غزة، واحة الصمود والثبات، تنزف بألم وتصارع الآلام، تمتزج أصوات الزغاريد مع أنهار من الدموع لتودع آلافًا من الشهداء، تقف الجامعة العربية ترفع الصوت، تنادى لتجمع العرب تطالب بالعدل والقانون الدولى، وبقوة تقف ضد إسرائيل ومؤامراتها الجائفة، لتمنع تهجير الفلسطينيين من أراضيهم الطاهرة، وتندد بجرائم الاحتلال فى المحافل الاقليمية والدولية، وتستمر فى الضغط الدبلوماسى لوقف الحرب والسماح بدخول المساعدات الإنسانية بشكل عاجل، وتستعد لقمة عربية طارئة خلال أيام لبحث الوضع فى غزة.

بينما يقود امير وتيمان زعيم الليبراليين فى حزب الليكود الذى يترأسه نتنياهو حملة فى وسائل الإعلام الأجنبية تدعو لنقل سكان غزة إلى مصر، إذ يقترح تقديم مغريات مالية واقتصادية وسياسية لمصر، وقال فى إحدى مداخلاته لقناة فرنسية :«لا يجب توطين أهل غزة فى صحراء سيناء لان ذلك سيكون بمثابة كارثة أمنية لمصر وإسرائيل، بل يجب توطينهم فى مصر نفسها وخاصة فى غرب قناة السويس، ودمجهم مع الشعب المصرى بشكل كامل، مقابل ذلك تحصل مصر على الكثير من الأموال ومزايا سياسية واقتصادية وأمنية بما فى ذلك الغاز والكثير من المزايا والمكاتب» 

وأضاف ويتمان فى تصريحاته التليفزيونية التى تفضح مخطط إسرائيل الخبيث: «لذلك كان علينا تهيئة الظروف اللازمة لعرض هذه الوضعية، حتى ينتهى بهم الأمر فعليا إلى إيجاد أنفسهم مجبرين على قبول هذه الوضعية، حتى اذا كانت لا تعجبهم، ونضع مصر أمام الأمر الواقع لتستقبل الفلسطينيين مقابل المكاسب الاقتصادية والسياسية وتوفسر العملة الصعبة»

وفى 17 أكتوبر، نشر المركز البحثى الإسرائيلى «معهد مسغاف للأمن القومى والاستراتيجية الصهيونية»، ورقة بحثية لويتمان تكشف عن أدق التفاصيل للخطة الإسرائيلية المرتقبة لتهجير كافة سكان قطاع غزة إلى مصر.تحت عنوان «خطة التوطين والتأهيل النهائى فى مصر لجميع سكان غزة: الجوانب الاقتصادية»، وتشمل الدراسة عدة نقاط رئيسية تعتمد عليها إسرائيل ومن هذه النقاط هى استغلال أزمة مصر الاقتصادية بتهجير هؤلاء الفلسطينيين إلى سيناء مقابل «امتيازات مادية ضخمة».

وتحث الدراسة الحكومة الإسرائيلية على الاستفادة من الفرصة الفريدة والنادرة لإخلاء قطاع غزة بأكمله وإعادة توطين الفلسطينيين فى مصر، وكشفت الدراسة أن إسرائيل ستستغل أرض غزة بعد تفريغها من سكانها للاستثمار فيها من خلال بناء مستوطنات ومجمعات سكنية عالية الجودة للإسرائيليين ما سيعطى زخما هائلا للاستيطان فى النقب.

وفى يوم ١٣ أكتوبر ظهرت وثيقة مسرّبة من وزارة الاستخبارات الإسرائيلية، لتؤكد على هذه الخطة الشيطانية، وتوصى بإعادة توطين الفلسطينيين من غزة قسرًا فى شمال سيناء، وبناء منطقة عازلة على طول الحدود الإسرائيلية لمنع عودتهم لوطنهم مرة اخرى، بل توفير لهم العمل فى استصلاح الأراضى الصحراوية بسيناء لتوفير لهم الأمن الاقتصاد مما يجعلهم مرتبطين بالمكان ولا يفكرون فى العودة لفلسطين.

 وبدون كلل أو ملل تحاول الجامعة العربية أن تجمع الدول العربية وتوحد الصفوف للدفاع عن حق الفلسطينيين، وتستعد لعقد قمة عربية طارئة فى الرياض فى 11 نوفمبر، لبحث الوضع فى قطاع غزة، بعدما وقفت مصر والأردن بشكل صارم وقوى ضد التهجير القسرى للفلسطينيين، متمسكة بحق الفلسطينيين فى أرضهم رافضة تصفيه القضية الفلسطينية.

‏ومن جانبه أكد أحمد أبو الغيط الأمين العام للجامعة العربية، ان معركة التهجير القصرى للفلسطينيين ستكون معركة طويلة وتحتاج إلى تضامن عربى مكثف لإحباط المخططات الشريرة التى تحاك ضد الشعب الفلسطينى والدول العربية، وذلك وفقا لتدوينته على حسابه الرسمى على موقع اكس بعد قصف إسرائيل لمخيم جباليا واسفر عن سقوط المئات من الشهداء والمصابين، وحمل أبو الغيط المجتمع الدولى مسئوليه عن هذه الدماء التى تسيل يوميا، مطالبا بدخول المساعدات الإنسانية للقطاع بشكل فورى ووقف الحرب.

 وهناك 4 أولويات تهدف لها القمة العربية وهي: وقف العدوان الإسرائيلى على قطاع غزة، إدخال المساعدات على المحاصَرين فى قطاع غزة، إفشال مخطط التهجير القسرى للشعب الفلسطينى، ونزع كل أسباب التوتر والصراع فى المنطقة بحل الدولتين.

ويستثمر أحمد أبو الغيط الأمين العام لجامعة الدول العربية خبراته السابقة فى العمل الدبلوماسى وخاصة عمله لسنوات بالأمم المتحدة، للضغط على المجتمع الدولى لتبنى القضية الفلسطينية وحماية الفلسطينى من الهجوم الغير مسبوق من قوة الاحتلال الغاشم الإسرائيلى، واستقبل أبو الغيط خلال الشهر الماضى العديد من وزراء الخارجية الأجانب والدبلوماسيين من بينهم وزير خارجية ألمانيا وتركيا وبلجيكا بمقر الجامعة بالقاهرة، كما سافر لروسيا وواشنطن وذلك للضغط على إسرائيل دوليا لوقف إطلاق النيران، وتوثيق جرائم القادة الإسرائيليين من انتهاكات وجرائم حرب يومية تستهدف إبادة جماعية لشعب أعزل.

وأوضح السفير مهند العكلوك مندوب دولة فلسطين بالجامعة العربية ان عقد القمة العربية الطارئة لبحث سبل مساعدة دولة فلسطين والشعب الفلسطينى لمواجهة التحديات السياسية والانسانية والاقتصادية والاجتماعية، بالإضافة إلى بحث التحرك العربى على المستوى الدولى لإنهاء الاحتلال الإسرائيلى للأرض الفلسطينية المحتلة عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، وفق القانون الدولى وقرارات الشرعية الدولية ذات الصلة ومبادرة السلام العربية لعام 2002.

وقد عقد مجلس جامعة الدول العربية على مستوى وزراء الخارجية العرب دورة غير عادية بمقر الأمانة العامة يوم 11 أكتوبر الجارى، اعلن فيه دعم الدول العربية اقتصاديا وماليا لفلسطين، وأدان بشدة الجرائم التى ترتكب فى حق المدنيين وارتكاب جرائم همجية بشعة بهدف الإبادة الجماعية لسكان قطاع غزة، مطالبا بضرورة وقف الحرب فورا وسرعة تدخل المجتمع الدولى للضغط على إسرائيل بوقف العدوان واستهداف البنية التحتية والمرافق والخدمات فى تحدى صريح لكل الأعراف والقوانين الدولية.

وتبذل الجامعة العربية جهودًا مستمرة لمنع تهجير الفلسطينيين من أراضيهم، وتعمل الجامعة فى هذا القضية منذ زمن، من خلال استخدام أكثر من اتجاه منها الجهود الدبلوماسية والتواصل: تستخدم الجامعة العربية قنوات الدبلوماسية والتواصل السياسى للتأكيد على حق الفلسطينيين فى العيش فى أرضهم ومنع تهجيرهم، تواصل الجامعة مع الجهات العربية والدولية لتعزيز الوعى بالقضية الفلسطينية وضرورة حماية حقوق الفلسطينيين.

كما تقدم الجامعة ايضا الدعم الإنسانى والاقتصادى خلال السنوات الماضية على توفير المساعدات الإنسانية والاقتصادية لتحسين ظروف المعيشة فى الأراضى الفلسطينية ودعم البنية التحتية والخدمات الأساسية.

ومن الناحية القانونية تعمل الجامعة العربية على تسليط الضوء على انتهاكات حقوق الإنسان التى يتعرض لها الفلسطينيون وتوثيقها لتقديمها لمحكمة العدل الدولية، كما تقوم الجامعة العربية بتعزيز التوعية والتثقيف حول قضية الفلسطينيين وحقوقهم، بتنظم الندوات والمؤتمرات والفعاليات التوعوية لنشر الوعى بالقضية الفلسطينية وتعزيز الدعم العربى والدولى للفلسطينيين.

وتسعى الجامعة العربية إلى تعزيز التنسيق والتعاون مع المنظمات الإقليمية والدولية المعنية بحقوق الإنسان والقضية الفلسطينية، لمنع تهجير الفلسطينيين وحماية حقوقهم فى أراضيهم، كما تستطيع الجامعة العربية أن تعمل كوسيط بين الفلسطينيين وإسرائيل للتوصل إلى حل سلمى وعادل، حيث كانت تسعى قبل الاحداث الأخيرة إلى تطبيق مبادرة السلام بين الطرفين، يمكن للجامعة أن تسهم فى تنظيم جلسات حوار ومفاوضات بين الأطراف المعنية وتسعى لإحراز تقدم فى قضية حقوق الفلسطينيين.

 ضغوط عربية سياسية

وبينما تتصاعد العمليات العسكرية الإسرائيلية على قطاع غزة، يتطلع العالم لنتائج اجتماع القادة العرب، ومن جانبها تحاول مصر والدول العربية وبعض الدول الصديقة تقديم الدعم السياسى لفلسطين بجانب الدعم الاجتماعى، وذلك من خلال استثمار علاقتهم بشكل منفرد مع الدول من أجل إيجاد حلول سريعة ووقف التصعيد وحصار الأزمة، لنرى تحول العديد من مواقف الدول الغربية من مؤيد بشكل مطلق لإسرائيل إلى محايد، بل هناك بعض الدول خرجت عن صمتها وأعلنت دعمها الكامل لحق الفلسطينيين مثل كوريا الشمالية.

ونرى أن تمسك مصر بشكل علنى بوقفها الرافض لأى تصفية القضية الفلسطينية، والتأكيد للمسؤولين الأمريكيين فى الزيارات الرسمية الرفض الحاسم لأى تصفية عنصرية على حساب دول الجوار عبر تهجير السكان فى الأراضى المحتلة إلى مصر والأردن، اجبر ذلك أمريكا بان يخرج رئيسها جو بايدن ليصرح لأول مرة برفض واشنطن تهجير الفلسطينيين.

ومشروع تهجير سكان غزة لم يكن وليد اليوم بل كان هناك العديد من المحاولات سجلها التاريخ لرؤساء مصر بداية من السادات مرورا بجمال عبدالناصر ومبارك، وصولًا إلى الرئيس عبدالفتاح السيسى، والذى تعرض للعديد من الضغوط الإسرائيلية والأمريكية للسماح للفلسطينيين بالإخلاء عبر معبر رفح إلى سيناء، وأن الولايات المتحدة عرضت على القاهرة حوافز اقتصادية فى وقت تواجه فيه مصر أزمة ديون حادة، وذلك وفقا لمركز مالكوم كير العالمى، إلا أن السيسى أكد أن مصر ترفض «تهجير الفلسطينيين قسريًا من أراضيهم».

 

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: القمة العربية إسرائيل القضیة الفلسطینیة تهجیر الفلسطینیین الجامعة العربیة الدول العربیة أبو الغیط مع الدول قطاع غزة

إقرأ أيضاً:

جامعة الدول العربية.. حين يكون الترشيح إعلانا للانسحاب!

لا أعرف مصدر الخبر الذي انتشر عن نية مصر ترشيح الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس الحكومة الحالي، لموقع الأمين العام لجامعة الدول العربية.. كما لا أعرف مصدر خبر عزم المملكة العربية السعودية على المنافسة على الموقع، ونقل مقر الجامعة إلى الرياض!

فقد أصبحنا نستيقظ على أخبار وأحداث تنشر على منصات التواصل الاجتماعي على نطاق واسع، فلا تعرف أول من نشر، ومن نقل عن من، فحتى العامة صاروا يعتبرون أنفسهم صحفيين يلهثون خلف السبق الصحفي، ومن هنا يأتي الإعلان عن وفاة نجم ما وهو على قيد الحياة، وكأن هناك جهة ما توزع جوائز على من يفوزون بجائزة السبق الصحفي، بل إن منهم من إذا سئلوا عن مصدر معلوماتهم ردوا بعدم جواز سؤالهم، وهي عبارة مستوحاة من مقولة: لا يُسألُ الصحفي عن مصدره!

ولظروف منطقتنا الخاصة يجري الالتزام نصا بمثل بهذه القاعدة، فلا يدلي الصحفي باسم مصدره ولو لقيادته في الصحيفة التي يعمل بها، وعندما سأل أحد أساتذتنا رؤساء التحرير أحد المحررين عن مصدره في معلومة حساسة، ورد الزميل بهذا "الأكلشيه"، علق عليه: هذا باعتباري زبونا!

فالإعلام في العالم المتقدم طور هذه القاعدة، كأن يكون اسم المصدر لدى اثنين من قيادات الوسيلة الإعلامية لأن الأمر يخص مصداقيتها، وقد تلزم النظم القانونية بالإفصاح عن اسم المصدر الذي ضلل الصحيفة أو الصحفي بمعلومة غير صحيحة، أو بوثائق مزورة!

بيد أن الأمور لدينا تسير في اتجاه مختلف صارت فيه السطوة لمنصات التواصل الاجتماعي، وبدلا من أن يقوم الصحفيون بضبط الإيقاع، صاروا جزءا من حالة الفوضى، فالخبر يُنقل للمواقع الصحفية من منصات التواصل، والمواقع تنقل عن بعضها، دون إعلان ذلك، فإذا أردت التأكد من صحة خبر ما، فوجئت بأن دم القتيل ضاع بين القبائل!

مدبولي.. الخيار البائس:

العلاقات المصرية السعودية ليست على ما يرام، وكثيرا ما مرت بحالة الفتور هذه، فيحدث التقارب ثم يعود الفتور مرة أخرى، وهذا ما يعطي مصداقية لأي كلام يقال من أن الرياض سوف تزاحم القاهرة داخل الجامعة العربية، كما يعطي إشارة بأنها قد تكون تسريبات مقصودة، لكن يظل خبر دراسة ترشيح مصطفى مدبولي يوحي بأنه صحيح، وإن لم نعرف مصدره، فلا يمكن أن يكون ترشيحه لإغاظة أحد، لأن أي منافس حقيقي على منصب الأمين العام لجامعة الدولة العربية سيسعده هذا الخيار البائس!

في مقال سابق نشرت أن تفكيرا في الدوائر المصرية لاستبدال مدبولي بالفريق كامل الوزير، لكن لم أسمع بفكرة ترشيح رئيس الحكومة الحالي لمنصب الأمين العام للجامعة العربية، وإن لم أستبعده، لكني أراه خيارا كان جائزا قبل عشر سنوات، عندما كانت السلطة الحالية تعيش انتصاراتها وتجد دعما من الإقليم، ومن لم يقتنع به مرشحا وجد من يدير معه حوارا للقبول بهذا الخيار شديد البؤس، لرجل ارتبط اسمه بمرحلة انهيار أداء الخارجية المصرية، فتصرف كما لو كان عضوا في لجنة السياسات بالحزب الوطني تحت رئاسة أحمد عز!

بيد أن كل وقت وله أذان، وفي عهد مبارك عندما وجد تمردا من الأشقاء على احتكار دولة المقر للمنصب، رغم أن هناك شخصيات معتبرة من خارجها مثل الجزائري الأخضر الإبراهيمي والأردني الأمير الحسن، فإن أمينا نصح مبارك بأن يقطع الطريق باختيار عمرو موسى، صاحب الكاريزما، لهذا الموقع!

ولم يكن عمرو موسى الاختيار المناسب لمبارك، وهو الذي قرر عزله من منصب وزير الخارجية، بعد أغنية شعبان عبد الرحيم "أحب عمرو موسى.. وأكره إسرائيل"، وربما هناك من وشى لمبارك عن تزايد شعبية الوزير في الأوساط عامة، بما يجعله بديلا مريحا له في المستقبل، لكن مبارك عندما أدرك أن مصر قد تخسر موقع الأمين العام للجامعة، تجرع السم بهذا الاختيار!

قصة السفير نبيل العربي:

الأمر نفسه تكرر بعد الثورة، ففي فترة حكم المجلس العسكري، يبدو أن وزير الدفاع المشير محمد حسين طنطاوي لم يكن يقدر الموقف التقدير الصحيح، فوقع اختياره على مصطفى الفقي ليحل محل عمرو موسى الذي قرر الاستقالة والترشح لمنصب رئيس الجمهورية!

وبدا عجبا أن يختار المشير شخصا كمصطفى الفقي بعد الثورة، وهو محسوب على دولة مبارك، ليرشحه لهذا الموقع، وبدا كما لو كان يعاند الأوضاع التي استجدت، فهناك ثورة كان من تجلياتها أن يصبح هو من يحل ويعقد، ولا يجوز له أن يفكر بعقلية الوزير الذي ينتمي للعهد البائد، فإن فعل ورشح الفقي، فإن العالم العربي ليس عساكر مراسلة في كتيبته، وأعلنت قطر المنافسة بمرشح لها، له ثقله، وكانت قادرة على حشد التأييد له، لولا أن المشير تراجع عن هذا الخيار، فمن لا يرى من الغربال أعمى، ورشح شخصية ثقيلة بحجم السفير نبيل العربي!

وكان العربي من أصحاب الوزن الثقيل في السلك الدبلوماسي، ولهذا كان المجلس العسكري يرشحه لمنصب رئيس الجمهورية في البداية، وكان ينافسه على ذلك الوزير السابق منصور حسن، وهذه المرحلة سقطت من ذاكرة الثورة المصرية!

ففي بداية توليه السلطة، كان المجلس الأعلى للقوات المسلحة يرى نفسها مخولا باختيار رئيس يحوز على الإجماع بين القوى السياسية، لكنه كان يفعل في هذه الفترة بدون تنسيق، فيدفع باسم نبيل العربي فيلقى تأييدا من الإخوان والوفد (أقوى حزبين حينذاك)، ثم يدفع باسم منصور حسن فيجد تأييدا من الإخوان والوفد، الأمر الذي استنكرتُه، ورأيت أن المجلس العسكري ليس مخولا باختيار خليفة مبارك، ولا يجوز للقوى السياسية أن تتعامل مع كل خيار عن بعد على قاعدة هذا ربي هذا أكبر، ولا بد من أن يكون هذا بتوافق واتفاقات وليس فرضا من أعلى، وأن على المجلس العسكري أن يغادر غير مستأنس لحديث، وكنت في هذا أعبر عن الطهر الثوري، ولم يكن مثل هذا الموقف المتشدد يليق بنصف ثورة صنعناها!

والذي حدث بعد ذلك أن رؤية المجلس العسكري تطورت، ومد في الفترة الانتقالية مدا، وبدا المشير كما لو كان يريد الاستمرار، لكن المظاهرات التي لم تتوقف وحدث فيها هرج ومرج، دفعته لتحديد موعد الانتخابات والهروب غير المنظم، فلم يكن له مرشح، وكان كل ما يشغله ألا يكون اللواء عمر سليمان هو رئيس الجمهورية، وعندما وجد المنافسة وقد انحصرت بين الدكتور محمد مرسي والفريق أحمد شفيق، لم يكن متحمسا لنجاح الأخير، لأنه لم يكن سيقبل ما يخطط له المشير من الشراكة في الحكم، فترك الأمور تجري في أعنتها!

أعتذر لهذه الاستطراد لأنني اكتشفت أن كثيرين لا يتذكرون المرحلة الأولى من الثورة عندما كان الدكتور نبيل العربي أحد خيارات المجلس العسكري للرئاسة، وهو مع هذا الثقل تم ترشحيه لموقع الأمين العام لجامعة الدول العربية؛ لأن خروج المنصب لدولة أخرى غير دولة المقر إجراء كاشف عن تراجع دور مصر في المنطقة، لذا فكان الحرص على الدفع بشخصيات من الوزن الثقيل، مهما كان الموقف منها (كما في حالة عمرو موسى)، وهذا هو بيت القصيد!

مدبولي.. هو الانتحار:

فليس من الذكاء في شيء ومصر في وضع لا يخفى على أحد، وفي تراجع للدولة والمكانة، أن تقدم على عملية انتحار باختبار الدكتور مصطفى مدبولي لهذا الموقع، الأمر الذي كان يمكن أن يحدث قبل عشر سنوات، عندما كانت دول في الإقليم ترى أن دورها يدعم تجربة الحكم الجديدة، ولن يكون هذا بسحب امتياز منها، فكان القبول بمرشحها أحمد أبو الغيط، وهو من أصحاب القامات المنخفضة!

وبعيدا عن صحة خبر أن السعودية تفكر في المنافسة على الموقع، فإن ترشيح مصطفى مدبولي في ظل هذه الأجواء التي لا تخف على أحد سيكون عملية استفزاز ليس لها ما يبررها، قد يدفع دولا أخرى للمنافسة، وفي هذه الأجواء قد تضمن هذه الدول نجاح مرشحها بقليل من المشاورات!

وهناك من يرون أن الجامعة لا تقدم ولا تؤخر، وهذا صحيح، فهي تعبير عن العجز العربي، وهناك من لا يرون بأسا لذلك من إغلاقها بالضبة والمفتاح، وهذا هو العبث بعينه، والذي يدفع له في كثير من الأحيان تشويش في العقول لفكرة المعارضة للنظام القائم، نتج عنه تصور أن الأزمة مع مصر، وليس الخلاف مع النظام القائم أنه يعمل على تراجع مكانة مصر، وهو ما ينبغي أن يغضبنا!

لقد انبعث أشقاها ليؤكد على اتجاه آخر، من العبث تصوير صاحبه مدفوعا لذلك بالتمويل الخارجي، عندما يدعو الناشط المسيحي عماد جاد إلى انتقال الجامعة العربية إلى السعودية فمنها ومن اليمن جاء العرب. والخطوة القادمة ستكون الدعوة بعودة العرب من حيث جاؤوا، عودة إلى موشح أن مصر بلد المسيحيين أصلا، وهم ذاتهم الأشخاص الذين يقولون مرة بقبطيتها (بمعناها الديني)، وفرعونيتها (بالاحتكام للسلالة)، فالمهم ألا تكون مصر "العربية"، أو أن دينها الإسلام!

إن أول الرقص حنجلة!

x.com/selimazouz1

مقالات مشابهة

  • جدل بعد دعوة لنقل مقر جامعة الدول العربية من القاهرة إلى الرياض
  • جامعة الدول العربية.. حين يكون الترشيح إعلانا للانسحاب!
  • هل يترك مدبولي رئاسة الحكومة ليخلف أبو الغيط في الجامعة العربية؟
  • دعوات تغيير آلية اختيار أمين الجامعة العربية تثير جدل مغردين
  • أحمد موسي يحذر من مخطط إضعاف الجامعة العربية.. لا تختلقوا قصة ومعارك وهمية
  • الدول العربية الأعلى من حيث نسبة الدين للعام 2025 (إنفوغراف)
  • كيف تستعد الدول العربية لغزو سوق الطاقة النووية؟
  • فتح: مصر تؤدي دورًا محوريًا في القضايا العربية وعلى رأسها الفلسطينية
  • سياسة بريطانيا وجرائم إسرائيل ضد الفلسطينيين
  • كاتب سعودي يدعو لوقف احتكار مصر للجامعة العربية.. ويقترح بديلا