موقع النيلين:
2025-05-28@09:42:06 GMT

علي عسكوري: اعادة البوصلة لأس المشكل

تاريخ النشر: 29th, January 2024 GMT


في ١٥ ابريل الماضي اندلعت مواجهات دامية بين مليشيا الدعم السريع وبين القوات المسلحة السودانية في العاصمة الخرطوم.

جاءت هذه المواجهات – المستمرة حتى الان والتى توسعت الى عدد من الولايات – نتيجة لانسداد الافق السياسي وفشل القوى السياسية على التوافق على الحد الادنى الذى يمكن من ادارة الفترة الانتقالية، بعد ان حاولت جماعة المجلس المركزى ليس فقط الاستيلاء على كامل السلطة السياديةو التنفيذية من خلال سىء الذكر الاتفاق الاطارى، بل استبدال الجيش القومى بجيش يتبع لاسرة آل دقلو كما نص على ذلك الاتفاق!

تقودنا الاوضاع الحالية لطرح اسئلة جوهرية تتعلق بكنه القضايا التى تختلف عليها القوى السياسية، اذ بدون اتفاق القوى السياسية يصعب توقع وقف الحرب او استقرار البلاد.

دعنا ولفائدة التركيز على القضية التى نود نقاشها في المقال ان نترك الجيش والمليشيا جانبا و نركز على نظرة القوى السياسية للفترة الانتقالية منذ سقوط نظام البشير.

من واقع التجربة يتضح ان هنالك اختلاف جوهري في نظرة القوى السياسية حول ما المطلوب من الفترة الانتقالية وطبيعتها والمهام التى يجب ان تنجز فيها.

هنالك بصورة عامة ثلاثة مجموعات تتصارع حول ما المطلوب فعله في الفترة الانتقالية. نناقش مواقف هذه المجموعات في المقال.

اولي هذه المجموعات هي جماعة المجلس المركزى التى ترى ان الفترة الانتقالية يجب ان تكون نقطة انطلاق لتكوين دولة جديدة تماما مختلفة عن دولة الاسلاميين وانهم وحدهم لهم الحق في فعل ذلك فهم كما يزعمون (قادة) الثورة وقادة الجماهير التى اسقطت نظام البشير او كما اسمو انفسهم (قوى الثورة). أكثر من ذلك يعتقدون ان لهم تفويض جماهيري كامل لتنفيذ اجندتهم (رغم ضبابيتها)، وان ليس من حق احد (اسلامى او غيره) الاعتراض على ما يودون فعله، و من يفعل ذلك صنفوه اما اسلامى او فلول (دون ان يقدموا تعريفا واضحا ماذا يقصدون بالإسلامى او بالفلول) خاصة وان في صفهم ما يكفي من (الصنفين)!

المجموعة الثانية هى القوى التى اسمت نفسها ” قوى التغيير الجذري” و تشمل الحزب الشيوعي وبعض المجموعات الشبابية من لجان المقاومة.

تتفق هذه المجموعة مع جماعة المركزى في ان الفترة الانتقالية يجب ان تكون لبناء دولة مغايرة لدولة الاسلاميين، ولكنها خلافا لجماعة المركزى ، تطرح دولة اشتراكية كاملة الدسم تقوم على محاربة القطاع الخاص مع كامل ملكية الدولة للموارد و آليات الانتاج المختلفة.

تنظر هذه المجموعة لجماعة المركزى على انهم عملاء للامبريالية العالمية التى تسرق موارد الشعوب وتستغلها. ورغم انها تتفق معهم في موقفهم من الاسلاميين وضرورة دحرهم وابعادهم وإنهاء سيطرتهم علي الدولة، الا ان مفاهيمها الاقتصادية الراسخة كقوى ضد الامبريالية تمنعها من العمل مع مجموعة المركزى. يجب أيضا التذكير بأن الحزب الشيوعي إبان عضويته في المجلس المركزى كان قد اصدر عدة بيانات اعترض فيها على السياسة الاقتصادية لحكومتي المجلس المركزى. هذا الامر – بجانب اعتراض الحزب على تماهي جماعة المركزى مع ما اسموه (العسكر)- دفعا الحزب للخروج من المجلس المركزى واتخاذ موقف المعارضه له حتى قبل اندلاع الحرب. يشار الى فشل جميع مغازلات جماعة المركزى للحزب الشيوعي للعودة لصفهم.

تجدر الاشارة الى ان هاتين المجموعتين بلا قواعد جماهيرية تمكنهم من الفوز بأى انتخابات عامة لتنفيذ برنامجيهما ولذلك تسعى المجموعتان لاستغلال الفترة الانتقالية لتنفيذ اجندتهم دون تفويض شعبي.

ز

اما المجموعة الثالثة، والتى تمثل الغالبية الكاسحة من القوى السياسية والمواطنين فموقفهم إقتصار الفترة الانتقالية – بجانب حفظ الامن وتقديم الخدمات – على اعداد البلاد للانتخابات العامة، وان تترك القضايا الاخرى المتعلقة بالتغييرات في الدولة والدستور والقوات المسلحة والاجهزة الامنية الاخري للحكومة المنتخبة. ويعتقد هولاء ان مجموعة المركزى ليس من حقها اجراء اى تعديلات في مؤسسات الدولة الحساسة، لانهم ببساطة لم يكونوا هم من صنع الثورة او قادها انما اختطفوا ثورة السودانيين وحاولوا استغلالها لاجندتهم السياسية في اقصاء الاخرين والانفراد بالسلطة لتنفيذ اجندة خارجية اعدتها ما كان يعرف بالرباعية (سفراء امريكا؛ انجلترا؛ السعودية والامارات). تتفق هذه المجموعة في نظرتها لجماعة المركزى انهم عملاء للامبريالية العالمية وجه للاستعمار الحديث. وبالرغم من اتفاقهما في هذه النقطة الحوهرية الا ان امكانية قبولهم للعمل سويا ضئيلة للغاية ان لم تكن معدومة بالنظر لتخندق القيادات في الاطروحات البائسة القديمة.

بالطبع كان لجماعة المركزى او التغيير الجذرى تنفيذ اى من برنمجيهما في حالة انهيار الجيش (يشمل الدعم السريع وقتها) والاجهزة الامنية الاخري إبان التغيير وتكوين جيش جديد خاضع بكامله لجماعة المركزى. اما وان ذلك لم يحدث فلا مندوحة من القبول بالتغيير المتدرج القائم على تفاهمات تحفظ حقوق الجميع وليس اقصاء لمجموعة. هذه حقيقة لا يجب القفز فوقها.

نخلص من كل هذا ان جوهر الخلاف ينحصر في ” مهام الفترة الانتقالية”. هذا امر بالطبع يمكن الاتفاق عليه ان صدقت النوايا وتركت بعض القوى السياسية عملية الاستهبال و (الخم) السياسي للاخرين مستقوية بدول اجنبية.

عليه فإن اى حوار بين القوى السياسية يجب ان ينصب فقط على مهام الفترة الانتقالية، هذا ان كنا ديمقراطيين فعلا لا قولا. اما القضايا الشائكة – وحتى تكون ترتيباتها ملزمة للقوى السياسية وللمواطنين – فيجب تركها لحكومة منتخبة لها تفويض شعبي واضح.

التركيز على مناقشة قضايا الفترة الانتقالية فقط وحصر الحوار فيها يقلل من التعقيدات الكثيرة المتقاطعة في الواقع السياسي والتى يصعب تناولها والاتفاق حولها كحزمة واحدة.

لكل ذلك يتوجب على جماعة المجلس المركزى ترك المماحكات والاستهبال السياسي والتوجه للجماهير وتبشيرها ببرنامجهم السياسي والدولة التى يزمعون تأسيسها. فإن كسبوا الانتخابات لن يستطيع احد (ولا حتى الاسلاميين) رفض التغييرات التى سيقومون بها. على المستى الشخصي سأكون اول المهنئين في حالة فوزهم واعتقد ان كل الديمقراطيين سيفعلون ذلك.

اما ان تتنقل بين عنتيبي ونيروبي واديس ابابا وابوظبي وتتوقع ان تحملك هذه الدول لسدة السلطة على تاتشرات الدعم السريع فذلك امر دونه خرط قتاد الشعب السوداني.

لا تحدثوا عن الديمقراطية والواقع يقول انكم اول رافضيها.

هذه الارض لنا

علي عسكوري

المصدر: موقع النيلين

كلمات دلالية: الفترة الانتقالیة القوى السیاسیة یجب ان

إقرأ أيضاً:

عثمان جلال يكتب: الدكتور كامل إدريس ومطلوبات المرحلة الانتقالية

(1) قيل لسيدنا يوسف وهو في السجن (إنا نراك من المحسنين) وقيل له وهو الوزير الأول في مصر (إنا نراك من المحسنين) هكذا المعدن النفيس لا تغيره منحنيات وتقلبات الحياة ويوسف تقدم للوزارة بعد ان تعينت الحاجة ودفع برؤيته ورسالته وخطته الاستراتيجية وأهدافه Smart لإدارة الدولة في أعوام الرخاء والسنوات العجاف، ويوسف مزج بين خشونة البداوة ورقة المدنية وشخصية رجل الدولة المستقل الذي يقف على مسافة واحدة من تناقضات المجتمع المصري وتضارب المصالح وسط الاوليغارشية المتنفذة في قصر عزيز مصر .
(2)
بالتالي فان هناك ثمة مقاربة وتشابه بين سيدنا يوسف والدكتور كامل ادريس الذي طرح رؤية متكاملة شخص فيها مسببات الأزمة الوطنية المتراكمة وآفاق الحلول وتلازم بناء الدولة والأمة وصناعة مشروع النهضة الوطنية على هوادي الديمقراطية المستدامة

ثم أتبع ذلك بخطة تشغيلية للتنفيذ والقياس سماها خطة مارشال السودانية لإعادة الاعمار والتوازن للاقتصاد السوداني في مرحلة ما بعد الحرب . ايضا وجه التماثل بين رجل الدولة يوسف وكامل ادريس الاستقلالية والحيادية والمهنية والاخلاقية والجمع بين القدرة والرغبة في العمل من اجل المصالح الوطنية العليا، وهناك من يهرف بما لا يعرف بأن الدكتور كامل شخصية صفوية تتقن السياسة المتعالية عن المجتمع وهذا خطأ فالرجل طرح ذاته مرشحا لرئاسة الجمهورية عام 2010 والتصق بالجماهير في كل بوادي وحواضر السودان طارحا برنامجه الإنتخابي ، وله في خدمة الشعب فكر وعرق ويجود من كلتا يديه ويقتدي بالطيبين وبه البلاد تفاخر ولكن ما كل ما يعرف يقال وقلوب الرجال الأسرار .
(3)
فما هي المطلوبات من رئيس الوزراء القادم؟؟ إختيار كفاءات وطنية مستقلة ولا أعني شخصيات أكاديمية بحتة بل كوادر تجمع بين الأكاديمية والمهنية والعملية والوعي السياسي والثقافي الوطني والدولي. العمل بنظام القيادة الميدانية الملتصقة بهموم وقضايا المجتمع (وتفقد الطير فقال مالي لا أرى الهدهد) وأيضا القيادة التحويلية التي تركز على الإبداع والابتكار والتفويض والتفكير خارج الصندوق (أحطت بما لم تحط به وجئتك من سبإ بنبإ يقين) (اذهب بكتابي هذا فألقه إليهم)

أيضا على الدكتور كامل ادريس النأي عن تشكيل مجالس استشارية متخصصة بل عليه تحويل الوزارات والمؤسسات إلى منظمات استشارية تخطيطية وتنفيذية تعمل بنظام إدارة المعرفة والمؤسسات المتعلمة وتطبق وظائف الإدارة من حيث التخطيط الاستراتيجي والتشغيلي والتنسيق والتنظيم والرقابة. والتنفيذ في بنيتها الداخلية ، مع ضرورة تطبيق نموذج بيتر دراكر في الإدارة بالأهداف، اي تحديد أهداف واضحة ومحددة وزمنية وقابلة للتنفيذ والقياس.
(4)
أما على مستوى القضايا الاستراتيجية فالمطلوب من رئيس الوزراء توظيف علاقاته الدبلوماسية واقناع الفاعلين الاقليميين والدوليين في حرب 15 ابريل 2023م بضرورة فك الارتباط مع مليشيا آل دقلو باعتبارها مهدد للأمن والسلم الوطني والاقليمي والدولي وتصنيفها منظمة إرهابية وتمكين الجيش السوداني من التقنيات والسلاح للقضاء الناجز عليها ، وهذه إرادة الشعب والجيش السوداني ولا تنازل عنها مهما كانت التضحيات.

ايضا المطلوب رئيس الوزراء توظيف علاقاته لفك طوق العزلة الاقليمية والدولية عن السودان وحفز الدول والمؤسسات الاقتصادية وصناديق الاستثمار للمشاركة في إعادة إعمار السودان. وايضا المطلوب من الدكتور كامل التواصل مع كل القوى السياسية الوطنية واستكناه تصوراتها حول قضايا البناء الوطني والديمقراطي ، وتبيئة المناخ السياسي لانعقاد مؤتمراتها وتجديد قياداتها وانتظام انشطتها السياسية لاستشراف الانتخابات القادمة وايضا المطلوب منه ادارة حوار سلام مع حركتي عبد الواحد نور ، وعبد العزيز الحلو واقناعهما بنبذ العنف والتحول إلى قوى سياسية مدنية.

وآخيرا وليس آخرا فان الغاية الاستراتيجية المطلوبة من رئيس الوزراء استنهاض وتعبئة طاقات المجتمع السوداني لحسم معركة الكرامة وانجاز السلام والوفاق واعادة الأعمار والتحول الديمقراطي المستدام، وبناء علاقات خارجية متوازنة تعظم المصالح المشتركة ، وتعبر عن كرامة وعزة الشعب السوداني

فالمجتمع السوداني هو ركيزتك ومصدر قوتك لصناعة مشروع النهضة الوطنية الشاملة.

عثمان جلال
الأحد : 2025/5/25

إنضم لقناة النيلين على واتساب

مقالات مشابهة

  • الدبيبة يدعو إلى إجراء انتخابات مباشرة.. رفض تمديد المرحلة الانتقالية
  • افتتاح وحدة الأشعة المقطعية بمستشفى الروضة المركزى
  • رسامني بحث مع وفدين من البنك الدولي والاتحاد الاوروبي سبل اعادة الاعمار
  • الهيئة الوطنية للعدالة الانتقالية مؤسسة لكشف انتهاكات النظام السوري المخلوع
  • حزب الاتحاد: نخوض الانتخابات بالنظام الفردي ومنفتحون على كل القوى السياسية
  • عاجل.. حجز اعادة إجراءات محاكمة المتهم الثالث بـ "خلية منشأة ناصر الإرهابية" للنطق بالحكم
  • القوى الوطنية تبحث المستجدات السياسية والوضع الداخلي
  • نجاحات جديدة لجراحات النساء والتوليد بمستشفى الضبعة المركزى
  • عثمان جلال يكتب: الدكتور كامل إدريس ومطلوبات المرحلة الانتقالية
  • وزير الشئون النيابية: الحكومة تركت القوى السياسية والأحزاب تقرر النظام الانتخابي الأنسب