المعركة الحقيقية القادمة: أطراف العملية السياسية
تاريخ النشر: 22nd, April 2024 GMT
بابكر فيصل بابكر
تتواتر الأنباء عن موافقة طرفي الحرب الدائرة في السودان: القوات المسلحة والدعم السريع، على الدعوة التي قدمتها الوساطة لاستئناف المفاوضات في منبر جدة خلال الأسبوع الأول من الشهر القادم (مايو).
وتأتي هذه الموافقة بعد تصاعد الضغوط من قبل المجتمع الدولي (خاصة الولايات المتحدة الأمريكية)، فضلاً عن الدور الكبير الذي لعبته أطرافٌ في المجتمع الإقليمي ذات نفوذ وتأثير مباشر على الجهتين المتصارعتين لحثهما على العودة إلى طاولة التفاوض من أجل الوصول لاتفاق وقف العدائيات.
وإذ يأمل الشعب السوداني في نجاح جولة التفاوض القادمة في التوصل لاتفاق يوقف القتال، ويؤدي إلى فتح المسارات من أجل وصول المساعدات الإنسانية وحماية المدنيين ورجوعهم إلى منازلهم تمهيداً لانطلاق العملية السياسية، فإنَّ تعقيدات كثيرة تعترض طريق الوصول لذلك الاتفاق واستئناف المرحلة الانتقالية في البلاد.
لا شك في أن الجهة التي أشعلت الحرب، وتعمل على استمرارها (المؤتمر الوطني/الحركة الإسلامية) ستكون أكبر متضرر من وقف القتال واستئناف مسار الانتقال السياسي، ولذا فإنها ستعمل كل ما في وسعها لمنع الوصول لاتفاق بين الطرفين المتصارعين، وإذا تحقق الاتفاق، فإنها ستسعى بالسبل كلهم لإفشال تطبيقه على الأرض عن طريق كتائبها المسلحة، وحلقتها الصلبة داخل الأجهزة الأمنية والعسكرية.
ومن ناحية أخرى، إذا سار الاتفاق على هوى الخاسر الأكبر من الحرب وهو المواطن السوداني، والتزمت الأطراف المتقاتلة بتطبيقه واحترام تعهداتها المتعلقة به، فلن يكون هناك من سبيل أمام دعاة استمرار الحرب (المؤتمر الوطني/الحركة الإسلامية) إلا السعي لإيجاد موطئ قدم في العملية السياسية بذريعة أن تكون تلك العملية “شاملة” ولا “تستثني أحداً”.
أمَّا في حال فشل الخيارين المذكورين، فإنَّ الحيلة الثالثة التي سيستخدمها المؤتمر الوطني وحلفاؤه في معسكر استمرار الحرب ستكون هي “إغراق” العملية السياسية عن طريق تحالفات مصنوعة ولافتات تُخْلَق خصيصاً من أجل إجهاض الأهداف الرئيسية التي من المؤمل أن تحققها تلك العملية والمتمثلة في تحقيق شعارات ثورة ديسمبر ووضع البلاد في طريق التحول المدني الديمقراطي.
ستشكل معركة أطراف العملية السياسية “جوهر الصراع” القادم بين قوى الثورة الساعية لوضع البلاد في طريق المدنية والديمقراطية والمؤتمر الوطني وحلفائه الذين يعملون على العودة إلى السلطة بأي ثمن، ولن تكون هذه المعركة بالسهولة التي يتوقعها البعض خصوصا أن أطرافاً إقليمية وأخرى دولية تسعى لتحقيق سيناريو الإغراق، وليس حوار “السلام روتانا” ببعيد عن الأذهان.
مقاومة هذا السيناريو بالشكل الأمثل تتمثل في توحيد وتقوية الصف المدني، وإذا تعذر جمع كافة القوى المدنية الداعية لوقف الحرب والمُطالبة بتحقيق شعارات ثورة ديسمبر في جبهة واحدة، فلا بد من التنسيق المُحكم بين هذه القوى بالاتفاق على الحد الأدنى من الوسائل والأهداف التي من شأنها إجهاض سيناريو إغراق العملية السياسية، ذلك أن نجاح هذا السيناريو ستتضرر منه كافة قوى الثورة بدون استثناء.
إنَّ تصميم العملية السياسية القادمة وتحديد أطرافها يجب أن يتم وفقاً لمعايير صارمة ودقيقة يكون لقوى الثورة الدور المركزي في وضعها بحيث لا يسمح فيها بالمشاركة لأية كيانات مصنوعة أو تحالفات، بل تتم بمشاركة أحزاب سياسية وحركات مسلحة ولجان مقاومة ومنظمات مجتمع مدني وتنظيمات نقابية ومهنية وشخصيات وطنية معروفة ولها وجود حقيقي وفاعل في الساحة السياسية.
لن تتوقف القوى المضادة للثورة عن مساعيها المتصلة الهادفة لعودة عقارب الساعة للوراء باستعادة نظام حكم المؤتمر الوطني تحت ذريعة عدم الإقصاء، وستشكل خطوة تحديد أطراف العملية السياسية إحدى الأدوات التي يعملون من خلالها لتحقيق تلك المساعي عبر مشروع الإغراق الذي يضمن لهم التحكم في مخرجات تلك العملية وتحطيم الهدف الأهم المتمثل في وضع البلاد في المسار الصحيح للتحول المدني الديمقراطي.
الوسومبابكر فيصل بابكرالمصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: بابكر فيصل بابكر العملیة السیاسیة المؤتمر الوطنی
إقرأ أيضاً:
بعد انتقاده بوتين.. هل يمهّد ترامب لتجاهل التسوية السياسية للحرب الأوكرانية؟
موسكو – في وقت بدت فيه العلاقات الروسية الأميركية كأنها تبتعد عن خطاب المواجهة وتقترب من الحوار السياسي لحل الأزمات العالقة بينهما، لا سيما ملف الحرب الأوكرانية، جاءت تصريحات الرئيس الأميركي دونالد ترامب "النارية" ضد نظيره الروسي فلاديمير بوتين لتطرح تساؤلات حول ما إذا كانت هذه التصريحات مقدمة للعودة إلى التوتر بين البلدين.
وكان الرئيس الأميركي صرّح يوم 27 مايو/أيار الجاري بأن "بوتين لا يفهم أنه لولا ترامب لكانت روسيا قد تعرضت لأمور سيئة للغاية"، وقال إن الرئيس الروسي "يلعب بالنار".
وجاءت انتقادات ترامب لبوتين في ظل الغارات الروسية المكثفة على أوكرانيا، وما اعتبره ترامب عدم إحراز أي تقدم في محادثات إنهاء الحرب، مضيفا كذلك أن بوتين "جنّ جنونه" وأنه "يقتل الكثير من الناس دون داعٍ".
ردود مقابلةمن جانبها، سعت موسكو إلى "امتصاص" الهجوم الكلامي لترامب، وقال المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف إن "لكل دولة مصالحها الوطنية التي تحميها، وهذه المصالح فوق كل اعتبار".
وذهب المتحدث في تصريحه إلى ما تشبه إشارات الغزل بقوله إن "الولايات المتحدة، التي تبذل جهودا حثيثة في إطار التسوية السلمية، ترغب في إحراز تقدم في هذه العملية"، مؤكدا أن موسكو ممتنة لواشنطن على هذه الجهود، وأنها تستعد للجولة المقبلة من المفاوضات مع كييف وستحافظ على الاتصالات مع الإدارة الأميركية.
إعلانومن بين جميع المسؤولين الرسميين الروس، وحده ديمتري ميدفيديف نائب رئيس مجلس الأمن الروسي غرّد خارج السرب، وقال إن "كلام ترامب عن لعب بوتين بالنار، والأمور السيئة للغاية التي قد تحدث لروسيا.. أعرف شيئا واحدا سيئا للغاية، الحرب العالمية الثالثة. آمل أن يفهم ترامب هذا".
كلام ميدفيديف رد عليه في اليوم نفسه المبعوث الرئاسي الأميركي الخاص لأوكرانيا وروسيا كيث كيلوغ بقوله إن "زيادة المخاوف بشأن الحرب العالمية الثالثة تصريح مؤسف وغير مسؤول من ميدفيديف، ولا يليق بقوة عالمية"، مضيفا أن "الرئيس ترامب يعمل على وقف الحرب ووضع حد لأعمال القتل. ونحن في انتظار استلام مذكرة التفاهم من روسيا التي وعدتم بها قبل أسبوع. أوقفوا إطلاق النار فورا".
تعبير عن فشليبدو أن ما أعطى تصريحات ترامب الأخيرة صدا واسعا هو أنها لم تقتصر على توجيه انتقادات لاذعة لبوتين، بل حملت تهديدات باحتمال فرض عقوبات جديدة على روسيا. فهل بدأ العد التنازلي لتراجع الإدارة الأميركية عن مقاربتها للصراع الروسي الأوكراني وتفاهماتها الأخيرة مع موسكو؟
وفق وجهة نظر الباحث في الشؤون الدولية ديمتري كيم، فإن التصريحات "القاسية" التي أدلى بها ترامب ضد بوتين تُظهر يأس الولايات المتحدة من محاولة إجبار روسيا على الخضوع للمقاربة الأميركية لوقف الحرب على أوكرانيا.
ويضيف في تعليق للجزيرة نت، أن ترامب يتمتز بفقدانه القدرة على ضبط النفس في التعابير والتوصيفات السياسية. فقد وصف بوتين بـ"المجنون"، وفولوديمير زيلينسكي وكير ستارمر وإيمانويل ماكرون ودونالد توسك وفريدريش ميرز بـ"المُحرِّضين على الحرب"، لكن عجزه عن ضبط انفعالاته هذه المرة مرتبط بفشل واشنطن في مواجهة روسيا وهزيمة بوتين شخصيا.
ويوضح أن واشنطن كانت تأمل أن تتمكن من جرّ أوكرانيا إلى المعسكر الغربي وتوسيع حلف الناتو وإجبار روسيا على الاستسلام، لكن كان ذلك رهانا خاسرا؛ فقد كانت هذه قضية محورية بالنسبة لروسيا عندما ساعدت الولايات المتحدة في الإطاحة بحكومة موالية لموسكو في أوكرانيا، ثم بنت أكبر جيش في أوروبا هناك ودعمته في مواجهة القوات الروسية، حسب قوله.
إعلانعلى هذا الأساس، يضع المتحدث هجوم ترامب على بوتين في سياق التمهيد للتراجع عن الوعود التي قطعها بوقف الحرب بين روسيا وأوكرانيا، حيث كان رهانه الحقيقي على أن موسكو المنهكة من الحرب والتي لم تعد قادرة على تحمل المزيد من العقوبات، ستتجاوب بسرعة، لكن تبيّن العكس.
"حفظ ماء الوجه"
من جانبه، يرى الخبير في النزاعات الدولية فيودور كوزمين أن ترامب يتظاهر بالغضب الشديد من روسيا، ويحاول الإيحاء بأن بوتين على وشك إحراق "الجسر الذهبي" الذي بناه له، لكن على الأرجح وبالعكس من ذلك، ستؤدي إجراءات محددة إلى تصعيد ضد أوكرانيا.
ويضيف للجزيرة نت أن "ترامب على ما يبدو لا يتلقى معلومات كافية ودقيقة بشأن الصراع في أوكرانيا، إذ يتكلم ويوجه الاتهامات للرئيس الروسي وكأنه لا يعرف بحصول هجمات إرهابية ضخمة تنفذها أوكرانيا كل يوم تقريبا ضد المدن الروسية المسالمة".
ويقرّ المتحدث بأن الولايات المتحدة قد تفرض عقوبات جديدة على روسيا، ولكنه مع ذلك يرى أن هذه القيود ستكون رمزية إلى حد ما بهدف الإظهار "لصقور أوروبا" أن واشنطن تمارس ضغوطا على موسكو.
ويلفت إلى أن ترامب يدرك تماما أن العقوبات الجسيمة لا تضرّ إلا بالمصالح الأميركية لأنها تُقرّب روسيا والصين. لكن إذا فرضت فلن تشمل عقوبات مصرفية جديدة.
ومع ذلك، لا يستبعد كوزمين خيارات أخرى للضغط على روسيا لتقديم تنازلات، بما في ذلك الموافقة على وقف إطلاق نار لمدة 30 يوما.