التأثيرات الاقتصادية العالمية للصراع الحالي في غزة
تاريخ النشر: 24th, November 2023 GMT
كما هو معلوم للجميع شهد العالم والشرق الأوسط، تحديدًا، في الشهر الماضي، تصعيدًا أمنيًا خطيرًا بسبب النزاع الحاصل بين حماس وإسرائيل الذي بدأ في السابع من أكتوبر الماضي، حيث يحمل هذا التصعيد تداعيات بعيدة المدى على الاقتصاد العالمي بشكل عام، حيث شاهدنا الآن ارتفاعًا في أسعار الطاقة- وخاصة النفط – وزيادةً كبيرة في أسعار الغاز الأوروبي.
التداعيات الاقتصادية بشكل عام:
أولاً: ارتفاع أسعار الطاقةأدّى الصراع إلى ارتفاع خطير للبرميل في أسعار النفط مع مخاوف أن الأسواق قد تتجاوز مستوى 100 دولار للبرميل طبقا لتقرير نُشر في الجارديان، ما أثر بشكل كبير على الدول التي تعتمد بشكل كبير على البترول في الصناعة. وقد أدى ذلك إلى مخاوف من التضخم، حيث تنتشر تكاليف الطاقة العليا في مختلف قطاعات الاقتصاد.
ثانياً: تهديد نقص الطاقةبالإضافة إلى زيادة الأسعار، هناك تهديد مستقبلي بنقص الطاقة. إذا استمر النزاع وأثر على إنتاج الطاقة في مناطق رئيسية، أو إذا تم قطع مسارات النقل لموارد الطاقة، فإن إمدادات النفط والغاز العالمية قد تتأثر بشكل كبير، ما يؤدي إلى مزيد من زيادة الأسعار ونقص المعروض المحتمل.
ثالثاً: مخاوف من الركود التضخميالوضع الحالي قد يشعل مخاوف من حدوث حالة من الركود التضخمي، وهي حالة اقتصادية خطيرة تتميز بالنمو الركودي، وارتفاع التضخم. نقص الأموال الناتج عن البطالة يسبب تباطؤ النمو الاقتصادي ويمكن أن يزيد من هذا الوضع.
التأثير على منطقة الشرق الأوسطفي حين أن ارتفاعَ أسعار النفط والغاز المفترضَ، يعود بالفائدة للدول الشرق أوسطية المنتجة والمصدرة لهذه الموارد من خلال زيادة إيراداتها وتقليل العجز، إلا أنه يترافق مع مجموعة من التحديات أثناء الأزمات. الصراعات المستمرة في المنطقة تؤدي إلى التضخم، خصوصًا في تكاليف النقل، وتخلق بيئة غير مواتية للاستثمارات.
لذا أعتقد أن هذه الحرب سوف تخلق كسادًا تضخميًا في أوروبا، وهو أخطر بكثير من الكساد المعتاد، الذي عادة ما يؤدي إلى خفض الأسعار، نتيجة نقص الطلب على المواد، الناتج أساسًا عن شح المال المتولد عن البطالة الناتجة هي الأخرى عن التباطؤ الاقتصادي
بشكل عملي، يؤدّي هذا الوضع إلى هروب رؤوس الأموال إلى المناطق الآمنة، بعيدًا عن مناطق النزاع ومحيطها. علاوةً على ذلك، تنخفض قيم العملات الإقليمية، وتصبح الفرص الاستثمارية التي تعزز النمو والتنمية نادرة. على الرغم من أنه قد يكون مبكرًا التنبؤ بتفاصيل دقيقة، فإن المؤشرات الأخيرة تطلق إنذارًا حول المخاطر الاقتصادية التي تواجهها منطقة الشرق الأوسط بسبب طبيعة النزاع الطويل الأمد.
لذا فإنّ حركة الاقتصاد في الشرق الأوسط قد تدفع ثمنًا كبيرًا في حالة تنامي الصراع واتساع رقعته خارج قطاع غزة، حيث سيسبب ذلك ضررًا في إمدادات الوقود والغاز، قد يكون له تأثيرات كبيرة على تضخم الأسعار بشكل عام، خاصة أن هناك صدمةً في أسعار الطاقة منذ حرب روسيا، ومع بدء التعافي دخلنا في الصراع بقطاع غزة، الأمر الذي قد يؤثر بصورة كبيرة على أسعار الغذاء والمنتجات المرتفعة فعليًا حاليًا، وقد يتأثر الطلب، ومن ثم تضرر الشركات المنتجة، والوضع لا يتحمل مثل هذه التأثيرات.
التأثير على الاقتصاد الأوروبيتظهر العواقب الناجمة عن ارتفاع أسعار الطاقة على الاقتصادات الأوروبية بشكل مثير للقلق. تزيد معدلات التضخم، حيث بقراءة سريعة لما قبل أحداث الصراع الحالي نلاحظ- وبحسب بيانات اليوروستات- أن هناك انخفاضًا في معدلات التضخم في منطقة اليورو من 8.6% في عام 2022 إلى 5.5% في العام الحالي، وانخفاضًا من 9.6% إلى 6.4% في الاتحاد الأوروبي بحلول يونيو 2023.
أدنى معدل تضخم في أوروبا سُجل في لوكسمبورج بنسبة 1%، بينما تليها بلجيكا وإسبانيا من كثب بنسبة 1.6%. من ناحية أخرى، سُجلت أعلى معدلات التضخم في هنغاريا بنسبة 19.9%، حيث تلتها سلوفاكيا بنسبة 11.3% وجمهورية التشيك بنسبة 11.2%.
أما في المملكة المتحدة، فتراجع معدل التضخم بوتيرة أبطأ مقارنة بالبلدان الصناعية الأخرى، حيث انخفض من 11.1% في عام 2022 إلى 6.7% في الشهر الماضي. هذه الأرقام جميعها أتوقع أن تعود مع الربع الأول من السنة القادمة؛ أي خلال 4 أشهر فقط من حدوث النزاع.
لذا أعتقد أن هذه الحرب سوف تخلق كسادًا تضخميًا في أوروبا، وهو أخطر بكثير من الكساد المعتاد، الذي عادة ما يؤدي إلى خفض الأسعار، نتيجة نقص الطلب على المواد، الناتج أساسًا عن شح المال المتولد عن البطالة الناتجة هي الأخرى عن التباطؤ الاقتصادي.
الاستقرار الاقتصادي العالميإنّ الدول تعاني بالفعل من مستويات مرتفعة بشكل غير عادي من الديون، وزيادة في تكاليف الاقتراض مع استمرار رفع مستويات الفائدة لأعلى مستويات لها منذ 20 سنة تقريبًا في الولايات المتحدة، كما أن استثمارات القطاع الخاص تشهد تعثرات مستمرة، وهناك تباطؤ كبير في حركة التجارة العالمية، ما يجعل الحرب وتكاليفها تأتي في ظروف غاية الصعوبة، وفي وقت يعاني فيه العالم.
ولكونها المرة الأولى التي يتعرض فيها الاقتصاد العالمي لصدمتَين للطاقة- في الوقت نفسه في أوكرانيا وفي الشرق الأوسط – فيما يخصّ أسعار النفط والغاز، ولا تقتصر هذه الزيادات في الأسعار على تقليص القوة الشرائية للأسر والشركات فحسب، بل تؤدّي أيضًا إلى ارتفاع تكلفة إنتاج الغذاء، ما يزيد من مستويات انعدام الأمن الغذائي المرتفعة، لا سيما في البلدان النامية.
لذا فإن الصراع الحالي يسلط الضوء على طبيعة الاقتصاد العالمي الهشّة، وسوف تعتمد على مدى تصاعد النزاع. إذا استمر النزاع على نطاق محدود، فستكون تأثيراته محدودة، ولكن إذا تصاعدت الأمور، يمكن أن تصل أسعار النفط إلى 150 دولارًا للبرميل الواحد أو أكثر.
الختامسيكون الصراع في الشرق الأوسط نقطة تهديد كبير للاقتصاد العالمي، ليس فقط في ارتفاع أسعار الطاقة، بل يثير أيضًا شبح نقص الطاقة. يجب أن يكون هناك تعاون دولي كبير لإيقاف الحرب على غزة، ومنع المزيد من الاضطرابات الاقتصادية؛ لأن النتائج ستكون كارثية على الجميع. الحاجة إلى الاستقرار والسلام والتعاون العالمي باتت ضرورة ملحة كي يتّحد العالم لإيجاد حلّ جذري لهذه الأزمة قبل أن ينفجر الوضع وتتوسع دائرة الصراع.
aj-logoaj-logoaj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معناأعلن معنارابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinerssالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: الاقتصاد العالمی على الاقتصاد أسعار الطاقة الشرق الأوسط أسعار النفط فی أسعار
إقرأ أيضاً:
تراجع النفط إلى ما دون 65 دولارا نعمة للمستهلكين وعبء على المنتجين
لندن"أ ف ب": تتسبب رسوم الرئيس الأميركي دونالد ترامب الجمركية ودعوته إلى مواصلة استخراج النفط وقرار "أوبك بلاس" زيادة حصص الإنتاج إلى تراجع أسعار الخام بشكل غير مسبوق منذ وباء كوفيد.
وبينما يعد الأمر إيجابيا بالنسبة للمستهلكين إلا أنه ليس كذلك بالنسبة للمنتجين، بحسب محللين.
ويبلغ حاليا سعر برميل خام برنت بحر الشمال المرجعي على المستوى الدولي أقل من 65 دولارا، أي أقل بكثير من عتبة 120 دولارا التي بلغها في 2022 بعد غزو روسيا التي تعد منتجا رئيسيا للنفط، لأوكرانيا.
وساهم انخفاض أسعار النفط في تراجع عالمي في معدلات التضخم بينما دعم النمو في بلدان تعتمد على استيراد الخام، على غرار معظم أجزاء أوروبا.
وعلى سبيل المثال، تراجع مؤشر أسعار المستهلك في الولايات المتحدة بنسبة 11,8 في المئة من عام لآخر في أبريل.
وقال خبير الاقتصاد لدى "مركز أبحاث الاقتصاد والأعمال" البريطاني Cebr بوشبن سينغ إن تراجع أسعار الخام "يزيد مستوى الدخل المتاح" الذي ينفقه المستهلكون على "الكماليات" مثل الترفيه والسياحة.
وتراجع سعر برميل خام برنت بأكثر من عشرة دولارات مقارنة مع ما كان عليه قبل عام، ما أدى إلى تراجع كلفة مختلف أنواع الوقود المشتقة مباشرة من النفط. وقال سينغ لفرانس برس إن ذلك يساعد في خفض تكاليف النقل والتصنيع التي يمكن أن تساعد، على الأمد المتوسط، في خفض أسعار السلع الاستهلاكية بشكل أكبر.
لكنه لفت إلى أنه بينما يعد تراجع أسعار الخام نتيجة جزئية لسياسات ترامب التجارية، فإن توقع التأثير الصافي على التضخم يبقى صعبا في ظل زيادات محتملة في تكاليف مدخلات أخرى، مثل المعادن.
وأضاف سينغ أنه في الوقت ذاته، "يمكن للنفط الأقل ثمنا أن يجعل مصادر الطاقة المتجددة أقل تنافسية، ما يؤدي في نهاية المطاف إلى تباطؤ الاستثمار في التكنولوجيا النظيفة".
منتجو النفط
وقال المسؤول عن استراتيجية السلع الأساسية لدى "بنك ساكسو" أوله هانسن إنه مع تراجع الأسعار فإن الجهات الخاسرة بلا شك هي البلدان المنتجة للنفط "خصوصا المنتجين ذوي التكلفة العالية المجبرين بناء على الأسعار الحالية الأقل على تخفيف الإنتاج في الأشهر المقبلة".
وقال المحلل لدى "رايستاد إنرجي" خورخي ليون إن بلوغ سعر برميل النفط 60 دولارا أو أقل "لن يكون أمرا رائعا بالنسبة لمنتجي النفط الصخري" أيضا.
وأوضح لفرانس برس أن "تراجع أسعار النفط سيضر بالتنمية لديهم". وأعلنت بعض الشركات التي تستخرج النفط والغاز الصخريين بالفعل عن خفض الاستثمار في حوض برميان الواقع بين تكساس ونيو مكسيكو.
أما بالنسبة لتحالف أوبك بلاس النفطي بقيادة السعودية وروسيا، فتتباين القدرة على التكيف مع الأسعار المنخفضة بشكل كبير.
ويشير ليون إلى أن السعودية والإمارات العربية المتحدة والكويت لديها احتياطات نقدية تتيح لها الاستدانة بسهولة لتمويل مشاريع اقتصادية متنوعة.
وتوقع هانسن أن "الرابحين على المدى الطويل من المرجح أن يكونوا كبار منتجي أوبك بلاس، خصوصا في الشرق الأوسط، في وقت يستعيد هؤلاء حصصا في السوق خسروها منذ العام 2022 عندما شرعوا في خفض طوعي للإنتاج".
بدأت المجموعة التي تضم 22 بلدا سلسلة إجراءات لخفض الإنتاج عام 2022 لدعم أسعار الخام، لكن السعودية وروسيا وستة بلدان أخرى منضوية في التحالف فاجأت الأسواق مؤخرا عبر زيادة الإنتاج.
وأعلنت البلدان المنضوية في التحالف السبت عن زيادات ضخمة في إنتاج الخام لشهر يوليو مع 411 ألف برميل يوميا.
ويفيد محللون بأن الزيادات هدفت على الأرجح إلى معاقبة أعضاء أوبك الذين فشلوا في الإيفاء بحصصهم، لكنها تأتي بعد ضغوط من ترامب لخفض الأسعار.
ويؤثر الأمر مباشرة على بلدان مثل إيران وفنزويلا اللتين يعتمد اقتصاداهما بشكل كبير على عائدات النفط.
كما تضر بيئة حيث الأسعار منخفضة بنيجيريا التي تعد قدرتها على الاستدانة أكثر محدودية، على غرار أعضاء آخرين في أوبك بلاس، بحسب الخبراء.
لكن غويانا غير المنضوية في أوبك والتي سجّلت مزيدا من النمو في السنوات الأخيرة بفضل اكتشاف النفط، تواجه خطر تباطؤ اقتصادها.