أسقط الشعب الكوري حكم العسكر رغم نجاحاتهم الاقتصادية
تاريخ النشر: 12th, January 2024 GMT
هزت تجربة الانتقال الديمقراطي في كوريا الجنوبية اطروحات الشموليين وأنصار الأنظمة العسكرية بانها عندما تحقق الرفاهية المادية يستكين الشعب ويقبل بالسلطة الحاكة، مهما كان قمعها أو دكتاتوريتها. فالنظام العسكري في كوريا الجنوبية حقق إنجازات اقتصادية كبيرة، ولكن رغم ذلك ثار الشعب وطالب بالديمقراطية.
تأثر الجيش الكوري، وهو القوة الأكثر تنظيما منذ الاستقلال في عام 1948، بالقوة العسكرية الاستعمارية السابقة (اليابان) التي تركت قيما غير ديمقراطية وقمعية.
عشية انقلاب عام 1961، كان الجيش هو المؤسسة الأكثر تقدما في البلاد، وقد ظهر في البداية على يد الأمريكيين باعتباره قوة شرطية، مهمتها الأساسية حفظ الامن الداخلي، ثم اتخذ أهمية سياسية خلال الحرب الكورية (1950 – 1953) وبعدها. ورغم عدم تدخله في السياسة، حيث حكم رئيس مدني بين عامي 1948 و1960 هو سينغمان ري. ونجح سينغمان في الاستفادة من التناقضات داخل الجيش لإحكام سلطته عليه. شهدت تلك الفترة تحسن تنظيم الجيش وتسليحه، فتطور كثيرا بفضل المعونة الامريكية، ليصبح أكثر مؤسسة حديثة على النمط الغربي. وكان الانفاق على الجيش يستهلك نحو ثلث نفقات الحكومة، وهو ما جعل الجيش في قلب ما سمى " الدولة النامية" آنذاك.
عندما اندلعت ثورة الطلاب في 1960 ضد الرئيس المدني، واستبدل برئيس آخر الذي حاول السيطرة على الجيش، بتعيين وزير دفاع مدني وتقليل نفقات الجيش. فاستغل الجيش عدم الاستقرار السياسي، واغتنم الفرصة بعد سقوط سينغمان واستولى على السلطة كاملة. وكان شعار الجيش هو انقاذ البلاد من الشيوعية وقوبل الانقلاب ببعض الدعم الشعبي. وقدم الجنرال بارك تشونغ-هي (1962 – 1979) نموذجا للحكم سماه البديل العسكري لقيادة الامة وبنائها، وهو بديل يرتكز على الرأسمالية والتصنيع، وعلى الحكم التسلطي المطلق.
قامت السلطة العسكرية بحل البرلمان وإعلان حالة الطوارئ والغيت الأحزاب ومنع النشاط السياسي. تصاعد الرفض الشعبي لتلك الإجراءات التعسفية، ليتراجع الجنرال بعد فترة. أنشأ الجنرال حزبا كواجهة مدنية له، واقام برلمانا صوريا. كما سيطر العسكر على المناصب الأساسية في الدولة. اقام، لكسب الرأي العام الكوري، نظاما رئاسيا ونصب نفسه على راسه، وهو شكل يختلف عما شاهدناه في أمريكا اللاتينية، حيث الدكتاتورية العسكرية، بلا قناع.
عدل الدكتاتور الدستور في عام 1969، لينال فترة رئاسية ثالثة، وبرر ضرورة استمرار سلطته المطلقة بقدرته على إدارة البلاد بحزم وتحقيق الامن والنمو الاقتصادي. الامر الذي اثار غضب أحزاب المعارضة التي صعدت من مقاومتها. واندلعت مظاهرات ضخمة واستمرت معارضة شرسة من الطلاب والمثقفين والعمال. أدت المظاهرات والمقاومة لحدوث انقسامات حادة داخل المؤسسة العسكرية. وخلال الصراع قتل رئيس الاستخبارات الريس سينغمان. ثم وقع انقلاب جديد، أعلن الاحكام العرفية وحكم البلاد بقبضة حديدية. وسيطرت الاستخبارات العسكرية على البلاد، وفرضت فترات للتدريب العسكري على طلاب المدارس والجامعات. استمر الانقلاب الجديد بسبب انقسامات الأحزاب.
اثرت عوامل هيكلية هامة على حدوث التغيير الديمقراطي. أولها الإرث النضالي للحركة الطلابية الكورية، الذي استمر لسنوات طويلة، ونظمت مظاهرات حاشدة في اعوام1964-1965، 1967، 1969، 1972، 1979، و1980. ورغم انها جوبهت بقمع مفرط في قسوته، ولكنها ضعضعت النظام. كما ان الأداء الاقتصادي الجيد الذي جعل الاقتصاد الكوري من اعلى الاقتصاديات نموا في حقبة الثمانينات، خلق طبقة وسطي واسعة وطبقة عاملة صناعية مصادمة.
استغلت المعارضة الغضب الشعبي المتزايد، ونجحت في تشكيل قوة معارضة موحدة، التي صعدت النضال الجماهيري وحاصرت النظام. حاول النظام المراوغة تحت ادعاء تعديل الدستور لإعطاء هامش حرية. ولكن المعارضة لم تقبل وواصل الجناح الراديكالي من المعارضة والمشكل من الطلاب والعمال في التظاهر المستمر والاضرابات القوية. وأخيرا سقط حكم العسكر ونال الشعب ديمقراطيته وحريته.
siddigelzailaee@gmail.com
المصدر: سودانايل
إقرأ أيضاً:
الجيش السوداني ينشر خريطة محدثة لمناطق سيطرته
تظهر خريطة الجيش السوداني الجديدة تركز سيطرته في المناطق الحيوية مثل الميناء الرئيسي في شرق البلاد وشمالاً حتى الحدود مع مصر.
الخرطوم: التغيير
نشرت الصفحة الرسمية للجيش السوداني صباح اليوم الأربعاء، خريطة ميدانية محدثة، حملت توقيع هيئة الاستخبارات العسكرية وهيئة العمليات المشتركة، قالت إنها تظهر خارطة السيطرة العسكرية في البلاد.
وطبقاً للخريطة فإن الجيش يحتفظ بسيطرته على معظم مناطق شمال وشرق السودان، بينما تسيطر قوات الدعم السريع على أجزاء واسعة من إقليم دارفور ومناطق من ولايتي جنوب وغرب كردفان.
وخلال أكثر من عامين على الحرب التي اندلعت منتصف ابريل 2023م بين الجيش والدعم السريع من العاصمة الخرطوم، تبادل الطرفان السيطرة في المناطق التي شهدت مواجهات بينهما، غير أن الجيش أفلح مؤخراً في استعادة ولايات الجزيرة وسنار والخرطوم.
وبينت الخريطة الحديثة توزيع مناطق النفوذ بالألوان حيث ظهر اللون الأخضر دالاً على سيطرة القوات الحكومية والأحمر على المناطق الخاضعة لسيطرة الدعم السريع، في حين تم تمييز مناطق الاشتباكات والنزاع باللون البنفسجي وبعض الجيوب الأخرى بالأصفر.
ويأتي نشر هذه الخريطة في وقت تدخل فيه الحرب بين الطرفين عامها الثالث وسط تصعيد ميداني مستمر وتدهور إنساني حاد ونزوح جماعي في عدة ولايات.
وتعكس الخريطة واقعاً ميدانياً شديد التعقيد، حيث يتركز الجيش في المناطق الحيوية مثل شرق السودان الميناء الرئيسي ببورتسودان وشمال البلاد حتى الحدود مع مصر، بينما تنتشر قوات الدعم السريع في الإقليم الغربي لا سيما دارفور وبعض المناطق الحدودية مع تشاد وجمهورية أفريقيا الوسطى.
ويرى مراقبون أن نشر هذه الخريطة ليس فقط لإظهار موازين القوة بل أيضاً لإرسال رسالة سياسية بشأن شرعية الحكومة وبسطها للسيادة على أجزاء كبيرة من البلاد في مقابل اتهامات يوجهها الجيش للدعم السريع باستخدام العنف ضد المدنيين والسيطرة على مناطق عبر تحالفات قبلية.
ولم يصدر رد رسمي من قوات الدعم السريع بشأن الخريطة المنشورة إلا أن مصادر ميدانية موالية لها شككت في دقة التقسيم، معتبرةً أن الواقع على الأرض أكثر تعقيداً مما تظهره الخرائط الرسمية.
ويعتقد محللون أن المعركة لم تعد فقط عسكرية بل دخلت أيضاً إلى نطاقات حرب المعلومات، حيث تلعب الخرائط والبيانات دوراً محورياً في توجيه الرأي العام المحلي والدولي.
الوسومأفريقيا الوسطى الاستخبارات العسكرية الجيش الدعم السريع السودان بورتسودان تشاد حرب 15 ابريل 2023م دارفور كردفان مصر هيئة الأركان