ديفيد هيرست: نتنياهو أراد سقوط حماس لكن هذه الحرب يمكن أن تُسقط إسرائيل
تاريخ النشر: 23rd, December 2023 GMT
استهل رئيس تحرير موقع "ميدل إيست آي" البريطاني ديفيد هيرست مقاله اليوم السبت حول حرب غزة بأنها كانت سوء تقدير كبيرا لإسرائيل، وبالإضافة إلى كونها كارثة أخلاقية وعسكرية فهي تؤجج المقاومة وتعيد إشعال جمر الغضب في جميع أنحاء العالم العربي.
ولفت هيرست إلى ما فعله الرئيس الأميركي رونالد ريغان بعد وابل إسرائيلي كثيف من القصف خلال حصار بيروت في يوليو/تموز 1982، حيث اتصل برئيس الوزراء الإسرائيلي مناحيم بيغن مطالبا إياه بوقف القصف، وقال ريغان وقتها "هنا على التلفزيون ليلة بعد ليلة تظهر لشعبنا رموز هذه الحرب وهي "محرقة".
وعلق الكاتب على ذلك بأنه خلافا للديمقراطيين في البيت الأبيض اليوم كان رئيس الولايات المتحدة الجمهوري ريغان قادرا ومستعدا لدعم أقواله بالأفعال، فأوقفت الولايات المتحدة الذخائر العنقودية وبيع طائرات "إف-16" إلى إسرائيل.
ووقوفا على حجم الدمار الإسرائيلي لغزة مقارنة بقصف قوات الحلفاء المدن الألمانية في الحرب العالمية الثانية نقل الكاتب عن محللين عسكريين التقتهم صحيفة "فايننشال تايمز" أن 68% من مباني شمال غزة دمرت بحلول 4 ديسمبر/كانون الأول الجاري، وذلك بعد شهرين فقط من القصف، وهو قريب من قصف الحلفاء لهامبورغ (75%)، وكولونيا (61%)، ودريسدن (59%)، لكن ما حدث لهذه المدن كان بعد سنتين من القصف.
نقطة ضعف أساسيةوأضاف هيرست أن ما يقارب 20 ألف فلسطيني -70% منهم من النساء والأطفال- قتلوا في نصف الوقت الذي استغرقه إجبار منظمة التحرير الفلسطينية على مغادرة بيروت في عام 1982.
ونبه إلى أن الدمار الذي لحق بغزة يضع الأساس لـ50 سنة أخرى من الحرب، ولن تنسى أجيال من الفلسطينيين والعرب والمسلمين أبدا الهمجية التي تفكك بها إسرائيل القطاع اليوم.
وأشار هيرست إلى أن هذه الرسالة فهمها بعض الإسرائيليين مثل الرئيس السابق لجهاز الأمن العام (الشاباك) عامي أيالون عندما حدد نقطة ضعف أساسية في التفكير التقليدي في الدوائر الأمنية الإسرائيلية، وهي أنه بينما يرى الجيش الإسرائيلي النصر من خلال منظور القوة الغاشمة -كلما قتل المزيد من الناس ودمر أكثر اعتقد أنه فاز- ترى حركة المقاومة الإسلامية (حماس) النصر من خلال منظور "القوة الناعمة"، كلما اكتسبت المزيد من القلوب والعقول عظم النصر.
وذكر الكاتب أن الإسرائيليين يرتكبون الخطأ نفسه الذي ارتكبه الفرنسيون في الجزائر عندما قتلوا أكثر من 1.5 مليون جزائري بين عامي 1954 و1962 معتقدين أنهم بذلك سينتصرون في الحرب، ولكن بعد أن وضعت الحرب أوزارها اضطروا إلى الرحيل ومنحوا الجزائر استقلالها.
وتؤكد سلسلة من التقييمات الاستخباراتية الأميركية الارتفاع الكبير في شعبية حماس منذ بداية الحرب.
ويقول مسؤولون مطلعون إن الحركة نجحت في ترسيخ نفسها في أجزاء من العالم العربي والإسلامي كمدافع عن القضية الفلسطينية ومقاتل فعال ضد إسرائيل، حسبما ذكرت شبكة "سي إن إن" الأميركية.
وهذه أخبار سيئة -كما يقول هيرست- لجميع تلك الدول -وعلى رأسها الولايات المتحدة بطبيعة الحال- التي تظن أن السلطة الفلسطينية يمكن أن تحل محل حماس في غزة، وهذه ليست مجرد أرقام، بل هو الواقع السياسي الجديد بعد 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
وتابع الكاتب أن الهجوم الإسرائيلي على غزة أدى إلى تغيير منطقة الشرق الأوسط بالكامل كما وعد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ولكن ليس على النحو الذي قد تستفيد منه حكومته أو الحكومات المستقبلية.
وطوال 17 سنة من نسيان بقية العالم غزة أو تجاهلها، حيث بذلت أميركا والقوى الأوروبية الكبرى قصارى جهدها لتعزيز الحصار الذي فرضته إسرائيل على القطاع، وطوال 17 سنة من سياسة فرّق تسد الإسرائيلية بفصل غزة عن الضفة الغربية وإزالة كل إمكانية للمشاركة في حكومة وحدة وطنية يلتئم شمل غزة والضفة الغربية اليوم كما لم يحدث من قبل.
وأضاف هيرست أنه حتى الانتفاضتين الأولى والثانية لم تحققا النجاح نفسه الذي حققته حماس في غزة خلال الشهرين الماضيين.
ورأى أنه من الممكن أن تكون نتيجة هذه الحرب حالة مستمرة من الصراع، الأمر الذي سيحرم إسرائيل من الادعاء بأنها أصبحت دولة عادية على النمط الغربي.
وفي ظل هذه الظروف فإن توسع الحرب سيكون موجودا دائما كما تظهر هجمات الحوثيين في اليمن على السفن الغربية التي تمر عبر البحر الأحمر.
وختم هيرست بأن "ميتوت حماس" (سقوط حماس) هو شعار باللغة العبرية وهو هدف حكومة الحرب الإسرائيلية، وبعد شهرين من هذا التدمير يمكنهم أيضا تعديله ليصبح "ميتوت إسرائيل"، لأن هذا هو التأثير الذي قد تحدثه هذه الحرب.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: هذه الحرب
إقرأ أيضاً:
إلى أين يتجه الصراع بين إسرائيل وغزة؟ محررون بواشنطن بوست يجيبون
في حوار سياسي وفكري معمّق، ناقش 3 من كتّاب صحيفة واشنطن بوست البارزين، وهم دامير ماروشيك، وماكس بوت، وشادي حميد، مآلات الحرب الإسرائيلية المستمرة على قطاع غزة، وأسباب تعثر وقف إطلاق النار، وخيارات الخروج المتاحة من صراع بات يحمل طابع العبث والمأساة الطويلة.
واستهلت الصحيفة الأميركية تقريرها الذي تناول تفاصيل ما دار في الحوار بين الكُتّاب بالقول إن الحرب بين إسرائيل وحركة المقاومة الإسلامية (حماس) لا تُظهر أي مؤشرات على قرب نهايتها، في وقت تؤكد فيه تقارير دولية حدوث مجاعة على نطاق واسع في القطاع المحاصر.
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2ليبراسيون: هذه حكاية محتال انتحل صفة وزير دفاع دولة نووية وسرق الملايينlist 2 of 2كاتب إيطالي: لماذا محادثات روسيا وأوكرانيا ليست مفاوضات حقيقية؟end of listوأضافت أن تلك التقارير دفعت رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى إصدار أمر بوقف القتال مؤقتا في بعض المناطق لإفساح المجال لوصول المساعدات.
لكن المتحاورين الثلاثة يرون أن هذا التراجع من قبل نتنياهو لا ينطوي على نية إسرائيلية حقيقة لإنهاء الحرب، بل يعكس محاولة للتهدئة أمام ضغط دولي متصاعد.
انهيار المسار السياسي وتفاقم الكارثة الإنسانية
ويؤكد شادي حميد -الذي يعمل أيضا أستاذا باحثا في الدراسات الإسلامية في كلية فولر اللاهوتية بولاية كاليفورنيا- أن دوافع استمرار الحرب لم تعد عسكرية، بل سياسية بحتة، حيث يقاتل نتنياهو من أجل بقائه في السلطة وحتى لا يفقد دعم حلفائه في اليمين المتطرف.
وينتقد حميد الدور الأميركي، معتبرا أن واشنطن -رغم امتلاكها النفوذ الأكبر على إسرائيل- ترفض استخدامه بفعالية. ويرى أن تعليق الرئيس دونالد ترامب على صور الأطفال الجائعين كان لافتا، لكن التعويل على تقلبات مزاجه غير المتوقع ليس إستراتيجية جادة.
لكن ماكس بوت -وهو زميل أول في مجلس العلاقات الخارجية الأميركي- يقول إنه لا يشعر بالتفاؤل إزاء الصراع لأن ديناميكياته الجوهرية لم تتغير، ذلك أن نتنياهو يعتمد على وزراء متشددين للبقاء في السلطة، وهؤلاء يطالبون باستمرار الحرب في غزة دون رحمة، بغض النظر عن التكلفة البشرية.
إعلانوأضاف أن معظم الإسرائيليين باتوا مستعدين لإبرام صفقة تنهي الحرب مقابل استعادة الرهائن المتبقين. لكن نتنياهو يرفض ذلك، سعيا وراء "هدف خيالي" يتمثل في القضاء التام على حركة حماس، دون تقديم أي خطة واقعية لما بعد الحرب.
ويُشبّه بوت هذا المسار بسياسات ترامب وأنصاره الجمهوريين في الولايات المتحدة، الذين يتبنون قرارات غير شعبية لترضية قواعدهم الانتخابية. كذلك يفعل نتنياهو، الذي يستمد بقاءه السياسي من دعم قاعدته اليمينية، رغم أن سياساته باتت محل رفض متزايد داخل المجتمع الإسرائيلي.
ويُعقِّب حميد على هذا الحديث بأن المشكلة لم تعد محصورة في الحكومة وحدها، مشيرا إلى نتائج استطلاعات حديثة تُظهر أن غالبية الإسرائيليين اليهود يؤيدون الطرد الجماعي للفلسطينيين من قطاع غزة، مما يعكس تحوّلا أكثر تشددا في الرأي العام.
يتساءل دامير ماروشيك، المحرر المسؤول عن تكليف الصحفيين بتغطيات إخبارية في قسم الآراء بواشنطن بوست، عما إذا كان هناك سيناريو يستطيع نتنياهو من خلاله إنهاء الحرب والبقاء بالسلطة في الوقت ذاته، معربا عن اعتقاده بأن ذلك هو أكثر الطرق ترجيحا لوضع حد للصراع في غزة.
ويرى أن السبيل الواقعي الوحيد لإنهاء الحرب هو أن يجد نتنياهو طريقة تُمكّنه من الحفاظ على موقعه السياسي دون الاعتماد على اليمين المتطرف.
بوت: الحكومة الإسرائيلية الحالية باتت حكومة أقلية بعد انسحاب حزبين دينيين منها، مما قد يفتح الباب أمام تحالف جديد مع الوسط ينهي الحرب دون المساس ببقاء نتنياهو في السلطة
ويلتقط بوت خيط الحوار مشيرا إلى أن الحكومة الإسرائيلية الحالية باتت حكومة أقلية بعد انسحاب حزبين دينيين منها، مما قد يفتح الباب أمام تحالف جديد مع الوسط ينهي الحرب دون المساس ببقاء نتنياهو في السلطة.
لا استسلام من حماس.. ولا بديل جاهزويتفق المشاركون على أن الرهان على استسلام حماس أمر غير واقعي. فالحركة، كما يقول بوت، ذات طبيعة عقائدية لا تقبل الهزيمة، لكنها أيضا تستمد مشروعيتها من غياب البدائل السياسية، ومن تصاعد مشاعر الظلم والاضطهاد لدى الفلسطينيين.
ويعرض بوت تصورا لحل انتقالي يتمثل في نشر قوة حفظ سلام عربية، وتأسيس صندوق دولي لإعادة الإعمار، ومنح السلطة الفلسطينية دورا محدودا في إدارة قطاع غزة رغم ما تعانيه من ضعف وفساد. وهو حل لا يعد مثاليا، لكنه أفضل من استمرار الفوضى الحالية، من وجهة نظره.
دامير: حماس تبدو وكأنها نابعة من نسيج الحركة الوطنية الفلسطينية، وما تفعله إسرائيل لا يزيدها إلا شرعية بين الفلسطينيين
ومن جانبه، يقول دامير إن حماس تبدو وكأنها نابعة من نسيج الحركة الوطنية الفلسطينية، وما تفعله إسرائيل لا يزيدها إلا شرعية بين الفلسطينيين. ويصفها بوت بأنها قوة كبيرة في غزة، وأن من مصلحة إسرائيل والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والعالم العربي، أن يعملوا على استحداث بديل لها، خصوصا بعد أن بدأت تفقد الدعم العربي، على حد زعمه.
إبادة جماعية وصمة أخلاقية دائمةوفي أكثر فقرات الحوار إثارة للجدل، يصف شادي حميد النهج الإسرائيلي تجاه غزة بأنه يقترب من تعريف الإبادة الجماعية، قائلا إن القضاء على حماس كما يُصوَّر إسرائيليا يتطلب قتل كل من له أدنى صلة بالحركة، وهو ما لا يمكن تحقيقه دون حرب مفتوحة بلا نهاية.
ويأمل حميد أن يدرك مؤيدو إسرائيل في الغرب أن ما يجري يُلحق وصمة أخلاقية دائمة بمشروع الدولة الإسرائيلية، ويطالبهم بإعادة النظر في مواقفهم قبل فوات الأوان.
إعلانواتفق ماكس بوت مع حميد في هذا الرأي، إلا أنه -وهو المعروف بتأييده لإسرائيل- يعبّر عن "اشمئزازه" من أفعال دولة الاحتلال في غزة حاليا، معتبرا أنها تجاوزت حدود الأخلاق والقانون الدولي.
ويختم ماروشيك الحوار بنبرة واقعية، قائلا: "أكره أن أُنهي الحديث بهذا الشكل، لكنه يبدو مناسبا، فلا جدوى من اصطناع أمل أكبر مما تسمح به الوقائع "المأساوية" القائمة، فالمسار للخروج واضح منذ زمن، ولنأمل في أن يُسلك قريبا".