ثمّن سفير صربيا بالقاهرة ميروسلاف تشيستوفيتش التحركات الدبلوماسية المصرية المكثفة لاحتواء الأزمة الحالية في قطاع غزة، مؤكدًا أهمية دعم جهود الوساطة المصرية لإنهاء الوضع المتدهور في القطاع والتوصل إلى وقف إطلاق النار.

وأعرب تشيستوفيتش - اليوم الثلاثاء- عن تفهم بلاده للمخاوف المصرية ورفضها التهجير القسري للفلسطينيين، وأنه لا يمكن حل هذا النزاع على حساب الدول الأخرى، قائلًا: "الأزمة الحالية تخطت بكثير الأزمات السابقة، ما يتوجب على المجتمع الدولي التدخل لحلها".

وأوضح أن صربيا تدعم حل الدولتين وجميع قرارات الأمم المتحدة ذات الصلة بما في ذلك القرار الذي يطالب بإقامة دولة فلسطينية على حدود 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، منوهًا إلى أن بلاده اعترفت بالدولة الفلسطينية ولها علاقات دبلوماسية كاملة معها.

وحول الأزمة الحالية، قال السفير إنها نتجت عن عدم تنفيذ قرارات الأمم المتحدة.. مشددًا على رفض بلاده للرد الفعل الإسرائيلي على هجوم حركة حماس في 7 أكتوبر الماضي لأنها (تل أبيب) لم تضع في اعتبارها القانون الدولي الإنساني -بحسب وصفه-.

في سياق منفصل، وحول العلاقات الثنائية المصرية الصربية، وصف السفير المرحلة الحالية بين البلدين بأنها تعيش مرحلة مزدهرة في أعقاب الزيارة التاريخية التي قام بها الرئيس السيسي لبلجراد في يوليو 2022 والتي تعد أول زيارة لرئيس مصري إلى بلجراد بعد 35 عامًا، ما أعطى دفعة قوية للتعاون الثنائي، حيث تضمنت الزيارة الإعلان عن الشراكة الاستراتيجية بين مصر وصربيا خلال هذه الزيارة.

شراكة استراتيجية بين مصر وصريبا

وأضاف تشيستوفيتش أن الشراكة الاستراتيجية بين مصر وصريبا تركز على أهمية التنسيق السياسي في القضايا الثنائية والإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك، والحفاظ على السلام الدولي واحترام السيادة والسلامة الإقليمية، ودعم التعاون في مجالات الدفاع والأمن ومكافحة الإرهاب، وتعزيز التعاون البرلماني والاقتصادي خاصة في مجالات الزراعة والصناعة الغذائية، والسياحة، والنقل والبنية التحتية، والعلوم، والاتصالات، والصناعة والتكنولوجيا المعلومات والاتصالات وأمن الطاقة.

وأوضح أنه تم التوقيع خلال زيارة الرئيس السيسي لبلجراد على 12 مذكرة تفاهم في مجالات المشروعات الصغيرة والمتوسطة، والزراعة، والاستثمار، ومجال القياس ودعم المعلومات، وحماية البيئة، والتعليم العالي، والثقافة، والبرنامج التنفيذي للتعاون في مجال التعليم والإعفاء المتبادل من التأشيرة لحاملي جوازات السفر الدبلوماسية والخدمة والخاصة، وكذلك في مجالي الإعلام والسينما، وبين المتحف القومي للحضارة المصرية في مصر ومتحف الفنون الإفريقية في صربيا.

وأعرب عن أمله بقرب التوقيع على اتفاقية منطقة التجارة الحرة بين البلدين التي يتم إعدادها حاليًا والتي ستؤدي إلى زيادة كبيرة في التبادل التجاري الثنائي ودعم التعاون الاقتصادي والشراكات بين الشركات المصرية والصربية، وأن التجارة الثنائية بين البلدين لا تعكس حاليًا مستوي العلاقات السياسية بين البلدين.

وأشار إلى أن التبادل التجاري بين البلدين بلغ 5ر114 مليون دولار عام 2022 من بينها 2ر64 مليون دولار صادرات مصرية لصريبا والتي تتضمن الفوسفات وسماد اليوريا والملح والفاكهة مثل المانجو والفراولة والحمضيات، وتتمثل أغلب صادرات صربيا لمصر في التبغ. 

وحول الزيارات الثنائية، قال السفير إنه يتم الإعداد حاليا لزيارة الرئيس الصربي ألكسندر فوتشيتش ووزير التجارة توميسلاف موميروفيتش إلى مصر خلال الفترة المقبلة.

كما أوضح أن العام الجاري شهد تبادلًا مكثفًا للزيارات، حيث زار القاهرة وزيرا الدفاع و شئون الأسرة والأمن الاجتماعي الصربيان، وعقدت مشاورات سياسية على مستوى نائبي وزيري الخارجية، بينما زار بلجراد رئيس مجلس النواب الدكتور حنفي جبالي، ومفتي الجمهورية الدكتور شوقي علام، ومحافظ جنوب سيناء خالد فودة، ورئيس المجلس المصري للشئون الخارجية السفير محمد العرابي.

وعن مشروعات التعاون، قال إن صربيا تولي اهتمامًا كبيرًا بالاستثمار في مجال الفوسفات بمصر في ضوء احتياجها الكبير له لأنها دولة زراعية، موضحًا أننا ندرس إمكانية إقامة مخازن للحبوب في المنطقة الاقتصادية لقناة السويس، مستفيدين من الموقع الاستراتيجي لمصر.. مؤكدًا استعداد شركة صربية لنقل التكنولوجيا في مجال الموارد المائية إلى مصر.

وأضاف أن بلاده تدرس فرص التعاون مع مصر في مجال الطاقة مثل الغاز والطاقة الخضراء في ضوء السعي لتنويع مصادر الطاقة وإمكانية استيراد الغاز المصري عن طريق اليونان.
وعن قطاع السياحة، أشار السفير إلى أن عدد السائحين الصرب الذين يقضون إجازاتهم في مصر يبلغ 100 ألف سائح سنويًا، مضيفا أنه يتم تسيير أكثر من 20 رحلة أسبوعيًا لشركة "إير كايرو" بين الغردقة وبلجراد خلال فصل الصيف، وتصل عدد الرحلات إلى 3 في باقي فصول السنة.

كما لفت إلى أنه تم تسيير خط طيران مباشر لشركة "إير صربيا" بين القاهرة وبلجراد 3 مرات أسبوعيًا عقب زيارة الرئيس السيسي الأخيرة، متوقعًا زيادة عدد الرحلات في المستقبل نظرًا للإقبال الكبير من جانب المصريين الذين يسافرون إلى الدول الأوروبية الأخرى عن طريق بلجراد.

وأعرب عن رغبته في أن يقوم السائحون الصربيون باستكشاف أماكن الجذب السياحي الجديدة في مصر وعدم اقتصارها على منتجعات البحر الأحمر، مشيرًا إلى أن السائحين الصربيين بدأوا في السفر إلى مدينة مرسى مطروح هذا الصيف ونتطلع إلى الترتيب لرحلات لهم لمدينة شرم الشيخ.. معربًا عن أمله أن يصل عدد السائحين الصربيين لمصر إلى 300 ألف سائح سنويًا.

وحول التعاون الثقافي، أشار سفير صربيا بالقاهرة ميروسلاف تشيستوفيتش إلى أنه يتم الإعداد حاليًا للـ"أيام الثقافية الصربية في مصر" وتتضمن عروضًا فنية مثل الباليه وأفلام سينمائية في فبراير المقبل، ومن المقرر أن يشهد العام المقبل "الأيام الثقافية المصرية في صربيا"، مضيفًا أن مصر كانت ضيف شرف في معرض الكتاب الذي أقيم في صربيا في السنوات الماضية، بالإضافة إلى العدد الكبير من اتفاقيات التوأمة بين المدن المصرية والصربية.

المصدر: صدى البلد

إقرأ أيضاً:

بين السويس وباب المندب: هل تسهم الدبلوماسية المصرية في استقرار اليمن؟

كتب / السفير الدكتور محمد قُباطي

في ظل التحولات المتسارعة في المحاور الإقليمية، تمتلك مصر فرصة تاريخية لإعادة صياغة استراتيجيتها في البحر الأحمر: من إدارة التهديدات إلى صناعة الاستقرار. وقد يكون اليمن أول اختبار حقيقي لهذا التحول.

*من التهديد إلى المبادرة*
يُعد البحر الأحمر اليوم أحد أكثر الممرات اضطراباً في الجغرافيا السياسية العالمية، ما يفرض على مصر ضرورة تبنّي استراتيجية استباقية وجريئة. فمصالحها واضحة: تأمين قناة السويس، حماية التجارة البحرية، وضمان استقرار الجناح الجنوبي للدولة. ورغم أن اليمن هو المسرح الرئيسي لتجليات انعدام الأمن في البحر الأحمر، إلا أن القاهرة نادراً ما تعاملت معه كساحة لمبادرات استراتيجية فعالة.

لسنوات طويلة، تذبذبت السياسة المصرية تجاه اليمن بين الحذر والانكفاء، متأثرةً بتجربة الستينيات القاسية، وصراعات المحاور الإقليمية، وتعقيدات التوازنات الخليجية. لكن الجمود لم يعد خياراً ممكناً. فمع تصاعد أدوار اللاعبين الإقليميين وهشاشة النظام الداخلي في اليمن، باتت أمن مصر القومي مرتبطاً ارتباطاً مباشراً بما يجري في محيط باب المندب.

*ضامن للاندماج المشروط*
تتمتع مصر بموقع فريد يمكّنها من أداء دور بنّاء في اليمن، لا من خلال الانحياز لطرف دون آخر في صراع متعدد الأوجه، بل عبر تبني نموذج جديد من الدبلوماسية العربية. فالكثير من القوى الوطنية اليمنية تخشى أن تبتلعها مشاريع إقليمية كبرى تطمس حدود السيادة وتضعف القرار المستقل. وهنا يمكن لمصر، بتاريخها العريق في بناء الدولة وممارسة الدبلوماسية، أن تطرح نموذجاً مغايراً قائماً على “الاندماج المشروط” بدلاً من التحالفات المفتوحة على المجهول.

ويعني ذلك دعم إعادة اندماج اليمن في المنظومة الخليجية السياسية والاقتصادية، دون التفريط بكرامة اليمنيين وحقهم في تقرير المصير. بوسع القاهرة أن تكون الضامن لأن لا تتحول شراكات الإقليم إلى تبعية، ولا الاندماج إلى إلغاء للهوية. مصداقية مصر التاريخية تمنحها القدرة على ترسيخ إطار يحفظ السيادة ويعمّق التعاون في آن واحد.

*قيود واقعية، وفرص استراتيجية*
لا شك أن مصر تواجه تحديات كبيرة: من ضغوط اقتصادية، إلى انشغالات ملحة في غزة والسودان، إلى ضعف تأثيرها المباشر على الأطراف اليمنية المتنازعة. ومع ذلك، فإن هذه القيود لا تعني غياب الخيارات الذكية.

يمكن لمصر تفعيل أدوات الدبلوماسية متعددة الأطراف، وإحياء آليات الجامعة العربية، والتنسيق مع عمان والأردن، وبناء جسور تعاون فعالة مع الشركاء الخليجيين. كما تستطيع توظيف قوتها الناعمة—من تدريب الكوادر الدبلوماسية، إلى مشاريع البنية التحتية، والتنسيق البحري—بدلاً من الانخراط العسكري أو المالي المباشر.

حتى المبادرات الرمزية—كاستضافة حوارات يمنية أو تسهيل فك الاشتباك البحري—يمكن أن تنقل الدور المصري من هامش الغياب إلى قلب الفعل.

*إعادة تخيّل الدبلوماسية*
المطلوب اليوم ليس فقط تعديل التكتيك، بل تغيير كامل في زاوية الرؤية. على مصر أن تعيد تموضعها لا كمراقب ساحلي، بل كقوة بحر أحمر لها مصالحها وحلولها. عليها الانتقال من ردود الفعل الظرفية إلى مبادرات هيكلية، تربط استراتيجيتها في البحر الأحمر بانخراط أعمق في إفريقيا، وبحماية قناة السويس، وبدور أكثر فعالية في صياغة النظام الإقليمي العربي.

وفي هذا السياق، لا ينبغي النظر إلى اليمن كملف معزول. بل هو معيار حاسم لقدرة مصر على استعادة دورها كقوة استقرار عربية في مواجهة انهيار الدول وتبدل التحالفات. فبمساعدة اليمن على أن يصبح شريكاً لا مجرد ساحة صراع، يمكن لمصر أن تحقق مصالحها وتستعيد موقعها القيادي، انطلاقاً من التوازن والسيادة والأمن الإقليمي.

*خاتمة: نافذة استراتيجية أمام القاهرة*
السؤال اليوم ليس ما إذا كانت مصر يجب أن تتحرك في الملف اليمني، بل ما إذا كانت ستغتنم هذه النافذة الاستراتيجية قبل أن يسبقها الآخرون في رسم معالم المرحلة المقبلة. مصر المترددة قد تُقصى، أما مصر المبادِرة فلها أن تصوغ النغمة وتحدد الاتجاه.

القاهرة أمام فرصة حقيقية لتحويل اضطراب البحر الأحمر إلى ميدان اختبار دبلوماسي. لكن ذلك يتطلب وضوحاً في الرؤية، وشجاعة في اتخاذ القرار، وقيادة تنبع من المبدأ لا من القرب الجغرافي فقط.

من السويس إلى باب المندب، قد تكون المياه مضطربة—لكنها، إن أحسنت مصر الإبحار، قد تقودها إلى تجديد دورها الاستراتيجي بامتياز.

مقالات مشابهة

  • سفير بلادنا يبحث مع وزير التعليم العالي السوري تعزيز التعاون الأكاديمي بين البلدين
  • سفير الصومال بالقاهرة: زيارة شيخ محمود لمصر تهدف لتعزيز التعاون المشترك
  • نائب وزير الخارجية يستعرض مع سفير الإمارات لدى المملكة العلاقات الثنائية بين البلدين
  • الأسود تبحث مع السفير الباكستاني تفعيل الاتفاقيات التعليمية بين البلدين
  • بين السويس وباب المندب: هل تسهم الدبلوماسية المصرية في استقرار اليمن؟
  • تطوير التعاون مع صربيا وإندونيسيا في النقل الجوي
  • العراق وصربيا يؤكدان على تعزيز التعاون بين البلدين
  • السوداني يشدد على دعم السلام في المنطقة مع سفير صربيا
  • الكوني: نثمن دعوة الرئيس المصري لإخلاء ليبيا من القوات الأجنبية   
  • السفير البلغاري: حريصون على تعزيز التعاون مع المؤسسات التعليمية المصرية