أطياف - صباح محمد الحسن
طيف أول:
قبل الوداع ثمة من ينتعل دروب النهاية يأتي لينفخ على نار خيبته ليصلك سعيرها
لا تسمح له بذلك
فقط ناضل .
قد يتساءل المتلقي لخطاب الفريق مالك عقار عن سبب سوء وركاكة الإسلوب الذي عبر فيه الرجل عن رفضه لمنبر جدة وتأكيده انهم لن يذهبوا الي التفاوض، وقد يعتقد البعض أن عقار خانه التعبير عندما أفرغ الكلمات بغضب شديد لمجرد أن بلينكن اتصل على البرهان وطلب منه العودة للتفاوض فهذه ليست المرة الاولى التي يتصل فيها بلينكن على البرهان لدعوته لوقف الحرب فما الجديد الذي جعل الرجل يغضب لهذا الحد!!
وعقار قال إنهم رفضوا دعوة وزير الخارجية الأمريكي للعودة الي جدة واردف لن نذهب إلى جدة ومن يريد ذلك فعليه أن يقتلنا في بلدنا ويحمل رفاتنا إلى جدة)!!
وأضاف أن العالم الذي أعد لهذه الحرب ولا يريد للسودان سيادةً علي أراضيه بثرواتها المختلفة
ولكن وحتى تجد الإجابات مطارحا آمنة تتكيء عليها في ذهنية القارئ كان لأبد من الوقوف على أسباب ردة الفعل القوية لعقار التي دفعتنا للبحث عن ماوراء المكالمة ، وما الذي جعل عقار يخرج من أدب الخطاب الموزون ، وماذا حوت مكالمة وزير الخارجية انتوني بلينكن
فالمصادر الخارجية الرفيعة تكشف للزاوية (سر المكالمة) التي تلقاها الفريق عبد الفتاح البرهان رئيس المجلس الإنقلابي والتي لم يفصح عنها عقار في مؤتمرة
وتكشف المعلومات عن الجزء المفقود من الرسالة وتقول المعلومات : إن انتوني لم يتصل بصفته وزير الخارجية ولكنه هاتف البرهان من مكتب الرئيس بايدن وأبلغه نيابة عنه أن الرئيس الامريكي يخبرهم بضرورة الذهاب الي منبر جدة مطلع يونيو او (ستتم عملية إنزال لقوات دولية جاهزة في أسرع وقت الي السودان).
البديل الصعب الذي جعل البرهان ومجلسه في حالة من الغضب والهياج وبعدها دفعوا بعقار ليتحدث بلسانهم فلم يكن الرجل مخطئا في قوله بصفتي الرجل الثاني في الدولة اعلن رفضنا للحوار ولكن مالايعلمه عقار ان البرهان وكباشي جعلوه يعلن الرفض بإسمهم بصفته الرجل الأخير في القرار السياسي
وهذا يعني أن هذا ليس القرار النهائي للدولة ولو ارادوا ذلك لأعلن الرفض البرهان او الكباشي حتى يكون قرارا رسميا يمثل الرأي النهائي للقيادة ، فتصريحات عقار مثلها وتصريحات العطا لإدانة الإمارات لم يعلنها البرهان ولا كباشي حنى هذه اللحظة
وتصريحات عقار الآن القصد منها أن لايعتمدها بلينكن وفي ذات الوقت تحفظ لهم ماء وجههم داخليا بأنهم أعلنوا الرفض القاطع ومايأتي بعده سيكون امرا غصبا عنهم لايد لهم فيه
ولهذا ومن المتوقع أن يكون هناك موقفا ثانيا من المجلس الإنقلابي اما بقبول التفاوض او السماح بدخول قوات دولية في ايام قادمات
ومايؤكد أن بيلكن أبلغ البرهان بقرار دخول القوات الدولية تتم قراءته في حديث عقار الذي قال ( لن نذهب إلى جدة ومن يريد ذلك فعليه ان يقتلنا في بلدنا ويحمل رفاتنا إلى جدة) فلماذا إستخدم عقار عبارة ليقتلنا و(يحمل رفاتنا) مع العلم ان المكالمة من رجل دبلوماسي ووزير حارجية ، ولكن لأن خيار إنزال القوات هي لغة عسكرية وليست ناعمة لذلك كان لابد أن يقابلها عقار بلغة أكثر خشونة، سيما أن دخول قوات دولية قد يجعل الميدان تحت سيطرة القوة الثالثة للفصل بين القوتين، القوة الأكبر التي جعلت عقار يشعر بالخطر، فماذا قال البشير عندما تم إخطاره بالجنائية ، خرج مخاطبا الشعب (امريكا تحت جزمتي) ومثلة هبط عقار بتصريحاته.
وذكرنا من قبل أن التصريح والتباهي (الفالصو) بعمق العلاقات مع روسيا سيعجّل بالقرار الأمريكي الذي سيسبق خطة أحلامها وأحلامهم
وياسر العطا لم يدرك أنه عندما أعلن في مزاده العلني منح القواعد البحرية للدول الراغبة كروسيا وحتى غير الراغبة ، إن حديثه سيجلب له التدخل المباشر بدلا عن المقايضة بالسلاح .
طيف أخير:
#لا_للحرب
عدم قبول إغراق العملية السياسية بأي واجهات كيزانية مصنوعة رؤية سياسية لتقدم تقطع الطريق امام الكتلة الديمقراطية والفلول المتخفية تحت مظلتها.
الجريدة
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: إلى جدة
إقرأ أيضاً:
إطار لجنائزية الصورة في مجموعة «وجه صغير يتكدّس في كل ظهيرة»
يطالعنا الكاتب والشاعر والسينمائي العماني عبدالله حبيب بمجموعته الجديدة (وجه صغير يتكدّس فـي كل ظهيرة) الصادرة عن دار الانتشار العربي عام 2024م بنصوص شعرية تتماثل فـي بنائها وأسلوبها الكتابي مع نصوص سابقة له، لا سيما المشتغلة على استحضار المكان القروي المتمثل فـي قريته «مجز الصغرى»، أو فـي العودة إلى الشخوص التي عبَرت على هذا المكان وتركت أثرًا فـي ذاكرة الشاعر استعادها بعد فترة من الزمن.
وهنا يمكن القول إنّ الشخصيات الحاضرة عند عبدالله حبيب أو الأمكنة ما كانت لتتمدَّد فـي تلك النصوص إلا لأنها تمدّدت قبل ذلك فـي ذاكرة الشاعر وصنعت من ذاكرته مستودعًا للبقاء أو الرحيل. نجد عبدالله حبيب فـي مجموعات سابقة استعاد المكان والذاكرة والشخوص مقدّمًا سيرة للمكان وللإنسان التي لم تُمحَ من ذاكرته ووجدانه معبّرًا عن الارتباط الوثيق بالذاكرة المكانية.
يرتاد عبدالله حبيب هذه الذاكرة مستمطرًا منها رذاذ الحب والموت والرحيل، وهي ملحوظة متكررة فـي نصوص سابقة للشاعر؛ إذ لا يجد الشاعر بُدًا عن الحديث عن علاقات الحب والموت والرحيل والمكان فـي نصوصه، وكأنها ذاكرة بُنيَت من التفكير الكتابي الذاتي للشاعر، تحاول أن تجرّه إلى العالم المتخيل للكتابة.
شدّني فـي هذا الارتباط بين العلاقات السابقة والكتابة الشعرية، جنائزية الصورة المتمثلة فـي صورة الغلاف؛ صورة قبر عليه شاهدة تحمل اسمًا لعبدالله حبيب عبدالله بن محمد المعيني (الصغير)، فـي ارتباط مهم بعنوان المجموعة المرتبط بصورة الشاهدة، من دلالات (الوجه الصغير) فـي إشارة إلى تقارب وتماثل بين شخصيتين واحدة غائبة وأخرى حاضرة، تبعتها إشارة محددة لذلك التماثل فـي الصفحة (10) قائلًا: «إلى ذكرى عبدالله حبيب (الصغير): ليتك ما كنتَ أنا، وليتني كنتُ أنتَ».
يوجد ارتباط وتماثل بين شخصيتين يقترب أحدها من الآخر بدلالةٍ من حيث الاسم، كما قدَّمت صورة الغلاف هذا التماثل مقترنًا بالرحيل الأبدي وكأن الشاعر يرى فـي الرحيل صورة تُورَّثُ عبر الزمن إلى أجيال لاحقة.
يحاول عبدالله حبيب أن يقدّم صُوره الشعرية فـي إطار جنائزي متذبذب بين الدهشة والحزن، لكنه لم يستطع الخروج عن إطار نصوص مجموعاته السابقة مثل (فاطْمَهْ أو أنامل زغبى على عزلة الشاهدة) مثلًا. نجد مثل هذا الخطاب فـي نص (بصمة) الذي تظهر الصورة فـيه متذبذبة بين تيارين مختلفـين:
لستُ سعيدًا
لستُ حزينًا
لستُ عاشقًا ولا حكيمًا
لستُ ليلًا ولا قيامة
خارت ركبتاي
حين اتصلتِ.
فـي نص قصير يبرز فـيه ضمير المتكلم إزاء ضمير المخاطب، ويظهر انقسام الذات على نفسها، والتأرجح بين طرفـين، حتى إنّ سلطة المخاطب تطغى على سلطة المتكلم الذي يقترب من النهاية، هنا يمكن قراءة النص من زاوية رومانسية أو فجائعية أو من زاوية أخرى يُحدّدها التأويل القرائي.
وفـي نص (قمح) يقودك الشاعر إلى عالم الواقع بترتيب الأحداث فـي الحكاية: (التظاهر بالنوم، والذهاب إلى الحمّام والجلوس على المرحاض وفرك الأسنان بالفرشاة والمعجون والاستحمام)، كل شيء هنا يبدو طبيعيًا إلا إقحام الموت والقبر فـي دائرة المرآة التي كلما نظر إليها رأى قبره مفتوحًا. يقودك النص إلى تعدد زاوية الرؤية والحركة النصية بالسؤال إلى أي نهاية يقودك ذلك الترتيب؟ ثم يقفل الشاعر نصه بعبارة:
يا إلهي
لست أحمق مرة أخرى.
تحيلك هذه العبارة على المستويات المختلفة للفكرة، فالصورة القاتمة التي تقود من النوم إلى الموت صورة بشعة يخشى معها المرء النوم أو التفكير به.
كما يتلاعب عبدالله حبيب فـي صنع الصورة الجنائزية ببصر القارئ وتفكيره؛ ففـي نص (شهيد1) يلعب الشاعر دور الراوي فـي سرد الحكاية قائلًا:
مات صديقي
تقول الرواية الأولى إنه لم يتحمّل التعذيب
تقول الثانية إن غيمة تسللت إلى الزنزانة وأخذته
الثالثة: إن طاعونًا تقيأ الأرض
والرابعة تقول إن ملاكًا ضلَّ طريقه وتهشم على الأسوار.
كل الروايات هنا متخيلة، تلتصق بالموت فـي السطر الأول، لكنه يعاود فـي جملته الأخيرة كالعادة تحويل بصر القارئ إلى عوالم مختلفة، وإلى زوايا أبعد من الروايات الأربع الحاضرة:
تقول الرواية الخامسة إن أم الشهيد تشكك فـي تلك الروايات.
يحضر (تعوب الكحالي، وخالوه عوشوه، وحبوه أمون، وحمدان الأعمى وجمعة بلال) كالعادة فـي نصوص عبدالله حبيب مشكلين ارتباطًا مهمًا بالمكان القروي وبالبحر، لكن الصورة الماثلة للشخصيات السابقة تتعلق بالرحيل والموت والقبر؛ إذ يحاول عبدالله حبيب صنع صورة جنائزية فـي التعبير، وهنا نطرح سؤالًا مهمًا مرتبطًا بهذه المجموعة والمجموعات السابقة: هل ارتبطت قرية مجز فـي ذهن عبدالله حبيب بالحزن؟ فكلما أراد أن يصرفها إلى الحب اختلطت مشاعر الحزن مجددة الذاكرة الحزينة.
لا أثر لجواب محدد إلا ما نلمسه من تشكّلات الحزن فـي النصوص المقترنة بذلك، وهنا يُعَدُّ الحزن والموت ظواهر تعدّدت فـي التشكيل الشعري عند الشاعر، نجد تمددها قد اتسع، ليقترن بالرحيل والطفولة والمكان والبحر والقرية والذاكرة التي لا تتخطى كتابات الشاعر. فـي نص (تعوب الكحالي) مثلًا يقول:
زارني قبرك فـي الإعصار
ويهوي طبل على نجمة غريقة.
برغم قصر النص مرة أخرى، نجد الدلالات المنفتحة على الفجائعي مثل (القبر والإعصار) تواجه دلالات الحياة مثل (الطبل، والنجمة)، فالقبر مكان الفزع والظلمة، تقابله النجمة الساكنة فـي الظلام، والإعصار المتمثل فـي القوة والدمار يتلاقى مع الدلالات الصوتية المتمثلة فـي الطبل. هذا التداخل فـي الدلالات أوجد اتجاهات عدة يقود إليها النص لحظة القراءة والتأمل، الأمر ذاته فـي نص (حبوه أمون) الذي تلعب الدلالات فـيه دورًا محوريًا تقود إلى اتجاهات بصرية متمثلة فـي الخسوف والكسوف من جانب، وفـي البحر من جانب آخر فـي ارتباطٍ مهم بشخصية حبّوه أمون التي لا تحضر إلا فـي عتبة العنوان. وينحى نص (حمدان الأعمى) منحى آخر عندما يأخذ اتجاهًا سرديًا أكثر من الاتجاه الشعري، إنه نص سردي سيستعيد معه عبدالله حبيب ذاكرة قديمة، كما تختلف فـيه اللغة عن نصوصه الشعرية فـي المجموعة، ربما أراد من النص أن يكون نصًا سرديًا مرتبطًا بالذاكرة بعيدًا عن لغة الشعر التي قد تضمر فـي دلالاتها، وتخفـي فـي لغتها كثيرًا من التأويلات، هنا تبوح الذاكرة فـي قالب حكائي يستعيد فـيه المكان والشخصيات البسيطة، يقول:
كان يشتري مني الليمون الذي أسرقه من مزرعة الوالد
كل ليمونة خضراء ببيسة واحدة فقط، ونصف دمعة
ويبيعها بعشر بيسات فـي سوق مطرح
الذي تأخذه إليه عيناه المتشبثتان بعجلات الشاحنات
حوالي ألف ليمونة تنعصر خوفًا
حتى تمكنتُ من شراء راديو صغير (National Transistor)
ربطتُ هَوَائيَّه بسلكٍ كهربائيٍ (سرقتُه من بيت خالي محمد) موصول خِلْسَةً مِن عِظامي إلى سقف الأرض لتقوية استقبال الذبذبات
كي أستمع إلى بيانات «الجبهة الشعبية» فـي الليل
(فـي آخر بيان أسروا الملكة وأعادوها إلى شكسبير)
حين كادت صَحَمْ تقتلني فـي حادث سيارة
جاء حمدان الأعمى يعودني بعينيه الغائبتين
خلف مصائرنا الشحيحة
بكى حمدان الأعمى حتى سقط جفناه على فراشي
وأصابت الأنبياءَ عَصَاه
عندما مات حمدان الأعمى
ملأتُ لَحْدَه بالليمون الأخضر واليابس
وبيانات «الجبهة الشعبية».
لا يمكن لهذا النص إلا أن يكون ثورة الذاكرة، وشهادة خالدة على المكان الذي يصنع مصائر شخوصه، إن حمدان الأعمى هنا هو الصورة الحية التي يبنيها الشاعر فـي وسط مرحلة مترعة بالأحزان والرحيل، أما الوفاء فكان بعد الرحيل بملء اللحد بالليمون الأخضر واليابس وبيانات الجبهة الشعبية التي هي انبثاق الذاكرة التي تمدّدت فـي نصه الشعري.
يتحول النص هنا من كونه وصفًا بسيطًا لمكان قابع فـي الذاكرة إلى صورة خالدة مليئة بالفجائعية، كلما تذكرها الشاعر انفتحت على آلام الماضي وأوجاعه، وهنا يتحول حمدان الأعمى نفسه إلى ذاكرة داخل الذاكرة الكبرى، وكذلك الأمر مع تعوب الكحالي، وحبوه أمون، وخالوه عوشوه، وجمعة بلال، الذين أصبحوا ذاكرة تتسع كلما أطلق الشاعر لنفسه عنان التعبير والتذكر.
هكذا يستقصي عبدالله حبيب المكان، وهكذا يزجّ بشخوصه إلى كتاباته الشعرية مقدّمًا كل شخصية وكل بقعة مكانية بما يتلاءم مع ذاكرته التي خُلّدت مكانيًا وزمانيًا.