مطلع مايو الماضي، كشف تقرير نشرته صحيفة التليغراف البريطانية عن عقد مليشيا الحوثي- ذراع إيران، شراكة غير متوقعة مع فرع تنظيم القاعدة الإرهابي في اليمن، لشن هجمات على المحافظات الجنوبية المحررة من سيطرتهم.

الشراكة المتجددة بين الطرفين ظهرت بشكل كبير للعلن، من خلال قيام المليشيا الحوثية بتزويد القاعدة بعدد من الطائرات دون طيار التي تصل إليهم من إيران لأجل تعزيز هجماتهم ضد القوات الجنوبية بشكل رئيس.

ناهيك عن إطلاق سراح عناصر وقيادات إرهابية محتجزة في سجون صنعاء منذ سنوات طويلة ومحكوم عليها بالإعدام على خلفية هجمات إرهابية راح ضحيتها جنود ومواطنون. التخادم بين الطرفين وصل إلى التعزيز القتالي والمساندة في مواجهة القوات الجنوبية التي تواصل تحركاتها لدحر الإرهاب.

مساندة رسمية 

ولم تكتف العلاقة بالدعم فقط بل وصلت إلى المساندة القتالية بشكل علني، وهي ليست بالشيء الجديد. فما حدث أواخر الأسبوع الماضي، هو شن مليشيا الحوثي هجمات على قوات دفاع شبوة لفك حصار عناصر تنظيم القاعدة المحاصرين في منطقة "شعب أمعزيفة" في مديرية مرخة السفلى الواصلة بين محافظتي شبوة والبيضاء الخاضعتين لسيطرة الحوثيين.

ووفقاً لبيان صادر عن قوات دفاع شبوة فإن القوات المشاركة في عملية تعقب عناصر إرهابية في مديرية مرخة السفلى تعرضت لهجوم جوي وبري أثناء تعقب وملاحقة عناصر وقيادات تابعة لتنظيم القاعدة، موضحاً أن طائرة بدون طيار تابعة للحوثيين شنت قصفاً على القوات إلى جانب تحرك مجاميع أخرى في الحدود بين شبوة والبيضاء لفك الحصار عن العناصر الإرهابية.

التنسيق المشترك بين الحوثيين والقاعدة ليس الأول خصوصاً في جانب الدعم الجوي وتوفير طائرات دون طيار، ففي مايو الماضي، نفذ تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية سبع هجمات بطائرات بدون طيار على القوات الجنوبية في شبوة وأبين.

وفقاً للمعلومات فإن سبب التدخل الحوثي لإنقاذ القاعدة في مديرية مرخة السفلى، هو وجود قيادات بارزة في التنظيم انتقلت من البيضاء بحماية حوثية إلى وادي "شعب أمعزيفة" أقامت معسكرا تدريبيا هناك تمهيدا لشن عمليات إرهابية ضد قوات دفاع شبوة والعمالقة المتمركزة على طول الشريط الحدودي مع البيضاء، وكذا شن عمليات داخل المناطق الآمنة في شبوة لإثارة الفوضى وإقلاق السكينة العامة.

وسربت مصادر مقربة من تنظيم القاعدة خلال شهر مايو الماضي، حصول تنظيم القاعدة على أكثر من 40 طائرة بدون طيار- إيرانية الصنع- من قبل قيادات بارزة في مليشيا الحوثي وعبر وسطاء محليين في محافظة البيضاء.

دعم إيراني سخي

ومن المرجح أنه تم الحصول على هذه الطائرات بدون طيار من خلال دعم خارجي، نظراً للقدرة التقنية المحدودة لتنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية في تطوير طائرات بدون طيار خاصة به. وحافظ أبو أسامة الدياني، وهو زعيم جهادي يمني مقرب من زعيم تنظيم القاعدة في جزيرة العرب الراحل خالد باطرفي، على علاقة وثيقة مع الحوثيين وسهل الحصول على هذه الأسلحة.

وإلى جانب الطائرات بدون طيار، قدم الحوثيون للقاعدة في شبه الجزيرة العربية الدعم اللوجستي بما في ذلك الصواريخ الحرارية ومعدات الاستطلاع وغيرها. ويتجاوز هذا التعاون مجرد توريد الأسلحة، ويشير إلى مستوى أعمق من التعاون بين المجموعتين.

ويؤكد الكثير من الباحثين في شؤون الجماعات الإرهابية أن الدعم الحوثي للقاعدة جاء بتوجيهات إيرانية عليا، خصوصا وأن الأب الروحي للتنظيم الإرهابي في اليمن سيف العدل، يتواجد في طهران ويدير العلاقة بين الطرفين. يرتبط اهتمام سيف العدل بفرع القاعدة في اليمن بعدة عوامل، منها الصفقة التي أبرمت مع إيران للإفراج عنه في عام 2015، مقابل الإفراج عن الملحق الثقافي الإيراني. وهذا الاهتمام لا يمكن اعتباره مجرد رد جميل، بل يشير إلى علاقة استراتيجية تعززها حاجة القيادة العامة إلى فرع قوي وفعال، وهو ما يبدو أن الفرع اليمني يوفره بدعم وتنسيق إيراني عبر ذراعهم في اليمن المتمثل بمليشيا الحوثي.

ويؤكد المتحدث باسم القوات الجنوبية، المقدم محمد النقيب، أن العمليات الإرهابية المشتركة التي تنفذها عناصر القاعدة ومليشيا الحوثي، تكشف مدى العلاقة الوطيدة والتحالف الاستراتيجي بينهما، مشيرا إلى أن زعيم القاعدة المدعو سيف العدل المقيم في إيران هو المحرك الرئيس لهذا التحالف الذي أصبح علنياً ضد المناطق الجنوبية.

شراكة استراتيجية

في تحليل نشره مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية مؤخراً، أكد أنَّ قائد تنظيم القاعدة الجديد في اليمن، سعد العولقي، الذي عُين خلفاً لخالد باطرفي، حريص على استمرار العلاقة الجوهرية بمليشيا الحوثي، وتنفيذ الاتفاقيات المبرمة بين الطرفين. وأوضح التحليل، الذي أعده الباحث عاصم الصبري، أنَّ التنظيم مستمر في عدم خوض أي معارك مفتوحة مع جماعة الحوثيين رغم الضغوطات التي يتعرَّض لها التنظيم من قبل الحوثيين بشأن استئناف العمليات الداخلية في الجنوب.

التحليل قدم تفصيلات كثيرة وخطيرة، عن آفاق التعاون وتاريخه وحاضره ومستقبله، بين الحوثي والقاعدة، بصور مختلفة ومصالح مشتركة، ويشير إلى أنَّ هذا الأمر محلّ خلاف كان بين قيادات "القاعدة"، لكن التيار المناصر "للتعاون" مع الحوثي، ثم مع إيران، يقوده المصري سيف العدل الزعيم الفعلي للتنظيم، والمقيم في إيران.

التحليل أوضح أنَّ هناك عاملاً آخر مهماً ساعد العولقي على تولي قيادة تنظيم "القاعدة"، وهو نفوذ سيف العدل، المقيم في إيران. فخلال اعترافات سابقة لقيادات بارزة في تنظيم القاعدة جراء ضبطها في اليمن من بينهم المدعو العوفي، أكد أن هناك تعاونا وعلاقة قوية بين التنظيم والحوثيين.

ويرى المراقبون أن استراتيجية الشراكة بين الطرفين قائمة على مبادئ أساسية تتمثل في توفير الحوثيين أماكن آمنة لقيادات وعناصر التنظيم، وتم تحديد مناطق في محافظة البيضاء لتكون معاقل محمية. وكذا توفير الدعم اللوجيستي من مال وأسلحة وعتاد للتنظيم مع الإفراج عن عناصرهم وقيادتهم المحتجزة في سجون صنعاء من قبل سيطرة الحوثيين. في المقابل يلتزم التنظيم بعدم شن أي هجمات أو عمليات داخل مناطق الحوثيين، وتقديم كل الدعم الاستخباراتي عن تحركات القوات الجنوبية والحكومية في المناطق الجنوبية. وكذا توجيه الهجمات صوب المناطق المحررة لإظهارها غير آمنة ومستقرة وأنها تغرق في الفوضى والإرهاب.


المصدر: نيوزيمن

كلمات دلالية: القوات الجنوبیة تنظیم القاعدة بین الطرفین القاعدة فی بدون طیار سیف العدل فی الیمن

إقرأ أيضاً:

الظمأ يحاصر تعز.. والحوثي والإخوان يتناوبون على خنقها

بين مطرقة الحصار الحوثي وسندان فساد سلطة الإخوان، يعيش أبناء تعز أبشع صور العطش في القرن الحادي والعشرين، وهم يراقبون الماء وهو يمر من أمامهم، لكن يُمنعون عنه بقرارات سياسية وقيود عسكرية واقتصادية. وفيما تتبادل سلطات الحوبان والمدينة الاتهامات، يبقى المواطن وحده من يدفع ثمن الموت البطيء تحت الشمس، في مدينة تئنّ عطشًا وتنتظر معجزة أو إنصافًا.

تعز، المدينة المشطورة بين سلطتي الحوثيين والإخوان، أصبحت رهينة صراع نفوذ واتهامات متبادلة. الحوبان الخاضعة لسيطرة الحوثيين تمنع ضخ المياه القادمة من أحواض حوجلة وحيمة، فيما السلطة المحلية داخل المدينة المحررة تقف عاجزة – أو متواطئة – عن إيجاد حلول بديلة، ما جعل سكانها يُجبرون على شراء المياه بأسعار باهظة أو انتظار "كرم" صهاريج تأتي أحيانًا وتُمنع أحيانًا أخرى.

ما يحدث في تعز، بحسب سكانها، لم يعد يختلف كثيرًا عن مشهد الحصار الإسرائيلي لغزة، حيث يُستخدم الماء كورقة سياسية ومعيشية. يقول أحد السكان: " نعيش الحصار وأطفالنا يموتون عطشًا ولا نستطيع التحرك أو إيجاد البدائل، الكثير من المواطنين أصبحوا يستوردون مياه الشرب من مناطق بعيدة وبأسعار مضاعفة، ما يعانيه أبناء تعز حصار مميت مع تبريرات مفضوحة، والمواطن يموت ببطيء".

فعلى بوابة الحوبان، تصطف عشرات الصهاريج المحملة بالمياه، بانتظار موافقة سلطات الحوثيين على الدخول. الأخيرة، كانت قد أعلنت قبل أيام عن مبادرة وصفتها بـ"الإنسانية" للسماح بإدخال المياه، لكن سرعان ما قامت باحتجاز عدد كبير من تلك الصهاريج ومنعت دخولها لساعات، قبل أن تسمح للبعض منها بالدخول بشروط.

سلطة صنعاء حاولت التبرير عبر وسائل إعلامها إن المنع لم يكن كليًا بل إجراء تنظيمي، يهدف إلى ضبط الأسعار ومنع المضاربة بالسوق السوداء، زاعمًا أن “الاتفاق مع سائقي الصهاريج ينص على بيع المياه بأسعار تناسب المواطنين”.

لكنّ هذا التبرير لم يقنع أحدًا، إذ اعتبره سكان المدينة غطاءً سياسياً لا يختلف عن ممارسات الحصار، خاصة أن الحوثيين هم من تسببوا في الأزمة أصلاً، عبر وقف ضخ المياه من المصادر الرئيسية وتعطيل الشبكات العامة. واليوم، يحاولون الظهور بمظهر "المنقذ" عبر صهاريج يُجبر المواطنون على دفع ثمنها من جيوبهم المنهكة.

مصادر ميدانية أفادت لـ"نيوزيمن" أن مليشيا الحوثي تُمارس "ابتزازًا مائيًا" حقيقيًا، عبر التحكم في شبكات الضخ القادمة من الحوبان، وتوجيهها لمناطق موالية لها، بينما تعيش مناطق سيطرة الحكومة في المدينة حالة جفاف شبه تام، وتعتمد الأسر على شراء صهاريج المياه بأسعار باهظة تفوق قدرة الغالبية.

في المقابل، يواجه سكان تعز خذلانًا مروّعًا من السلطة المحلية الخاضعة لحزب الإصلاح، والتي لم تحرك ساكنًا، رغم علمها الكامل بحجم الكارثة. السكان يتهمونها بـ"التواطؤ في إدارة المعاناة" لصالح متنفذين وموردين يحتكرون بيع المياه، حيث تباع صهاريج المياه بأسعار خيالية تتجاوز قدرة الفقراء، دون أي رقابة أو محاسبة.

ناشطون قالوا لـ"نيوزيمن" إن المدينة تفتقر حتى الآن إلى أي خطة طارئة لتأمين المياه، سواء عبر الحفر أو ضخ الطوارئ أو شراء المياه من جهات بديلة، متهمين سلطة المدينة بالإخفاق الذريع في حماية المواطنين الذين يموت أطفالهم جفافًا في ليالٍ شديدة الحرارة. مشيرين إلى أن هذه السلطة العاجزة تعرقل مشروع مياه الشيخ زايد، منذ سنوات تحت مبررات وحجج واهية.

الكارثة تفاقمت وتحولت إلى أزمة صحية حادة، حيث بدأ السكان يستخدمون مياهًا غير صالحة للشرب في بعض المناطق، مما أدى إلى ظهور حالات تسمم وأمراض معوية، بحسب مصادر طبية. كما أُغلقت بعض المرافق الصحية والمخابز ومحلات الغسيل بسبب عدم توفر المياه، ما يعني أن أزمة المياه باتت تمسّ كل تفاصيل الحياة اليومية.

وتشير تقارير محلية إلى أن نحو 70% من سكان تعز يعيشون تحت خط العطش، ويعتمدون على مصادر مياه غير مضمونة. وقد حذرت منظمات صحية من أن استمرار الوضع الحالي ينذر بكارثة بيئية وصحية في حال لم يتم التدخل العاجل.

وفي ظل كل ذلك، تبقى تعز مدينة منكوبة بالماء كما هي بالحرب، ويدفع سكانها ثمن الحصار والانقسام والفساد، بينما تتقاسم الأطراف المتحكمة فيها المسؤولية عن هذا الواقع المأساوي، دون أي شعور بالذنب أو حرج أمام ما يعانيه المواطنون من وجع يومي يلامس حدود الموت عطشًا.

رغم أن الأزمة مستمرة منذ أكثر من شهرين، لم تُسجَّل أي استجابة فعلية من قبل المنظمات الدولية أو وكالات الإغاثة. ناشطون في تعز يقولون إن كثيرًا من المنظمات تخشى الدخول في صدام مع سلطات الأمر الواقع، ما جعلها تتردد في التدخل أو حتى إصدار بيانات إدانة.

مقالات مشابهة

  • المجلس الوزاري للأمن الوطني يؤكد على تنظيم العمالة الأجنبية أمنيا واقتصاديا واجتماعيا
  • العمامي: العثور على مخزن الأسلحة في سبها كان نتيجة عملية استخباراتية ناجحة
  • الزُبيدي: النصر في معركتنا ضد الحوثي قرار لا رجعة عنه
  • مصرع قيادي في تنظيم القاعدة في مصينعة شبوة
  • طهران تؤكد الرد على أي هجوم جديد.. خامنئي: «الملف النووي» ذريعة لضرب إيران
  • محمد علي الحوثي: المرحلة الرابعة من الحصار البحري للكيان رسالة إنسانية للعالم لوقف جرائم غزة
  • الظمأ يحاصر تعز.. والحوثي والإخوان يتناوبون على خنقها
  • جزائية الحوثيين تصدر حكما بإعدام شخصين بتهمة العمل مع تنظيم "القاعدة"
  • رئيس النيابة الإدارية يوجه رسالة للأعضاء بمناسبة الإشراف على انتخابات الشيوخ
  • مصرع أمير القاعدة في المصينعة.. شبوة تواصل تنظيف أرضها من بقايا الإرهاب