البصرة الأخطر عالمياً.. قصص ملهمة لأطفال من ضحايا الألغام بالعراق
تاريخ النشر: 8th, April 2024 GMT
البصرة الأخطر عالمياً.. قصص ملهمة لأطفال من ضحايا الألغام بالعراق.
المصدر: شفق نيوز
كلمات دلالية: العراق هاكان فيدان تركيا محمد شياع السوداني انتخابات مجالس المحافظات بغداد ديالى نينوى ذي قار ميسان اقليم كوردستان السليمانية اربيل نيجيرفان بارزاني إقليم كوردستان العراق بغداد اربيل تركيا اسعار الدولار روسيا ايران يفغيني بريغوجين اوكرانيا امريكا كرة اليد كرة القدم المنتخب الاولمبي العراقي المنتخب العراقي بطولة الجمهورية الكورد الفيليون الكورد الفيليون خانقين البطاقة الوطنية مطالبات العراق بغداد ذي قار ديالى حادث سير الكورد الفيليون مجلة فيلي عاشوراء شهر تموز مندلي العراق الاطفال محافظة البصرة ضحايا الالغام الالغام الارضية
إقرأ أيضاً:
البصرة تختنق.. حين يُدفن السرطان بالتواطؤ والصمت
في البصرة، جنوبي العراق، لا يطرق السرطان أجساد العراقيين فجأة، بل يتغلغل مثل الغبار.. بصمت، فهو أشبه بـ"حكم إقامة" في منطقة لا مفر منها، يُفرض دون محاكمة ويُنفذ في صمت، وفي حين تتواصل معاناة العراقيين، فإن النفي الرسمي هو سيد الموقف، وسط اتهامات بـ"التواطؤ" مع شركات النفط.
في بلدة "عرادة" بالبصرة، لوحظت زيادة مفجعة في حالات السرطان، حتى إن أحد السكان -وهو مدير مدرسة يُدعى صادق حوير- وثّق أكثر من 3 آلاف حالة في غضون عامين فقط، في بلدة لا يتجاوز عدد سكانها 51 ألف نسمة.
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2ترامب "يكافئ" داعميه بالعفو الرئاسيlist 2 of 2توقيف 5 رؤساء بلديات في تركيا بتهم الفسادend of listقد يسترعي ذلك الانتباه بحثا عن الأسباب، وسعيا للعلاج، لكن تعامل السلطات العراقية مع الأمر خرج به من شأن طبي إلى ملف فساد يبحث عن تحقيق نزيه.
وكشف تحقيق لمجلة "نيو لاينز" الأميركية الكلفة البشرية لصناعة النفط، في ظل محاولات المسؤولين والشركات إخفاء الارتفاع المقلق في الحالات الطبية.
وتقع بلدة "عرادة" قرب حقل "غرب القرنة 2" الذي تديره شركة "لوك أويل" الروسية، حيث تعد الغازات المحروقة الناتجة عن استخراج النفط السبب الأساسي في التلوث، وهي مستمرة بلا توقف.
استفادت الشركات الأجنبية الكبرى -مثل "بي بي"، وإيني، وإكسون موبيل، لوك أويل- من موجة الاستثمارات النفطية بعد عام 2009، لكن دون أي التزام فعلي بالمعايير البيئية.
وكانت دراسة من جامعة البصرة -نُشرت في مجلة "بيئة آسيا" (Environment Asia) في سبتمبر/أيلول 2024- قد أظهرت أن جميع الملوثات تقريبا تجاوزت الحدود المسموحة محليا وعالميا. ومن أبرز هذه الملوثات الجسيمات الدقيقة المعروفة بأنها مسببة للسرطان، حسب الوكالة الدولية لأبحاث السرطان.
ورغم أن العراق موقّع على مبادرة البنك الدولي لوقف الحرق الروتيني للغاز، فإنه أحرق 24 مليار ياردة مكعبة من الغاز في 2023 وحدها، ما يجعله ثالث أكبر دولة ملوثة بهذه الطريقة بعد روسيا وإيران، ويؤشر هذا إلى فجوة هائلة في البنية التحتية والحوكمة، ما يفتح الباب أمام الفساد والإهمال المتعمد.
ولم تقدم السلطات أو شركات النفط أي بديل أو حلول تكنولوجية لوقف التلوث، بل تستمر في الحرق المكشوف للغاز رغم مخاطره المعروفة، ورغم التوقيع على معاهدات دولية، وفي ظل غياب الرقابة البيئية والصحية.
ثانيا: تلاعب بالأرقاميمثل صادق حوير صوتا يكاد يكون وحيدا في إحصاء الضحايا، في ظل تجاهل تام من السلطات، رغم نداءات الاستغاثة التي يرسلها المرضى وأهاليهم إلى بغداد.
وفي عام 2022، كشفت "بي بي سي" وثائق رسمية مسرّبة -من بينها تقرير سري لوزارة الصحة العراقية- أرجع ارتفاع السرطان بنسبة 20% بين عامي 2015 و2018 إلى تلوث الهواء.
كما أظهر تقرير آخر من دائرة صحة البصرة أن العدد الحقيقي لحالات السرطان في 2020 بلغ 8 آلاف و587 حالة، مقارنة بـ2339 حالة في البيانات الرسمية المعلنة.
وفي 2023، أعلنت الوزارة عن 3305 حالات فقط، وهي أرقام يُشكك السكان والمراقبون في صحتها.
وفي مطلع عام 2024، أكدت دراسة أن الانبعاثات الغازية الناتجة عن الحقول والمصافي النفطية في البصرة تؤدي إلى زيادة ملحوظة في السرطان وأمراض القلب والفشل التنفسي. كما حذرت بشكل خاص من أن السكان القريبين من مناطق الحرق المكشوف معرضون لخطر صحي أكبر.
إعلانورغم أن القانون العراقي ينص على منع تشغيل أي مصفاة أو برج حرق غاز على مسافة تقل عن 10 كيلومترات من المناطق السكنية، فإن هذا القانون لا يُطبّق على الإطلاق، حيث تقع منازل في "عرادة" وأماكن أخرى على بُعد مئات الأمتار فقط من أبراج الحرق.
ثالثا: نفي رسمي وتراجع عن الاعترافلكن اللافت كان تصريح وزير البيئة العراقي جاسم الفلاحي، في عام 2022، أن ارتفاع حالات السرطان يعود مباشرة إلى تلوث ناتج عن عمليات النفط.
كما أيد وزير الكهرباء السابق لؤي الخطيب ذلك، مشيرا إلى "غازات مسمومة تُحرق في الهواء دون تنظيم".
لكن في 2025، تغيّر الخطاب الرسمي، فقد أنكر المتحدث باسم وزارة الصحة سيف البدر تأثير الشركات النفطية، وادعى أن "الزيادة تعود للنمو السكاني وتحسّن التشخيص".
ورغم الأدلة والشهادات، تصر وزارة الصحة العراقية على أن معدل السرطان في البصرة ليس استثنائيا، وتضع المدينة في المرتبة السادسة على مستوى المحافظات. كما نفى المتحدث باسم الوزارة وجود تفاوت إحصائي جوهري بين المحافظات.
رابعا: تواطؤ مع شركات النفطمن المفارقات المثيرة للاهتمام أن مستشفيات البصرة، ومنها مستشفى البصرة للأطفال، ومستشفى الصدر التعليمي، تعتمد بشكل متزايد على تمويل شركات النفط لبناء وحدات علاج الأورام.
وقد موّلت شركة "إيني" الإيطالية -على سبيل المثال- توسيع أقسام الأورام، ودرّبت طواقم طبية، وتُقدم نفسها كشريك "لرفاه المجتمع".
ويصف البعض العلاقة بين مسؤولين حكوميين وشركات نفط بأنها علاقة "فساد ممنهج وتواطؤ"، تستهدف التستر على حجم الكارثة الصحية التي تضرب البصرة.
خامسا: وعود كاذبةتوالت الوعود الرسمية بـ"إنهاء الحرق الغازي" أولا في 2018، ثم 2020، ثم 2023، والآن تُؤجل إلى 2027.
ورغم تسليط بعض وسائل الإعلام الضوء على المشكلة، فإن نسبة الحرق لم تنخفض، رغم تضاعف "تبرعات المستشفيات".
ويؤكد رئيس لجنة حقوق الإنسان في نقابة المحامين بالبصرة أثير الموسوي أن الشركات النفطية لا تلتزم بمعايير السلامة، والمؤسسات الحكومية المعنية (الصحة، والبيئة، ومحافظة البصرة) لا تفرض القوانين.
إعلانويرجع الموسوي الأمر إلى "الوظائف والمصالح العائلية، فكثير من المسؤولين العراقيين لهم أقارب في هذه الشركات، ما يمنعهم من فتح أفواههم".
وفي المحاكم، تغيب الوثائق الرسمية التي تربط التلوث مباشرة بالمرض، وهو أمر يؤدي لخسارة القضايا.
ويؤكد الموسوي -الذي مثّل أكثر من 200 عائلة منذ 2019- أن معظم القضايا "تُغلق بالترهيب أو الرشوة التي تتمثل في وظائف أو تعويضات مالية من الشركات".
وتعرّض الموسوي للتهديد من جهات حكومية ومليشيات وشركات، واضطر إلى ترك منزله لأسباب أمنية.
في عام 2021، رفع حسن لطيف داود قضية ضد شركة لوك أويل بعد إصابته بفشل كلوي قرب حقل غرب القرنة 2، ورغم تأكيد 5 خبراء مستقلين تجاوز مستويات الحرق للحدود البيئية، رفضت المحكمة الدعوى لعدم وجود "رابط سببي مباشر".
وفي 2024، رفع حسين جلود، والد الشاب المتوفى علي جلود، دعوى في محكمة بريطانية ضد "بي بي"، في أول سابقة قانونية عراقية خارجية، وكان علي قد وثّق حياته قرب أبراج الحرق.
يقول المحامون إن وزارة الصحة ترفض إدراج "التلوث" كسبب رسمي للسرطان، وتفضل استخدام مصطلحات مثل "أسباب غير معروفة" أو "وراثية".
ويُجهض هذا الإنكار المؤسسي أي فرصة للمحاسبة القانونية، ويترك الضحايا بمفردهم في مواجهة شركات عملاقة.
تتعمّق الأزمة لتشمل تواطؤ مؤسسات الدولة مع الشركات:
وزارة الصحة تنفي الأدلة رغم تقارير داخلية تؤكد الكارثة. المستشفيات تعتمد على تمويل الشركات وتُروّج لدورها كـ"شريك اجتماعي". القضاء يرفض القضايا بحجة غياب الإثبات السببي المباشر. المحامون والضحايا يتعرضون للتهديد والترهيب.في فرع صندوق الإسكان الحكومي بالبصرة، يقرّ مسؤول كبير -تحدث لنيولاينز بشرط عدم كشف اسمه- بأن الوضع لا يُحتمل، فـ"الملفات الطبية وشهادات الوفاة تملأ المكاتب.. الأرقام التي نراها لا تطابق الأرقام التي تصدرها وزارة الصحة".
إعلاناتهامات متكررة لوزارة الصحة بالتستر على الأرقام، ورفض الربط بين التلوث والمرض، بل وإقصاء من يتحدث. واتهامات موازية لشركات النفط تتمتع بحصانة سياسية بفضل تحالفات داخل السلطة، وتقديم الرشاوي أو الترهيب ضد الضحايا. وتبقى الكارثة موثقة، لكن لا أحد يجرؤ على الاعتراف بها علنا.