اليمن وفلسطين.. تضامن لا ينكسر في ظل الحرب الإعلامية والنفسية
تاريخ النشر: 13th, February 2024 GMT
ماذا لو كان هناك شخص يعرفه الناس بأنه مختل عقليا، مجنون، يقابلك كل يوم، ويدعي بصوت عالٍ أنه دجاجة، وأننا جميعاً دجاجا؟ هل ستهدر وقتك وطاقتك في محاورته بالحجة والبرهان، وإثبات حقيقة أننا بشر لا دجاج؟ هل ستنزع له ملابسه وتريه أنه لا يحمل ريشا ولا ينتج بيضا؟ أم ستتجاوزه بحكمة وتتناسى هراءه وتركز على ما هو أولى وأجدى بعنايتك؟
إن العقل السليم يدعوك إلى اختيار الخيار الأخير، فليس من منفعة في الخوض في نقاش مع من أعمى عينيه عن الحقيقة، ولا جدوى من الحوار مع من يرفض أن يستمع إلى العقل.
هذا هو حال ذلك المرتزق في وسائل التواصل الاجتماعي، الذي يعرفه الناس بالخيانة، ولكنه يتظاهر كل يوم أمامنا بأنه مدافع عن الحق والعدل، وأنه يقاتل من أجل الحرية ويطمح إلى تخليصك من ظلم واستبداد ليس لك فيه نصيب إنما له ولمشغليه. ويستخدم كل الوسائل والحيل المكشوفة للناس لإغرائهم وتحريف حقيقة أنصار الله والشعب اليمن الذي يقف مع غزة بروحه ودمه.
في الآونة الأخيرة، شهد قطاع غزة أبشع حصار وعدوان من قبل الكيان الصهيوني، الذي لا يعرف الرحمة ولا الإنسانية، وفي وسط هذه المحنة الكبرى، التي لا زالت مستمرة منذ أكثر من ثلاثة أشهر، تألق اليمن وشعبه بموقفهم النبيل والمشرف في الوقوف إلى جانب إخوانهم الفلسطينيين المجاهدين في القطاع، متخطياً كل العراقيل والمكائد. لكن هذا الدور الرائد لليمن وشعبه لم يحظ بالتقدير والاحترام من بعض الخونة الذين باعوا أنفسهم وأمتهم لدول التطبيع مع العدو الصهيوني، فسعوا إلى التنقيص من أهمية وقيمة هذا الدور، والتشهير باليمن وقيادته الوطنية في صنعاء، التي كانت في طليعة الحركة العربية والإسلامية في نصرة القضية الفلسطينية، وتولت مسؤولية مواجهة الكيان الصهيوني بكل بسالة وعزيمة. هذه المحاولات البائسة لا تمثل إلا حالة العمالة والذل التي يغرق فيها هؤلاء المأجورون، ولا تؤثر في مكانة اليمن وشعبه في قلب الشعب الفلسطيني والأمة العربية والإسلامية. وتدخل في إطار الحرب الإعلامية والنفسية التي تقودها عبر أذيالها المأجورة دول التطبيع العربي، لا على اليمن والشعب اليمني وحدهم، بل على محور المقاومة في المنطقة بهدف تشويه صورتهم وتحطيم معنوياتهم وتفكيك صفوفهم وإضعاف مقاومتهم. ولهذا السبب، فإن الرد الأنسب على هذه المحاولات هو في كشف الحقائق للرأي العام العربي والإسلامي، وتسليط الضوء على دور اليمن ومحور المقاومة في الدعم والتضامن مع شعب فلسطين.
في الحقيقة، يبرز دور اليمن الريادي والفاعل في التضامن والدعم الكبير للشعب فلسطين في غزة، وذلك على مستويات متعددة ومتنوعة. فمن جهة، يتميز الشعب اليمني بتضامنه ووحدته مع شعب فلسطين ومقاومته الشريفة، ويظهر ذلك بشكل واقعي وملحوظ من خلال إقامة مسيرات حاشدة تغزو الشوارع والميادين في كل ربوع البلاد، وتحمل شعارات ولافتات تستنكر العدوان الصهيوني وتدعو إلى إيقافه وفك الحصار عن غزة، وتؤكد على حق فلسطين في الحرية والاستقلال. ومن جهة أخرى، يلعب اليمن دورا عسكريا مهما في دعم شعب فلسطين، ويبرهن على ذلك بشكل عملي وفاعل من خلال إنجازات وإجراءات عدة، تتمثل في منع مرور السفن الإسرائيلية في البحرين الأحمر والعربي، ومهاجمتها وتدميرها في حال حاولت الاقتراب من المياه الإقليمية اليمنية، وذلك بفضل القدرات البحرية التي يتمتع بها الجيش اليمني، والتي أحاطت الكيان الغاصب بحصار بحري وألحقت به خسائر اقتصادية ضخمة. بالإضافة إلى شن الهجمات الصاروخية على الاحتلال الصهيوني، وخصوصا على مدينة أم الرشراش، وذلك بواسطة الصواريخ الباليستية والمجنحة والطائرات المسيرة، والتي ألقت الرعب والفزع في نفوس الصهاينة وأرغمتهم على الهروب والاختباء في الملاجئ.
وعلى الجانب الآخر، فإننا لا نحتاج إلى الخوض في مناظرات وحوارات مباشرة مع تلك العناصر المأجورة التي تحاول التقليل من أهمية ومكانة اليمن في القضية الفلسطينية، فهي مجرد مضيعة للوقت والطاقة، لأن هؤلاء العناصر هي نفسها التي تتغاضى عن معاناة الشعب الفلسطيني، وتتحدث بما يرضي مموليها ومن يدير شؤونها.
وبهذا نختم بالقول إن اليمن وفلسطين في غزة هما رفيقان أوفياء ومخلصان في المقاومة ضد العدو الصهيوني وحلفائه من التحالف السعودي الإماراتي ودول الخيانة، وأن اليمن يلعب دوراً مشرفاً ومحترماً وفعالاً في دعم شعب فلسطين في غزة، ولا يمكن لبعض العملاء الذين يطبقون تعليمات مموليهم ومشغليهم أن يقللوا من قيمته أو يسخروا منه.
المصدر: الثورة نت
إقرأ أيضاً:
مجلة بريطانية تسلط الضوء على حضرموت.. الجانب الآخر من اليمن البعيد عن صخب الحرب والحوثيين (ترجمة خاصة)
سلطت مجلة "ذا سبيكتاتور" البريطانية، الضوء على محافظة حضرموت (شرقي اليمن) التي تعج بالحياة، بعيدا عن ضجيج الحرب وجماعة الحوثي.
وقالت المجلة في تقرير أعده الكاتب الأسترالي "ماركوس راي" الذي زار حضرموت مؤخرا إنه في المخيلة الغربية، يُنظر إلى اليمن على أنها رمز للإرهاب والموت. وتُختزل صورها في عناوين الصحف العالمية في ثلاثية من المعاناة: الحوثيون، والجوع، واليأس.
وأضافت المجلة في التقرير الذي ترجمه للعربية "الموقع بوست" إن الحرب الأهلية استمرت لأكثر من عقد، تاركةً معظم أنحاء البلاد في حالة دمار، الحياة قاسية على ملايين الناس الذين يعيشون حياتهم اليومية وسط حالة من عدم الاستقرار المزمن. يواصل الحوثيون - المتحصنون في العاصمة صنعاء - تشديد قبضتهم على السلطة في الشمال الغربي. وقد أثارت هجماتهم على سفن الشحن في البحر الأحمر ردود فعل انتقامية دولية وأججت التوترات الإقليمية. ولا تزال وزارة الخارجية والكومنولث والتنمية البريطانية تنصح المواطنين البريطانيين بعدم السفر إلى البلاد.
وتابعت "لذا، فإن اليمن ليست وجهة العطلات التقليدية. لكن اليمن أكثر من مجرد الحوثيين".
يقول ماركوس "على حافة الربع الخالي، في شمال شرق البلاد، تقع حضرموت. ومن هنا أتيتُ لألقي نظرة على يمن مختلف، بعيدًا عن خطوط المواجهة وبعيدًا عن متناول سيطرة الحوثيين. لقد نجت من صخب الحرب اليومي، ولذلك - متحمسًا للمغامرة والسفر كسائح، على الرغم من التحذيرات - صعدتُ على متن طائرة إيرباص قديمة تابعة للخطوط الجوية اليمنية إلى مدينة سيئون، بوابة إلى المناطق النائية في المنطقة".
وأضاف "تمتد حضرموت عبر وديان جافة محفورة في عمق الصحراء. تحيط بها منحدرات تحبس حرارة حضرموت القاسية، وتنتشر عجائب معمارية شامخة في تحدٍّ أشبه بالأحلام تتخلل مناظرها الطبيعية".
وأكد أن مدينة شبام هي أروع هذه الآثار الطينية والزمنية. كانت في يوم من الأيام عاصمة مملكة غابرة ومحطة قوافل مهمة على طريق البخور عبر جنوب شبه الجزيرة العربية. اليوم، تشتهر شبام، المدرجة على قائمة اليونسكو للتراث العالمي، بناطحات السحاب الطينية ذات الحواف الحادة التي تُهيمن على أفقها، والمبنية على أنقاض أساساتها.
وحسب ماركوس "تُعتبر شبام، التي تُستشهد بها غالبًا كأول مثال عالمي للتخطيط الحضري العمودي، شاهدًا على الخيال اليمني. وقد أطلقت عليها فريا ستارك، التي جابت المنطقة في ثلاثينيات القرن الماضي، لقب "مانهاتن الصحراء".
وأردف "يعود تاريخ العديد من الأبراج البالغ عددها 444 برجًا، والتي يمكن أن يصل ارتفاعها إلى 11 طابقًا، إلى القرن السادس عشر. وهي ذات شكل شبه منحرف، مصنوعة من طين الوادي، ومغطاة بجص من الحجر الجيري الباهت، وأسطحها عبارة عن خليط من اللونين الأصفر والأبيض. وتُحيط بالأبواب أعمال خشبية مزخرفة".
وتحيط بالمدينة، التي تقع على قمة تل، سور محصن، كان في السابق حصنًا منيعًا ضد غزاة البدو المهاجمين. يقول ماركوس "قضيتُ يومًا صيفيًا قائظًا أتجول في أزقتها، برفقة حراسة عسكرية تحمل كلاشينكوف. في وقت مبكر من بعد الظهر، انكشفت متاهة داخلية - معلقة في الزمن وخالية من الحياة - في الداخل. كان الهواء كثيفًا برائحة الطين المخبوز بأشعة الشمس، وقد لجأ سكان شبام البالغ عددهم 3000 إلى الظلال والظلال بحثًا عن ملجأ صامت.
وزاد "امتزجت أي علامات على الحداثة بسلاسة مع الهندسة القديمة لأبراج المدينة. بين الحين والآخر، يقف مبنى مهجورًا، حيث يتفتت الطين عائدًا إلى الأرض، وقد غادر سكانه السابقون منذ زمن طويل إلى المملكة العربية السعودية أو إلى الخارج. لم يكن صدى ثغاء الماعز يتردد من تجاويف مظلمة. ومع ذلك، لم يكن صمت المدينة يعني العزلة. خلف النوافذ الشبكية، كان جمهور صامت يراقب الغرباء".
ولكن مع غروب الشمس، بدأت شبام تنبض بالحياة. خرج الأطفال للعب في الأزقة، متجمعين في مجموعات ضاحكة. تدافع كبار السن إلى الساحة وهم يحملون أكياس القات - ذلك النبات المخدر الذي يُلين الكلام ويُطيل الزمن - مستعدين لبدء مضغهم المسائي. انطلقت أصوات ألعاب الدومينو على الصناديق الخشبية خارج المقاهي في الساحة الرئيسية. عاد إيقاع شبام بنبضات هادئة. انطلقت المدينة في رقصة رثائية خاصة بها، تعطلت للحظات بسبب أقدام الأجانب، وفق الكاتب الاسترالي.
وأشار إلى أن حضرموت تحتضن العديد من الأماكن الأخرى التي تُشبه عظمة القصص الخيالية. هناك مدينة تريم الدينية، وقرية حيد الجزيل، وقصر بقشان الفخم، الذي تتناقض ألوانه الساحرة مع محيطه القمري. خارج هذه المنطقة أيضًا، ثمة ثراءٌ لا يقلّ شهرةً عن صنعاء، وإن كان الكثير منه لا يزال مُعرّضًا لخطر الدمار، وهو، في الوقت الحالي، بعيد المنال.
على الرغم من روعتها -وفق ماركوس- إلا أن روائع حضرموت بدت سينمائيةً للغاية لدرجة أنها لم تُجسّد ديناميكية اليمن الحديث. في سيئون، كانت الحياة تنبض بالحياة بكل ألوانها، حيث كانت الدراجات النارية تتهادى بين أكشاك العسل والمآذن، حاملةً الأذان.
واستدرك "كانت رائحة الهيل والديزل تفوح في الهواء، بينما كان التلاوة الرقيقة تنبعث من مدرسة دينية قريبة. كان الأطفال يتدربون على ملاعب كرة قدم رملية، وكان الفنيون يجلسون تحت سيارات مُتهالكة، ودخان السجائر يتصاعد فوق هياكلها".
وقال " زأرت فتاةٌ في مروحة، مُبتهجةً بصوتها الأجشّ المُتقطّع، ثم انقلبت ضاحكةً. كان رجلٌ يُضبط عوده القديم تحت نخلة تمر. هذا النوع من الأمور العادية لا يُصبح خبرًا. لكن في بلدٍ غالبًا ما يُنظر إليه من منظور الانهيار، يُمكن للحياة الطبيعية أن تُشعِرنا بالكشف".
وختم الكاتب الأسترالي ماركوس تقريره بالقول "تقاوم إيقاعات حضرموت اليومية وعجائبها المعمارية الروايات السهلة المفروضة من بعيد. ليس كل شيء هنا يتوافق مع صورة أمة مُحاصرة. اليمن أكثر من مجرد عناوين رئيسية تُعرّفها. إنه بلدٌ يعيش فيه التاريخ جنبًا إلى جنب مع الصعاب، ويصمد شعبه دون أي استعراض".