بقلم: إسماعيل الحلوتي

إذا كان الله جل جلاله قد جعل من الماء مصدرا لحياة كافة الكائنات، مصداقا لقوله في سورة الأنبياء، الآية 30: "...وجعلنا من الماء كل شيء حي"، فإن الأطباء هم أيضا قادرون بعونه تعالى وبفضل دراساتهم العلمية وتكويناتهم الميدانية على منح الحياة للعديد من المصابين بأمراض خطيرة من قبيل أمراض القلب، داء السرطان، داء الإيدز، وأمراض التهاب الجهاز التنفسي والأوعية الدموية الدماغية، فضلا عن ضحايا حوادث السير وغيرهم.

بيد أن الأطباء في بلادنا ينقسمون إلى قسمين، منهم شرفاء مازالوا أوفياء لقسم أبقراط الذي تنص بعض أهم بنوده على الإخلاص للمهنة، الاستقامة، النزاهة، الحفاظ على السر المهني، تكريس الحياة المهنية لخدمة المرضى وعلاجهم على قدم المساواة دون أدنى تمييز بينهم، وعدم القيام بأي فعل إجرامي كيفما كان نوعه، وهؤلاء على قلتهم هم الذين نجدهم يجعلون من الجدية في العمل مذهبا لهم في القطاعين العام والخاص.

ومنهم إلى جانب عدد من المستثمرين في القطاع الصحي من هم دون ذلك بلا أخلاق ولا ضمائر، وخاصة العاملون في مؤسسات خاصة هي في الواقع أقرب إلى "مجازر بشرية" منها إلى مراكز للعلاج، حيث يلجأ الكثيرون إلى ممارسات لا يمكن وصفها إلا بالدنيئة والمسيئة للقطاع الصحي وسمعة المغرب، إلى حد صار فيه بعض الأطباء النزهاء على قلتهم يقرون بالتسيب والفساد القائمين، ويدعمون تلك الحملات الرقمية الواسعة من الاستنكار والتنديد بتردي الأوضاع الصحية واستنزاف المواطنين.

وتأتي عودتنا للحديث عن انعدام الضمير لدى من كنا نعتقد أنهم فعلا "ملائكة الرحمة"، بمناسبة ما رواه لنا أحد المواطنين البيضاويين وهو يعتصر ألما عما تعرض له من ظلم وابتزاز في مطلع شهر غشت من هذه السنة 2023، الذي خضع لعملية جراحية من أجل إزالة ورم في المتانة، بعد أن قام بجميع الفحوصات والتحاليل وإجراءات التأمين "prise en charge" لدى الصندوق الوطني لمنظمات الاحتياط الاجتماعي "CNOPS" ومؤسسة محمد السادس، وهي نفس العملية التي سبق له إجراؤها دون أدنى تعقيدات في سنة 2019 بصفر درهم في مستشفى "ش.خ" الخاص.

لكن المثير للاستفزاز والابتزاز أن الدكتور المعالج الذي قام بإجراء العملية بالمنظار، بدا جد مرتبك ولم يكن مستقرا على رأي واحد ولا في قراراته، حيث أنه أمر إحدى المعاونات في ذلك المستشفى الخاص "م.د.ع.أ" "CIOC" مساء ذات يوم العملية بأن تزيل صباح الغد للمريض الأنبوب البلاستيكي الخاص بتيسير عملية البول، ثم عاد بعد حوالي ربع ساعة لتغيير رأيه، مرجئا القيام بذلك في عيادته بعد مرور خمسة أيام، ولما علم صباح الغد بأن المريض أمضى ليلة سوداء من فرط أوجاع فظيعة، لم يتردد في أن يأمر المتصلة بالتعجيل بنزع الأنبوب وإعطاء المريض الكثير من الماء، على ألا يسمح له بمغادرة المستشفى إلا بعد أن يكون تبول بشكل طبيعي، وهو ما لم يحدث للأسف، فلم يجد أمامه من حل آخر سوى إعادة تركيب أنبوب آخر. والطامة الكبرى أن إدارة المستشفى لم تمنح المريض بطاقة الخروج إلا بعد أداء حوالي 1700 درهم، بدعوى أن "الكنوبس" يحدد سقفا لصيدلية المستشفى، وكلما تم تجاوزه يتعين على المريض/المستفيد أن يؤدي الفارق الذي لن يعوض عنه، دون تسليمه أي كشف بتلك المصاريف.

فما يحز في النفس كثيرا هو لجوء بعض الأطباء إلى قيادة مرضاهم كالخرفان نحو تلك "المجازر"، وتوجيه بعضهم إلى استكمال العلاج بعلاجات لا تتناسب مع حالاتهم الصحية مثل "العلاج الكيماوي"، بهدف الاستمرار في تأمين مداخيل إضافية على حساب المرضى. ترى هل يجوز للدولة الترخيص لمستثمرين أجانب بفتح مصحات ومستشفيات، تعلم مسبقا أن ليس لهم من هم عدا اصطياد المرضى وإفراغ جيوبهم بأدوات مغربية، من أطر طبية وممرضين وتقنيين ومنظفين وغيرهم؟ وهل ينص دفتر التحملات فقط على تشغيل مغاربة دون الحرص على حماية باقي المواطنين من جشع هؤلاء المستثمرين؟

إن المتتبع للشأن الصحي ببلادنا سيقف لا محالة على آلاف القصص المأساوية التي تحكي عن تفشي مظاهر الابتزاز والفساد في غياب الوازع الأخلاقي، علما أن الملك محمد السادس لم ينفك يدعو إلى النهوض بالقطاع الصحي من حيث تفعيل مبدأي الحكامة وربط المسؤولية بالمحاسبة، والسهر على تيسير ولوج المواطنين للعلاج والرفع من جودة الخدمات وغيرها كثير. إذ أصبحت المادة تطغى على الجانب الإنساني، وتحول المواطن إلى مجرد بقرة حلوب يتهافت على استنزافها منعدمو الضمير ممن لوثوا هذه المهنة النبيلة. فالاستشفاء والفحوصات التكميلية والعمليات الجراحية باتت هي مصدر الشكايات الأكثر انتشارا بين الناس، ولاسيما أن عددا من المصحات تتعامل بما يسمى "النوار"، والتلاعب بالفواتير والنفخ في المصاريف، ناهيكم عما يحدث من ابتزاز ومآس في المستشفيات العمومية...

إننا لا نعتقد أن صناع القرار والمسؤولين عن الشأن الصحي بحاجة إلى إعادة تذكيرهم بما يحدث من تجاوزات خطيرة في حق المواطن المغربي، بقدر ما هم في حاجة إلى استنهاض الهمم والإرادة القوية للضرب بيد من حديد على أيدي المفسدين. وندعو الحكومة إلى إيلاء القطاع الأولوية في ظل المشروع الملكي، لتعميم الحماية الاجتماعية وتذليل الصعاب أمام المواطنين للاستفادة خدمات الرعاية الصحية وحمايتهم من جشع بعض الأطباء والمستثمرين، بدل التمادي في التذرع بالخصاص الصارخ في الموارد البشرية وضعف البنيات الاستشفائية وغيرها.

المصدر: أخبارنا

إقرأ أيضاً:

«الإغاثة الطبية بغزة»: استهداف وتدمير القطاع الصحي أحد مراحل الاجتياح البري

أكد مدير جمعية الإغاثة الطبية في غزة بسام زقوت، أن الاستهداف الممنهج والتدمير للقطاع الصحي في غزة واستهداف الكادر الطبي من قبل قوات الاحتلال، أحد مراحل "الاجتياح البري" للمنطقة ومحاولة تهجير السكان منها.

وقال زقوت - في مداخلة لقناة القاهرة الإخبارية، إن «اسرائيل عمليا تبدأ خطتها في تحييد معظم المناطق الخدماتية وتدمير مركباتها مثل سيارات الدفاع المدني والمعدات الثقيلة ومن ثم تنتقل إلى مرحلة أخرى وهى استهداف المستشفيات وإجبارها على الإغلاق وجعلها غير قادرة على تقديم الخدمات ثم إصدار أوامر الإخلاء للمنطقة بأكملها وهذا ما حدث في جنوب قطاع غزة ويحدث في الشمال حاليا».

وأضاف أن، « 75% من مساحات قطاع غزة هي إما تخضع لسيطرة جيش الاحتلال الإسرائيلي التامة وإما تحت أوامر الإخلاء، التي تتم السيطرة عليها من قبل طائرات الاستطلاع والتي تقصف كل من يتحرك ضمن هذه المناطق»، لافتا إلى أن، «أوامر الإخلاء التي تصدر في مدينة غزة وشمالها تكون إلى المآوي المعروفة في مدينة غزة ولا نعرف أين هي، حيث لا يوجد أي مأوى في المدينة لذلك يفترش المواطنون الشوارع بالخيام».

وأشار إلى أنه «دون الضمانات الأمنية، لا يمكن أن تعود المستشفيات في قطاع غزة خصوصا التي خرجت من الخدمة حاليا، حيث من الضروري أن تكون المستشفى مكانا آمنا، حتى يستطيع الطاقم الطبي الوصول إليها والعمل بها وكذلك نقل المصابين إليها»، منوها بأن «تلك الضمانات الأمنية هى مطلب عالمي وليس فلسطيني ويأتي ضمن القانون الدولي الإنساني».

وشدد على ضرورة تزويد تلك المستشفيات بالقدرة التشغيلية من الطاقة الممكنة لها سواء من السولار او الاعتماد على الطاقة الشمسية لتشغيل المعدات والأجهزة وغرف العمليات والحضانات وأجهزة غسيل الكلى التي تحتاج إلى الطاقة، لافتا إلى أن الاحتياج الأكبر يكون في الكوادر الصحية والتي بها نقص كبير في قطاع غزة.

مقالات مشابهة

  • «الإغاثة الطبية بغزة»: استهداف وتدمير القطاع الصحي أحد مراحل الاجتياح البري
  • مسئول الإغاثة الطبية بغزة: الاحتلال ينفّذ خطة ممنهجة لتدمير القطاع الصحي
  • 3 آلاف من المواطنين تقدموا لـ 1200 وظيفة في معرض مصنعين خلال «اصنع في الإمارات»
  • وزير الصحة يبحث مع نظرائه العرب في جنيف سبل تعزيز التعاون الصحي
  • نقيب الأطباء: القطاع الطبي في لبنان استعاد عافيته بعد موجات الهجرة
  • الصحة تناقش مع البنك الدولي تعزيز الاستثمار في القطاع الصحي
  • بنكيران يتحول إلى “وزير للخارجية”.. سبق الدولة في إصدار بيان إدانة !
  • أين وصلنا في تعمين القوى العاملة بالقطاع الصحي؟
  • مناقشة حوكمة التشغيل في القطاع الصحي بالظاهرة
  • تطبيقات النقل الذكي.. وزير الداخلية يعلن عن إصلاح تشريعي لتقنين القطاع بالمغرب