الخليج الجديد:
2025-07-13@07:06:23 GMT

الثقافة الفلسطينية مهددة في غزة

تاريخ النشر: 16th, February 2024 GMT

الثقافة الفلسطينية مهددة في غزة

الثقافة الفلسطينية مهددة في غزة

"لطالما كانت الحرب على الثقافة في صميم الحرب التي يشنّها المعتدون على شعبنا".

في أوقات النزاع، تمتلك الأقلام القدرة على صنع التغيير والدفع قدمًا بالنضال من أجل العدالة.

تمثّل الحملة العسكرية الإسرائيلية مجهودًا مدروسًا للقضاء على الاستمرارية الثقافية، وهذا سيترك ندوباً دائمة في الهوية الجماعية الفلسطينية.

يقع على عاتق المجتمع الأدبي والفني العالمي الحفاظ على الأصوات المكتومة في غزة وإعلاء أصوات أولئك الذين لا يزالون قادرين على المجاهرة بأفكارهم.

الإبادة تتضمن جهودا تطمس ثقافة المجموعات المستهدفة ولغتها ودينها. وليست الإبادة حدثًا فجائيًّا؛ بل مسار منهجي مؤلّف من مراحل مترابطة، كما باحثون كثر.

من تدمير مركز رشاد الشوا الثقافي ومتحف القرارة إلى مقتل ما لا يقل عن 28 فنانًا وكاتبًا وأكاديميًا فلسطينيًا ألحق القصف المتواصل دمارًا بالمجتمع الفني والأدبي في غزة.

استهدفت إسرائيل مساجد وكنائس قديمة تُعتبَر رموزًا تاريخية ودينية مهمة تتجاوز الطابع المادي وتختزن الإيمان والتقاليد، وتحافظ على الإرث المعماري المحلي وتجسّد تاريخ التعايش بين الأديان بغزة.

يصبّ هذا الدمار المادي والرمزي في أجندة سياسية أوسع نطاقًا لطمس الهوية الفلسطينية والذاكرة الجماعية ما يندرج في إطار الإبادة الثقافية. وغالبًا ما تُدرَس الإبادة الثقافية كأحد مكوّنات الإطار الأوسع للإبادة.

* * *

مزّقت الحملة العسكرية الإسرائيلية المستمرة منذ 7 أكتوبر النسيج الثقافي للحياة الفلسطينية في غزة. فمن تدمير مركز رشاد الشوا الثقافي ومتحف القرارة إلى مقتل ما لا يقل عن 28 فنانًا وكاتبًا فلسطينيًا – منهم شعراء وأكاديميون مثل رفعت العرعير والدكتور سفيان تايه، ومواهب شابّة مثل شام أبو عبيد وليلى عبد الفتاح الأطرش – ألحق القصف المتواصل ندوبًا بالمجتمع الفني والأدبي في غزة.

وبحسب تعبير وزير الثقافة الفلسطيني، الدكتور عاطف أبو سيف، في تقرير الوزارة الأخير عن الأضرار التي لحقت بالقطاع الثقافي في غزة: "لطالما كانت الحرب على الثقافة في صميم الحرب التي يشنّها المعتدون على شعبنا".

ما يحدث في غزة هو عملٌ متعدد الطبقات يذهب أبعد بكثير من التدمير المادي للمعالم الأثرية أو قتل الأفراد. وتندرج هذه الممارسات في إطار عمليات تدميرية أوسع تقوّض إرث المجتمع المحلي وهويته ووجوده، مع ما يترتب عن ذلك من تداعيات رمزية ونفسية على الفلسطينيين ليس في غزة فحسب وإنما أيضًا في العالم بأسره.

يتسبب التدمير المادي للمواقع الثقافية في غزة بمضاعفات خطيرة على دراسة السرديات التاريخية الفلسطينية وصوغها. فقد خسر الفلسطينيون، جرّاء تدمير جامعاتهم وأرشيفهم، مخطوطات تعود إلى قرون خلت، وموارد قيّمة لفهم تطوّر غزة وتاريخها على الصعيد الثقافي.

وقد لحقت أضرار فادحة بالتُّحَف والكنوز الأثرية، منها مجموعة فخارية من الحقبة البيزنطية ومقبرة رومانية عُثر عليها حديثًا تحتوي على توابيت نادرة مصنوعة من مادّة الرصاص.

ولكن الأثر الرمزي لهذا الدمار الواسع مهمٌّ بالدرجة نفسها. لقد استهدفت إسرائيل مساجد وكنائس قديمة تُعتبَر رموزًا ذات أهمية تاريخية ودينية على السواء. تتجاوز هذه المواقع الطابع المادي؛ فهي تختزن الإيمان والتقاليد، وتحافظ على الإرث المعماري المحلي وتجسّد التاريخ الطويل للتعايش بين الأديان في غزة.

يصبّ هذا الدمار، المادي والرمزي على السواء، في مصلحة أجندة سياسية أوسع نطاقًا تتمثّل في طمس الهوية الفلسطينية والذاكرة الجماعية، ما قد يندرج في إطار الإبادة الثقافية. وفي جانبٍ مهم، غالبًا ما تُدرَس الإبادة الثقافية باعتبارها أحد مكوّنات الإطار الأوسع للإبادة.

فقد اشتمل هذا المصطلح، منذ ابتدعه المحامي البولندي رالف لمكين في عام 1944، على ممارسات غير القتل؛ إذ إن الإبادة تتضمن الجهود الهادفة إلى طمس ثقافة المجموعات المستهدفة ولغتها وجوانبها الدينية. وليست الإبادة حدثًا فجائيًّا؛ بل إنها مسار منهجي مؤلّف من العديد من المراحل المترابطة، على النحو الذي أشار إليه باحثون كثر.

في حين أنه يمكن فهم الإبادة الثقافية على أنها إبادة قائمة بذاتها، يجب النظر إليها أيضًا بوصفها جزءًا من هذه العملية الأوسع نطاقًا. فالقضاء على المظاهر الثقافية والأدبية الغنيّة في غزة هو في حد ذاته عملٌ من أعمال التجريد من الإنسانية، ومرحلة أساسية في الإبادة، بما يصبّ في إطار الأمثلة الأكثر شيوعًا التي ظهرت خلال الحرب، مثل نعت السياسيين الإسرائيليين للمدنيين الفلسطينيين بأنهم "حيوانات بشرية".

والحال هو أن الدعوى التي رفعتها جنوب أفريقيا أخيرًا أمام محكمة العدل الدولية ضد النظام الإسرائيلي بموجب اتفاقية جنيف، سلّطت الضوء على دمار "الذاكرة والسجلات الرسمية للفلسطينيين في غزة"، بالإضافة إلى "ذكريات الأفراد وتاريخهم ومستقبلهم".

سيكون للدمار أثر نفسي عميق ودائم على أولئك الذين ستُكتَب لهم النجاة من الحرب في غزة، وعلى الفلسطينيين خارج القطاع. فمن خلال طمس هويتهم الثقافية وقطع الروابط مع ماضيهم، تتسبب لهم إسرائيل بصدمات جديدة قد تستمر لأجيال. فإلى جانب الحرب الميدانية، "تُشَنّ أيضًا حرب فكرية وحرب تستهدف هوياتنا"، بحسب تعبير الفنان الفلسطيني بشار مراد.

في أوقات النزاع، تمتلك الأقلام القدرة على صنع التغيير والدفع قدمًا بالنضال من أجل العدالة. يقع على عاتق المجتمع الأدبي والفني العالمي الحفاظ على الأصوات المكتومة في غزة وإعلاء أصوات أولئك الذين لا يزالون قادرين على المجاهرة بأفكارهم.

*مريم شاه باحثة مستقلة وطالبة دكتوراه في دراسات السلام والنزاع.

المصدر | مؤسسة كارنيغي

المصدر: الخليج الجديد

كلمات دلالية: غزة فلسطين الحرب 7 أكتوبر الثقافة الفلسطينية الحملة العسكرية الإسرائيلية الذاكرة الجماعية طمس الهوية فی إطار فی غزة

إقرأ أيضاً:

»درع إبراهيم«: من الإبادة إلى التطبيع؟

 

قبل أيام، أطلقت مبادرة سياسية إسرائيلية حملة تحت عنوان «الائتلاف من أجل الأمن الإقليمي ـ درع إبراهيم».

للترويج لهذه المبادرة نُصبت لوحات دعائية ضخمة في تل أبيب كتب عليها «فرصة جديدة للشرق الأوسط»، ويظهر فيها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ورئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو مع عدد من القادة والزعماء العرب.

إضافة إلى الوجوه المتوقعة في هكذا إعلان، مثل ملوك المغرب والبحرين والأردن، ورؤساء مصر والإمارات وفلسطين، الذين تجمع بلادهم اتفاقيات سلام وتطبيع مع إسرائيل، وضعت اللوحة صورا لسلطان عُمان ورئيسي لبنان وسوريا، ولكنّها تجاهلت زعماء دول أخرى مثل قطر والجزائر وتونس وموريتانيا، وكذلك ليبيا واليمن والسودان (التي تشهد درجات مختلفة من الانقسام السياسي والحرب الأهلية).

إضافة إلى المقصد الأمني الواضح في عنوان المبادرة فقد أعطى أصحابها هدفا سياسيا استراتيجيا لعملهم هو «تغيير وجه الشرق الأوسط» عبر تحالف إقليمي لإسرائيل مع الدول العربية المعتدلة «لمواجهة إيران وأذرعها والتنظيمات الإرهابية»، وهو هدف صار ممكنا حسب المبادرة بعد «الإنجاز العسكري الإسرائيلي ضد إيران».

حسب الموقع الإلكتروني للمبادرة فقد تأسس هذا الائتلاف بعد عام من عملية 7 أكتوبر 2023، وأنه يمثّل مجموعة واسعة من الشخصيات العامة والخبراء وقادة الرأي في مجالات الأمن، والدبلوماسية، والأعمال، والتكنولوجيا الذين توحدوا «بهدف ضمان أمن دولة إسرائيل في الشرق الأوسط من خلال خطة درع إبراهيم». بالتزامن مع هذه المبادرة أوردت تقارير إخبارية أقوال «محللين» إسرائيليين إن نتنياهو يريد أن يكون إنهاء الحرب على غزة جزءا من اتفاقيات إقليمية أوسع وأنه «يواجه معارضة شديدة من سموتريتش وبن غفير، وزيري المالية والأمن القومي».

تشكو تحليلات «المحللين» وبيان المبادرة من عطب منطقي شديد، بدءا من القول إن نتنياهو «يريد إنهاء الحرب في غزة»، ومرورا بافتراض أن «انتصارا» على قوة إقليمية كبرى مثل إيران يدفع إسرائيل نحو وقف خطط التطهير العرقي ضد الفلسطينيين، وليس استثمار هذه «المنجزات» في مزيد من الاستكبار الذي نشهد وصوله إلى ذراه في غزة واستطالاته في سوريا ولبنان.

يشير وجود ترامب في وسط لوحة الدعاية، بالطبع، إلى هذه «القطبة المخفيّة» التي يحاول المنطق الآنف التلاعب عليها، كما يشير إليها أيضا التدخّل العسكريّ الأمريكي الهائل الذي أدى لقصف مفاعل فوردو المحصّن، إضافة إلى المفاعلات الأخرى.

بغض النظر عن نجاح الضربات الأمريكية في تدمير البرنامج النووي الإيراني أو تأجيله، فإن التدخّل الأمريكي أظهر محدودية القدرات الإسرائيلية، وكشف الحاجة الماسّة إلى الحليف الأمريكي، وأوقف بدوره النزيف المادي والبشري والعسكري الإسرائيلي، إضافة إلى كونه وضع حدا لغطرسة نتنياهو وأحلامه غير المنطقية بإسقاط النظام الإيراني أو حتى إنهاء البرنامج الصاروخي الباليستي فوضعه، وإسرائيل، في حجمهما الطبيعي.

تفسّر هذه التطوّرات العالمية والإقليمية المهمة خضوع نتنياهو السريع لقرار ترامب بوقف إطلاق النار بين إسرائيل وإيران، كما تفسّر النقلة التي نشهدها الآن من خطط نتنياهو المجهضة في إيران والمنطقة، إلى خطط ترامب الاستراتيجية فيما يتعلّق بوظائف إسرائيل وتموضعاتها، وهو ما انتبه إليه إعلامي إسرائيلي قبل أيام حين تحدّث عن أن ترامب سيقتطع ثمن مشاركة بلاده في الحرب ضد إيران لكبح جماح نتنياهو وشركائه عبر معادلة «غزة مقابل فوردو»، وبذلك سيقوم بإعادة تجهيزه لقبول المعادلة التي طرحتها القمة العربية الأخيرة، وهي التطبيع مقابل «حل الدولتين» ووقف الحرب ضد غزة. «درع إبراهيم»، بهذا المعنى، هو حملة ترويجية لنتنياهو وإسرائيل، لكنها، من جهة أخرى، إقرار بالفشل، ليس في إيران فحسب، بل في غزة أيضا.

 

 

 

مقالات مشابهة

  • مصر والعالم.. تعرف على الاتفاقيات التي عقدتها الثقافة خلال عام
  • مركز الخور الثقافي يطلق برنامجه الصيفي
  • أوجلان والكلمة التي أنهت حربا
  • المرأة التي زلزلت إسرائيل وأميركا
  • بالصور.. 30 عاما على مذبحة سربرنيتسا التي ما زالت تَقطُر دما وتنزف دمعا
  • إقرار إسرائيلي بصمود حماس في غزة رغم استمرار الإبادة
  • لافروف يشير إلى تزايد المخاطر التي تهدد احتمالات إقامة الدولة الفلسطينية
  • »درع إبراهيم«: من الإبادة إلى التطبيع؟
  • الأحرار الفلسطينية تدين المجزرة التي ارتكبها العدو الصهيوني بدير البلح
  • وزير الثقافة يفتتح مهرجان موسم البيدر الثقافي في جرش