بعد كوفيد وحرب أوكرانيا.. الاقتصاد العالمي يتهيأ لصدمة جديدة
تاريخ النشر: 1st, November 2023 GMT
في ظل الخسائر البشرية والمادية الهائلة جراء استمرار الهجوم الإسرائيلي على غزة، يرى خبراء أن الاقتصاد العالمي لن يتحمل صدمة كبيرة أخرى، خاصة بعد تعرضه لسلسلة من الصدمات على مدى السنوات الأربع الماضية، بداية من وباء كوفيد - 19، والتضخم في مرحلة ما بعد كوفيد، والحرب بين روسيا وأوكرانيا.
وبدأت إسرائيل هجوما بريا قبل أيام على غزة بهدف القضاء على حركة "حماس" بعد قصف جوي متواصل بدأ في السابع من أكتوبر ردا على هجوم الحركة الذي أدى إلى مقتل 1400 شخص، وفقا للسلطات الإسرائيلية.
وتقول وزارة الصحة في غزة، إن القصف الإسرائيلي أسفر حتى الآن عن مقتل أكثر من 8000 شخص.
المخاطر تتزايدوقال الخبير الاقتصادي، الأستاذ في جامعة برينستون، آدم كابور، لموقع "الحرة" إنه مع دخول الحرب بين إسرائيل وحماس أسبوعها الرابع، فإن المخاطر على الاقتصاد العالمي تتزايد.
وأضاف أنه كلما طال أمد القتال، زادت فرصة تصاعده إلى صراع إقليمي له تداعيات على الأسواق المالية العالمية، مؤكدا أنه كلما زاد خطر التصعيد، زاد خطر انتقال العدوى إلى بقية العالم من حيث الاقتصاد والتمويل.
وقال كابور إن مثل هذه العدوى ستؤدي إلى تفاقم الأزمات الاقتصادية الموجودة، بما في ذلك ركود النمو والتضخم المرتفع وتراجع الأسواق العالمية وأسواق التجزئة.
وأضاف: "هذا الصراع، بطريقة ما، يضخم جميع التحديات الموجودة والتي كانت كبيرة بالفعل".
إمدادات النفط ساتأثروذكرت صحيفة "فاينانشيال تايمز" أن استمرار الصراع في الشرق الأوسط يشير إلى أن سلسلة من الأحداث الكارثية قد تمتد إلى الخليج نفسه.
وأوضحت أن الحرب على غزة يمكن أن تؤدي حتى إلى الصراع بين القوى العظمى، أي بين الولايات المتحدة وإسرائيل من جانب، والصين وإيران من جانب آخر.
علاوة على ذلك، ذكرت الصحيفة أن الأنظمة في المنطقة قد تتزعزع بسبب الغضب الشعبي جراء الفشل في مساعدة غزة.
وأشارت إلى أن الحظر النفطي الذي ألحق أضرارا بالغة في حرب أكتوبر عام 1973 لم يكن نتيجة مباشرة للحرب، بل كان استجابة سياسية من جانب منتجي النفط العرب.
ورفض رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتانياهو، الدعوات الدولية إلى "هدنة إنسانية" في القتال للسماح بوصول المساعدات الملحة للمدنيين الذين يعانون من نقص حاد في الغذاء والعقاقير ومياه الشرب والوقود، وفقا لوكالة "رويترز".
وتعهد نتنياهو بالمضي قدما في خططه للقضاء على حماس بعد بضع حروب غير حاسمة بدأت في عام 2007 مع سيطرة الحركة على القطاع.
وقالت السلطات الصحية في غزة إن 8525 شخصا، من بينهم 3542 طفلا، حصدت أرواحهم الهجمات الإسرائيلية منذ السابع من أكتوبر. ويقول مسؤولون في الأمم المتحدة إن أكثر من 1.4 مليون من السكان المدنيين في غزة البالغ عددهم نحو 2.3 مليون أصبحوا بلا مأوى.
وقالت إسرائيل إن نحو 1400 معظمهم من المدنيين قتلوا في هجوم حماس عبر الحدود في السابع من أكتوبر.
وبعيدا عن منطقة الحرب في غزة، دوت صفارات الإنذار في مدينة إيلات بجنوب إسرائيل على البحر الأحمر اليوم، وقال الجيش الإسرائيلي إنه أسقط "هدفا جويا" كان يقترب.
وعلى بعد أكثر من ألف ميل جنوبي غزة، قال الحوثيون المتحالفون مع إيران في اليمن إنهم أطلقوا "عددا كبيرا" من الصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة نحو إسرائيل لدعم المسلحين الفلسطينيين. وهذه هي ثالث عملية يستهدفون فيها إسرائيل خلال الصراع الحالي، وقالوا إن هناك مزيدا من العمليات في المستقبل.
وتري "فاينانشيال تايمز" أنه إذا انتشرت الحرب، فسيكون للأمر تداعيات كبيرة على الاقتصاد العالمي، لأن هذه المنطقة تعد أهم منتج للطاقة في العالم.
ووفقا للمراجعة الإحصائية للطاقة العالمية لعام 2023، فإن منطقة الشرق الأوسط تحتوي على 48 في المئة من الاحتياطيات العالمية المؤكدة وأنتجت 33 في المائة من النفط العالمي في عام 2022.
علاوة على ذلك، وفقا لتقرير لإدارة معلومات الطاقة الأميركية، مر خُمس إمدادات النفط العالمية عبر مضيق هرمز، في قاع الخليج، في عام 2018، وبالتالي فإن أي إغلاق لهذا المضيق سيكون بمثابة نقطة الاختناق لإمدادات الطاقة العالمية.
ويشير البنك الدولي أيضا إلى أن صدمات الطاقة في الحروب الماضية كانت مكلفة للغاية، فقد أدى غزو العراق للكويت في عام 1990 إلى رفع متوسط أسعار النفط بعد ثلاثة أشهر بنسبة 105 في المئة، كما رفعها الحظر النفطي العربي في الفترة 1973-1974 بنسبة 52 في المئة، كما رفعتها الثورة الإيرانية في عام 1978 بنسبة 48 في المئة، وفقا للصحيفة.
لكن الصحيفة أشارت إلى أنه حتى الآن كانت التأثيرات على أسعار النفط نتيجة لهجمات حماس على إسرائيل والحرب في غزة متواضعة.
وأوضحت أن النفط لايزال وقودا حيويا لوسائل النقل. ويشكل الغاز الطبيعي السائل من الخليج أيضا جزءا مهما من الإمدادات العالمية من الغاز الطبيعي. ومن شأن الانقطاعات الكبيرة في هذه الإمدادات أن يكون لها تأثير قوي على أسعار الطاقة والإنتاج العالمي ومستوى الأسعار الإجمالي، ولا سيما في المواد الغذائية.
ونتيجة استمرار الحرب، يتصور البنك الدولي سيناريوهات تنطوي على اضطرابات صغيرة ومتوسطة وكبيرة في إمدادات الطاقة، وفقا للصحيفة.
والسيناريو الأول، كما يفترض البنك، سيخفض العرض بما يصل إلى مليوني برميل يوميا (حوالي 2 في المائة من العرض العالمي)، والثاني سيخفضه بمقدار 3-5 ملايين برميل يومياً، والأخير سيخفضه بمقدار 6-8 ملايين برميل يومياً، بحسب الصحيفة.
وتقدر أسعار النفط المقابلة بما يتراوح بين 93 إلى 102 دولارًا، و109 إلى 121 دولارًا، و141 إلى 157 دولارًا على التوالي، والأخير من شأنه أن يدفع الأسعار الحقيقية نحو مستويات الذروة التاريخية.
وإذا تم إغلاق المضيق، فإن النتائج ستكون أسوأ بكثير، كما ذكرت الصحيفة، التي أوضحت أن العالم لا يزال في عصر الوقود الأحفوري، ولذلك قد يكون الصراع في أكبر منطقة مصدرة للنفط في العالم مدمرا للغاية.
ويرى خبير الاقتصاد، آدم كابور، في حديثه "للحرة" أن التأثير على الأسواق العالمية ردًا على بداية الحرب كان محدودًا في البداية، حيث قدر المستثمرون في البداية أنه تم احتواء الصراع. ومع ذلك، فإنه يعتقد أن احتمال حدوث امتداد إقليمي يجذب لاعبين آخرين، مثل إيران ولبنان وآخره ما حدث اليوم من قبل اليمن والحوثيين، قد زاد من الشعور بعدم الارتياح في الأسواق.
وقال كابور إن النفط كان متقلبًا بشكل خاص، وسط مخاوف من أن التصعيد قد يؤدي إلى تقييد الإمدادات من المنطقة الغنية بالطاقة.
وأضاف أن أسعار النفط ارتفعت، الجمعة، بعد أن قالت إسرائيل إن قواتها توسع عملياتها البرية، لكنها انخفضت، الاثنين، مع تطلع المستثمرين إلى اجتماع السياسة النقدية لمجلس الاحتياطي الفيدرالي، الأربعاء.
ويرى كابور أن الحرب في غزة جاءت في الوقت الذي كانت فيه إسرائيل تتخذ خطوات لتطبيع العلاقات الدبلوماسية مع جيرانها العرب، بما في ذلك السعودية، من أجل مزيد من التعاون السياسي والاقتصادي.
لكنه أوضح أن استمرار الحرب على غزة سيطيح بتلك الطموحات، وأصبح احتمال التقارب العلني أكثر بعدا.
تراجع العولمةووصفت رئيسة صندوق النقد الدولي، كريستالينا غورغييفا، الصراع المتفاقم بين إسرائيل وحماس بأنه سحابة سوداء أخرى في أفق التوقعات الاقتصادية القاتمة بالفعل.
وقالت إن "بالنسبة لتمركز الحرب في منطقة الشرق الأوسط، فهذا يعتبر أمرا فظيعا من حيث الآفاق الاقتصادية، لأنه سيكون هناك تأثير سلبي على الجيران وعلى القنوات التجارية وعلى القنوات السياحية وتكلفة التأمين".
وتعكس تعليقات غورغييفا التصريحات التي أدلى بها رئيس البنك الدولي، أغاي بانغا، الأسبوع الماضي، والذي قال فيها لشبكة "سي أن بي سي" إن "الصراع جعل هدف التعاون الإقليمي في الشرق الأوسط أكثر صعوبة".
وأضاف بانغا، الثلاثاء: "كنا نعمل من أجل شرق أوسط أكثر سلامًا، وبدأت العديد من الدول في هذه المنطقة في التحدث مع بعضها البعض حول فرصة المضي قدمًا بمنصة جديدة للعيش معًا. وأعتقد أنه من الواضح أن الأمر سيستغرق بعض الوقت حتى ينجح هذا النوع من العمل بطريقة أو بأخرى".
وقال أستاذ الاقتصاد الجامعة الأميركية في القاهرة، كريم خيري أبو بكر، لموقع "الحرة" إنه إذا تصاعد الوضع في الشرق الأوسط، فمن المحتمل أن يؤدي ذلك إلى انقسام أكبر في الشرق الأوسط، ومن ثم ربما بين بعض الجهات الاقتصادية الرئيسية الأخرى.
وأضاف أنه عندما تفكر في الولايات المتحدة، تجد أن هذا البلد يحظى بدعم قوي للغاية لإسرائيل، وإذا رأيت دولًا أخرى مثل الصين إما تتخذ الجانب الآخر أو لا تدعم إسرائيل صراحةً، أو تختار الامتناع عن التصويت، فأعتقد أن هناك احتمالًا بأن بعضًا منها قد تتوتر روابطه التجارية مع الولايات المتحدة.
وتابع أنه إذا تفاقم تراجع العولمة، فإن ذلك يؤثر سلبا علي التضخم والسياسة النقدية على مستوى العالم.
وأوضح أنه مع تراجع العولمة، تحصل على بيئة اقتصادية عالمية أقل قدرة على المنافسة، وعندما تقل المنافسة، يؤدي ذلك في النهاية إلى التضخم، ما يؤدي إلى ارتفاع الأسعار.
ويرى أن ارتفاع الأسعار عالميا بسبب العوامل الجيوسياسية، سيؤدي إلى ارتفاع أسعار الفائدة، ليس فقط من بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي، لكن أيضًا من البنوك المركزية الكبرى الأخرى حول العالم.
وقال إن "الأمر لن يقتصر على انخفاض نمو الناتج المحلي الإجمالي العالمي والذي سيكون بمثابة قيد على النشاط الاقتصادي العالمي، لكن يمكن أيضًا الحصول على سياسة نقدية أكثر صرامة نتيجة لذلك ما قد يؤدي إلى تفاقم هذه التأثيرات أيضًا".
المصدر: الحرة
كلمات دلالية: الاقتصاد العالمی فی الشرق الأوسط أسعار النفط یؤدی إلى فی المئة الحرب فی على غزة إلى أن فی عام فی غزة
إقرأ أيضاً:
الوزراء: الأزمات الجيوسياسية تعيد تشكيل خريطة ممرات الطاقة العالمية
أكد مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء، أن الطاقة أصبحت شريان الاقتصاد العالمي وأداة النفوذ الجيوسياسي الأبرز، مضيفاً أنه مع كل أزمة إقليمية أو صراع دولي، يُعاد رسم خريطة ممرات الطاقة وفقًا لمعادلات جديدة من القوة والمصلحة.
وأوضح مركز المعلومات في تحليل جديد له بعنوان "كيف تعيد الأزمات الجيوسياسية تشكيل خريطة ممرات الطاقة العالمية؟"، أن الأزمات الجيوسياسية، من الحرب الروسية الأوكرانية إلى التوترات في الخليج العربي، والبحر الأحمر، كشفت عن هشاشة الاعتماد المفرط على ممرات بعينها مثل مضيق هرمز أو مضيق باب المندب، وهو ما دفع الدول المنتجة والمستوردة للطاقة إلى البحث عن مسارات بديلة تضمن الأمن والاستمرارية.
ففي ظل هذا الواقع المتقلب، لم تّعُد ممرات الطاقة مجرد مسارات جغرافية لنقل النفط والغاز، بل تحولت إلى ساحات صراع استراتيجي وتجاذب سياسي، تُشكِّلها التكتلات الإقليمية، والرهانات الاقتصادية، والتقلبات البيئية.
فمن خطوط الأنابيب العابرة للقارات إلى مشروعات المواني البحرية خارج مناطق التوتر، تسير الدول نحو إعادة توزيع الجغرافيا الطاقية بما يتجاوز منطق الموقع إلى منطق الأمان والتحكم.
وسعى المركز من خلال التحليل إلى تسليط الضوء على آثار التداعيات المحتملة التي كانت تسود خلال الفترة الأخيرة بشأن إغلاق إيران مضيق هرمز على حركة الطاقة وأسواق النفط، بجانب كيفية مساهمة الأزمات الجيوسياسية في خلق حلول وممرات طاقوية بديلة؛ لتجاوز نقاط الاختناق، فضلًا عن عرض أبرز الممرات الطاقوية المحتملة، التي بدأ الحديث عنها بعد فترة عصيبة ساد خلالها الحديث حول احتمالية الاعتماد عليها كبديل لمضيق هرمز.
أولًا: دور الأزمات الجيوسياسية في رسم خريطة الطاقةتُعيد الأزمات الجيوسياسية، مثل: النزاعات العسكرية، والعقوبات الاقتصادية، والتوترات الإقليمية، تشكيل خريطة ممرات الطاقة العالمية من خلال عدة آليات رئيسة، أبرزها:
- إعادة توجيه تدفقات الطاقة العالمية: حيث تؤدي الأزمات الجيوسياسية دورًا محوريًّا في إعادة توجيه تدفقات الطاقة العالمية، فعندما تتأثر منطقة عبور رئيسة، مثل المضائق والممرات المائية، تتحول تدفقات الطاقة إلى مسارات بديلة؛ وهو ما يزيد الاعتماد على ممرات جديدة أو أقل استخدامًا. على سبيل المثال، دفعت الحرب في أوكرانيا أوروبا للابتعاد عن الغاز الروسي والذي يمر عبر أوكرانيا والبحث عن بدائل مختلفة. كما أن تهديدات الحوثيين للملاحة في البحر الأحمر دفعت بعض شركات النفط إلى الالتفاف حول رأس الرجاء الصالح؛ لتجنب المخاطر الأمنية بمضيق باب المندب.
- تسريع تنويع مصادر وموردي الطاقة: تلجأ الدول إلى تنويع مصادر وموردي الطاقة خلال الأزمات تجنبًا لاحتمالات توقف الإمدادات بشكل مفاجئ. وقد برز هذا التوجه بوضوح بعد اندلاع الحرب الروسية-الأوكرانية؛ حيث سارعت الدول الأوروبية إلى تعزيز استثماراتها في إنتاج الطاقة، وبدأت في البحث عن بدائل خارجية لتأمين احتياجاتها، فتوجهت أنظارها نحو عدد من الدول الإفريقية، مثل جنوب إفريقيا وناميبيا وأوغندا وكينيا، باعتبارها شركاء محتملين في هذا المجال.
- تعزيز الأهمية الجيوسياسية لدول الممر: تكتسب دول العبور والممرات الطاقوية أهمية متزايدة في فترات الأزمات والصراعات الجيوسياسية، ويُعَد انتهاء اتفاقية عبور الغاز الروسي عبر أوكرانيا مثالًا واضحًا على ذلك؛ إذ أتاح لتركيا فرصة لتعزيز دورها كممر رئيس لتصدير الغاز الروسي إلى أوروبا من خلال خط "السيل التركي "(TurkStream). كما تزداد الأهمية الجيوسياسية لأنقرة بفضل موقعها القريب من عدة دول مُصدِّرة للطاقة، وارتباطها بشبكة من خطوط الأنابيب؛ مما يمنحها ميزة استراتيجية في معادلات أمن الطاقة الإقليمي والدولي.
ثانيًا: التداعيات المحتملة على ما أثير خلال الفترة الماضية بشأن إغلاق مضيق هرمز:
يُشكِّل مضيق هرمز أحد أهم الشرايين الحيوية لاقتصاد الطاقة العالمي، فوفقًا لبيانات إدارة معلومات الطاقة الأمريكية، شكّلت تدفقات النفط عبر مضيق هرمز نحو 20.3 مليون برميل يوميًّا في عام 2024، ونحو 20.1 مليون برميل يوميًّا في عام 2024 والربع الأول من عام 2025، وهو ما يمثل أكثر من ربع إجمالي تجارة النفط العالمية المنقولة بحرًا، ونحو خُمس الاستهلاك العالمي من النفط والمنتجات البترولية. إضافةً إلى ذلك، يُعَد المضيق قناة حيوية للغاز الطبيعي المسال (LNG) ويمر عبره يوميًّا كميات ضخمة من الغاز الطبيعي المسال؛ حيث عَبَر مضيق هرمز نحو خُمس تجارة الغاز الطبيعي المسال العالمية في عام 2024؛ مما يجعل المضيق حيويًّا بالنسبة للغاز الطبيعي كما هو الحال بالنسبة للنفط.
وتعتمد الدول الأعضاء في منظمة أوبك، وعلى رأسها: المملكة العربية السعودية، وإيران، والإمارات، والكويت، والعراق، على هذا المضيق لتصدير الجزء الأكبر من إنتاجها النفطي، خصوصًا إلى الأسواق الآسيوية.
ورغم ما أعلنه الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" من وقف لإطلاق النار بين إيران وإسرائيل، فإن الأحداث كشفت عن أنه في حالة إغلاق مضيق هرمز، فقد كان سيؤدي ذلك إلى اضطراب فوري في أسواق الطاقة العالمية؛ مما يتسبب في ارتفاع حاد في أسعار النفط، وتأثير تضخمي سريع يمتد من الولايات المتحدة إلى مختلف أنحاء العالم.
غير أن التداعيات الاقتصادية لا تقتصر على الأسعار فحسب، بل تتجاوزها لتشكل تهديدًا واسع النطاق للاستقرار الإقليمي والدولي، فالمضيق لا يُستخدم فقط لتصدير نفط الخليج، بل تمر عبره أيضًا صادرات النفط الإيراني؛ مما يعني أن أي تعطيل له سيضرب مصالح طهران وحلفائها، إلى جانب دول الخليج العربي التي تعتمد عليه بشكل كبير في حركة تجارتها النفطية.
أما الصين، فتُعَد من أكثر المتضررين المحتملين؛ إذ تعتمد على مضيق هرمز في الحصول على ما يقرب من 90% من وارداتها من النفط الإيراني، رغم العقوبات المفروضة.
وبالتالي، فإن أي إغلاق لهذا الممر الحيوي سيضع ثاني أكبر اقتصاد في العالم أمام تحدٍ كبير في أمن الطاقة واستقرار النمو.
وقد يكون لإغلاق مضيق هرمز تداعيات اقتصادية واسعة النطاق تمتد لتشمل سلاسل التجارة العالمية؛ فوفقًا لتقديرات "دويتشه بنك" الألماني، قد يقفز سعر برميل النفط إلى نحو 120 دولارًا أمريكيًّا في حالة إغلاق مضيق هرمز؛ مما سيؤدي إلى ضغوط تضخمية عالمية. وفي حال تعثُّر إنتاج الغاز الطبيعي، فإن ذلك قد ينعكس سلبًا على إنتاج الأسمدة، الأمر الذي قد يُفضي إلى نقص في الغذاء وحدوث اضطرابات. كما يُتوقَّع أن يشهد مختلف الدول ارتفاعًا عامًّا في الأسعار نتيجة زيادة تكاليف الطاقة.
ثالثًا: ممرات الطاقة البديلة لمضيق هرمز:كلما تزايد التوتر العسكري في الخليج وهُدِّدت الملاحة البحرية، وتحديدًا وصول إمدادات النفط الخليجي للسوق العالمية عبر مضيق هرمز، طُرِحت بدائل لتصدير النفط عبر ممرات أخرى. ورغم استبعاد أن تقوم إيران بإغلاق مضيق هرمز بشكل كامل، برزت الحاجة إلى البحث عن بدائل للمضيق؛ وذلك للحفاظ على استمرار تدفق الطاقة. وفيما يلي أبرز البدائل التي يمكن اللجوء إليها:
- خط أنابيب أبو ظبي-الفجيرة: يُشكّل خط أنابيب أبو ظبي للنفط الخام (أدكوب) مسارًا استراتيجيًّا بديلًا لتصدير النفط الإماراتي إلى الأسواق العالمية، ويمتد هذا الخط الحيوي لمسافة 406 كم؛ حيث ينقل النفط الخام من منشآت "أدنوك البرية" في قلب أبو ظبي إلى ميناء الفجيرة على بحر العرب. وتبلغ سعته التصميمية نحو 1.5 إلى 1.8 مليون برميل يوميًّا؛ مما يمنحه قدرة كبيرة على تأمين تدفق مستقر للنفط؛ إذ يتيح تصدير نحو 70% من النفط الخام الإماراتي بعيدًا عن الممرات البحرية المهددة؛ مما يُعزِّز أمن الطاقة ومرونة الإمدادات في أوقات الأزمات الجيوسياسية.
- خط الأنابيب السعودي "بترولاين": تُعَد السعودية من الدول التي جهَّزت مسارًا بديلًا لمضيق هرمز، يتمثل في خط أنابيب "بقيق-ينبع"، المعروف أيضًا باسم خط أنابيب "شرق- غرب" أو "بترولاين". ينقل هذا الخط النفط الخام من حقل بقيق في المنطقة الشرقية إلى ميناء ينبع على ساحل البحر الأحمر، ويمتد لمسافة تقارب 1200 كم عبر أراضي المملكة.
وتبرز أهمية هذا الخط في كونه يتيح تصدير النفط السعودي دون الاعتماد على المرور عبر مضيق هرمز، ما يمنح الرياض هامشًا استراتيجيًّا في حال حدوث توترات أو تهديدات في الخليج.
- خط أنابيب "غوره-جاسك": شغلت إيران خط أنابيب "غوره-جاسك" عبر ضخ النفط الخام فيه؛ مما يتيح لها تصدير النفط دون الحاجة إلى عبور مضيق هرمز، ويمتد الخط لمسافة تقارب 1000 كم، ناقلًا النفط من منطقة غوره في غرب محافظة بوشهر إلى ميناء جاسك في شرق محافظة هرمزغان، ومن شأن هذا المشروع أن يُسهم في تقليص تكاليف تصدير النفط، كما يعزز قدرة إيران على مواصلة تصدير نفطها حتى في ظل التوترات أو الاضطرابات الأمنية في منطقة الخليج ومضيق هرمز.
- خط أنابيب "سوميد": تلعب مصر دورًا محوريًّا كحلقة وصل بين الخليج وأوروبا في تجارة النفط؛ حيث تستقبل شحنات النفط الخليجي، وخاصة السعودي، في محطة العين السخنة. ويُنقل النفط عبر خط أنابيب "سوميد"، الذي يمتد لمسافة 320 كم من العين السخنة على خليج السويس إلى ميناء سيدي كرير على البحر المتوسط. وتبلغ الطاقة الاستيعابية للخط نحو 117 مليون طن سنويًّا؛ ما يجعله مسارًا استراتيجيًّا لتأمين إمدادات النفط من الخليج إلى الأسواق الأوروبية دون الاعتماد الكامل على الممرات المائية التقليدية مثل مضيق هرمز.
في ضوء ما سبق، يتضح أن الأزمات الجيوسياسية لا تكتفي بتعطيل تدفقات الطاقة فحسب، بل تُحدث تحولات بنيوية في خريطة ممرات الطاقة العالمية، ففي كل مرة يلوح فيها شبح الصراع أو التهديد الأمني، تتعزز قناعة الدول المنتجة والمستوردة للطاقة بضرورة تنويع خياراتها الاستراتيجية؛ سواء عبر إنشاء خطوط أنابيب برية وبحرية، أو تطوير موانٍ تصدير بديلة.
وفي هذا السياق، تبدو خريطة الطاقة المستقبلية مرشحة لمزيد من التعقيد والانقسام؛ حيث تزداد أهمية الأطراف القادرين على توفير الاستقرار والمرونة في زمن التقلُّب. ومن ثَمَّ، فإن مسألة أمن الممرات لم تَعُد فقط شأنًا تقنيًّا أو لوجستيًّا، بل أضحت جزءًا من معادلات الردع، والتحالفات، والحوكمة العالمية للطاقة. ولذلك؛ فإن التعامل مع أزمات مثل احتمال إغلاق مضيق هرمز لا يقتصر على الإجراءات العسكرية أو الدبلوماسية، بل يتطلب استراتيجيات طويلة الأمد لإعادة هندسة شبكة الطاقة العالمية على أسس أكثر أمنًا وتعددًا.