مؤتمر وزراء الدفاع في أفريقيا.. تحرك أميركي حثيث لتدارك النفوذ
تاريخ النشر: 25th, June 2024 GMT
يبدأ اليوم اجتماع "القيادة العسكريّة الأميركية في أفريقيا" (أفريكوم) مع وزراء دفاع 30 دولة أفريقية في مؤتمر عسكري بـ "غابورون" عاصمة بوتسوانا. وأفاد اللفتنانت كوماندر "بوبي ديكسون"، المتحدّث باسم "أفريكوم"، بحسب وكالة "صوت أميركا" الإعلامية، بأن "الهدف (من المؤتمر) هو معالجة التحديات الأمنية الملحة في القارة الأفريقية وإيجاد طرق العمل المشتركة" لتكون أفريقيا أكثر سلامًا وأمانًا".
ويأتي المؤتمر بعد انتكاسة الوجود العسكري الأميركي في منطقة الساحل الأفريقي وغرب أفريقيا نتيجة التحولات السياسية والتطورات الأمنية والاجتماعية الأخيرة، كما يوحي تنظيمه في هذا التوقيت وداخل أفريقيا بدلالات متعددة وتوقعات محتملة في ظل تصاعد التنافسية العالمية في المناطق الأفريقية ذات الأهمية الجيوستراتيجية لواشنطن.
تراجع النفوذ العسكري الأميركي بأفريقياقبل مايو/أيار الماضي (2024م)، قُدِّر عدد أفراد الجيش الأميركي المتمركزين في أفريقيا بحوالي 6000 فرد، ولكن الولايات المتحدة اليوم تكافح من أجل الحفاظ على بقاء بعض تلك القوات في الساحل نتيجة أسباب محلّية كثيرة وعوامل خارجية متعددة يمكن إيجازها في التالي:
أسباب محلية: يشعر معظم مواطني دول الساحل أن حكوماتها المدنية والديمقراطية فشلت في تحقيق النتائج التي تلبي احتياجاتهم الاقتصادية والتنموية، وأنها أساءت استخدام موارد البلاد، بينما يتزايد انعدام الأمن والصراع العنيف والفقر المدقع والنزوح الجماعي وهجرة الشباب، مع تصاعد الصراعات العابرة للحدود والتدفق الحر للأسلحة وانتقال الجماعات المسلحة في غرب أفريقيا والساحل بعد سقوط نظام الزعيم الليبي "معمر القذافي". ويُلمَسُ هذا الشعور في الدعم الشعبي لقادة الانقلابات العسكرية الثمانية التي شهدتها مختلف دول القارة منذ عام 2021م، والغضب الشعبي الناتج عن مخالفات الانتخابات الأخيرة في مختلف الدول ومزاعم تزوير نتائجِها.
وقد اتُّهِمَت الولايات المتحدة بـ "النفاق" وتناقضية المواقف لتساهلها مع المجالس العسكرية في دول، مثل: تشاد التي استولى فيها "محمد إدريس ديبي" على السلطة في عام 2021م بعد مقتل والده الذي حكم البلاد ثلاثة عقود؛ وغينيا التي أطاحت القوات المسلحة فيها في 5 سبتمبر/أيلول 2021م بالرئيس "ألفا كوندي"؛ والنيجر التي أطاح فيها الانقلاب العسكري في 26 يوليو/تموز 2023م بالرئيس "محمد بازوم". وفي المقابل انتقدت واشنطن المجالس العسكرية في دولتي مالي وبوركينا فاسو اللتين وقعت فيهما انقلابات بين عامي 2020م و2022م، وأصرت على موقفها المتمثل في ضرورة العودة إلى الديمقراطية.
وقد عزّزت الانتقادات وازدواجية المواقف الغربية ميل بعض الدول التي تحكمها المجالس العسكرية نحو قوى أخرى، مثل روسيا والصين وإيران، كما أثّرت في قرارات طرد الجيوش الغربية من أراضيها. بل وأجّجت التوترات الإقليمية بين هذه المجالس العسكرية و"المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا" (إيكواس) من جانب، وتبادل الاتهامات بالعمالة للغرب أو روسيا ومرتزقتها "فاغنر"، كما هو الحال في أزمة الحدود بين مالي وموريتانيا، والخلاف الأخير بين جمهورية بنين والنيجر بشأن فتح الحدود وتصدير النفط النيجري.
عوامل دولية: ينعكس السخط المحلي ضد الحكومات المدنية والديمقراطيات الفاشلة في علاقات تلك الدول الأفريقية الخارجية، وخاصة مع القوى الغربية. إذ هناك تصور سائد لدى مواطني هذه الدول وقادتها العسكريين حول عدم تكافؤ شراكة قادتهم المنتخبين "ديمقراطيًا" مع الحلفاء الغربيين، وأن الولايات المتحدة، التي تتغنّى بدعمها مبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان، لم تتخذ إجراءات حقيقية لصدّ التغييرات غير الدستورية والتلاعب بالعمليات الديمقراطية وقمع المعارضة في بعض الدول الأفريقية التي شهدت الانقلابات العسكرية، أو الدول التي تعتبرها واشنطن حليفة لها.
وهناك عوامل التنافسية الدولية وديناميكيات توازنات القوى الجديدة في القرن الأفريقي وشمال أفريقيا. إضافة إلى التدافع الجديد في منطقة الساحل الأفريقي التي تعتبرها القوى الدولية ذات أهمية بالغة لما تتمتع به المنطقة من موارد طبيعية، كالنفط واليورانيوم والغاز الطبيعي والليثيوم، ولموقعها الإستراتيجي بين شمال أفريقيا وجنوب الصحراء الكبرى، الأمر الذي يجعل القوى الدولية تتنافس على تعزيز وجودها فيها، ويدفع الولايات المتّحدة لربط إستراتيجياتها الأمنية بالمنطقة، وبجهود مكافحة الجماعات المسلحة المرتبطة بتنظيمَي (القاعدة) و(داعش) النشطة في المنطقة.
بل أنفقت واشنطن مئات الملايين من الدولارات في تدريب جيش النيجر منذ بدء العمليات العسكرية الأميركية في عام 2013م، وأنشأت قاعدة جوية رئيسية بقيمة 100 مليون دولار مع ألف جندي في مدينة أغاديز على بعد حوالي 920 كيلومترًا من العاصمة النيجرية نيامي، والتي استُخْدِمَتْ في رحلات المراقبة المأهولة وغير المأهولة وغيرها من العمليات.
على أن الولايات المتحدة الأميركية فقدت امتيازها، وما يعتبر مناطق نفوذها التقليدي في الساحل نتيجة خسارة حليفَين من حلفائها الرئيسيين، وهما النيجر وتشاد؛ إذ قرّر المجلس العسكري النيجري في مارس/آذار الماضي (2024م)، إنهاء الاتّفاق الذي يسمح للقوات الأميركية بالعمل داخل البلاد بعدما اتّهم مسؤولون أميركيون النيجر بعقد صفقات سرية مع روسيا وإيران.
بينما طلبت تشاد من الولايات المتحدة الأميركية، في أبريل/نيسان 2024م، وقف عملياتها في قاعدة عسكرية إستراتيجية، مما أجبر واشنطن على سحب معظم فرقتها المؤلفة من نحو 100 جندي من البلاد بعد أن شككت الحكومة التشادية في شرعية عمليات القوات الأميركية داخل البلاد.
تحركات أفريكوم الأخيرة ودلالاتهاإن تنظيم مؤتمر قادة الدفاع في أفريقيا في بوتسوانا بحضور وزراء الدفاع الأفارقة، يدخل في إطار تحركات الشهور الأخيرة من قبل مسؤولي الدفاع الأميركيين في أفريقيا لإصلاح العلاقات الهشة، ووضع أطر لصدّ تراجع نفوذها العسكري. وقد شهدت القارة قبل هذا المؤتمر زيارات قادة أفريكوم المتعددة ومناورة "أسد أفريقيا" التي أُقيمت في المغرب في أواخر مايو/أيار 2024م.
ويمكن حصر دلالات التحركات الأخيرة لأفريكوم في التالي:
أن إشراك الولايات المتحدة دولةً أفريقية (بوتسوانا) في استضافة مؤتمر قادة الدفاع في أفريقيا يؤكد أن واشنطن تفهم مكانة بوتسوانا الأفريقية وعلاقاتها الإيجابية مع أخواتها داخل القارة، رغم صغر مؤسستها العسكرية المحترفة والموثوقة. واختيار هذه الدول الأفريقية أيضًا يعني أن الولايات المتحدة تدرك تمامًا حجم الانتكاسة التي تواجهها في أفريقيا، حيث كان المؤتمر منذ بدايته في عام 2017م يُنظَّم خارج أفريقيا.وقد أكّد المتحدث باسم أفريكوم أنه أكثر من مجرد مؤتمر؛ لأنه سيناقش كل ما يتعلق بالأمن "من جهود مكافحة الإرهاب إلى التهديدات السيبرانية ومهام حفظ السلام.. وسيتبادل الخبراء والقادة العسكريون الأفكار والإستراتيجيات وإقامة شراكات من شأنها تعزيز القدرات الدفاعية الجماعية لأفريقيا بأكملها".
أن حضور 30 دولة أفريقية فقط للمؤتمر قد يعني انقباضًا أفريقيًا متزايدًا نحو واشنطن، وانكماشًا في العلاقات الأفريقية الأميركية بشكل عام، حيث كان مؤتمر العام الماضي الذي عقد في روما بإيطاليا قد استقطب أعلى نسبة إقبال بحضور حوالي 43 دولة، أو انتقال معظم الدول الأفريقية إلى بدائل أخرى بعيدًا عن الولايات المتحدة الأميركية. وقد يعني أن واشنطن تعطي أولوية الحضور لأولئك الذين تعتبرهم حلفاء، أو الذين يسهل التعامل معهم. أن واشنطن ستستمرّ على إستراتيجية مكافحة الإرهاب في القارة الأفريقية بغض النظر عن الانتقادات الأفريقية لها ومواقف دول الساحل بشأن فشلها. ويؤكد على هذا ما صرّح به الجنرال "لانغلي" قائد أفريكوم في مقابلته في مايو/أيار الماضي، حيث دافع بقوة عن الإستراتيجية، متّهمًا روسيا بتأجيج المشاعر المعادية لأميركا في المناطق التي تعاني من أنشطة المسلحين المتطرفين في غرب ووسط أفريقيا والساحل.ومع ذلك، يصعب نجاح هذه الإستراتيجية على المدى الطويل؛ لأن المجالس العسكرية في دول مثل مالي والنيجر التي قطعت علاقاتها مع الغرب، تسجّل في الأسابيع الأخيرة تحسّنات فيما يتعلق بمكافحة الإرهاب، كما أن دولًا صديقة لواشنطن تتوخى الحذر نتيجة كون الضباط العسكريين الذين تلقوا التدريبات الأميركية ضمن المتورطين في الانقلابات التي أطاحت بالقادة المنتخبين ديمقراطيًا في دول مثل غينيا والنيجر.
أن إقامة التدريبات والمناورات العسكرية الأميركية لا تضمن قوة النفوذ الأميركي العسكري في الأماكن ذات الأهمية الإستراتيجية أو طول أمد شراكات واشنطن مع بعض حلفائها، مثل دولتي النيجر وتشاد اللتين شاركتا في مناورة "أسد أفريقيا" ومع ذلك احتضنتا المدربين الروس وقوات "فاغنر" مما أدى إلى انسحاب القوات الأميركية. أن الشهور القادمة ستشهد توجّه واشنطن نحو غانا أو توغو أو بنين أو ساحل العاج، وذلك لتكون الخطة الثانية أو البديلة للنيجر وتشاد.وقد ألمح مسؤول دفاعي أميركي إلى هذا دون الكشف عن أسماء الدول التي يتم إجراء الحديث معها. بل بالرغم من أنه لا يتوقع من الجيش الأميركي تكرار حجم تواجده القوي بالنيجر أو بناء قاعدة أميركية كبيرة أخرى في أي دولة من الدول الأربع المذكورة في الوقت القريب؛ فإن هناك مبادرات قائمة ببعض تلك الدول فيما يتعلق بمكافحة الإرهاب، مثل "مبادرة أكرا" التي أُطْلِقَت في عام 2017م لتمثّل آلية أمنية تعاونيّة إقليمية لمنع انتشار الإرهاب من منطقة الساحل الأفريقي إلى دول سواحل خليج غينيا وللتصدي للجريمة المنظمة العابرة للحدود الوطنية في المناطق الحدودية للدول المشاركة في المبادرة: (وهي: غانا وبوركينا فاسو وساحل العاج وتوغو).
أن واشنطن ستركّز معظم جهودها المستقبلية في مواجهة روسيا والصين. وقد تلجأ إلى الاعتماد السري على الشركات العسكرية الخاصة لمناوأة "فاغنر" الروسية. وترجح هذا تصريحاتٌ مختلفة لقادة الدفاع الأميركيين، بمن فيهم قائد أفريكوم، حيث يرون أن العوامل الخارجية المرتبطة بروسيا والصين تلعب الدور الأكبر في تراجع الوجود الأميركي العسكري في الساحل. أن واشنطن لا تزال تؤمن بنهج ربط المساعدات المتعلقة بالأسلحة والتدريبات العسكرية وتبادل المعلومات الاستخبارية مع المبادرات المرتبطة بحقوق الإنسان والمبادئ الديمقراطية وتعزيز المؤسسات الوطنية ومكافحة أزمة تغير المناخ.وهذا النهج واجه عدة انتقادات لتناقضاته، كما أثبت ضعفه أمام النهج الصيني أو الروسي الذي لا يضع شروطا كثيرة في تعاملاتها مع الدول الأفريقية ويصرّ على عدم التدخل في القضايا المحلية الوطنية، بخلاف واشنطن التي تفرض قيودًا على كيفية استخدام الدول للتدريب والأسلحة الأميركية المقدمة لها. وتؤشر تصريحات "مايكل لانغلي"، قائد أفريكوم في مقابلته مع وكالة "أسوشيتد برس" أثناء مناورة "أسد أفريقيا" في 29 مايو/أيار 2024، على أن واشنطن تعيد النظر في هذا النهج، حيث قال إن الولايات المتحدة تدعم قرار الدول الأفريقية حول طبيعة الحكم دون فرض أفكارها عليها.
وأخيرًا، يُتَوقَّع من الولايات المتحدة الأميركية في الفترات القادمة العودة إلى بعض مناطق نفوذها السابقة، وخاصة في الساحل، حيث تجري واشنطن محادثات متعددة قد تمكّنها من العودة إلى النيجر أو تشاد أو دول مجاورة. وهذا يعني أن واشنطن لا تريد ترك الساحة لمنافسيها من القوى الدولية الأخرى، مما يجعلها مستعدة للعمل في الدول الأفريقية التي تقبل وجود منافسين جيوسياسيين مختلفين.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات الولایات المتحدة الأمیرکیة الدول الأفریقیة الأفریقیة ا فی أفریقیا أن واشنطن فی الساحل مایو أیار فی عام فی دول
إقرأ أيضاً:
“نيران صديقة”.. قصة جيب أميركي صغير يدفع ثمن حرب ترامب التجارية مع كندا
#سواليف
لم يكن يدُر في خلد #سكان #مدينة_بوينت_روبرتس الأميركية -التي تقع على الحدود بين #الولايات_المتحدة و #كندا-، أنهم سيدفعون #ثمن #الحرب_التجارية التي شنها الرئيس دونالد #ترامب بعد عودته إلى #البيت_الأبيض بأيام، الأمر الذي يمكن وصفه بـ”النيران الصديقة”.
ويعتمد سكان هذه المدينة الأميركية -التي تبلغ مساحتها نحو 12.65 كيلومترا مربعا ويصل عدد سكانها إلى 1275 تقريبا-، على السياح والزوار القادمين من الجارة الشمالية بسبب قرب المسافة بين كندا والولايات المتحدة، إذ تعد هذه المنطقة جيبا جغرافيا فريدا ونادرا كونها تقع في الركن الشمالي الغربي من ولاية واشنطن، ويعود أصله إلى ترسيم الحدود الذي تم بين الولايات المتحدة وكندا عام 1846.
وتحيط المياه ببوينت روبرتس، من 3 جهات لكن الجهة الوحيدة التي تربطها باليابسة هي صوب كندا ولذلك يُضطر سكانها عبور الحدود إلى كندا والدخول في العمق نحو 40.2 كيلومترا قبل الدخول إلى الولايات المتحدة.
مقالات ذات صلة أم لطفلين تسرق نصف مليون جنيه.. وتنفقها على مشاهير “تيك توك”! 2025/06/09ونتيجة لوضعها الجغرافي الفريد واعتمادها على جارتها الشمالية (كندا)، أصبحت بوينت روبرتس من أكبر الخاسرين في الحرب التجارية الدائرة بين كندا والولايات المتحدة.
كندا.. شريان الحياة الاقتصادي للمدينة
ويعتمد اقتصاد هذه المدينة أساسا على الزوار والمقيمين الكنديين الذين يُشكلون نحو 90% من سوق المدينة، حتى باتت العملة الكندية هي الأكثر استخداما في المدينة بديلا من الدولار الأميركي أو لا تقل أهمية عنه على الأقل.
وتعتبر الصناعة الرائدة الحالية في البلدة هي البيع بالتجزئة، وتساهم السياحة بالنصيب الأكبر من هذه الصناعة نظرا لوجود عدد كبير من العقارات المخصصة لقضاء العطلات التي يمتلكها كنديون.
ويقيم العديد من أصحاب العقارات الكنديين في منطقة فانكوفر الكبرى وينظر سكان بوينت روبرتس إلى سكان مقاطعة بريتيش كولومبيا الكندية كـ”إخوة” بحسب تقرير لصحيفة “ذا غارديان” البريطانية، وليس مجرد جيران كون عدد كبير منهم يحمل الجنسيتين الأميركية والكندية.
ووصلت الحرب التجارية بين كندا والولايات المتحدة إلى مستوى غير مسبوق في العصر الحديث وذلك بسبب التهديدات المتكررة من الرئيس ترامب بفرض تعريفات جمركية كبيرة على مجموعة واسعة من السلع التي تعبر الحدود، هذا الوضع كان “مدمرا للغاية” لأعمال بوينت روبرتس.
جاء هذا التأثير بعد سنوات قليلة من محاولات التعافي التجاري من تأثير إغلاق حدود “كوفيد-19” الذي استمر 20 شهرا، وأدى إلى فقدان نصف الأعمال في البلدة.
شكاوى أصحاب الأعمال
يقول أصحاب الأعمال لصحيفة “كاسكاديا ديلي نيوز” المحلية في ولاية واشنطن، إنهم يشعرون بصدمة كبيرة بسبب الحرب التجارية التي تسببت في انخفاض عدد الزوار القادمين إلى المدينة إلى نحو 25% بعدما كانت تصل نسبة الإشغال إلى 90% خاصة في فصل الصيف.
وتركت هذه التغييرات المفاجئة في العلاقات التجارية والقواعد الجمركية أصحاب الأعمال في حالة من عدم اليقين، إذ يشعر السكان بأنهم “عالقون في المنتصف” في هذا الموقف، بينما يصف بعضهم الوضع بأنه “غبي تماما” و”غير منتج وغير ضروري” -حسبما نقل موقع “غلوبال نيوز” الكندي-.
ويعاني سوبر ماركت “إنترناشيونال ماركيتبليس” -الوحيد في البلدة- بشدة بسبب التعريفات الجمركية التي فرضتها الولايات المتحدة السبب الذي دفع صاحبها إلى رفع الأسعار على الزبائن من أجل تعويض الخسائر الناجمة عن هذه الإجراءات إلا أنه هذه الحيلة باءت بالفشل بسبب رفض المتعاملين معها هذه الزيادة.
محاولات إنقاذ ما يمكن إنقاذه
تقول “ذا غارديان” إن المحاولات من أجل إنقاذ بوينت روبرتس من الخسائر التي منيت بها بسبب التعريفات الجمركية تتوالى، إذ أقدم بعض العملاء الكنديين الذين يزورون المدينة بشكل متكرر على زيارة خفيةً خوفا من الغضب الشعبي.
كما قام بعض الأميركيين من أهالي بوينت روبرتس بتعليق ملصقات تحمل عبارة “بوينت روبرتس تدعم كندا” بهدف إظهار الدعم للكنديين وتشجيعهم على عبور الحدود للمساعدة في تعزيز الاقتصاد المحلي.
كما عرضت بعض المحال، مثل “سالتواتر كافيه”، دعمها كندا من خلال اللافتات والزينة، بما في ذلك لوحة مكتوب عليها “سكان بوينت روبرتس يدعمون كندا” -بحسب “أسوشيتد برس”-.
ولم تتوقف الجهود المبذولة لتغير الوضع على الجوانب الشعبية بل وصلت للرسمية إذ كتب رئيس الغرفة التجارية السابق برايان كالدر إلى رئيس حكومة مقاطعة بريتيش كولومبيا الكندية ديفيد إيبي، مناشدا إعفاء بوينت روبرتس من الإجراءات الكندية “الانتقامية” بالنظر إلى ظروفها الجغرافية الفريدة.
وعلى الجانب الآخر يتواصل مسؤولو مقاطعة واتكوم بوفد ولاية واشنطن في العاصمة الأميركية لمعالجة هذا الوضع.
قصة الحرب التجارية بين كندا وأميركا
بعد أقل من شهر من وصول الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى البيت الأبيض أعلن بدء حربه التجارية على العديد من الدول، أبرزهم الصين وكندا والمكسيك.
وفي الأول من فبراير/شباط من العام الجاري عندما وقّع ترامب أوامر فرض رسوم جمركية شبه شاملة على البضائع القادمة من كندا والمكسيك إلى الولايات المتحدة. ودعت الأوامر إلى فرض رسوم بنسبة 25% على جميع الواردات من المكسيك وجميع الواردات من كندا باستثناء النفط والطاقة، التي ستُفرض عليها رسوم بنسبة 10%.
وردا على ذلك، قال رئيس الوزراء الكندي حينها جاستن ترودو، إن كندا سترد بفرض رسوم بنسبة 25% على بضائع أميركية بقيمة 30 مليار دولار كندي (20.6 مليار دولار أميركي)، والتي ستتوسع إلى 155 مليار دولار كندي (106 مليارات دولار أميركي) بعد ثلاثة أسابيع.
ودخلت الرسوم الأميركية حيز التنفيذ في 4 مارس/آذار 2025؛ وبدأت الرسوم الانتقامية الكندية في نفس الوقت، بينما قالت المكسيك إنها ستنتظر الرد.
وفي 6 مارس/آذار الماضي، أجّل ترامب الرسوم على البضائع المتوافقة مع اتفاقية الولايات المتحدة -المكسيك- كندا التي تشكل نحو 50% من الواردات من المكسيك و38% من الواردات من كندا.