الدمار الواسع في غزة يخرج مفهوم إبادة المنازل إلى دائرة الضوء
تاريخ النشر: 9th, December 2023 GMT
نشرت صحيفة "الغارديان" البريطانية مقالا لمحررها الدبلوماسي باتريك وينتور قال فيه إن تدمير أكثر من ثلث منازل غزة أثناء قصف إسرائيل للقطاع لملاحقة مقاتلي حماس كان سببا في دفع خبراء القانون الدوليين إلى إثارة مفهوم "إبادة المنازل" ـ التدمير الشامل للمساكن لجعل المنطقة غير صالحة للسكن.
وفي حرب غزة الحالية، التي بدأت بعد الهجوم الذي شنته حماس على جنوب إسرائيل في 7 تشرين الأول/ أكتوبر، يقدر خبراء مستقلون أن ما يصل إلى 40% من المساكن في غزة قد تضررت أو دمرت.
على الرغم من أن غزة قد تعرضت لأضرار في الصراعات السابقة وأعيد بناؤها، إلى حد كبير بأموال من دول الخليج، فإن الحجم الحالي للدمار هو من نوع مختلف.
والقضية المطروحة هي ما إذا كان حجم الأضرار التي لحقت بالبنية التحتية هو نتيجة ثانوية للبحث عن حماس أو جزء من خطة سرية لطرد الفلسطينيين من غزة، مما يمحو إمكانية أن تصبح غزة مجتمعا شبه قابل للحياة في المستقبل المنظور.
إن إبادة المنازل، وهو مفهوم يحظى بقبول متزايد في الأوساط الأكاديمية، لا يعتبر جريمة متميزة ضد الإنسانية بموجب القانون الدولي، وقد قدم المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بالحق في السكن تقريرا إلى الأمم المتحدة في تشرين الأول/ أكتوبر من العام الماضي، جادل فيه بأن هناك حاجة إلى "فجوة حماية مهمة للغاية" المراد شغلها.
أدى تدمير المنازل في حلب خلال الحرب الأهلية السورية، وتسوية قرى الروهينغيا في ميانمار، وتدمير ماريوبول في أوكرانيا، إلى زيادة التركيز في السنوات الأخيرة على هذه القضية.
وقال مقرر الأمم المتحدة بالاكريشنان راجاغوبال وأستاذ القانون في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا في بوسطن، لصحيفة الغارديان: "من الضروري التصدي للأعمال العدائية الجارية مع العلم أنها ستدمر وتلحق الضرر بشكل منهجي بمساكن المدنيين والبنية التحتية، مما يجعل مدينة بأكملها - مثل مدينة غزة - غير صالحة للسكن بالنسبة للمدنيين".
ويرى راجاغوبال أن هناك فجوة في القانون الدولي، لأنه على الرغم من أن حماية منازل المدنيين مشمولة في نظام روما الأساسي الذي أنشأ المحكمة الجنائية الدولية فيما يتعلق بجرائم الحرب في النزاعات بين الدول، إلا أنها ليست مدرجة ضمن الجرائم ضد الإنسانية التي يمكن أن تحدث خلال صراع داخل الدولة أو يشمل جهات فاعلة من غير الدول.
وقال راجاغوبال: "هذا له صلة بالتدمير الشامل للمساكن في حالة الصراع الإسرائيلي الفلسطيني في غزة. ستقول إسرائيل إن الصراع ليس صراعا مسلحا دوليا لأن إسرائيل لا تعترف بفلسطين كدولة".
وقال إن معظم الصراعات التي شهدت أكبر عدد من الوفيات منذ الحرب العالمية الثانية كانت صراعات مسلحة غير دولية، وكان الصراع بين روسيا وأوكرانيا استثناء وليس القاعدة.
وقال إن فجوة مماثلة فيما يتعلق بالمجاعة قد تم سدها للتو. وقد أدرج نظام روما الأساسي التجويع باعتباره جريمة حرب وليس جريمة ضد الإنسانية، وبالتالي أعفى الجهات الفاعلة غير الحكومية. وضغطت سويسرا من أجل تعديل النظام الأساسي لجعل التجويع جريمة ضد الإنسانية، وهو التغيير الذي تم تنفيذه أخيرا في عام 2022.
وقال راجاغوبال: "أود أن أناشد هذه الدول التي تعارض ما يحدث في غزة، مثل جنوب أفريقيا وإسبانيا، أن تفعل بالضبط ما فعلته فيما يتعلق بالمجاعة لمعالجة فجوة الحماية والتأكد من أن التدمير الشامل للمساكن في غزة جريمة يمكن المحاكمة عليها".
وأضاف أنه على أساس الحقائق والتصريحات التي أدلى بها القادة الإسرائيليون، فإنه يعتقد أن الغرض من الدمار بهذا الحجم لم يكن مجرد القضاء على حماس، بل جعل غزة غير صالحة للسكن.
وتقول إسرائيل إن كل الأضرار التي لحقت بالمباني والخسائر في أرواح المدنيين أمر مؤسف ولكنه أصبح ضروريا بسبب اختباء حماس عمدا في المدارس والمستشفيات ورفضها الاستسلام. وتقول إنها تبذل قصارى جهدها لتحذير المواطنين من الهجمات الوشيكة.
إن تقديرات مستوى الدمار الذي لحق بالمباني في غزة مثيرة للجدل، لكن الاستخدام الجديد لصور الأقمار الصناعية يشير إلى أن 98,000 مبنى قد تضررت حتى 29 تشرين الثاني/ نوفمبر، وهو تاريخ بداية وقف إطلاق النار المؤقت الذي انهار لاحقا.
واستندت النتائج إلى تحليل بيانات القمر الصناعي كوبرنيكوس سينتينل-1 لوكالة الفضاء الأوروبية التي أجراها كوري شير من جامعة مدينة نيويورك وجامون فان دن هوك من جامعة ولاية أوريغون. وقد تم الاستشهاد بعملهم مرارا من قبل المؤسسات الإخبارية بدءا من هيئة الإذاعة البريطانية إلى صحيفة واشنطن بوست، مما يعكس الصعوبة التي يواجهها المراسلون في رسم خريطة للحجم الحقيقي للدمار الناتج عن القصف.
بدلا من استخدام الصور البصرية، يعتمد التقييم على بيانات رادار الأقمار الصناعية المتاحة للجمهور وخوارزمية تم تطويرها خصيصا لقياس استقرار البيئة المبنية لاستنتاج الأضرار التي لحقت بالمبانى. تتمتع بميزة النظر إلى الهياكل من زوايا مائلة وليس فقط من الأعلى.
وأظهرت الصور التي تتحرك من الشمال إلى الجنوب أن الأضرار بلغت 47% إلى 59% بين 7 تشرين الأول/ أكتوبر و22 تشرين الثاني/ نوفمبر في شمال غزة، و47-58% في مدينة غزة، و11-16% في دير البلح، و10-15% في خان يونس و10-15% في خان يونس و7-11% في رفح المنطقة الأقرب للحدود مع مصر. وهذا يصل إلى ما بين 67000 و88000 مبنى، مما يعني أن حوالي 70% من المباني لم تتضرر. وسيكون الرقم في خان يونس قد ارتفع منذ انتهاء وقف إطلاق النار وتركز النشاط العسكري الإسرائيلي في الجنوب.
ومن بين المباني التي دمرت أو دمرت جزئيا المحكمة الفلسطينية الرئيسية في غزة، والمعروفة باسم قصر العدل، ومجمع المجلس التشريعي الفلسطيني، و339 منشأة تعليمية و167 مكان عبادة، في حين أن 26 من أصل 35 مستشفى في القطاع لا تعمل.
وأشار هيو لوفات، من المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، إلى أن إسرائيل "تدمر بشكل متعمد ومنهجي المؤسسات المدنية والبنية التحتية التي ستكون ضرورية لحكم غزة وتحقيق الاستقرار فيها بعد الصراع".
وتكشف صور الأقمار الصناعية أيضا عن تدمير البساتين والدفيئات الزراعية والأراضي الزراعية في شمال غزة. وقالت هيومن رايتس ووتش يوم الاثنين: "في شمال شرق غزة، شمال بيت حانون، أصبحت الأراضي الزراعية الخضراء ذات يوم بنية ومقفرة. تضررت الحقول والبساتين لأول مرة خلال الأعمال القتالية التي أعقبت الغزو البري الإسرائيلي في أواخر تشرين الأول/أكتوبر. وقامت الجرافات بشق طرق جديدة، مما أتاح الطريق أمام المركبات العسكرية الإسرائيلية.
وتظهر تسريبات من داخل الحكومة الإسرائيلية، بما في ذلك وزارة المخابرات، أن المسؤولين يدرسون سبل إجبار الفلسطينيين على مغادرة غزة، إما طوعا أو قسرا. وزارة الاستخبارات ليست هيئة رفيعة المستوى في الحكومة، لكن المحافظين الأمريكيين مثل جون بولتون، مستشار الأمن القومي السابق، قاموا بطرح نسخ مختلفة من مثل هذه الخطط.
وكتب غيورا إيلاند، الرئيس السابق لمجلس الأمن القومي الإسرائيلي، في صحيفة يديعوت أحرونوت، وهي صحيفة إسرائيلية: "ليس أمام دولة إسرائيل خيار سوى تحويل غزة إلى مكان من المستحيل العيش فيه بشكل مؤقت أو دائم. وخلق أزمة إنسانية شديدة في غزة هي وسيلة ضرورية لتحقيق الهدف… غزة ستصبح مكانا لا يمكن أن يعيش فيه إنسان".
وقد استبعدت الولايات المتحدة مرارا مثل هذه السياسة، ويرجع ذلك جزئيا إلى أنها تعلم أن حليفيها، الأردن ومصر، لن يرحبا بالمزيد من اللاجئين في بلديهما، حتى على أساس مؤقت.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي صحافة صحافة إسرائيلية غزة إسرائيل إسرائيل احتلال غزة ابادة طوفان الاقصي صحافة صحافة صحافة سياسة سياسة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة ضد الإنسانیة تشرین الأول فی غزة
إقرأ أيضاً:
ما هو "مشروع إيستر" الخطير الذي تبناه ترامب؟ وما علاقته بحماس؟
في 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2024، بعد مرور عام كامل على الإبادة الجماعية التي تنفذها إسرائيل في قطاع غزة بدعم من الولايات المتحدة، والتي أودت بحياة أكثر من 53.000 فلسطيني، أصدرت مؤسسة "هيريتيج فاونديشن" (Heritage Foundation) ومقرها واشنطن، ورقة سياسية بعنوان "مشروع إستير: إستراتيجية وطنية لمكافحة معاداة السامية".
هذه المؤسّسة الفكرية المحافظة هي الجهة ذاتها التي تقف خلف "مشروع 2025″، وهو خُطة لإحكام السلطة التنفيذية في الولايات المتحدة، ولبناء ما قد يكون أكثر نماذج الديستوبيا اليمينية تطرفًا على الإطلاق.
أما "الإستراتيجية الوطنية" التي يقترحها "مشروع إستير" المسمى نسبةً إلى الملكة التوراتية التي يُنسب إليها إنقاذ اليهود من الإبادة في فارس القديمة، فهي في جوهرها تتلخص في تجريم المعارضة للإبادة الجماعية الحالية التي تنفذها إسرائيل، والقضاء على حرية التعبير والتفكير، إلى جانب العديد من الحقوق الأخرى.
أوّل "خلاصة رئيسية" وردت في التقرير تنصّ على أن "الحركة المؤيدة لفلسطين في أميركا، والتي تتسم بالعداء الشديد لإسرائيل والصهيونية والولايات المتحدة، هي جزء من شبكة دعم عالمية لحماس (HSN)".
ولا يهم أن هذه "الشبكة العالمية لدعم حماس" لا وجود لها فعليًا – تمامًا كما لا وجود لما يُسمى بـ"المنظمات الداعمة لحماس" (HSOs) التي زعمت المؤسسة وجودها. ومن بين تلك "المنظّمات" المزعومة منظمات يهودية أميركية بارزة مثل "صوت اليهود من أجل السلام" (Jewish Voice for Peace).
أما "الخلاصة الرئيسية" الثانية في التقرير فتدّعي أن هذه الشبكة "تتلقى الدعم من نشطاء وممولين ملتزمين بتدمير الرأسمالية والديمقراطية"- وهي مفارقة لغوية لافتة، بالنظر إلى أن هذه المؤسسة نفسها تسعى في الواقع إلى تقويض ما تبقى من ديمقراطية في الولايات المتحدة.
عبارة "الرأسمالية والديمقراطية"، تتكرر ما لا يقل عن خمس مرات في التقرير، رغم أنه ليس واضحًا تمامًا ما علاقة حركة حماس بالرأسمالية، باستثناء أنها تحكم منطقة فلسطينية خضعت لما يزيد عن 19 شهرًا للتدمير العسكري الممول أميركيًا. ومن منظور صناعة الأسلحة، فإن الإبادة الجماعية تمثل أبهى تجليات الرأسماليّة.
وبحسب منطق "مشروع إستير" القائم على الإبادة، فإنّ الاحتجاج على المذبحة الجماعية للفلسطينيين، يُعد معاداة للسامية، ومن هنا جاءت الدعوة إلى تنفيذ الإستراتيجية الوطنية المقترحة التي تهدف إلى "اقتلاع تأثير شبكة دعم حماس من مجتمعنا".
نُشر تقرير مؤسسة "هيريتيج" في أكتوبر/ تشرين الأول، في عهد إدارة الرئيس جو بايدن، والتي وصفتها المؤسسة بأنها "معادية لإسرائيل بشكل واضح"، رغم تورّطها الكامل والفاضح في الإبادة الجارية في غزة. وقد تضمّن التقرير عددًا كبيرًا من المقترحات لـ"مكافحة آفة معاداة السامية في الولايات المتحدة، عندما تكون الإدارة المتعاونة في البيت الأبيض".
وبعد سبعة أشهر، تُظهر تحليلات نشرتها صحيفة "نيويورك تايمز" أن إدارة الرئيس دونالد ترامب -منذ تنصيبه في يناير/ كانون الثاني- تبنّت سياسات تعكس أكثر من نصف مقترحات "مشروع إستير". من بينها التهديد بحرمان الجامعات الأميركية من تمويل فدرالي ضخم في حال رفضت قمع المقاومة لعمليات الإبادة، بالإضافة إلى مساعٍ لترحيل المقيمين الشرعيين في الولايات المتحدة فقط لأنهم عبّروا عن تضامنهم مع الفلسطينيين.
علاوة على اتهام الجامعات الأميركية بأنها مخترقة من قبل "شبكة دعم حماس"، وبترويج "خطابات مناهضة للصهيونية في الجامعات والمدارس الثانوية والابتدائية، غالبًا تحت مظلة أو من خلال مفاهيم مثل التنوع والعدالة والشمول (DEI) وأيديولوجيات ماركسية مشابهة"، يدّعي مؤلفو "مشروع إستير" أن هذه الشبكة والمنظمات التابعة لها "أتقنت استخدام البيئة الإعلامية الليبرالية في أميركا، وهي بارعة في لفت الانتباه إلى أي تظاهرة، مهما كانت صغيرة، على مستوى جميع الشبكات الإعلامية في البلاد".
ليس هذا كل شيء: "فشبكة دعم حماس والمنظمات التابعة لها قامت باستخدام واسع وغير خاضع للرقابة لمنصات التواصل الاجتماعي مثل تيك توك، ضمن البيئة الرقمية الكاملة، لبث دعاية معادية للسامية"، وفقاً لما ورد في التقرير.
وفي هذا السياق، تقدم الورقة السياسية مجموعة كبيرة من التوصيات لكيفية القضاء على الحركة المؤيدة لفلسطين داخل الولايات المتحدة، وكذلك على المواقف الإنسانية والأخلاقية عمومًا: من تطهير المؤسسات التعليمية من الموظفين الداعمين لما يسمى بمنظمات دعم حماس، إلى تخويف المحتجين المحتملين من الانتماء إليها، وصولًا إلى حظر "المحتوى المعادي للسامية" على وسائل التواصل، والذي يعني في قاموس مؤسسة "هيريتيج" ببساطة المحتوى المناهض للإبادة الجماعية.
ومع كل هذه الضجة التي أثارها "مشروع إستير" حول التهديد الوجودي المزعوم الذي تمثله شبكة دعم حماس، تبين – وفقًا لمقال نُشر في ديسمبر/ كانون الأول في صحيفة The Forward- أنَّ "أيَّ منظمات يهودية كبرى لم تُشارك في صياغة المشروع، أو أن أيًّا منها أيدته علنًا منذ صدوره".
وقد ذكرت الصحيفة، التي تستهدف اليهود الأميركيين، أن مؤسسة "هيريتيج" "كافحت للحصول على دعم اليهود لخطة مكافحة معاداة السامية، والتي يبدو أنها صيغت من قبل عدة مجموعات إنجيلية مسيحية"، وأن "مشروع إستير" يركز حصريًا على منتقدي إسرائيل من اليسار، متجاهلًا تمامًا مشكلة معاداة السامية الحقيقية القادمة من جماعات تفوّق البيض والتيارات اليمينية المتطرفة.
وفي الوقت نفسه، حذر قادة يهود أميركيون بارزون -في رسالة مفتوحة نُشرت هذا الشهر- من أن "عددًا من الجهات" في الولايات المتحدة "يستخدمون الادعاء بحماية اليهود ذريعةً لتقويض التعليم العالي، والإجراءات القضائية، والفصل بين السلطات، وحرية التعبير والصحافة".
وإذا كانت إدارة ترامب تبدو اليوم وكأنها تتبنى "مشروع إستير" وتدفعه قدمًا، فإن ذلك ليس بدافع القلق الحقيقي من معاداة السامية، بل في إطار خطة قومية مسيحية بيضاء تستخدم الصهيونية واتهامات معاداة السامية لتحقيق أهداف متطرفة خاصة بها. ولسوء الحظ، فإن هذا المشروع ليس إلا بداية لمخطط أكثر تعقيدًا.