الجزيرة:
2025-08-02@14:51:57 GMT

إسرائيل والطريق إلى نهاية غير سعيدة

تاريخ النشر: 4th, June 2024 GMT

إسرائيل والطريق إلى نهاية غير سعيدة

لا يَنْفك بنيامين نتنياهو يكرر التأكيد على هدفه بتحقيق "النصر المطلق" في عدوانه الجاري على قطاع غزة، منذ ثمانية أشهر متتالية، ما دعا العديد من القيادات السياسية والمرجعيات العسكرية الإسرائيلية إلى تسخيف تلك المقولة، ودحضها بكونها مجرد أوهام في رأس نتنياهو.

الوزير في مجلس الحرب، غادي آيزنكوت اتهم نتنياهو في 29 مايو/أيار بالفشل الأمني والاقتصادي في الحرب، و"تسويق وهم النصر المطلق" للإسرائيليين، وأوضح أن "من يقول سنقوم بتفكيك عدد من الكتائب في رفح وعندها سنعيد المختطفين، يزرع الأوهام الكاذبة، لأن الحدث أكثر تعقيدًا، وأن الأمر سيستغرق من 3 إلى 5 سنوات لتحقيق استقرار كبير، ثم سنوات عديدة أخرى لتأسيس نظام حكم آخر في غزة".

السير وراء السراب

يُدرك بنيامين نتنياهو أن الحرب لم تحقّق أهدافها التي أعلنها منذ اليوم الأول، ويُدرك أيضًا أن الأفق صعب ومعقّد وأكبر من السيطرة عليه ودفعه بالاتجاه الذي يريده في المدى المنظور.

مدينة رفح التي دخلها جيش الاحتلال لتكون الحلقة الأخيرة والحاسمة في تحقيق النصر المطلق بالقضاء على ما تبقى من كتائب القسام، ما زالت المقاومة فيها تقاتل بقوّة موقعة خسائر فادحة في جيش الاحتلال، بالتوازي مع معارك أكثر شراسة في شمال القطاع، ولا سيما في منطقة جباليا التي شهدت عملية أسر وقتل عدد من الجنود، ذكّرتنا بمعركة السابع من أكتوبر/تشرين الأوّل الماضي، في رسالة واضحة أن المقاومة ما زالت فاعلة في عموم القطاع.

الفشل المتوقّع في رفح، دفع رئيس مجلس الأمن القومي تساحي هنيغبي للقول؛ "نتوقّع 7 أشهر أخرى من القتال لتعميق إنجازاتنا وتحقيق هدفنا المتمثل في تدمير القدرات العسكرية والحكومية لحماس والجهاد الإسلامي". مضيفًا: "فقط لا ينبغي أن نستخدم ساعة توقيت على أنفسنا أو نحدّد إنذارات نهائية"، في إشارة واضحة إلى أفق مفتوح، تصعب السيطرة على خطه الزمني أو نتائجه المتوقعة، بعد تجربة الأشهر الثمانية الماضية، التي جعلت الزمن "غير مقدّس" في أحلامهم لتحقيق النصر المطلق.

تحقيق الهدف إذن، في نظر غادي آيزنكوت رئيس الأركان السابق والوزير في وزارة الحرب، سيستغرق سنوات طويلة وليس مجرد أشهر سبعة، ما يجعل حلم تحقيق النصر المطلق أقرب للسراب، كلما اقترب تكشف عن هباء، لكن الأمل الذي يحدو العطشى يتجدد دائمًا.

هذا تحديدًا هو حال حكومة الحرب بقيادة نتنياهو التي وعدت بالقضاء على حماس والمقاومة خلال الشهر الأوّل من المعركة، ثم بنهاية العام الماضي، ثم مع دخول مدينة خان يونس مطلع العام الجاري، إلى أن وصلت إلى مدينة رفح بعد سبعة أشهر من القتال المتواصل، وما زالت تَطرح آجالًا جديدة هي بين الأشهر والسنوات.

ما يفقد الاحتلال قدرته على وضع تقدير زمني أو أهداف عسكرية واقعية، هو فقدانه للمعلومات الدقيقة عن قدرات كتائب القسام والمقاومة الفلسطينية التي تمثل صندوقًا أسود، في وقت اتّسعت فيه رقعة الصراع في الضفة الغربية، وعلى الحدود اللبنانية وحتى اليمن والبحر الأحمر والأبيض المتوسّط، حتى تحوّلت المعركة إلى حرب استنزاف يغرق فيها الاحتلال، وتجعل الزمن في غير صالحه، إذ انهارت روايته، وتآكلت شرعيته، وازدادت عزلته الدولية.

الشّخْصنة والسّياسة المؤدلجة

العديد من الوزراء في حكومة الحرب يدركون أن الحرب وصلت إلى طريق مسدود، ويرون أن إطلاق سراح الأسرى يجب أن يشكّل أولوية، وضرورة البحث عن أفق سياسي لإدارة القطاع بعيدًا عن الاحتلال المباشر، لأنه سيشكل معضلة لإسرائيل على المستويين: العسكري، والاقتصادي، وعلى مستوى السمعة الدولية، وسيعرقل فرص التطبيع، وإعادة تموضع إسرائيل في الشرق الأوسط.

ولكن بنيامين نتنياهو لا يزال مصرًّا على موقفه رغم ذلك، وإصراره يعود لأسباب شخصية وسياسية وأيديولوجية لديه؛ فنهاية الحرب دون تحقيق "نصر مطلق"، ستنهي مستقبله السياسي وتحمله مسؤولية الفشل، وستضعه في مواجهة ملفات الفساد التي تلاحقه أمام القضاء.

كما أن قناعته السياسية التي تتقاطع مع اليمين الصهيوني القومي المتطرف، برفض الدولة الفلسطينية، وضم الضفة الغربية إلى السيادة الإسرائيلية، ستصبح سرابًا بعد أن فقدت إسرائيل قدرتها الردعية في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، وفشلها في استعادته أو ترميمه طوال الأشهر الثمانية التالية، ولذلك يجد نتنياهو في سياسة العناد والهروب إلى الأمام منجاة ومخرجًا محتملًا له ولقناعاته السياسية التائهة في هذه الحرب.

يعيش نتنياهو مزيجًا من "الأنا" المتضخمة والفكر الأيديولوجي المتطرّف، وهو يرى نفسه ملكًا متوجًا لإسرائيل وأحد أهم الشخصيات التاريخية. وتخيل نفسه خارج سدة الحكم أو في قفص الاتهام يسبب له حالة من الرهاب والفزع العميق، وهو يزداد عنادًا كلّما استشعر اقتراب تلك النهاية، ويظن القتال مُنقِذًا له، ولا سيّما مع تحرج الإدارة الأميركية من سحب دعمها له، وإن مارست نقدًا تكتيكيًا لسلوكه، وذلك حتى لا تُغضب اللوبي الصهيوني قُبيل الانتخابات الرئاسية.

لا يشكل الانسياق وراء تلك الأبعاد الشخصية والأيديولوجية لنتنياهو ظاهرة صحية لإسرائيل، في ظل التراجع المتصاعد لقدرتها على الردع، وإنهاك جيشها، وانهيار سمعتها، وتزايد عزلتها الدولية بعد القرارات العدلية الدولية ضدها، ناهيك عن مشاكلها المتفاقمة اقتصاديًا واجتماعيًا؛ بسبب الحرب الاستثنائية في تاريخها.

استبعاد التفكير العقلاني، لصالح التفكير الرغائبي الأيديولوجي لبعض قادتها، وفي مقدمتهم نتنياهو، سيأخذ إسرائيل بعيدًا عن تحقيق "النصر المطلق"، ولا يستبعد أن تحمل الأشهر القادمة مزيدًا من الفشل الإستراتيجي لإسرائيل بسبب تراكم أزماتها الداخلية والخارجية.

يقول اللواء احتياط إسحق بريك: "إسرائيل لا تملك القدرة على كسب الحرب ضد حماس أو حزب الله اللبناني، وعدم إنهاء تلك الحرب سيحوّلها إلى حرب استنزاف تستمر لسنوات، وستؤدي في النهاية إلى انهيارها"، ويضيف: "الجيش الإسرائيلي صغير ومهترئ وليس لديه فائض في القوات، وكل يوم تتواصل فيه الحرب يزداد الوضع سوءًا".

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2024 شبكة الجزيرة الاعلامية

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات النصر المطلق

إقرأ أيضاً:

ماغا والطريق إلى دعم غزة

هل اكتسبت القضية الفلسطينية زخماً حقيقياً في الأيام القليلة الفائتة، لا سيما في ظل الإعلان المشترك الذي صدر عن المملكة العربية السعودية وفرنسا، بعد مؤتمر الأمم المتحدة الخاص بدعم قضية الدولة الفلسطينية المستقلة؟

من الواضح أن هذا هو ما جرت به المقادير، بخاصة في ظل الموقفيْن البريطاني والكندي، المتغيريْن بسرعة شديدة في الساعات الأخيرة لصالح عدالة قضية طال ظلم أبنائها وشتاتهم في رياح الأرض الأربع.

إلا أن تغيراً مثيراً جداً يجري في الداخل الأمريكي، وبات وعن حق يمثل ضغطاً متزايداً على إدارة الرئيس ترامب، وعلى شخص سيد البيت الأبيض بصورة غير متوقعة.

التغير الذي نحن بصدد الحديث عنه يجري داخل حركة «ماغا»، التي ناصرت الرئيس دونالد ترامب ودعمته على كافة الأصعدة، غير أنه بات من الواضح أن صورة الجوع والمجاعة، الفاقة والبؤس والمعاناة في غزة، أعطت زخماً جديداً للنقاش الذي كان يتصاعد على استحياء داخل أروقتها.

ارتفع صوت المؤثرين بالنقد لإسرائيل، وكان النائب السابق مات غيتز، ومستشار ترامب السابق ستيف بانون، على رأس من أدانوا تصرفات إسرائيل وحذروا من أن هذه القضية تشكل عبئاً سياسياً على إدارة ترامب وقاعدته الشعبية.

هل ما يجري في جنبات «ماغا» بداية لتغير جوهري في السياسات الأمريكية؟
الأكيد أن إسرائيل حظيت دائماً بدعم واسع النطاق من الحزبين الأمريكيين الكبيرين، الجمهوري والديمقراطي، لكنَّ صعود حركة «ماغا» في عهد ترامب يتحدى الأسس الآيديولوجية لهذه «العلاقة الخاصة».

لم يعد سراً القول إن السياسة الواقعية التي تتبناها حركة «جعل أمريكا عظيمة مرة أخرى» تسعى إلى الحد من مشاركة الولايات المتحدة في الحروب الخارجية، بحيث تقتصر على تلك التي تؤثر بشكل مباشر على مصالحها، بخاصة الطبقة العاملة المتواضعة أو المتوسطة التي تشكل قاعدة ترامب.

لا تبدو «ماغا» وحدها من يغير اتجاهاته السياسية في الداخل الأميركي، بل تجاوز الأمر إلى غيرها من المؤسسات.

على سبيل المثال، دعت مؤسسة «هيرتاغ»، أو التراث، التي تعد العقل المفكر والناطق لحكومة ترامب، برئاسة كيفن روبرتس، إلى «إعادة توجيه علاقتها مع إسرائيل، من علاقة خاصة إلى شراكة استراتيجية متساوية».
تأثيرات «ماغا»، بفعل الدراما غير المسبوقة في غزة، تمتد إلى أكثر وأشد الأطراف والأطياف السياسية الأمريكية يمينيةً
تأثيرات «ماغا»، بفعل الدراما غير المسبوقة في غزة، تمتد إلى أكثر وأشد الأطراف والأطياف السياسية الأمريكية يمينيةً، فعل سبيل المثال، أصبحت النائبة مارغوري تايلور غرين أول عضو جمهوري في الكونغرس يصف أفعال إسرائيل في قطاع غزة بـ«الإبادة الجماعية والأزمة الإنسانية في غزة»، وعدّت ما يجري على الأرض هناك من أعمال وحشية لا يقل بشاعة عن هجمات 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023.

أبعد من ذلك، فقد دعت تايلور إلى إلغاء تمويل بقيمة 500 مليون دولار لنظام الدفاع الصاروخي.

ولعل القارئ المعمق للأحداث يدرك كيف أن الدعم غير المشروط لإسرائيل، الذي عُدَّ لعقود طوال حقيقةً أساسيةً وفكرةً عضويةً، بات اليوم موضع تحدٍ من قبل قاعدة تراب الشعبوية، وعلى رأسها «ماغا»، وأصبحت استدعاءات «العلاقة الخاصة» تقع على آذان صماء.

تبدو «ماغا» في طور إعادة قراءة معمقة لفكرة أميركا العظيمة، وما الذي جعلها عند لحظات بعينها عظيمة بالفعل.

تبين سطور التاريخ الأميركي أن المثل والقدوة، الحرية والمصداقية، احترام استقلال الدول الويستفالية، تقديم الدعم الإنساني من غير براغماتية ضيقة النظرة، هي ما جعلت أميركا «الدولة التي لا يمكن الاستغناء عنها بالفعل» (Indispensable).

اليوم يبدو الرئيس الأميركي في أزمة موازنة بين دعمه لبنيامين نتنياهو وحكومته، وثورة الشك وسط شباب «ماغا»، حول جدوى نصرة إسرائيل ظالمة غير مظلومة، ولهذا لم يكن هناك من مفر من اعترافه بأن هناك حالةً غير مقبولة من الجوع في غزة.

ومن باب الحقائق القول إن نائب الرئيس الأمريكي جي دي فانس هو القوة الآيديولوجية الضاربة في هذه الإدارة، وهو في الوقت ذاته رجل مؤسسة «هيرتاغ» المفضل، وقد كان لافتاً للنظر في مناسبة أقيمت في ولاية أوهايو، الأسبوع قبل الماضي، ذهابه إلى مدى أبعد من تصريحات ترامب، إذ ناقش صوراً «مفجعة» لأطفال صغار يتضورون جوعاً بوضوح، وطالب إسرائيل بالسماح بدخول المزيد من المساعدات.

ما الذي يجري داخل صفوف «ماغا»؟
أفضل من قدم جواباً مقبولاً، عالمُ السياسة والدبلوماسي الأمريكي السابق مايكل مونتغمري، الذي عدَّ أن «أي شعب متحضر لا يرى في التجويع سلاحاً مشروعاً في الحرب».

هل يمكن لـ«ماغا» أن تغير أميركا بالفعل وتعيدها للعظمة الحقيقية عبر دروب الإنسانية لا المعارك القتالية؟

الشرق الأوسط

مقالات مشابهة

  • صالح المطلق والزهراني: مشوار جيسوس مع النصر لن يكون سهلاً.. فيديو
  • ماغا والطريق إلى دعم غزة
  • بوتين يشيد بنتائج مفاوضات إسطنبول..هل اقتربت نهاية الحرب؟
  • المستشار الإعلامي السابق لوزير جيش الاحتلال: الحرب حوّلت “إسرائيل” إلى شرير العالم وعزلتها 
  • مقررة أممية تندد بتهديدات إسرائيل لمراسل الجزيرة أنس الشريف
  • ويتكوف يصل إسرائيل للقاء نتنياهو وزيارة غزة
  • مسؤول سابق في جيش الاحتلال يطالب نتنياهو بصفقة شاملة مع حماس الآن 
  • مستشار نتنياهو يكشف ملامح رؤيته في غزة: لا دولة فلسطينية أو إعمار دون نزع السلاح
  • لطفي بوجمعة : ” الحركية الكبيرة التي يعرفها القطاع نرى نتائجها مع تحقيق الإقلاع الرقمي وانفاذ الإدارة القضائية الإلكترونية”
  • هل الخيار المتطرف الذي تبحثه إسرائيل في غزة قابل للتنفيذ؟