حرب المسيّرات.. أي تهديد يشكّله المتمردون الحوثيون على إسرائيل؟
تاريخ النشر: 20th, July 2024 GMT
بنى المتمردون الحوثيون الذين أعلنوا مسؤوليتهم عن هجوم دام داخل إسرائيل في وقت مبكر الجمعة، ترسانة كبيرة من الطائرات المسيّرة، بما في ذلك تلك التي يقولون إنها قادرة على تجاوز أنظمة الرادار.
منذ اندلاع الحرب بين إسرائيل وحماس في 7 أكتوبر/تشرين الأول، نفّذ الحوثيون المدعومون من إيران سلسلة من الهجمات بالطائرات المسيّرة والصواريخ في البحر الأحمر وخليج عدن، بدعوى استهداف السفن المرتبطة بإسرائيل تضامنا مع الفلسطينيين.
وبعد التهديد المتكرر بتوسيع عملياتهم، أعلن المتمردون مسؤوليتهم عن هجوم بطائرة مسيّرة الجمعة على تل أبيب أدى إلى مقتل شخص، قائلين إنه يمثل “مرحلة جديدة” في عملياتهم ضد الدولة العبرية.
ويعمل الحوثيون على تطوير قدراتهم في مجال الطائرات المسيّرة منذ عام 2014، حين سيطروا على العاصمة اليمنية صنعاء.
وتشمل ترسانتهم، المصنوعة من معدات أو مكونات إيرانية، طائرات الاستطلاع والقتال والطائرات المسيّرة، وبعضها لديه قدرات بعيدة المدى، وفقًا لخبراء الدفاع.
صنع في اليمن؟
اتهمت السعودية والولايات المتحدة إيران مرارا بتزويد الحوثيين طائرات مسيّرة وصواريخ وأسلحة أخرى، وهو اتهام تنفيه طهران.
في المقابل، يقول الحوثيون إنهم يصنعون طائراتهم المسيّرة محليا، على الرغم من أن المحللين يقولون إنها تحتوي على مكونات إيرانية مهربة.
رأى أندرياس كريج، المحلل العسكري والمحاضر البارز في الدراسات الأمنية في جامعة كينغز كوليدج في لندن أنّ “الحوثيين لا يصنعون طائراتهم المسيّرة ولا يصنعون صواريخهم الخاصة. ولا شيء منها محلي الصنع”.
وأفاد وكالة فرانس برس أنّ الطائرات الحوثية المسيّرة “تم تجميعها كلها في اليمن لكنها تعتمد بالكامل على البنية التحتية الإيرانية والمخططات الإيرانية والتكنولوجيا الإيرانية”.
وتشمل الترسانة الحوثية طائرات شاهد-136 الإيرانية المسيّرة التي تستخدمها روسيا في حربها على أوكرانيا ويبلغ مداها حوالى 2000 كلم.
ويتوافر لهم أيضًا نموذج آخر من الطائرات المسيّرة القتالية، هو صماد-3. واستخدم الحوثيون هذا النوع بالتحديد في هجمات على الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية.
وتستخدم طائرات الحوثيين المسيّرة التوجيه عبر نظام تحديد المواقع العالمي (GPS) و”تحلق بشكل مستقل على طول نقاط الطريق المبرمجة مسبقًا” نحو أهدافها، حسبما كتب خبراء من مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في تقرير نشر في العام 2020.
ومنذ كانون الثاني/يناير، أسقطت القوات الأميركية مئات الطائرات المسيّرة في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون في اليمن كجزء من حملة لردع المتمردين عن شن هجمات على السفن المارة في البحر الأحمر.
جديدة؟
قال المتمردون الجمعة إن طائرة مسيّرة جديدة أطلق عليها اسم “يافا” أُطلقت باتجاه تل أبيب، التي تبعد أكثر من 2000 كيلومتر عن اليمن، ما يجعله الهجوم الأعمق حتى الآن من قبل المتمردين المدعومين من إيران.
وقال المتحدث العسكري الحوثي، يحيى سريع، إن الطائرة يافا “قادرة على تجاوزِ المنظوماتِ الاعتراضيةِ للعدوِّ ولا تستطيعُ الراداراتُ اكتشافَها”.
وقال مسؤول عسكري إسرائيلي، تحدث شرط عدم الكشف عن هويته، إنه تم رصد طائرة مسيّرة “كبيرة جدًا”، لكن لم يتم إطلاق الإنذار على الفور بسبب “خطأ بشري”.
واورد فابيان هينز من المعهد الدولي للدراسات الإستراتيجية والذي قام بتحليل لقطات لحطام الطائرة المسيّرة الجمعة، إن هناك دلائل على أن يافا كانت نموذجًا محدثًا للطائرة المسيّرة البعيدة المدى للمتمردين.
وقال هينز “إذا نظرنا عن كثب إلى الحطام والصور التي لدينا، بما في ذلك المحرك وأجزاء من جسم الطائرة وجناح واحد، يمكننا أن نرى أن الطائرة المسيّرة التي تم استخدامها لها أوجه تشابه قوية جدًا مع صماد-3”.
وأضاف هينز “ومع ذلك، فمن المحتمل أن تكون نسخة جديدة من هذا التصميم”، مشيراً إلى أن المحرك الإيراني الصنع يبدو أقوى من الطرازات السابقة.
وأضاف هينز “من الممكن أن نتصور أن الحوثيين حاولوا زيادة مدى صماد-3 حتى يتمكنوا من التحليق في مسارات تتجنب دفاعات العدو، وتتجنب اكتشافها ثم الهجوم من زوايا غير متوقعة”.
وقال محمد الباشا، كبير محللي شؤون الشرق الأوسط في مجموعة نافانتي ومقرها الولايات المتحدة، إن “هذه الطائرة المسيّرة من المحتمل أن تكون مُجهزة بمواد تمتص الرادار (RAM) لتحقيق أقصى قدر من الاختفاء”.
وأفاد فرانس برس إن “هذه المواد تحوّل موجات الراديو إلى حرارة، ما يقلل كمية الطاقة المنعكسة إلى مصدر الرادار”.
تهديد لإسرائيل؟
سبق أن أعلن الحوثيون مسؤوليتهم عن هجمات بطائرات مسيّرة وصواريخ استهدفت منتجع إيلات بجنوب إسرائيل ومدينتي أشدود وحيفا الساحليتين، وتم اعتراض معظمها.
لكنّ هجوم الجمعة هو أول عملية يعلن المتمردون مسؤوليتهم عنها ضد تل أبيب وهو الأكثر دموية حتى الآن أيضا.
وقال توربيورن سولتفيت من شركة استخبارات المخاطر فيريسك مابلكروفت “ليس هناك شك في أن قدرات التنظيم آخذة في التحسن”.
وأضاف الخبير “لكن ادعاءات الحوثيين أنهم طوروا طائرات مسيّرة يمكنها تفادي الدفاعات الصاروخية الإسرائيلية من المرجح أن تكون مجرد دعاية”.
ووفقا للخبير هينز، فإن هجمات الحوثيين بطائرات مسيّرة لا تشكل “تهديدا استراتيجيا” لإسرائيل. وقال هينز إن “الجغرافيا مهمة حقاً هنا، والمسافة بين اليمن وإسرائيل كبيرة جداً”.
واوضح أنه لكي يشكل الحوثيون تهديدا فعالا، سيتعين عليهم نشر طائرات مسيّرة كبيرة جدا وهو ما سيجعلها سهلة الاكتشاف بشكل أكبر وسيكون من الصعب عليهم أيضًا التغلب على الدفاعات بسرب من الطائرات المسيّرة من هذا المدى البعيد.
وتابع أنّ الحوثيين قد يكونون حققوا “ضربة حظ، لكنني لست متأكداً من أنهم يستطيعون استخدام الطائرات المسيّرة لتشكيل تهديد استراتيجي ضد إسرائيل”.
المصدر: الموقع بوست
كلمات دلالية: اليمن الحوثي البحر الأحمر اسرائيل طائرات مسيرة مسؤولیتهم عن
إقرأ أيضاً:
الطائرة الصينية التي أثبتت تراجع سلاح الجو الأميركي
"جيوتيان"، طائرة هجومية صينية مسيّرة من الجيل الخامس، والمُصنَّعة ضمن فئة "الارتفاعات الشاهقة وقدرات التحمّل الطويلة" (high-altitude long-endurance)، أما المختلف فيها، فهي أنها صُممت لحمل طائرات مسيّرة أصغر في جوفها. في نوفمبر/تشرين الثاني عام 2024، كشفت الصين عن الطائرة التي تروّج لها كأول حاملة مسيّرات محلقة على ارتفاعات شاهقة، وهي بدون طيار، وضخمة البناء، ومهيأة لأن تحمل مئات الطائرات المسيرة الأصغر حجما، وعليه تكون هذه الطائرة أشبه بقاعدة طائرة يمكنها إطلاق أسراب من الطائرات المسيّرة على ارتفاعات قد تصل إلى 15 كيلومتر.
جاء هذا الكشف في النسخة الـ15 من معرض الصين الدولي للطيران والفضاء في مدينة تشوهاي. وتُشير أحدث التقارير في الإعلام الرسمي الصيني إلى أن اختبارات الطيران ستبدأ في نهاية يونيو/حزيران القادم.
The Chinese Jiu Tian unmanned aircraft carrier, designed with a unique honeycomb structure, began combat duty in June 2025.pic.twitter.com/cKyvWsFFve
— Zhang Meifang (@CGMeifangZhang) May 18, 2025
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2الصين تعلمت الدرس من اليابان.. كيف تهزم البحرية الأميركية؟list 2 of 2السفينة الحربية الصينية التي أظهرت تراجع البحرية الأميركيةend of list حاملة الطائرات المسيّرةتقوم على تطوير هذا المشروع شركة صناعة الطيران الصينية المملوكة للدولة، واسمها بالصينية (جيوتيان) يعني "السماء العالية".
هذا المشروع بدأت معالمه الأولى بالظهور من خلال وسائل الإعلام المهتمة بالشؤون العسكرية في أوائل عام 2023، لكن المفاجأة كانت هي أن الطائرة ظهرت علنا في معرض تشوهاي في أواخر العام الماضي. وتشير الرحلة التجريبية المنتظرة في يونيو/حزيران القادم إلى تسارع غير مسبوق من ظهور الفكرة إلى التحليق والتي عادة ما تأخذ بضع سنوات، وذلك عائد إلى الدعم المباشر والسخيّ الذي توجّهه الصين لتسريع الابتكار العسكري خصوصا والابتكارات التفنية بصورة عامة، كما يشير تقرير موقع "أرمي ريكوجنيشن".
أما فيما يتصل بالتفاصيل التقنية للطائرة، فإنها تعتمد على محرك توربيني فائق الدفع مُثبت أعلى هيكلها، ما يمنحها مدى تشغيلي يصل إلى 7 آلاف كيلومتر وزمن تحليق يصل إلى 36 ساعة. وربما يكمن التميّز الحقيقي لطائرة "جيوتيان" في حمولتها، إذ يمكن اعتبارها "المركبة الأم"، لأنها قادرة على حمل ما يصل إلى 6 أطنان من الحمولة المتنوعة، من الطائرات المسيّرة الأصغر إلى الذخائر، داخل حجرة متعددة الاستخدامات، وعلى 8 نقاط تعليق خارجية.
إعلانوبحسب الإعلام الرسمي الصيني، يمكن للطائرة أن تطلق أكثر من 100 طائرة مسيّرة صغيرة، سواء كانت مسيّرات انتحارية "كاميكازي"، أو طائرات استطلاع، عبر منافذ في أسفل هيكلها، لتتحول إلى موزع جوي للطائرات المسيّرة.
China’s first aerial mothership, Jiutian SS-UAV, is scheduled for its maiden flight in June.
It can cruise at 15,000m high carrying over 100 small drones or 1,000 kg of missiles, with a range of 7,000km.
Don’t worry, China’s military is peace-oriented from the start. We grow… pic.twitter.com/koCXA4uq6g
— Li Zexin (@XH_Lee23) May 18, 2025
وتذكر التقارير أن هذه الطائرة تمثل "نقطة قيادة جوية" تنسّق أسرابا معقدة من الطائرات المسيّرة على امتداد مساحات شاسعة. وعند إطلاقها، يمكن لتلك الطائرات المسيّرة القيام بمهام متعددة، سواء كان ذلك لمهام الاستطلاع، أو التشويش، أو أن تسهم في إرباك الدفاعات الجوية للعدو، وصولا إلى تنفيذ هجمات جماعية تجاه أهداف محددة.
دور مزدوجمن ناحية المفهوم، تمثل طائرة "جيوتيان" منافسا لكل من الطائرتين الأميركيّتين "إم كيو-9 ريبر" و "آر كيو-4 غلوبال هوك"، لكنها تختلف عنهما في طبيعة المهام. فبينما تركز مسيّرة "إم كيو-9 ريبر" على الضربات الدقيقة ومهام الاستطلاع، تؤدي طائرة "جيوتيان" دور مركز التحكم الجوي لأسراب المسيّرات، بما يشبه حاملة طائرات جوية.
أما مسيّرة "آر كيو-4 غلوبال هوك"، المعنية بمهام الاستطلاع الإستراتيجي، فهي تفتقر إلى قدرات الهجوم والتحكم اللامركزي التي توفرها الطائرة الصينية.
وتمزج مسيّرة "جيوتيان" بين خصائص الطرازين الأميركيين، مع بعض الإضافات النوعية. فهي مثل طائرة "آر كيو-4 غلوبال هوك" معدّة لمهام استطلاع طويلة الأمد على ارتفاعات شاهقة، وتتميز بجناحين عريضين وقدرة على الطيران المتواصل فوق مساحات شاسعة. كما أن محركها المثبت في الخلف يقلل من بصمتها الحرارية، وهو ما يعزز قدرات التخفّي والمناورة.
????????AVIC's "九天" (Ninth Sky) Heavy-duty UAV system with 8 external attachment points. Also can perform air transport & airdrop, information support & confrontation, firepower strike & support missions…
(via wb/央视军事 / CCTV Military) pic.twitter.com/nvBEH5P4S1
— Jesus Roman (@jesusfroman) November 9, 2024
إعلان
ببساطة، تؤدي طائرة "جيوتيان" دورا مزدوجا؛ طائرة هجوم وتجسس على ارتفاعات شاهقة، مثل منافستيها "غلوبال هوك" أو "ريبر"، بجانب كونها منصة لإطلاق الطائرات المسيّرة الصغيرة. وبالمقارنة مع حاملات الطائرات أو المنصات المأهولة على ارتفاعات شاهقة، توفر "جيوتيان" بديلا أكثر كفاءة من حيث التكلفة والتخفي، دون تعريض الطيارين للخطر.
وتذكر التقارير الصينية أيضا أن طائرة "جيوتيان" تستخدم نظام تحكم بالذكاء الاصطناعي يتيح لقائد واحد تشغيل الطائرة وسرب المسيّرات الصغرى عن بعد. وترتبط الطائرة بصورة آمنة بالأقمار الاصطناعية، وربما باستخدام تقنيات التشفير الكمومي للاتصالات، مما يقلل من مخاطر التشويش أو القرصنة.
ورغم حرص الصين على تعزيز قدرتها على التخفي، فإن ضخامتها تجعلها هدفا مغريا لأنظمة الدفاع الجوي المتطورة، مما يتطلب غالبا توفير غطاء جوي لمرافقتها وتحييد التهديدات الأرضية. كما أن أقصى ارتفاع معلن قد تصل إليه الطائرة الصينية (7 آلاف كيلومتر)، فإنها تبقى ضمن نطاق منظومات الدفاع الجوي المتطورة مثل "باتريوت باك-3" الأميركية، ومنظومة "سكاي بو 3" التايوانية، ومنظومة "إيجيس" اليابانية، كما أشار تقرير بصحيفة نيوزويك.
بالطبع، تظل تلك الإمكانات السابقة ادعاءات صينية طموحة، لم تُؤكد أو تُختبر بعد في أرض المعركة. لكن ربما النقطة الأهم هنا هي سرعة تطوير هذه الفكرة، وفرادتها في آن.
إضافة لما سبق، فإن هذا الإيقاع السريع -من التصميم إلى الاختبار خلال عامين- أمر نادر في طائرات مسيّرة بهذه الدرجة من التعقيد، وربما يعكس طموح الصين في تطوير منظومات الطائرات المسيرة، ومن ورائها المنظومات العسكرية الأخرى التي تتيح للصين قدرات مستقبلية على المناورة والتفوق في مجالات محددة.
China has showcased the Jetank heavy UAV for the first time at the Airshow China 2024, which wrapped up on Sun.
The large drone can not only carry missiles and bombs but also smaller drones, earning it the nickname "swarm carrier."
The heavy drone is also exhibited with an… pic.twitter.com/gWi52dR2Ko
— China Focus (@China__Focus) November 18, 2024
إعلان حروب أسراب المسيّراتربما السؤال الذي يحتاج لإجابة هو، لماذا تسعى الصين لبناء "حاملة طائرات مسيّرة" محلّقة في السماء؟
قد يكمن جزء من الإجابة في تحوّلات مشهد الحروب المعاصرة. ففي السنوات الأخيرة، أسَرت تكتيكات أسراب الطائرات المسيّرة اهتمام الإستراتيجيين العسكريين، الذين باتوا يرون في نشر أعداد كبيرة من الطائرات المسيّرة منخفضة التكلفة وسيلة لمحاصرة دفاعات العدو عبر الكثرة والتنسيق، وليس بالاعتماد على قوة الأسلحة بمفردها.
مثلا، بدلا من الاعتماد على مجموعة من الطائرات التقليدية أو الصواريخ المُكلفة، صار بالإمكان إطلاق عشرات أو مئات الطائرات المسيّرة. والفكرة هنا أن تلك الأسراب لا تتمتع كل وحدة منها بقوة تدميرية هائلة، لكنها قادرة بمجموعها على إنهاك الخصم الأكثر تطورا وقوة في العتاد والأسلحة.
وفي هذا السياق العام، جاء تطوير "جيوتيان" خصيصا لخوض هذا النوع من الحروب، فهي منصة إطلاق جوية تُضاعف مدى وسرعة انتشار أسراب المسيّرات الصغيرة. تخيّل غيمة من الروبوتات الحربية تغطي السماء في لحظات؛ معادلة تُربك الحسابات الاقتصادية للحروب، إذ يُجبر المدافع على إطلاق العشرات من الصواريخ باهظة الثمن لصدّ هجوم أطلقته منصة واحدة منخفضة التكلفة نسبيا.
بالنسبة للصين وتصوراتها المستقبلية، من المنتظر أن تؤدي "جيوتيان" دورا محوريا في تحقيق التفوق الجوي، خصوصا في المناطق الإستراتيجية المتنازع عليها. ويمكن أن تُشكل إلى جانب المسيّرات الكبيرة والطائرات الحربية المقاتلة والصواريخ الباليستية حزمة عسكرية تضمن لبكين أفضلية الضغط الجوي واستدامة الهيمنة، وموفّرةً ضربات فورية ومؤثرة واستطلاعا دقيقا عند الحاجة، كما يشير تقرير آخر في موقع "أرمي ريكوجنيشن".
يرى المفكرون العسكريون الصينيون أن هذه المقاربة تتجاوز مفاهيم القوة الجوية الغربية التقليدية. فبدلاً من محاكاة الترسانة الأميركية بطائرة مقابل طائرة، تستثمر بكين في أنظمة تقلّل من أهمية تلك الطائرات وحاملاتها. وكما ورد في أحد التحليلات، فإن "جيوتيان" وأخواتها تسعى إلى "إعادة تعريف الهيمنة الجوية" عبر أصول جوية منتشرة، وقابلة للتوسع، ويصعب شلّها بضربة واحدة.
إعلانحيث يمكن لتلك الأسراب المسيّرة تغطية مساحات شاسعة دون تشكيل هدف مركزي يمكن ضربه، وبذلك فإن خسارة بعضها لا يعني انهيار المهمة، بل هو جزء من عملية الإغراق للمنظومات الدفاعية للخصم وتشتيت جهوده وإرباكه.
ففي الوقت الذي لا يمكن للطيار البشري التواجد سوى في نقطة واحدة، تستطيع منصة "جيوتيان" تنسيق عشرات المسيّرات شبه المستقلة في لحظة واحدة.
China’s Jiutian SS-UAV: Game-Changing “Drone Mothership” Set for Maiden Flight
China is preparing to test its next-generation unmanned aerial system, the Jiutian SS-UAV, a massive high-altitude “mothership” designed to deploy swarms of attack drones and precision-guided… pic.twitter.com/T89eNkP3Vx
— Indo-Pacific News – Geo-Politics & Defense (@IndoPac_Info) May 19, 2025
تتناغم هذه الرؤية مع نقاط القوة الصينية وطموحاتها، فقد درس جيش التحرير الشعبي الصيني الحروب المعاصرة، وخاصة الحرب في أوكرانيا التي تشتهر بأنها حرب الطائرات المسيّرة. حيث إن دروس المروحيات الرباعية التجارية (الكودكابتر) والمسيّرات الانتحارية لم تغب عن بكين، إذ أثبتت أن تلك الأدوات المنخفضة التكلفة يمكنها تدمير الدبابات، أو رصد المدفعيات، بل وتشتيت مجهودات منظومات الدفاع المتطورة عند استخدامها بكثافة.
وبعد حرب أوكرانيا، يقارن بعض القادة العسكريين الأميركيين تأثير تلك الطائرات المسيّرة بالثورات التكتيكية التي غيرت شكل ومسار الحروب تاريخيا. وكيف أن الحرب الروسية الأوكرانية، وبعدها الحرب على غزة، كشفتا أهمية القدرات الإستراتيجية للطائرات المسيّرة الرخيصة وسهلة الاستبدال، أو الطائرات التجارية التي يمكن استخدامها لأغراض عسكرية.
واللافت أن قدرات الصين في استخدام أسراب المسيّرات كانت واضحة قبل حتى تطوير منصة "جيوتيان". في عام 2020، أجرت شركة حكومية صينية بعض الاختبارات النوعية، التي أطلقت خلالها الطائرات المسيّرة من منصات إطلاق مكونة من 48 وحدة إطلاق من الشاحنات ومن طائرات هليكوبتر.
إعلانومع تطور الذكاء الاصطناعي ونظم الاتصالات اللامركزية، بات بالإمكان التحكم في أسراب أكبر وأكثر تنسيقا. لذا، عندما ظهرت منصة "جيوتيان"، بدا من المنطقي أن تطلق الأسراب من الجو لا من الأرض، لضرب الخصم من الأعلى في مفاجأة تكتيكية.
وفي مثل هذا السياق، قد تحلق طائرة "جيوتيان" المسيّرة على ارتفاعات آمنة نسبيا، وتستطيع إطلاق أسرابها من المسيّرات الأصغر باتجاه أرض المعركة. ويمكن لتلك الأسراب أن تهاجم مواقع الرادارات، أو السفن، أو منظومات الدفاع الجوي، ممهّدة الطريق أمام قوات الجيش، برا وبحرا وجوا.
تفوق صينيوحين نبتعد قليلا لننظر إلى الصورة الكبرى، فمسيّرة "جيوتيان" هي ثمرة طبيعية لاستثمار واسع النطاق قادته الصين في مجال المنظومات غير المأهولة (المسيّرة).
ووفقا لتحليلات وتقارير عسكرية حديثة، يوجد حاليا أكثر من 50 نموذجا من المسيّرات قيد التطوير ضمن قطاع الصناعات الدفاعية الصينية، من المروحيات الرباعية "كوادكوبتر" الصغيرة المخصصة للاستطلاع الميداني، إلى الطائرات الهجومية الشبحية ذات الأشكال الغريبة. ولكي نحاول فهم حجم هذا الجهد، يكفي أن نعلم أن المصانع الصينية تتحضّر لإنتاج ملايين من الطائرات المسيّرة الانتحارية الصغيرة بحلول عام 2026.
يرجع الفضل في زيادة الإنتاج، وتوفر هذا المخزون الكبير من الطائرات المسيّرة، إلى سيطرة الشركات الصينية على هذه السوق، التي تنتج وتبيع معظمها حول العالم. وما يزيد من المصاعب هو تخلف قطاع الطائرات المسيّرة التجارية في الولايات المتحدة عن نظيره الصيني، فالشركات الصينية تهيمن على سوق تلك التقنيات التي يمكن تطويعها للاستخدام المزدوج.
مثلا، تشتري أوكرانيا نحو 60% من إمدادات العالم من طائرات "مافيك" الرباعية المروحية التي تنتجها شركة "دي جيه آي" الصينية وفقا لأحدث الإحصاءات.
إعلانهذه الهيمنة الصينية على هذا القطاع عالميا لم تأتِ مصادفة، إذ أشار تقرير الاتحاد الدولي لأنظمة المركبات غير المأهولة إلى أن أهم أسباب نجاح الشركات الصينية في قطاع الطائرات المسيرة التجارية هو الدعم الواسع الذي تقدمه الحكومة الصينية، وذلك عبر تقديم إعانات سخية واستثمارات مباشرة ووضع تشريعات إستراتيجية، مما وضع الشركات الصينية في موقف قوة في الساحة العالمية.
ففي عام 2015، أطلقت الحكومة الصينية مبادرة "صُنع في الصين 2025″، وهي مبادرة تمتد 10 سنوات للاستثمار في الصناعات الرئيسية، خاصة في مجال التكنولوجيا، بهدف ضمان ريادة الصين وهيمنتها على الأسواق العالمية.
ساهمت تلك الإعانات الحكومية في خفض تكاليف الإنتاج، وبالتالي استطاعت الشركات الصينية أن تُقلل من أسعار المسيرات، مما سمح لها بالتفوق على نظيراتها من الشركات الأميركية، سواء من حيث السعر أو المميزات التقنية.
في النهاية، وبينما يستمر سباق الابتكار في عالم الطائرات المسيّرة، يبقى السؤال: إذا كانت الحروب التي نراها اليوم شديدة التدمير، فكيف بحروب المستقبل؟