صحيفة الخليج:
2025-06-14@01:35:37 GMT

ثالثة الأثافي

تاريخ النشر: 3rd, June 2024 GMT

ثالثة الأثافي

الدكتور سلطان بن محمد القاسمي

في نهاية عام 1965، كنت طالباً في السنة الدراسية الأولى في كلية الزراعة بجامعة القاهرة، وقد وصلتها متأخراً عن بداية الدراسة، فلم أتعرف على الطلبة، ولم أكن من المترددين على مطعم الطلبة، حيث كان كخلية نحل، مزدحماً بالطلبة، أما الطالبات فكانت لهن استراحة الطالبات في الدور العلوي من المطعم.

وأنا أجول بنظري في الساحة المتوسطة لمباني الكلية، لمحت أن هناك بساطاً أخضرَ من الحشائش يمتد إلى سور الكلية وفي نهاية ذلك البساط الأخضر مبنى من خشب، يقال له: كُشك، كُتب على واجهته: «مكتبة الأنجلو المصرية».

الصورة

في ذلك الكُشك جلس رجلٌ، مرتدياً ثوباً مما يلبسه المصريون والسودانيون، يقال له: القلابية، حيث تنقلب بين الخلف والأمام، ألقيت عليه التحية، وعرفته بنفسي قائلاً: «أنا الطالب سلطان بن محمد القاسمي من طلبة السنة الأولى».

قام ذلك الشخص، الجالس في وسط الكُشك، وحوله أرفف مليئة بالكتب وقال: أنا فكري كراس بخيت من مكتبة الأنجلو المصرية.

قلت: المكان هادئ، مناسب للقراءة.

قال: تطلب كتاباً معيّناً؟

قلت: أريد أن أعرف أسماء الكتب التي على الأرفف.

قال: تفضل.

وأدخلني إلى داخل الكُشك، وقرّب لي كرسياً كان قريباً منه، وهو يقول: اجلس، وأنا أحضر لك الكتب.

سأل فكري عن بلدي، وشرحت له مكانها على خريطة رسمتها على كشكول كان معي، وأعطيته تلك الورقة. وكلمة كشكول عربية، وتعني: وعاء المتسول، يضع فيه رزقه وهو خليط، كذلك الكراسة التي توضع فيها المعلومات.

كنت أجلس في كُشك عم فكري كل يوم أكون فيه في الكلية، ولا أخرج من ذلك الكُشك، إلّا وأنا قد اشتريت من عنده كتاباً أو كتابين.

حدثني عم فكري عن صاحب مكتبة الأنجلو المصرية، الأستاذ صبحي جريس، الذي لاحظ أن مبيعات عم فكري قد زادت في الكتب الثقافية، وقد سأله عن سبب ذلك. أخبر عم فكري الأستاذ صبحي جريس عني، وأظهر له الورقة التي رسمت عليها خريطة الخليج العربي، وقال له: إنه من بلد يسمى الشارقة. طلب الأستاذ صبحي جريس من عم فكري أن يخبرني بأنه يريد أن يقابلني.

الصورة

قلت لعم فكري: متى نذهب إليه؟

رد عم فكري: حتى لو تريد الآن.

قلت: بدون سابق ميعاد؟!

قال: كل وقته في المكتبة، لكنّي سأتصل بالمكتبة هاتفياً، لا تترك الكُشك. خرج عم فكري من بوابة الكلية الجانبية، التي تفتح على شارع به بقالة صغيرة بها هاتف لاستعمال الجمهور.

عاد عم فكري وهو يقول: هيا بنا، الأستاذ في انتظارك. ركب عم فكري معي في سيارتي، فسألته عن مكان المكتبة، فأخبرني قائلاً: وسط البلد (وسط مدينة القاهرة)، شارع محمد فريد.

في الطريق إلى المكتبة أخذ فكري كراس بخيت يتحدث عن المكتبة ومؤسسها الأستاذ صبحي جريس، وإذا به خبيرٌ متمكنٌ في حديثه عن المكتبة، وليس عم فكري بالقلابية.

قال فكري بخيت: «مكتبة الأنجلو المصرية أسسها صبحي جريس عام 1928، كانت تطبع الكتب الأجنبية، وفي أواخر الأربعينات بدأت بنشر الكتب العربية، وهي من أكبر دور النشر في القاهرة، سميت بمكتبة الأنجلو المصرية اختصاراً لكلمة «الإنجليزية المصرية»، لتخصصها في الكتب الإنجليزية.

تخصصت المكتبة في الكتب العلمية الأكاديمية، وكتب علم النفس والتاريخ، التي أثرت مكتبات مختلف الجامعات المصرية».

أضاف عم فكري قائلاً: «وإلى جانب معرفته الواسعة بالكتب والعلوم، كان صبحي جريس مُعلماً رغم أنه لم يكن مدرساً يُعطي دروساً ممنهجة، فكان مدرسة متنقلة مفتوحة لجميع الكُتّاب والقراء، لا سيما الطلاب منهم».

أنهى عم فكري كلامه قائلاً: «كذلك ضمت المكتبة الكثير من المثقفين والأكاديميين الكبار، فكانت في وقت من الأوقات مجلساً لنجيب محفوظ وطه حسين وعباس العقاد، وغيرهم من الكُتّاب، حيث يقضون فيها يومياً ساعات من النهار يتصفحون الكتب، ويتناقشون حول كل جديد، فكانت محفلاً ثقافياً مصغراً».

عم فكري: «ها نحن قد وصلنا... اركن هنا».

في مكتبة الأنجلو المصرية، وقف الأستاذ صبحي جريس، بين أربعة حيطان عليها أرفف مليئة بالكتب، من الأرض إلى السقف.

بعد أن رحب بي الأستاذ صبحي جريس عرفته على نفسي، وإذا به ينبهر بصبيّ بعمر الثالثة عشرة لديه مكتبة خاصة في ذلك العمر، وذلك الجزء من العالم، وذلك الوضع من الزمن.

أخذ الأستاذ صبحي جريس يفتح ينابيع المعرفة التي اكتنزها على مر السنين، وأنا أحاول أن أعرض عليه أن يدلني على الطريق الصحيح الذي أسلكه للوصول إلى أصول الثقافة والعلوم الأخرى المرافقة لها.

قال الأستاذ صبحي جريس: افتتن الأوروبيون بإنجلترا، وأصبحوا يحلمون بما لها من البحث العلمي والحركة الفكرية التي أسسها شكسبير «Shakespeare» (1564 1616)، وللتنافس الشديد بين فرنسا وإنجلترا في تلك الفترة، تقدمت فرنسا بعلمائها ومفكريها في ذلك العصر، القرن الثامن عشر، حيث أطلق عليه «قرن الأنوار» التي تعني نهاية الظلمات.

أضاف الأستاذ صبحي جريس قائلاً: من جانبي سأختار لك مجموعة من الكتب وسأرسلها مع فكري، أما الأماكن التي يجب أن تزورها فأنصحك أن تبدأ بالمجمع العلمي المصري فستجد الثقافة الفرنسية هناك. وسلمني رسالة إلى إدارة المجمع، كتب فيها: «يهمني أمره».

بدأت البحث عن الثقافة والمعرفة والتراث في جميع أماكنها في القاهرة، وعلى مدى خمس سنوات لم أترك مكاناً به معرفة إلّا وأقمت فيه ساعات من القراءة والبحث.

بعد أن عدت إلى الشارقة لم تنقطع صلتي بالمجمع العلمي المصري وكذلك بمكتبة الأنجلو المصرية. المجمع العلمي المصري: أسسه نابليون بونابرت «Napoleon Bonapart» تحت اسم «المعهد المصري» في فترة الاحتلال الفرنسي لمصر (1798 1799).

كانت معظم كتب المجمع العلمي المصري قد جلبت إليه عن طريق المعهد الفرنسي في باريس، فتوجهت إلى هناك، فوجدت بحراً من الكتب، في جميع أبواب العلم تقدر بستمئة ألف كتاب. يعود أصل ذلك المعهد لمقتنيات كاردنال مازارين «Cardinal Mazarin» (16021661)، رئيس وزراء لويس الرابع عشر «Louis XIV» (بين عام 1643 وعام 1661).

كنت في حيرة من أمري، كيف أبدأ؟

تعرفت على أصحاب محال بيع الكتب القديمة في باريس، فعثرت في أحد تلك المحال على ثلاثة مجلدات تحت عنوان: المعهد المصري – فهرس قائمة الكتب (1859 1927)، وقد تم تسجيل عشرة آلاف كتاب، ومن ذلك الفهرس بدأت أجمع الكتب التي جاء ذكرها في ذلك الفهرس.

كانت نيتي أن أكوّن مجمعاً شبيهاً بالمجمع المصري أو المعهد الفرنسي، فكان لي ما تمنيت، فقد جمعت عشرة آلاف كتاب على مدى عدة سنوات، وأطلقت عليه مجمع الشارقة العلمي. وقلت هو ثالثة الأثافي، والأثافي هي ثلاثة أحجار يوضع عليها القدر، ولو أزيح أي حجر ينقلب القدر.

في يوم شؤم، احترق المجمع العلمي المصري في القاهرة في مساء يوم السبت الموافق السابع عشر من شهر ديسمبر عام 2011، وإذا بي أصرخ من باريس...: لا تجزعوا ولا تحزنوا فكل كتاب يحترق في المجمع لديّ نسخة مثله في مكتبتي.

قال بعضهم: يكذب... وقال آخرون: يبالغ، وقيل: يريد أن يُهدئ الناس.

حتى إذا ما اكتملت إعادة بناء المجمع العلمي المصري، التي لم تستغرق إلّا عدة أسابيع، تمّ شحن كتب مجمع الشارقة العلمي، ثالثة الأثافي، وكانت محتوياته عشرة آلاف كتاب، تحت سبعة آلاف وثمانمئة وثمانية وثمانين عنواناً، كما جاءت في فهرس كتب المجمع العلمي المصري في القاهرة.

رغب بعض المسؤولين بوضع ختم «دارة الدكتور سلطان القاسمي»، على كل كتاب، فقلت: حسنة وفيها سيئة، للمصريين عليّ دَين، «لهم يدٌ سلفت ودَين مستحق»، فكانت الكتب كما كانت سابقاً.

بعد أن تمّ شحن الكتب إلى القاهرة وتأكدت أنها وضعت على الأرفف في المجمع العلمي بالقاهرة، سارعت باقتناء نفس المجموعة المكوّنة لمجمع الشارقة العلمي سابقاً، بعد أن أمضيت في اقتنائها ثلاث عشرة سنة، لإقامة مجمع الشارقة العلمي، ثالثة الأثافي، الذي هو الآن تحت التأسيس.

المصدر: صحيفة الخليج

كلمات دلالية: فيديوهات الشارقة المجمع العلمی المصری الشارقة العلمی فی القاهرة بعد أن فی ذلک

إقرأ أيضاً:

رسالة ماجستير تكشف تأثير الجينات على فعالية الدواء في علاج السكر.. لأول مرة

حصلت الإعلامية والباحثة الصيدلانية هبة محمد يوسف على درجة الماجستير بتقدير امتياز فى تخصص الصيدلة الإكلينيكية  بكلية الصيدلة بجامعة عين شمس فى الرسالة المقدمة منها والتى جاءت تحت عنوان : دراسة التحورات الجينية لإنزيم اليوريدين دايفوسفات جلوكويورنوسيل ترانسيفيراز وتأثيرها على حركية دواء الإمباجليفلوزين.

تدويل التعليم العالي وبرامج دراسية متميزة.. ضمن حصاد العام المالي 2024/2025وفد وزارة التعليم العالي يشارك في اجتماع G20 البحثي بجنوب أفريقيا

وأشرفت على الرسالة الأستاذ الدكتورة نجوى علي صبري أستاذ الصيدلة الإكلينيكية بكلية الصيدلة، جامعة عين شمس،

وضمّت لجنة المناقشة كلاً من:

• الأستاذ الدكتور/ أمل الخولي – أستاذ الصيدلة الإكلينيكية بكلية الصيدلة، جامعة عين شمس.

• الأستاذ الدكتور/ سارة زكي – أستاذ الصيدلة الإكلينيكية بكلية الصيدلة، جامعة عين شمس.

• الأستاذ الدكتور/ مروة حمزة – رئيس قسم الصيدلة الإكلينيكية بكلية الصيدلة، الجامعة البريطانية في مصر.

وأشاد أعضاء اللجنة المشرة على رسالة الماجستير بالمحتوى العلمى المتميز  للرسالة كونة إضافة هامة فى مجال الصيدلة الإكلينيكية والتى تتناول لأول مرة أثر التحورات الجينية على فعالية أدوية علاج مرض السكري من النوع الثاني مؤكدين أهمية الرسالة فى الدمج بين البحث العلمي والتطبيق الإكلينيكي لتحسين نتائج علاج مرضى السكر.

تأثير التحورات الجينية في إنزيم UGT

وناقشت رسالة الماجستير تقييم تأثير التحورات الجينية في إنزيم UGT المسئول عن استقلاب الدواء، لفهم أسباب اختلاف استجابة المرضى للعلاج حيث أظهرت نتائج البحث أهمية إجراء فحوصات جينية قبل وصف الدواء لضمان تحقيق أفضل فعالية علاجية مع تقليل الأعراض الجانبية، مما يمهد الطريق لتطبيق مبدأ “الطب الشخصي” (Personalized Medicine) في علاج مرضى السكري.

وتمثلت أهمية الدراسة للمرضى والمجتمع كونها خطوة هامة نحو وصف الدواء المناسب للمريض بناءً على التركيب الجيني وتقلل احتمالات فشل العلاج أو التعرض لمضاعفات نتيجة الجرعات غير الملائمة بالإضافة إلي المساهمة فى تطوير بروتوكولات علاج موجهة جينيًا فضلا عن رفع كفاءة الرعاية الصحية وتحسن جودة حياة المرضى.

ومن جانبها أكدت الدكتورة هبة يوسف أن البحث هو بداية لطريق أوسع لفهم كيف يتفاعل جسم كل مريض مع العلاج بناءً على جيناته الخاصة، بهدف الوصول إلى دواء مخصص لكل مريض Personalised Medicine، بدلًا من الاعتماد على بروتوكولات علاجية موحدة لا تناسب الجميع.

وأشارت إلي حرصها الدائم على تقديم قيمة حقيقية للمجتمع، سواء من خلال عملها العلمي أو الإعلامي في نشر التوعية الصحية المبنية على أسس علمية دقيقة

يُذكر أن الدكتورة هبة يوسف تعد واحدة من أبرز الإعلاميات الطبيات في مصر والعالم العربي، حيث نجحت في الدمج بين تخصصها العلمي في الصيدلة الإكلينيكية ورسالتها الإعلامية في نشر الوعي الصحي عبر شاشات التلفزيون ومنصات الإعلام المختلفة.

طباعة شارك التعليم العالي جامعة عين شمس السكر الصيدلانية الماجستير

مقالات مشابهة

  • رسالة ماجستير تكشف تأثير الجينات على فعالية الدواء في علاج السكر.. لأول مرة
  • تقارير إعلامية: انطلاق موجة صاروخية ثالثة من إيران تجاه إسرائيل
  • موجة غارات إسرائيلية ثالثة تستهدف طهران وإصابة خطرة لعلي شمخاني
  • أشرف صبحي ومحافظ دمياط يفتتحان منشآت شبابية ورياضية بمركز فارسكور
  • الأستاذ الجامعي… بين جواز السفر العلمي وشرعية العطاء الأخلاقي
  • من المجد الإفريقي إلى قفص الاتهام.. رمضان صبحي بين التتويج والمصير المجهول
  • كمال حسنين: معركتنا الحقيقية ستكون على المقاعد الفردية ولدينا كوادرنا التي تحظى بثقة الشارع المصري
  • أسرة جامعة البترا تتبادل التهاني بعيد الأضحى وتأهل المنتخب
  • أكثر من 218 ألف فرد .. مؤسسة البادية تختتم مشروع الأضاحي لعام 1446هـ
  • نقابة الصحفيين تنعى الزميل نبيل عجيلات