آفة القطاع الصحي بالمغرب.. عندما يتحول الأطباء إلى مجرد مستثمرين بلا ضمير
تاريخ النشر: 5th, October 2023 GMT
بقلم: إسماعيل الحلوتي
إذا كان الله جل جلاله قد جعل من الماء مصدرا لحياة كافة الكائنات، مصداقا لقوله في سورة الأنبياء، الآية 30: "...وجعلنا من الماء كل شيء حي"، فإن الأطباء هم أيضا قادرون بعونه تعالى وبفضل دراساتهم العلمية وتكويناتهم الميدانية على منح الحياة للعديد من المصابين بأمراض خطيرة من قبيل أمراض القلب، داء السرطان، داء الإيدز، وأمراض التهاب الجهاز التنفسي والأوعية الدموية الدماغية، فضلا عن ضحايا حوادث السير وغيرهم.
بيد أن الأطباء في بلادنا ينقسمون إلى قسمين، منهم شرفاء مازالوا أوفياء لقسم أبقراط الذي تنص بعض أهم بنوده على الإخلاص للمهنة، الاستقامة، النزاهة، الحفاظ على السر المهني، تكريس الحياة المهنية لخدمة المرضى وعلاجهم على قدم المساواة دون أدنى تمييز بينهم، وعدم القيام بأي فعل إجرامي كيفما كان نوعه، وهؤلاء على قلتهم هم الذين نجدهم يجعلون من الجدية في العمل مذهبا لهم في القطاعين العام والخاص.
ومنهم إلى جانب عدد من المستثمرين في القطاع الصحي من هم دون ذلك بلا أخلاق ولا ضمائر، وخاصة العاملون في مؤسسات خاصة هي في الواقع أقرب إلى "مجازر بشرية" منها إلى مراكز للعلاج، حيث يلجأ الكثيرون إلى ممارسات لا يمكن وصفها إلا بالدنيئة والمسيئة للقطاع الصحي وسمعة المغرب، إلى حد صار فيه بعض الأطباء النزهاء على قلتهم يقرون بالتسيب والفساد القائمين، ويدعمون تلك الحملات الرقمية الواسعة من الاستنكار والتنديد بتردي الأوضاع الصحية واستنزاف المواطنين.
وتأتي عودتنا للحديث عن انعدام الضمير لدى من كنا نعتقد أنهم فعلا "ملائكة الرحمة"، بمناسبة ما رواه لنا أحد المواطنين البيضاويين وهو يعتصر ألما عما تعرض له من ظلم وابتزاز في مطلع شهر غشت من هذه السنة 2023، الذي خضع لعملية جراحية من أجل إزالة ورم في المتانة، بعد أن قام بجميع الفحوصات والتحاليل وإجراءات التأمين "prise en charge" لدى الصندوق الوطني لمنظمات الاحتياط الاجتماعي "CNOPS" ومؤسسة محمد السادس، وهي نفس العملية التي سبق له إجراؤها دون أدنى تعقيدات في سنة 2019 بصفر درهم في مستشفى "ش.خ" الخاص.
لكن المثير للاستفزاز والابتزاز أن الدكتور المعالج الذي قام بإجراء العملية بالمنظار، بدا جد مرتبك ولم يكن مستقرا على رأي واحد ولا في قراراته، حيث أنه أمر إحدى المعاونات في ذلك المستشفى الخاص "م.د.ع.أ" "CIOC" مساء ذات يوم العملية بأن تزيل صباح الغد للمريض الأنبوب البلاستيكي الخاص بتيسير عملية البول، ثم عاد بعد حوالي ربع ساعة لتغيير رأيه، مرجئا القيام بذلك في عيادته بعد مرور خمسة أيام، ولما علم صباح الغد بأن المريض أمضى ليلة سوداء من فرط أوجاع فظيعة، لم يتردد في أن يأمر المتصلة بالتعجيل بنزع الأنبوب وإعطاء المريض الكثير من الماء، على ألا يسمح له بمغادرة المستشفى إلا بعد أن يكون تبول بشكل طبيعي، وهو ما لم يحدث للأسف، فلم يجد أمامه من حل آخر سوى إعادة تركيب أنبوب آخر. والطامة الكبرى أن إدارة المستشفى لم تمنح المريض بطاقة الخروج إلا بعد أداء حوالي 1700 درهم، بدعوى أن "الكنوبس" يحدد سقفا لصيدلية المستشفى، وكلما تم تجاوزه يتعين على المريض/المستفيد أن يؤدي الفارق الذي لن يعوض عنه، دون تسليمه أي كشف بتلك المصاريف.
فما يحز في النفس كثيرا هو لجوء بعض الأطباء إلى قيادة مرضاهم كالخرفان نحو تلك "المجازر"، وتوجيه بعضهم إلى استكمال العلاج بعلاجات لا تتناسب مع حالاتهم الصحية مثل "العلاج الكيماوي"، بهدف الاستمرار في تأمين مداخيل إضافية على حساب المرضى. ترى هل يجوز للدولة الترخيص لمستثمرين أجانب بفتح مصحات ومستشفيات، تعلم مسبقا أن ليس لهم من هم عدا اصطياد المرضى وإفراغ جيوبهم بأدوات مغربية، من أطر طبية وممرضين وتقنيين ومنظفين وغيرهم؟ وهل ينص دفتر التحملات فقط على تشغيل مغاربة دون الحرص على حماية باقي المواطنين من جشع هؤلاء المستثمرين؟
إن المتتبع للشأن الصحي ببلادنا سيقف لا محالة على آلاف القصص المأساوية التي تحكي عن تفشي مظاهر الابتزاز والفساد في غياب الوازع الأخلاقي، علما أن الملك محمد السادس لم ينفك يدعو إلى النهوض بالقطاع الصحي من حيث تفعيل مبدأي الحكامة وربط المسؤولية بالمحاسبة، والسهر على تيسير ولوج المواطنين للعلاج والرفع من جودة الخدمات وغيرها كثير. إذ أصبحت المادة تطغى على الجانب الإنساني، وتحول المواطن إلى مجرد بقرة حلوب يتهافت على استنزافها منعدمو الضمير ممن لوثوا هذه المهنة النبيلة. فالاستشفاء والفحوصات التكميلية والعمليات الجراحية باتت هي مصدر الشكايات الأكثر انتشارا بين الناس، ولاسيما أن عددا من المصحات تتعامل بما يسمى "النوار"، والتلاعب بالفواتير والنفخ في المصاريف، ناهيكم عما يحدث من ابتزاز ومآس في المستشفيات العمومية...
إننا لا نعتقد أن صناع القرار والمسؤولين عن الشأن الصحي بحاجة إلى إعادة تذكيرهم بما يحدث من تجاوزات خطيرة في حق المواطن المغربي، بقدر ما هم في حاجة إلى استنهاض الهمم والإرادة القوية للضرب بيد من حديد على أيدي المفسدين. وندعو الحكومة إلى إيلاء القطاع الأولوية في ظل المشروع الملكي، لتعميم الحماية الاجتماعية وتذليل الصعاب أمام المواطنين للاستفادة خدمات الرعاية الصحية وحمايتهم من جشع بعض الأطباء والمستثمرين، بدل التمادي في التذرع بالخصاص الصارخ في الموارد البشرية وضعف البنيات الاستشفائية وغيرها.
المصدر: أخبارنا
إقرأ أيضاً:
مزارع الباحة.. إرث زراعي يتحول إلى مقصد سياحي للعائلات والمصطافين
المناطق_واس
تشهد منطقة الباحة تحولًا نوعيًا في استثمار مزارعها التاريخية، حيث باتت تشكل عنصرًا جاذبًا للسياحة العائلية والموسمية، وذلك في ظل الاهتمام المتزايد بالسياحة الداخلية وتنمية المواقع الريفية والزراعية في المملكة.
وتزخر الباحة بمزارع متنوعة تنتشر في أرجاء المحافظات الجبلية والسهول، من أبرزها مزارع اللوز، والنخيل، والتين، والعنب، والرمان، التي لم تعد تقتصر على كونها موردًا زراعيًا تقليديًا، بل أصبحت مقصدًا للزوار الباحثين عن التجارب الريفية والطبيعة البكر.
وأكد أحد أصحاب المزارع بمدينة الباحة، أن المزارع كانت فيما مضى تمثل ركيزة أساسية للمعيشة اليومية لأهالي المنطقة، وكانت محور النشاط الاقتصادي والزراعي، إلا أن التغيرات الحديثة دفعت بالعديد من المزارعين إلى توظيف هذه المساحات في خدمة السياحة الريفية.
وأفاد أن كثير من المزارع تحولت في السنوات الأخيرة إلى وجهة سياحية تستقطب العائلات والمصطافين، بعد تهيئة البنية التحتية لاستقبال الزوار، وتوفير جلسات وتجارب زراعية تعليمية، مع الحفاظ على الطابع الريفي الأصيل، مشيرًا إلى أن الإقبال المتزايد من السياح خلال مواسم الصيف والعطل، أسهم في رفع مستوى الدخل للمزارعين، وساعد على إعادة إحياء كثير من العادات الزراعية التي كادت تندثر.
من جهتهم، عبّر عدد من الزوار عن إعجابهم بتجربتهم في مزارع الباحة، مشيرين إلى أنها كانت فرصة للاستجمام والتعرف على الطبيعة والهدوء، منوهين باهتمام أصحاب المزارع بتقديم تجربة مميزة للعائلة، خاصة للأطفال، لتزرع الذكريات والتجارب الجميلة، لتعكس وعيًا جديدًا لدى أصحاب المزارع بأهمية السياحة المستدامة.
وتُعد السياحة الزراعية من القطاعات الواعدة التي تعزز الجذب السياحي في المملكة، لا سيما في المناطق ذات الخصائص المناخية والطبيعية المميزة مثل منطقة الباحة، التي تجمع بين الجمال البيئي والتراث الثقافي.