صفية الجمّال.. فلسطينية سحقتها دبابة إسرائيلية أمام ابنها
تاريخ النشر: 12th, July 2024 GMT
غزة– كانت تلك الليلة صديقة لعائلة الجمّال، القاطنة في حي الشجاعية شرقي مدينة غزة، فقد مضت ساعاتها هادئة رتيبة، بينما بدا نور الصباح "نَذيرا" حاول لفت أنظار أفراد الأسرة للوحوش المعدنية التي بدأت تتسلل للمنطقة.
عند الساعة العاشرة من صباح الخميس 27 يونيو/حزيران الماضي، كانت دبابات وآليات جيش الاحتلال الإسرائيلي قد اجتاحت الحي بشكل خاطف، ووصلتْ إلى عمقه مستغلة عامل المفاجأة، حيث اعتاد الأهالي أن تتسلل القوات إلى مناطقهم ليلا بعد أن يلقي الظلام بستائره، وليس في وضح النهار كما في هذه المرة.
وسمعَ سكان بيت "الجمّال" أصوات محركات الآليات، مصحوبة بقصف عنيف وبإطلاق نار كثيف، فأدركوا أنهم محاصرون وأن حياتهم في خطر حقيقي.
ووجد في المنزل الكائن في شارع "النزّاز" 6 أشخاص: الأم صفية الجمّال (65 عاما) ونجلها مهند (28 عاما) وبناتها نُسيبة (34 عاما) وأريج (30 عاما) وهديل (25 عاما) وحفيدتها منى (عام ونصف العام).
أصاب الرعب أفراد الأسرة، خاصة أن قوات الاحتلال تمركزت أمام منزلهم وبدأت بتجريف قطعة أرض مجاورة، فانتقلوا إلى الطابق الثاني من البيت، وتجمعوا في غرفة وسط الشقة، وأغلقوا على أنفسهم الباب.
وعند غروب الشمس، وبعد ساعات من الخوف والترقب، وقع ما كان يخشاه أهل البيت، حيث بدأت جرافة عملاقة بتجريف المنزل من الجهة الخلفية.
وبدأ المحاصرون في الابتهال إلى الله، وترديد "الشهادتين" اعتقادا منهم أن الجنود سيقتلونهم عبر هدم المنزل على رؤوسهم. لكن فجأة، اقتحم الجنود المنزل، حتى وصلوا الغرفة التي يوجد بها أفراد الأسرة الذين بدؤوا في المناداة على الجنود بالقول "إننا مدنيّون".
لكنّ الجنود لم يكترثوا، وأطلقوا وابلا من الرصاص، ثم قذفوا أول قنبلة يدوية داخل الغرفة، ثم أتبعوها بـ4 قنابل أخرى.
وارتمى أفراد عائلة الجمّال على الأرض واحتموا بقطع الأثاث القليلة، والتي لم تمنع إصابتهم بشظايا القنابل اليدوية، حيث أُصيبت الأم "صفية" بجرح كبير في صدرها، وجُرح أبناؤها الأربعة بشظايا القنابل بمناطق متعددة في أجسادهم.
ويقول مهند للجزيرة نت "رموا علينا 5 قنابل متتالية، وكانوا يطلقون النار، وأخواتي يصرخن نحن مدنيون ولا نشكل خطرا، لكن لم يتوقفوا". وعقب ذلك، دخل الجنود الغرفة، وسط الصراخ وإطلاق النار من البنادق على الجدران.
وبدا جُرح الأمّ في صدرها كبيرا، ولا يقل طوله عن 15 سنتيمترا، وكانت تنادي على الجنود "أنا بموت، أنا بموت" لكنهم لم يهتموا، وطلبوا من الشاب الوحيد (مهند) خلع ملابسه، وأخذوه للتحقيق في مكان آخر.
وتجمعت بنات صفية حولها، وبدأن في البكاء وطلبن من الجنود إسعافها، وقلن لهم "أمي تموت، أمي تموت، جرحها كبير".
وبعد قليل، أجبر الجنود البنات على ترك أمهن، وأخذوهن إلى خارج البيت، ثم أمروهن بالتوجه إلى شارع صلاح الدين غربا، وسط الظلام والقصف وأصوات إطلاق النار، ومرورا من بين أرتال الدبابات.
السحق بجنازير الدبابة
أما مهند، فبعد أن حقق معه الجنود، أعادوه للغرفة التي توجد بها أمه، ثم طلبوا منه حملها على "نقّالة" طبية، برفقة أحد الجنود، والنزول بها خارج البيت، ووضعوه ووالدته داخل دبابة، تحركت إلى وجهة لا يعلمها.
وبعد قليل، توقفت الدبابة، وأنزل الجنود مهند، ثم ألقوا والدته على الأرض، فقد خدع الجنود الابن، وأقنعوه بأنهم ينتظرون سيارة إسعاف لنقلها للعلاج، لكنهم كانوا يخططون لأمر آخر.
وفجأة، صُدم مهند بدبابة ترجع للخلف وتدوس على جسد والدته الجريحة حتى حولتها إلى أشلاء ممزقة.
ويقول الشاب "كانت 3 دبابات تحيط بنا، واحدة منها فجأة عادت للخلف وداست على أمي، فقدتُ عقلي وأخذت بالصراخ". ويضيف "دهستها الدبابة عمدا، كانت تستطيع الالتفاف وتفاديها، لكنها تعمدت دهسها".
ولم يتوقف مسلسل القتل المجاني، حيث حاولت دبابة ثانية دهس مهند نفسه، لكنه تراجع للخلف وهرب، فاعتقد أنهم سيطلقون عليه النار، لكنهم لم يفعلوا.
ووسط ظلام الليل، أخذ مهند يصرخ بأعلى صوته لعلّ أحدا يسمعه، فلم يجبه إلا الصمت.
بعد أن غادرت الدبابات الثلاث المنطقة، عاد مهند إلى أمه، ففوجئ بمجموعة من الكلاب الضالة تحاول نهش جثتها، فأخذ قطعة حديد من على الأرض، ولوّح بها تجاهها فهربت.
وكان الموقف عصيبا على مهند، فلم يعرف ماذا يفعل: جسد أمه متناثر أمامه وسط الظلام، والكلاب ترقبه من بعيد في انتظار رحيله، وجرحه جراء شظايا القنابل اليدوية التي ألقيت عليهم ينزف، وأصوات الانفجارات وإطلاق النار لا يتوقف، وفي الوقت ذاته لا يعرف مصير شقيقاته.
وحاول تجميع جسد أمه، وحمله، لكن قواه كانت خائرة، فقد أصابه الهول الذي رآه بهزال شديد جعله غير قادر على حمل حجر صغير. وحتى لو تمكّن من ذلك، فلا يعرف أين يذهب بها وسط هذه الاشتباكات والمعارك.
وأخيرا، قرر مهند ستر جسد والدته وتغطيته جيدا، ثم هرب من المكان عبر شوارع فرعية. ويستذكر "قلت الحاجة (أمي) الله يرحمها وعرفت مصيرها، وأردت أن أبحث عن أخواتي".
وظل مهند يمشي بصعوبة وسط الظلام وصوت الانفجارات والرصاص، وهو يبكي وينتحب، حتى وصل إلى شارع بغداد واتجه منه شمالا، ولحسن حظه لم يقابل أيا من قوات الاحتلال، حتى تمكن من مغادرة حي الشجاعية، والوصول إلى حي التفاح المجاور.
وفي الطريق، تذكّر مهند والده "رشاد الجمّال" الذي قتله جيش الاحتلال خلال الحرب الحالية أيضا، وتحديدا في فبراير/شباط الماضي، جراء قصف استهدف منزلا كانت الأسرة قد نزحت إليه غربي مدينة غزة.
واليوم التالي، بدأ الشاب في البحث عن شقيقاته، حتى علم بوجودهن في المستشفى المعمداني، حيث كن يتلقين العلاج من إصابات بشظايا القنابل اليدوية التي ألقاها جيش الاحتلال عليهم.
والتقى مهند شقيقاته في المستشفى، وبعد أن أخبرهن بما جرى مع والدتهم، بكى الجميع كثيرا.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات
إقرأ أيضاً:
يدرس تمديد الخدمة العسكرية الإلزامية.. الاحتلال يواجه أزمة حادة في التجنيد
البلاد (وكالات)
في ظل استمرار الحرب في غزة وغياب مؤشرات على حسم قريب، تواجه المؤسسة العسكرية الإسرائيلية أزمة حادة في التجنيد، دفعت قيادة جيش الاحتلال إلى دراسة تمديد فترة الخدمة العسكرية الإلزامية؛ لتشمل وحدات قتالية جديدة، في محاولة لسد النقص المتزايد في القوى البشرية.
وذكرت القناة 12 الإسرائيلية، في تقرير حديث، أن الجيش يدرس رفع مدة الخدمة الإلزامية من 32 شهراً إلى 44 شهراً، أي من نحو 3 سنوات إلى قرابة 4 سنوات، لتشمل وحدات قتالية إضافية، بعد تطبيق القرار سابقاً على كتائب الاستطلاع في ألوية المشاة.
ورغم نفي الجيش وجود قرار رسمي ونهائي حتى الآن، إلا أن الخطوة بدأت عملياً في وحدات النخبة، وتحديداً في وحدة”يهلوم” المختصة في الهندسة القتالية، مع توقعات بامتدادها قريباً إلى وحدات أخرى مثل”مغلان”، و”دوفدوفان”، و”إيغوز”، وحتى بعض وحدات المدفعية.
وتعكس هذه التحركات قلقاً متزايداً داخل المؤسسة الأمنية الإسرائيلية من”انهيار منظومة القوى البشرية”، وفق ما أشار إليه التقرير العسكري، خصوصاً مع تزايد ظاهرة تسرب الجنود الدائمين، وانخفاض أعداد الراغبين في البقاء بالخدمة.
وفي محاولة للحد من هذا التراجع، وجهت قيادة الجيش دعوات مباشرة لعدد من الرقباء الأوائل ونوابهم في ألوية المشاة لتمديد فترة بقائهم وتأجيل تسريحهم. وتشير التقديرات إلى أن آلاف الجنود سيتلقون قريباً بلاغات رسمية تفيد بتأجيل تسريحهم لمدة عام إضافي.
الضغوط الميدانية اليومية على الجنود، التي تتواصل منذ أكثر من عامين في غزة، أدت إلى حالة من الإرهاق الجسدي والنفسي داخل صفوف الجيش. وكشف ضباط من لواء”نحال” خلال زيارة رئيس قيادة المنطقة الجنوبية للقوات، عن مشاهد توصف بـ”الصادمة”، حيث حدث قتال بين بعض الجنود.
وفي رسالة احتجاج غاضبة، بعث عدد من الجنود إلى رئيس مديرية القوى البشرية في الجيش رسالة عبّروا فيها عن استيائهم مما وصفوه بـ”تحميل أبنائهم أعباء لا تنتهي”، مشيرين إلى أن أبناءهم تعرضوا لصدمات نفسية ستلازمهم طوال حياتهم، وسط غياب خطة واضحة لإنهاء الحرب أو التخفيف من تداعياتها عليهم.
وتزامنًا مع الأزمة المتفاقمة، تدفع الحكومة الإسرائيلية بمشروع قانون لإعفاء عشرات الآلاف من طلاب المدارس الدينية (الحريديم) من الخدمة العسكرية، وهو ما يثير حالة من السخط داخل الأوساط العسكرية والعامة على حد سواء، بالنظر إلى التفاوت الواضح في الأعباء الملقاة على كاهل الجنود النظاميين.
وكانت قضية إعفاء الحريديم من التجنيد- ولا تزال- من أكثر الملفات إثارة للجدل في إسرائيل، وقد ازدادت حساسية هذا الملف مع تصاعد التهديدات الأمنية في غزة وجبهات أخرى.
ومع تعثر المسار السياسي والمفاوضات بشأن غزة، ترتفع داخل الجيش أصوات تطالب بإنهاء الحرب سريعاً، من أجل”استعادة التوازن البشري والعملياتي”، بحسب تعبير بعض القيادات الميدانية.
وتحذر مصادر عسكرية من أن استمرار الاستنزاف في القوى البشرية قد يؤدي على المدى البعيد إلى تآكل في الكفاءة القتالية للجيش، خصوصاً مع تراجع أعداد جنود الاحتياط والنظاميين، في وقت تتزايد فيه المهمات الميدانية داخل القطاع ومناطق أخرى.