن الأجواء كانت لا تزال مغلفة بحالة الحرب، شهد العام 1973 تقديم مجموعة من الأفلام منها «حائط بلا مبكى» للمخرج هاشم النحاس، ورصد الفيلم زيارة المصريين لمعرض الغنائم الذي يضم الأسلحة الإسرائيلية التي دمرها الجيش المصري، و«مدينة لا تموت» للمخرج حسين الطيب الذي سجل من خلاله تضحيات أهالي مدينة بورسعيد، ومن بين تلك الأفلام «6 ساعات» للمخرج خليل شوقي، «ما أخذ بالقوة» إخراج حسين كمال.
المخرج خيري بشرة قدم فيلما عن المقاتل محمد عبد العاطي «صائد الدبابات»وفي العام التالي تضاعف عدد الأفلام التسجيلية التى تم تقديمها عن الحرب المجيدة وأبطالها، حيث قدم المركز القومي للسينما التسجيلية ما يقرب من 12 فيلما وثائقيا من بينهم «أبطال من مصر» للمخرج أحمد راشد، «نهاية بارليف» للمخرج عبد القادر التلمساني، « تحية لمقاتل مصري» إخراج صلاح التهامي، كما قدم المخرج خيري بشارة فيلما وثائقيا عن بعنوان «صائد الدبابات» والذي رصد بطولة المقاتل محمد عبد العاطي الذي قام بتدمير 23 دبابة من دبابات العدو بمفرده.
ومن أبرز الأفلام التي أرَّخت لحرب أكتوبر فيلم «جيوش الشمس» للمخرج الكبير شادي عبد السلام، تم تشكيل فريقان لتصوير الفيلم الفريق الأول بقيادة إبراهيم غراب وسمير بهزان، والثاني بقيادة سمير فرج وشادي عبد السلام، وحصل الفيلم على جائزة «السيداك» من اتحاد النقاد السينمائيين الدوليين.
بينما وثق المخرج سعد نديم في فيلمه «موكب النصر» الاحتفال بالذكرى الأول لانتصار أكتوبر والتي تتضمنت استعراضات بالدبابات والطائرات المصرية، والتف حولها جموع الشعب المصري.
نجح المخرجون المصريون في الأشهر الأولى بعد حرب أكتوبر أن يصنعوا تراثا وثائقيا ضخما للمعركة التي ما زالت حية في أفلامهم، وأبطالها سواء من خلال مشاهد حقيقية من أرض المعركة أو شهدات الضباط والجنود أو حتى أبرز ما كتب في الصحف العالمية، بالإضافة إلى الأكاذيب الدعائية التي روَّجتها إسرائيل عن نفسها لضعف الروح المعنوية للجيش المصري، وقامت وزارة الثقافة بترميم مجموعة كبيرة من تلك الأفلام وطرحتها عبر قناتها الرسمية على «يوتيوب»، لتظل تلك الشهدات حية للأجيال الجديدة على عظمة الأجداد.
المصدر: الوطن
كلمات دلالية: خيري بشارة حرب أكتوبر أفلام حرب أكتوبر احتفالية حرب أكتوبر
إقرأ أيضاً:
المصافحة التي لم تتم.. خلافات عميقة تعوق التوصل لاتفاق في غزة برعاية أمريكية
في الوقت الذي تتكثف فيه الجهود الدولية للتوصل إلى هدنة توقف نزيف الدم في قطاع غزة، تكشف المقترحات المتبادلة بين الأطراف المعنية عن حجم الهوة التي تفصل بين مواقف كل من حركة "حماس" وإسرائيل، برعاية ومتابعة أمريكية مباشرة.
ومع كل اقتراب من نقطة الاتفاق، تظهر الشروط المتبادلة كحواجز أمام تحقيق اختراق سياسي حقيقي، مما يُبقي المشهد مفتوحًا على مزيد من التعقيد والمعاناة الإنسانية.
كشفت تقارير إعلامية، الإثنين، أن حركة "حماس" وافقت مبدئيًا على مقترح هدنة تقدّم به المبعوث الأمريكي إلى الشرق الأوسط، ستيف ويتكوف، يقضي بوقف إطلاق النار لمدة 70 يومًا مقابل الإفراج عن 10 رهائن أحياء على دفعتين، إلى جانب إطلاق سراح مئات من الأسرى الفلسطينيين، بينهم محكومون بأحكام عالية ومؤبدات.
غير أن متحدثًا باسم ويتكوف نفى هذه الموافقة، مشيرًا إلى أن المفاوضات لا تزال مستمرة، وسط تضارب في الروايات. ووفق صحيفة "إسرائيل هيوم"، فإن مسؤولًا إسرائيليًا رفيعًا – لم يُكشف عن اسمه – وصف المقترح بأنه لا يعكس "نية حقيقية من قبل حماس للمضي قدمًا"، مشددًا على أن "أي حكومة مسؤولة في إسرائيل لا يمكن أن تقبل بهذا الطرح"، ما يعكس موقفًا إسرائيليًا رافضًا للعرض الأمريكي – أو على الأقل لبعض بنوده.
مطالب جديدة تثير الجدلالمقترح الذي طُرح عبر وسطاء تضمن بنودًا غير مسبوقة من قبل حركة حماس، من بينها طلب مصافحة علنية بين خليل الحية، القيادي في الحركة ورئيس وفدها المفاوض، والمبعوث الأمريكي ستيف ويتكوف، كرمز لضمانة بعدم استئناف القتال عقب فترة التهدئة. كما تضمن الإفراج التدريجي عن 10 رهائن، 5 منهم في اليوم الأول من الهدنة، والباقون بعد شهرين.
هذه البنود – بحسب الصحافة العبرية – تتناقض مع الخطة الأصلية التي قدمها ويتكوف، والتي تنص على إطلاق سراح جميع الرهائن على مرحلتين: الأولى مع بداية التهدئة، والثانية في نهايتها. كما شملت مطالب حماس انسحابًا واسعًا للقوات الإسرائيلية من المناطق التي سيطرت عليها في قطاع غزة، إضافة إلى إدخال كميات كبيرة من المساعدات الإنسانية، وهو ما تعتبره إسرائيل "تنازلات مفرطة".
غضب إسرائيلي داخليردًا على هذه التطورات، أصدر "منتدى عائلات الرهائن" بيانًا غاضبًا، انتقد فيه استمرار الحرب ورفض الاتفاقات الجزئية، واصفًا إياها بأنها "خسارة إسرائيلية يمكن، بل يجب، تجنبها". وطالب المنتدى بعقد اتفاق شامل يعيد جميع الأسرى الـ58 وينهي الحرب، مشيرًا إلى أن "الحكومة يمكنها التوصل إلى مثل هذا الاتفاق صباح الغد إذا اختارت ذلك"، في إشارة إلى وجود دعم شعبي واسع لهذا الخيار.
مقترح "بحبح" بين التفاؤل والتشكيكفي خضم هذا التوتر، كشفت تقارير إعلامية عن وثيقة جديدة يُبحث فيها حاليًا، قدمها الوسيط الفلسطيني–الأمريكي بشارة بحبح، بالتنسيق مع ويتكوف، تقضي بوقف شامل للحرب خلال فترة الهدنة، وتعهد من حماس بعدم تنفيذ هجمات أو تهريب أسلحة أو تطوير ترسانتها العسكرية خلال هذه الفترة.
لكن هذه الوثيقة لم تُعلن رسميًا، وتُقابل بقدر من التشكيك في إسرائيل، خصوصًا في ظل تصريحات رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو الأخيرة، والتي جدّد فيها التزامه بإعادة جميع الرهائن "أحياء وأموات"، تزامنًا مع مواصلة جيشه قصفه المكثف على القطاع.
وفي ظل تواصل العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة وتفاقم الكارثة الإنسانية، انتقد الدكتور أيمن الرقب، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس، موقف المجتمع الدولي، وخصوصًا الإدارة الأمريكية، مؤكدًا أنها لا تمارس ضغطًا حقيقيًا على إسرائيل لوقف إطلاق النار أو إدخال المساعدات.
أمريكا لا تمارس ضغطًا حقيقيًا على الاحتلالوأضاف الرقب في تصريحات لـ “صدى البلد”، أن ما تفعله إدارة ترامب لا يتجاوز الضغط السياسي، عبر مقترحات مثل تلك التي تقدم بها المبعوث الأمريكي ستيف ويتكوف، والتي رفضتها إسرائيل رغم قبول حماس بها، في محاولة لإفشال الجهد الأمريكي.
وأوضح الرقب أن واشنطن، رغم قدرتها على التأثير الفعلي، تكتفي بتصريحات سياسية لا ترقى إلى مستوى الأفعال، مضيفًا: "لو أرادت الإدارة الأمريكية وقف العدوان لعلّقت إمدادات السلاح والذخيرة، لكنها تتواطأ ضمنيًا مع حكومة نتنياهو المتطرفة". ولفت إلى أن تصريحات ترامب المتناقضة توحي برغبته في وقف الحرب، دون أي تحرك عملي يجسد هذه الرغبة، معتبرًا أن ما يصدر عن واشنطن ليس سوى "دغدغة مشاعر" ومحاولة لتبرئة الذات من الجرائم الإسرائيلية بحق الفلسطينيين.
وفي ما يخص الموقف الأوروبي، أشار الرقب إلى وجود تحول نسبي في الخطاب الأوروبي نتيجة الجرائم المتواصلة في غزة، واستخدام الاحتلال لسياسة التجويع، وهو ما بدأ يحرج الاتحاد الأوروبي.
وأوضح أن دولًا مثل فرنسا تتحرك فعليًا لعقد مؤتمر دولي للسلام، بينما ما تزال دول أخرى كالمجر والنمسا ترفض أي ضغط على الاحتلال.
وأكد أن أوروبا تمتلك أوراق ضغط مهمة، لكنها لم توظفها بعد بشكل مؤثر.
وفي ختام تصريحاته، شدد الرقب على أن واشنطن وبروكسل قادرتان على وقف الحرب وإنهاء معاناة غزة، لكن غياب الإرادة السياسية واستمرار سياسة الكيل بمكيالين، يمنحان الاحتلال مزيدًا من الوقت لارتكاب مجازره دون رادع، وسط تصريحات دولية شكلية لا تغير من واقع المعاناة اليومية للفلسطينيين.
وفي ظل تصاعد الضغوط الدولية على إسرائيل لوقف هجومها على غزة، يتبيّن أن الطريق نحو هدنة حقيقية ما زال طويلًا، وأن أي تقدم مشروط بقبول تنازلات مؤلمة من الطرفين.
ومع تعنّت الحكومة الإسرائيلية، ومطالب حماس التي تعكس عمق معاناة الشعب الفلسطيني، يبقى أفق التهدئة رهينًا بإرادة سياسية غير متوفرة بعد، ما ينذر باستمرار الأزمة الإنسانية في القطاع الذي يقبع تحت نار الحرب منذ أكثر من 19 شهرًا.