أثار مركز تكوين الفكر العربي جدلا واسعا في الأوساط العلمية والإسلامية وهوجم من عدد كبير من الشخصيات الدينية البارزة، إلا أن إسلام البحيري، أحد أعضاء المركز، خرج للرد على تلك الانتقادات.

وتستعرض «الأسبوع» خلال السطور التالية أول رد من إسلام البحيري على انتقادات مركز تكوين.

رد إسلام البحيري على انتقادات مركز تكوين

وجاء رد إسلام البحيري، عضو مجلس أمناء كيان تكوين، على هجوم الشيخ محمد حسان وبعض العلماء من الأزهر الشريف، على أفكار المؤسسة وآراء إبراهيم عيسى خاصة في ما يتعلق بثوابت الدين.

وقال إسلام البحيري، خلال لقائه ببرنامج «الحكاية»، الذي يقدمه الإعلامي عمرو أديب بقناة «إم بي سي مصر»: «تكوين قائمة على مناقشة الفكر البشري فقط بعيدًا عن الطعن في ثوابت الدين أو ما جاء في القرآن الكريم، وما نقدمه من منتج ديني أو فكري أو ثقافي يتطابق مع الدستور والقانون»، مضيفا أن الثابت في الدين جاء في القرآن الكريم فقط وليس السيرة أو السنة النبوية التي نقلت إلينا عن طريق بشر يصيبون ويخطئون وهذا ما طرحه الكاتب إبراهيم عيسى، ما دون القرآن الكريم بما فيه السنة النبوية محل نقاش لأنه فكر بشري وليس من ثوابت الدين.

وتابع إسلام البحيري: «نحن نؤمن في تكوين بالنقد والنقاش، وإذا كنا تعرضنا لهجوم فإن مفتي الجمهورية السابق الدكتور علي جمعة نفسه قال رأيين أو ثلاثة مع أطفال وشباب وبعدها تعرض لهجوم شديد وطالبوه بعدم الإفتاء».

وأكمل البحيري: «أنتجنا بودكاست للدكتور سعد الدين الهلالي وهذا يدل على أننا منفتحون على أفكار علماء الأزهر، ومركز تكوين به أزهريون وأناس من ديانات أخرى وكل الأطياف ممثلة، ونرحب بأي أحد من المؤسسة الدينية لإنتاج كل منتجه الفكري»، مؤكدا: «عرضنا على شخصيات وعلماء لكنهم اعتذروا لأسباب إدارية متعلقة بحكم وظائفهم في الأزهر».

مركز تكوين الفكر العربي

وسأل عمر أديب، إسلام بحيري: «الناس تصدق مين أكتر محمد حسان ولا إبراهيم عيسى؟ ليرد عضو مجلس أمناء تكوين: لا نريد أن يصدقنا الناس لسنا في هذا السبق لكننا نريد إعمال العقل خليهم يصدقوا محمد حسان إلى الأبد، كل الفكرة أن نشارك في الغمار ببعض الأفكار التي تسمع بشكل صحيح وتناقش وبدون تشويه»، وواصل: «المثقف في الـ 100 عام الماضية متهم بهذا الإتهام وطه حسين نفسه تم تشويه أفكاره، كل ما نريده تكوين هدف وفكر وثقافة وشعر ونحت ورسم، ونرحب بمشاركة محمد حسان أو أي شيخ من أصحاب الأفكار الرجعية أو أي من علماء المؤسسة الدينية في أي ندوات لمنافشة الأفكار، مين اللي بيعمل فتنة اللي بيستعدي الناس ولا اللي بيناقش الفكرة».

رد إسلام البحيري على علاء مبارك بشأن زجاجة الخمرة

وأما عن أزمة زجاجة البيرة أو الخمرة في مؤتمر تكوين وتعرض الكيان لهجوم من علاء مبارك نجل الرئيس الأسبق حسني مبارك، علق إسلام البحيري: «أربأ بالأستاذ علاء مبارك الدخول في هذا الجدل وحالة الكذب والتضليل وتشويهنا»، موضحا: «تكوين أقامت مؤتمرًا في المتحف المصري الكبير، ونحن مسؤولون ونحاسب فقط عن الصور الرسمية التي تم وضعها على الموقع، الأوتيل الذي عقدنا به المؤتمر كان مليئًا بالأجانب، والصور الشخصية التي خرجت ليست لنا علاقة بها»، وأكد:«الصور الرسمية ما فيهاش بيرة ومنضبطة وعارفين احنا بنعمل إيه ومش هندخل في الجدل والفوتوشوب».

رسالة إسلام البحيري إلى الأزهر والسلفيين

وواصل البحيري: «لا ننظر إلى الصغائر أو التفاهات، ونحترم الأزهر للغاية ونرحب بنقدهم لإنتاجنا إذا كان هناك شيء خطأ وكذلك السلفيين ما دام الفكر غير متطرف»، متابعا: «لا يجب مواجهة الفكر بالإرهاب والتخوين لأن هذا يظهر هشاشة وهلعًا».

مركز تكوين الفكر العربيهجوم على أعضاء مركز تكوين الفكر العربي

وكان علاء مبارك، نجل الرئيس المصري الأسبق، محمد حسني مبارك، قد هاجم أعضاء في مركز تكوين الفكر العربي بصورة نشرها على صفحته بمنصة أكس «تويتر سابقا»، وقال علاء في تعليق على الصورة: «مركز تكوين الفكر العربي لماذا الحديث والكلام الكثير والهجوم على هذا الكيان! المركز أعلن أن من أهدافه نشر التنوير ونقد الأفكار الدينية المتطرفة وتعزيز قيم العقلانية وده كلام جميل جداً ومحترم بس المشكلة ان هذا المركز يضم في الحقيقة بعض الاشخاص من أصحاب الأهواء الذين يشككون اساساً في السنة النبوية والعقيدة ومنهم من يسيء للصحابة رضى الله عنهم ومنهم من شكك في رحلة الإسراء والمعراج منكرا وجود المعراج!».

أعضاء مركز تكوين الفكر العربي

والجدير بالذكر أن مركز تكوين يهدف المركز وفقا لتقرير سابق نشرته بوابة الأهرام إلى تعزيز خطاب التسامح، وفتح آفاق الحوار، وتشجيع المراجعات النقدية، والتحفيز على طرح الأسئلة على المسلمات الفكرية، والأسباب التي تحول دون نجاح مشاريع النهضة والتنوير العربية.

وذكر التقرير أن مؤسسة تكوين الفكر العربي، والتي مقرها القاهرة، تضم في عضوية مجلس أمنائها عددا من المفكرين العرب، وهم الدكتور يوسف زيدان «مصر»، والدكتور فراس السواح «سوريا»، والأستاذ إبراهيم عيسى «مصر»، والدكتورة وألفة يوسف «تونس»، والدكتورة نادرة أبي نادر «لبنان»، والأستاذ إسلام البحيري «مصر».

اقرأ أيضاًأزهري يهاجم مؤسسي مركز تكوين: يخدمون الصهاينة من أجل المال وعلينا التصدي لهم

زجاجة خمر ومخاوف من نشر الإلحاد.. ما سر الهجوم على أعضاء مركز تكوين للفكر العربي؟

ينشر الإلحاد في مصر.. ما هو مركز تكوين الذي حذر منه العلماء؟

المصدر: الأسبوع

كلمات دلالية: علاء مبارك إسلام البحيري مركز تكوين مركز تكوين الفكر العربي تكوين أعضاء مركز تكوين الفكر العربي مؤسسة تكوين الفكر العربي مركز تكوين الفكر مرکز تکوین الفکر العربی إبراهیم عیسى علاء مبارک محمد حسان

إقرأ أيضاً:

صديقي المفكر.. البروفيسور فارس البياتي   حين يكون الفكر موقفًا، والكتابة ضميرًا

صراحة نيوز – بقلم : حسن محمد الزبن

لمعرفتي الوثيقة به على امتداد ربع قرن، وجدت نفسي عاجزًا عن ترتيب الكلمات عندما حاولت التحدث عن صديقي المفكر.. فارس البياتي. في زمن نشهد فيه انحسار الأحرف وتلاشي الأصوات تدريجيًا، يبقى فارس حاضرًا كشخصية استثنائية، أشبه بمن يحفر أفكاره بحكمة على صفحات التاريخ. لم يكن مجرد اسم عابر في الوسط الأكاديمي أو تكرارًا للنماذج السابقة من الكُتّاب، بل كان مشروعًا فكريًا متجددًا، يمضي بخطوات ممتلئة بالعمق واليقظة والمسؤولية. وُلد عام 1954 في بغداد، ونشأ بين جواري الأعظمية والكاظمية، وهما المدينتان اللتان تركتًا بصمة واضحة على فكره ووجدانه وأعماله العلمية والعملية.

منذ شبابه، تبنى أسئلة تجاوزت النصوص التقليدية واختار للمعرفة دورًا رساليًا يسعى لخدمة الإنسان والمجتمع. اهتماماته امتدت بشكل مذهل إلى مجالات متعددة: من الاقتصاد السياسي إلى الفلسفة والبحث في منابع القرآن، ومن الذكاء الاصطناعي وتحليل الخطاب إلى نقد المؤسسات واستشراف المستقبل. وعلى الرغم من الطابع الأكاديمي الذي كان يميز مؤلفاته، فإنها ظلت تنبض بروح إنسانية تصل للقارئ بأسلوب يُعزز التفكر والبحث، بعيدًا عن ثقل المصطلحات الجافة. تولى منصب رئيس جامعة لأكثر من اثني عشر عامًا، إلا أنه لم ينظر إلى ذلك كامتياز شخصي، بل اعتبره مسؤولية أخلاقية واختبارًا للثبات. وعلى الرغم مما واجهه من عقبات وظلم طال لأكثر من عشرين عامًا، اختار أن يواجه التحديات بالصبر والإصرار رافضًا الانحدار نحو الانتقام، فانتصر من خلال قيم القانون والعلم الراسخة. وبعد تلك التجارب، عاد إلى الكتابة لا للاحتفاء بانتصاراته الشخصية، بل ليؤكد أن الكرامة تعبر الزمن دون أن تفقد بريقها، وأن الحقيقة هي القوة الوحيدة التي تستحق احترام الإنسان. من إيمانه العميق بذلك، أسس مدرسة فكرية جديدة تحت مسمى “الخطاب الثالث – مدرسة البياتي للتحول الفكري”، حيث ركز فيها على تحويل المعرفة إلى قوة تغيير حقيقية، معتبرًا أن النص يجب أن يكون حيًا وقادرًا على التواصل مع الإنسان بصدق بدلًا من تضليله أو بث السلبية فيه.

تخرّج على يديه المئات من الطلاب، لكنه كان دائمًا يؤمن بأن الأثر الحقيقي يُقاس بعدد العقول التي ساهم في تحفيزها للتفكير والتساؤل واكتشاف الذات. تميزت مواقفه الفكرية بالشجاعة والجسارة، حيث تناول قضايا حساسة مثل السيادة الوطنية، الاحتلال وتفكيك الدولة بعيدًا عن التحيّزات الحزبية أو السياسية. انطلقت مواقفه من رؤية وطنية تقوم على المعرفة الواعية والوعي العميق، رافضًا أن يكون مجرد صوت في جوقة السلطة أو أداة بيد أصحاب النفوذ المالي. ظل يكتب بروح عاشق لوطنه، بقلم يعكس ألمًا نبيلًا وحنينًا مستترًا وصدقًا عصيًا على البيع.

في عقده السابع الآن، لا يزال يواصل رحلة البحث والتأمل بشغف لا يتلاشى. يبدأ يومه بالكتابة دون كلل، ويغوص عميقًا في الأفكار التي تراوده، حالمًا بوطن قائم على الفكر والمعرفة بدلًا من النزعات الضيقة. وعندما يُسأل عن سر استمراره وإصراره على الكتابة، يجيب بابتسامة واثقة: “حين أكتب لا أُلقن الآخرين بتجربتي، بل أبحث عما أجهله وأستكشفه”.

وإليك بعض كتاباته ومؤلفاته العلمية والفكرية التي تعد إرثا عظيما:

الموسوعة العالمية في البحث العلمي – ثمانية أجزاء

الموسوعة الاقتصادية العربية – خمسة مجلدات

الموسوعة الجدلية – الدين والمعاصرة – ثلاثون جزءً

الحاوي في مناهج البحث العلمي – يدرس في الجامعات

الوجيز في العلاقات الاقتصادية الدولية – يدرس في الجامعات

الدهشة – نحو تطوير نظرية جديدة في الفلسفة

الذكاء الاصطناعي في البحث العلمي -أدوات وتقنيات

 متاهة السؤال -منطق المعرفة الناقصة في زمن الجدال العقيم

بريمر في بغداد – تنفيذ خرائط الفوضى الأمريكية

 صوت المطلقات – ثلاثية الغياب القيمي – الحق والخير والجمال

غريب عبر العصور

أين ضاعت فضائلنا؟ – قراءة فلسفية في انحدار القيم نحو المصالح

اللايقين المعاصر – من ضعف الإيمان إلى ثقافة الشك

 مدرسة البيّاتي للتحول الفكري – الخطاب الثالث

 صوت من الطين – عندما عاد الآباء ليسألوا عن الأبناء (مسرحية رمزية فكرية)

قضاء الإمام علي – دولة العدل بين النص والاجتهاد

الإدارة بالحب – النموذج النبوي في زمن الذكاء الاصطناعي

الذكاء الاصطناعي ومستقبل البحث العلمي

التفسير البنائي – مقاربة فلسفية لتفسير القرآن بالقرآن

المنهج الانفعالي في البحث العلمي – العاطفة كمدخل للتحقيق المعرفي

 منهجية الشك البنّاء – استراتيجيات لمواجهة اليقينيات الزائفة

وإليك أيضا بعض المكتسبات المعنوية والشخصية التي حصل عليها ومنحت له:

الأمين العام للرابط الدولية للباحث العلمي -لندن منذ 2018 ولغايته

حاصل على لقب (مفكر) ماليزيا 2018 ، وكذلك جامعة Magister الأمريكية 2024

حاصل على نوط (وسام) الخدمة الاجتماعية. الإمارات 2021.

مسجل باسمه نظرية فلسفية علمية(الدهشة) . جامعة Valley الأمريكية 2023

مسجل باسمه مقاييس عالمية (قياس ما لا يقاس) جامعة Santander الأمريكية. 2022

 عضو الجمعية الأمريكية للعلوم الاقتصادية. AEA

 عضو الجمعية الأمريكية للعلوم المتقدمة. AAAS

 رئيس الهيئة الاستشارية لمجلة شؤون اجتماعية .2011 ولغايته

 

تتنوّع كتاباته بين الفلسفة، الدين، الاقتصاد السياسي، التربية، ومناهج البحث، حيث يجمع في رؤيته بين العمق التحليلي والبعد الإنساني والتحول الفكري.

في مسيرة البروفيسور الدكتور فارس رشيد البياتي، لا نجد مجرد محطات أكاديمية أو لائحة كبيرة من المؤلفات، بل نكتشف تجربة إنسانية وفكرية تشكّلت وسط التحديات، واجهت عواصف الظلم بصبر ومعرفة، وحملت رسالة تعكس صدق الالتزام بالفكرة. لم يكن الكتابة بالنسبة له مجرد وسيلة لإضافة مؤلفات إلى أرشيف النشر، بل كانت عملية يولد منها سؤال يبحث عن إجابة، وصوت يوقظ الضمير، وطريق يُشقّ حيث لا طريق. يؤمن بأن قوة الفكر لا تقاس ببلاغته، بل بقدرته على التحول والإلهام. الباحث في نظره لا يكتمل إلا حين يتعانق شرف الفكرة مع صدق الالتزام بها. في طرحه للأفكار، يبدو وكأنه يعيش بين الوعي واللاوعي، مغامرًا نحو اليقين بدون هوادة. يغوص في أعماق المعنى ليكشف الحقيقة بعيدًا عن الزيف والتزييف الذي يعلو كل شيء. يرفض الأفكار السطحية أو الهشة أو تلك التي تنشأ بالمصادفة، ويواجهها بتشريح صارم يكشف جوهرها دون مجاملة. حتى فيما يتعلق بالإنسان نفسه، لا يكتفي بالنظر إلى ظاهره، بل يعزل عنه كل ما هو زائف ليصل إلى أساسه الحقيقي، متتبعًا آثاره عبر الزمن والرموز التي أَثّرت في مراحل تطوره. تملؤه زوبعة من الأسئلة الحائرة تدفعه إلى التأمل العميق في جدلية التضادات والصراعات الداخلية. يعنف ضجيج الأفكار ليعم الصمت، ويبحث دائمًا عن عمق الفكرة بمنهج دقيق خالٍ من الهراء والمبالغات. بأسلوب متزن وخبرة مدفونة بين ثنايا ذهنه الخصيب، يخلق وجهًا جديدًا للفكر ويسطّر على منصة الوجود رؤى تلقي الضوء على واقع الإنسانية المفخخ بالتناقضات. في قلب هذا التناقض بين العذب الفرات والملح الأجاج، وبين نار الصراع وسكينة السلام التي لم تتحقق يومًا، تستمر أفكاره بالاشتعال حتى تجد طريقها لكشف الحقائق وتحقيق الترميم المعرفي. هذا الترميم يقود لوعي أكثر نضجًا، يساهم في بناء قوام جديد للفكر الإنساني بعد أن كان تائهًا بين طواحين التقليد ودوامة العبث. بعبقريته المتوقدة وبصيرته الخلاقة، يجمع خيوط الواقع المبعثرة لينسج صورة جديدة تنبع من الأصالة وتتحدى ما سبقها. يمنح للإنسانية معنى أكثر عمقًا وقبولًا وسط بحر من الفوضى والخراب الناتج عن أيدي خفية تسعى لتخريب العقول والتلاعب بمصير الفكر. بهذا النهج الثوري والإبداع المتقد، يقدم رؤية تحمل الأمل للتطور والارتقاء بعالم غارق في الأزمات والمآزق المتشابكة.

على عادة حديثه عندما يطرح فكرة معينة، يبدو أنه يعيش في منطقة وسطى بين الوعي واللاوعي، حيث يصر على التوجه نحو اليقين؛ فتجده يغوص في أعماق لا تحصى ليكشف عن باطن الأرض، ويخلع الأوراق عن الشجرة. . ويدغدغ جذعها حتى يتعرى عاريًا وتظهر أجزاؤها الأساسية، سعيًا وراء الحقيقة بعيدًا عن الزيف والكذب المتراكم في كل شيء، فهو لا يقبل الأفكار السطحية، أو الهشة، أو تلك التي تنشأ في حالات استثنائية، أو تُطرح بصورة عشوائية، حتى الأشخاص الخداعين أو المخادعين يستبعد عنهم ملامحهم السطحية ليكشف عن البنية الأساسية لهم التي تروى قصتهم الحقيقية، ويظهر آثارهم التاريخية، باحثًا في تاريخه الوجودي ولغة الرموز التي مرت عبر مراحل تكوينهم، يعيش شعورًا بالقلق أمام عاصفة من التساؤلات والشكوك، تدفعه إلى هدوء التأمل في متاهة التناقضات التي تدور داخله، ويسعى لتهدئة تلك الثرثرات حتى يخفت صوتها ويخبو، ويبحث عن حوار قيادي يقوده إلى أعماق الفكرة دائمًا، ليزيل كل ما هو ضبابي ومبتذل بطريقة متأنية ومعرفة غامضة للإعلان عن ألق الأحرف التي تشكل الحقائق الدامغة عن سلسلة من الأسئلة المتشعبة التي ظهرت لتعكس واقع الإنسانية الجديد الذي كان مفخخا بالنار والماء، ومرنحا بين العذب الفرات والملح الأجاج، وكأن الحرب لم تفتر يوما، ولم يقدر للسلام أن يعم يوما ، وتبقى الفكرة متقدة وتشتعل، حتى تصل إلى مصيرها المحتوم من العبث والتدمير ليتكشف الخفايا ويحل وقت الترميم والانتقال نحو سلسلة من التطور في الوعي والإدراك لبناء حالة من النضج بعد أن كانت تحت رحمة الطواحين المدمرة، لتلتقي مع البؤر العميقة والمظلمة. ولكن مع عبقريته الفذة وبصيرته المبدعة وأفكاره النيرة، ينظم الأمور ويبدأ في نسج صورة جديدة تحمل عنوانًا مختلفًا وثاقبًا يتمرد على ما سبق، ليقدم للإنسانية معنى آخر يتلاءم أكثر مع الفوضى والخراب المتعمد من الأيدي الخفية التي تلعب في كل الاتجاهات، وتسعى لزعزعة عقول ما زالت جديدة وأخرى مرت عليها أجيال دون استفادة، وهناك أيضًا عقول مهددة بالسقوط أصلاً والتي لا تحتاج إلى تدخل سري لتخريبها.

هذا هو المفكر البياتي، دائم الاتصال بصوته الداخلي، ويناقش نفسه لعدة أيام قبل أن يطرح أفكاره على الورق، وهو مؤمن بأن الوهج الفكري قد صار واضحًا ويمكن أن يسفر عن حقيقة لا يمكن إخفاؤها عن البشرية، ويعتقد أن وقت ولادتها قد حان لترى النور وتتنفس كما يتنفس البشر والشجر.

البياتي سيرته ممتلئة بالثراء الفكري، وتنبئ بمفكر جديد في عالم المفكرين بالعالم العربي، سيتحدث عن أفكاره جيلنا الحالي والأجيال القادمة، مكملاً لما توصل إليه من أفكار جديدة تتناول قضايا تخدم المجتمعات الإنسانية متنوعة الثقافات والاعتقادات، بما عالجه من مواضيع قام بتفكيكها وإعادتها إلى أساسياتها وأعماقها لجعلها مرتبطة مجددًا ببحر الحياة بلغة بسيطة وواضحة تعبر عن واقع وجودي لا يقبل المظاهر الزائفة ولكنه يعتنق صورته الحقيقية المرتبطة بالواقع واليقين.

وفي زمن ساد فيه ضجيج المجاملات وانهارت فيه بوصلة التوجهات، ظل البياتي صوتًا لا يتملق، ولا يسعى إلا لأن تكون المعرفة في خدمة الكرامة، والعقل في خدمة الإنسان، والكتابة تصطف إلى جانب الحقيقة.

لذا، فإن مشروعه الفكري، في عمقه وتنوعه وتأسيسه، ليس مجرد جهود فردية، بل دعوة هادئة لاستعادة الأمة لعقلها، وكتابة واقعها بأقلام أبنائها، لا بأقلام من يكتبون لهم.

كل كتاب من كتبه هو لبنة في بناء ضمير معرفي عربي جديد.. وكل صباح يبدأ به هو إشارة أن الباحث الحقيقي لا يعتزل المعنى، ولا يفقد الأمل.

مقالات مشابهة

  • زلزال يضرب باكستان بقوة 5.5 درجة دون خسائر بشرية
  • قبل بيعها بالأسواق.. ضبط 7 آلاف زجاجة زيت طعام مغشوش في البحيرة
  • صديقي المفكر.. البروفيسور فارس البياتي   حين يكون الفكر موقفًا، والكتابة ضميرًا
  • «سدد الدين».. إنسانية مأمور مركز شرطة أشمون بالمنوفية تنقذ مُسنة من الحبس
  • وسط انتقادات.. كمبوديا ترشح ترامب لجائزة نوبل للسلام بعد باكستان وإسرائيل
  • تعلن محكمة ذي السفال الابتدائية م/إب أن على المدعي عليه/محمد نجم الدين ال
  • محمد فاروق: قررت عودة حكام السوبر من الإمارات بسبب إبراهيم نور الدين
  • يسري عزام: المقوقس أرسل للنبي محمد عسلًا من «بنها»
  • العشائر العراقية.. حصنٌ ودرعٌ بوجه الفكر المنحرف
  • محكمة مصرية ترفض دعوى إثبات نسب ضد اللاعب إسلام جابر