جريدة الرؤية العمانية:
2025-06-10@12:37:23 GMT

ولا تُسرِفُوا

تاريخ النشر: 3rd, June 2024 GMT

ولا تُسرِفُوا

 

أ. د. حيدر أحمد اللواتي **

 

في صباي، كثيرًا ما كنتُ أتأثرُ بالقصة التي أسمعها عن بعض الصالحين في تاريخنا الإسلامي الذين كانوا يحملون جراب الطعام على ظهورهم وهم مُلثمين يقومون بتوزيع الطعام سرًا على الفقراء من أبناء المدينة التي يعيشون فيها، وكنتُ كثيرًا ما أُفكِّر بوسيلة لتقليدهم، ولكني كنت أعجزُ عن القيام بذلك لتغيُّر الواقع، فأمثال هذه القصص على الرغم من أثرها الكبير في النفس إلّا أن من المهم لمن يقوم بطرحها أن يربطها مع الواقع المعاصر، وينطلق منها لأمثلة واقعية يستطيع المستمع تنفيذها على أرض الواقع، بدلًا من أن تبقى في ذهنه دون أثر خارجي ملموس.

ولربما تكون من أهم الوسائل التي يمكن استغلالها في هذا العصر للقيام بذلك هو تطور البحث العلمي وأدوات القياس والإحصاء، وفي هذه العجالة سنتناول أحد هذه المفاهيم التي وردت في القرآن الكريم وهو النهي عن الإسراف؛ ففي القرون السابقة ارتبط مفهوم الإسراف بالسلوك الشخصي للإنسان وشعوره بمعاناة الآخرين، فليس من القيم الأخلاقية أن تبيت شبعان وجارك جائع، وليس من الإنصاف أن ترمي طعامك في سلة المهملات وجارك وأسرته ناموا جياعًا. لكننا اليوم نُدرك ضرر الإسراف بصورة أكثر وضوحًا، وأن أثر الإسراف لا يقتصر على جارك الفقير الذي نام دون طعام فحسب؛ بل إن أثر إسرافك في الطعام يظهر على كرتنا الأرضية برمتها، وما فيها من نبات وحيوان وبشر وهواء وبحر وتراب.

فكميات الغذاء التي يتم إنتاجها في العالم تُعادل ضعف ما يحتاج إليه جميع البشر الذين تصل أعدادهم إلى حوالي 8 مليارات نسمة، لكن ورغم هذه الكميات الكبيرة من الإنتاج فإن ما يعادل 1% من سكان العالم لا يحصلون على كفايتهم من الغذاء، وينامون وهم يتلوون من الجوع هم وأسرهم، ومقابل هؤلاء فهناك ما يعادل 40% من سكان العالم ينامون وهم مُتخمون من الطعام؛ بل وربما بعضهم يتناولون المهضمات تلو الأخرى حتى ينعموا بليلة نوم هانئة!

ولا يقتصر الأمر على ذلك فالمشكلة أكبر بكثير، فعلى الرغم من المسافات الشاسعة التي تفصل بيننا وبين هؤلاء الجوعى، فإن سبب جوعهم يعود ولو بشكل جزئي إلى إسرافنا نحن الذين نبذل جهدًا ونمارس الرياضات المختلفة سعيًا منَّا للتخلص من السعرات الحرارية الزائدة التي نتناولها دون داعٍ!

إنَّ السبب في ذلك أن أحد أهم العوامل التي تسبب ظاهرة الاحتباس الحراري هو صناعة إنتاج الغذاء في العالم؛ إذ إنها تتسبب في إنتاج 24% من الغازات الدفيئة، فالآليات والأدوات التي يتم استخدامها في إنتاج اللحوم والمزروعات تعتمد كلياً على الطاقة الأحفورية، وهذا بدوره يسبب ارتفاع درجات الحرارة في العالم، ويؤدي إلى ذوبان الثلوج في القطبين، كما يسبب تغير النظم الحيوية من حولنا، فيسبب خللًا بيئيًا كبيرًا؛ إذ يؤدى الى انقراض عدد من الكائنات الحية، كما إن هذا الإسراف هو المُسبِّب للجفاف الذي يطال الدول الأفريقية والفيضانات والأعاصير التي نتعرض لها وتتعرض لها بعض الدول الفقيرة، فالإسراف أمر تنبذه الطبيعة ولا تتحمل نتائجه، ولذا فهي تعبر عن غضبها بلغتها وعلينا أن نفهم ذلك ونعيه جيدًا.

لكي تتجلى لنا الصورة بشكل أوضح لابد من ذكر بعض التفاصيل، إذ أثبتت العديد من الدراسات العلمية أن تناول اللحوم مثلا يعد من أكثر الأمور التي تضر بالبيئة، وتأتي على قمة هذه اللحوم، لحوم البقر ثم لحوم الماشية الأخرى، فإذا كنت من عشاق البرجر البقري مثلاً فاعلم أن تناول 100 جرام منه ينتج ما يكافئ 50 كيلوجرامًا من غاز ثاني أوكسيد الكربون، فإذا استبدلت البرجر البقري مثلًا بالدجاج فإن ذلك سيقلل من إنتاج غاز ثاني أوكسيد الكربون بنسبة 60%، أما إذا استبدلت ذلك بوجبة صحية غنية بالخضروات، فربما يقلل ذلك بنسبة تصل إلى 90%، أو ربما أكثر من ذلك، فإحدى الطرق العملية التي يُمكننا أن نساهم في التخفيف عن فقراء العالم أن نُقلل من تناولنا للحوم مثلاً، وأن نتناول من الطعام قدر حاجتنا و لا نهدر منه شيئا، كما إن السعي الى نشر هذه الثقافة له أجره أيضاً، فأنت تساهم في التخفيف عن معاناة الآخرين.

إنَّ هذه الأمثلة أكثر واقعية وخاصة لأجيال اليوم، ويمكننا من خلالها ربطهم بتعاليم ديننا وقيمنا الإسلامية، لكن الأمر لا يقتصر على ذلك، فهذه الإحصاءات والدراسات، تفرض علينا في الوقت نفسه أن نعيد النظر في الكثير من عادتنا الغذائية، وتقاليدنا التي اعتدنا عليها، فتوسع معرفتنا بأحوال البشر في مختلف أرجاء العالم، زاد من حجم المسؤولية، وسيزيد من طول وقوفنا في عرصات يوم القيامة؛ فالمعرفة وتوفُّر وسائلها تُحمِّلُنا مسؤولية مُضاعفة، فإن كُنَّا نعلم بأحوال الفقراء والجوعى في العالم ولم نُغيِّر من سلوكياتنا وعاداتنا الغذائية فتلك مصيبة، وإنْ كُنَّا جاهلين بأحوالهم في عصر الإنترنت والمعلوماتية، فتلك مصيبة عظمى وذنب لا يُغفر.

** كلية العلوم، جامعة السلطان قابوس

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

نصحت بالاعتدال في تناول الطعام خلال الاحتفالات : «الرعاية» تحذر من الإفراط في تناول اللحوم في «الأضحى»

أكدت فاطمة الزهراء حسن ياقتي اخصائية التغذية من مركز الريان الصحي التابع لمؤسسة الرعاية الصحية الأولية، أن لحوم الضأن غالباً ما تحتل قائمة الطعام خلال عيد الأضحى، وتُقدم غالبًا مع الأرز، محذرة من أن الإفراط في تناول اللحوم الحمراء قد يؤدي إلى عدة أضرار صحية؛ لافتة إلى أن قطعة واحدة من لحم الخروف (80 غرامًا) تحوي 250 سعرة حرارية، و20 غرامًا من البروتين، و20 غرامًا من الدهون المشبعة، وهي من أبرز العوامل التي تهدد صحة مرضى القلب والشرايين.
وقالت: تُعد لحوم الضأن غنية بالكوليسترول، ويؤدي الإفراط في تناولها إلى ارتفاع مستوياته في الدم، مما يشكل خطورة على الأشخاص المصابين بتصلب الشرايين أو ارتفاع الكوليسترول. كما أن اللحوم المحضّرة بطرق غنية بالملح أو التوابل قد تسهم في رفع ضغط الدم، خاصة لدى مرضى الضغط.
وأضافت أن اللحوم تفتقر إلى الألياف والعناصر المساعدة على الهضم، مما يشكل عبئًا على الجهاز الهضمي.
ونصحت بتناول هذه اللحوم مع الخضراوات لتسهيل الهضم وتقليل الأعراض الجانبية. ومن أبرز المشاكل الهضمية الناتجة عن الإفراط في تناول اللحوم، الإمساك، لكون اللحوم تخلو من الألياف التي تسهم في تحسين حركة الأمعاء.
وأوضحت أن الدراسات تشير إلى أن النظام الغذائي الغني بالبروتين قد يؤدي إلى إنتاج بول أكثر تركيزًا، مما يزيد من خطر الإصابة بالجفاف، ويؤثر على مستويات الطاقة وصحة البشرة ويزيد من تقلصات العضلات. وقد يؤدي إلى فقدان الكالسيوم في البول، وهو عنصر ضروري لصحة العظام، مما يشكل عبئًا إضافيًا على الكلى، خاصة لدى المصابين بأمراض كلوية.
وأردفت: تحتوي اللحوم الحمراء على مركبات “البيورينات” التي تتحول في الجسم إلى حمض اليوريك، وقد تؤدي زيادته إلى الإصابة بالنقرس وآلام المفاصل.
وأشارت إلى عدد من النصائح الغذائية لتقليل أضرار اللحوم خلال عيد الأضحى، من بينها، الاعتدال في الكمية بتناول ما يعادل 150–200 غرام من اللحم في الوجبة الواحدة، وعدم تناول لحم الخروف لأكثر من 3 أيام متتالية، واختيار اللحوم قليلة الدهون، وتجنّب الأجزاء الدهنية والمقلية، مع تفضيل طهيها بالشواء أو السلق بدلًا من القلي، مع إضافة الخضراوات، فيجب الحرص على تضمين الخضراوات في كل وجبة لتسهيل عملية الهضم وزيادة محتوى الألياف.
كما نصحت بتأخير تناول اللحوم، حيث يُفضل تأخير تناول لحم الأضحية إلى ما بعد مرور 24 ساعة من الذبح، لأن اللحم يكون قاسيًا خلال الساعات الأولى ويُصعّب عملية الهضم، وشرب الماء بانتظام، للمساعدة على الهضم والتقليل من تركيز البول الذي قد يؤدي إلى الجفاف، والحرص على ممارسة النشاط البدني، لأنه من المهم عدم إهمال الحركة أو الرياضة، خصوصًا بعد تناول وجبات ثقيلة، لتحسين عملية الهضم.
ونصحت بالاعتدال والوعي الغذائي خلال أيام عيد الأضحى، لتفادي الأضرار الصحية المرتبطة بالإفراط في تناول اللحوم، والمساهمة في قضاء عيد صحي وآمن.

مقالات مشابهة

  • في أسبوع .. إنقاص الوزن بأسرع طريقة بعد عيد الأضحى
  • الطعام فخ للقتل.. شهادات مروعة عن المجازر «الإسرائيلية» في غزة
  • نصائح مهمة لفك تجميد اللحوم بطريقة أمنة
  • نصائح لفكّ تجميد اللحوم بطريقة أمنة حتى لا تفقد قيمتها الغذائية
  • "الأونروا": جياع غزة يزحفون تحت وابل القصف الإسرائيلي للبحث عن الطعام
  • كانسيلو أكثر من مثّل أندية مشاركة في كأس العالم للأندية بعد ارتدائه قمصان ستة فرق
  • 7 حلول تساعدكِ للسيطرة على شهيتكِ في الصيف
  • غزة.. الآية التي يتجلى فيها الوعد الإلهي
  • نصحت بالاعتدال في تناول الطعام خلال الاحتفالات : «الرعاية» تحذر من الإفراط في تناول اللحوم في «الأضحى»
  • 4 نصائح لتجنب هدر الطعام في موسم الحج.. تعرف عليها