محمد بن أنور البلوشي

 

حين يُذكر اسم ليلى خالد، لا يُذكر كاسمٍ عابرٍ في دفاتر التاريخ، بل كرمزٍ للثورة والصمود والجرأة الفائقة. هي ليست مجرد امرأة فلسطينية عادية؛ بل أيقونة نضالية قلبت مفاهيم القوة والضعف، واستطاعت في لحظة أن تجعل العالم كله يلتفت إلى قضية شعبها. ولدت ليلى خالد في مدينة حيفا عام 1944، تلك المدينة الساحلية الفلسطينية التي غادرتها مع عائلتها بعد النكبة عام 1948، حين طُرد آلاف الفلسطينيين من بيوتهم وأراضيهم ليعيشوا مرارة اللجوء والحرمان.

منذ طفولتها، حملت ليلى في قلبها فلسطين كحلم لا يفارقها، كقصة تحكيها لنفسها قبل النوم، وكشمس تشرق في كل صباح تدعوها إلى الحرية. انخرطت في العمل الوطني مبكرًا، فانضمت إلى الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، رافعة شعار "لا بد للحق أن يعود مهما طال الزمن". كانت تؤمن أن النضال ليس حكرًا على الرجال، وأن للمرأة دورًا أساسيًا في المقاومة وصناعة التاريخ.

في عام 1969، نفذت ليلى خالد عملية اختطاف طائرة تابعة لشركة TWA" " الأمريكية، وكانت متجهة من روما إلى تل أبيب. في تلك اللحظة، أصبحت ليلى حديث الصحف والإذاعات العالمية. لم يكن الهدف من اختطاف الطائرة قتل الأبرياء، بل كان هدفًا سياسيًا بحتًا: لفت أنظار العالم إلى القضية الفلسطينية، والتأكيد على أن الفلسطينيين شعب له قضية عادلة يجب ألا تُنسى. وقفت ليلى، في تلك اللحظة، تحمل سلاحها في الطائرة، لكنها كانت تحمل في قلبها رسالة شعبها قبل أي شيء آخر.

الغريب في قصة ليلى خالد هو اختفاء الطائرات الإسرائيلية في تلك الفترة. كانت إسرائيل قد تباهت بتفوقها الجوي وبقدرتها على السيطرة على السماء، لكن فجأة، في خضم العمليات الفدائية، بدأت بعض الطائرات تختفي من الرادارات، وتتأخر في العودة إلى قواعدها. ربط بعض المحللين تلك الظاهرة بالخوف النفسي والاضطراب الأمني الذي تسببت به عمليات المقاومة، خاصة بعدما أيقن الطيارون أن السماء لم تعد حكرًا لهم، وأن هناك مقاومين يستطيعون الوصول إلى قلب المطارات وخطف الطائرات نفسها.

بعد تلك العملية، تم اعتقال ليلى في لندن، لكنها أُفرج عنها بعد فترة قصيرة في صفقة تبادل أسرى. لم تتراجع ليلى عن مواقفها، بل ازدادت إيمانًا بعدالة قضيتها. عادت لتنفذ عملية اختطاف أخرى عام 1970، هذه المرة مع رفيقها النضالي باتريك أرغويلو، على متن طائرة شركة "إل عال" الإسرائيلية. لم تنجح تلك المحاولة بالكامل، إذ تم اعتقالها مرة أخرى، لكنها أصبحت أكثر شهرة، وصارت صورة وجهها بالكوفية رمزًا عالميًا للمقاومة والثورة.

تُجسد ليلى خالد حالة فريدة من الإصرار والإيمان. لم تكن تحب فلسطين حبًا عاديًا، بل عشقًا مقدسًا تجاوز كل الحدود، جعلها تضحّي بحياتها الشخصية وحريتها من أجل وطنها. في كل مقابلة صحفية أو حديث عام، كانت تكرر: "لن أعود إلى بيتي في حيفا إلا ومعي كل اللاجئين الفلسطينيين". هذه الجملة وحدها كانت كفيلة بأن تحفر اسمها في ذاكرة كل عربي وكل إنسان حر.

عاشت ليلى حياة مليئة بالتحديات والمطاردات، لكنها لم تنكسر. بمرور السنوات، صارت رمزًا نسويًا عالميًا، وصورةً حية للمرأة التي تكتب التاريخ لا بالحبر فقط، بل بالفعل والتضحية. حتى اليوم، ترى في عينيها بريق الأمل، تسمع في كلماتها نداء العودة، وتحس في قلبها ذلك النبض الفلسطيني الأصيل الذي لا يهدأ.

قصة ليلى خالد ليست مجرد فصل في كتاب المقاومة، بل مرآة تعكس عظمة الإنسان عندما يقف في وجه الظلم، كيفما كانت إمكانياته. هي دليل حي على أن الإيمان بالقضية يمكن أن يجعل من امرأة شابة، خرجت من مخيمات الشتات، صوتًا يزلزل العواصم ويجعل الطائرات تختفي من السماء خوفًا من جرأتها.

ليلى خالد علمتنا جميعًا درسًا أبديًا: أن الوطن ليس مجرد قطعة أرض، بل هو كرامة وهوية وحلم لا ينطفئ. وعلّمتنا أن المرأة قادرة على حمل السلاح والقلم معًا، قادرة على رسم خريطة الوطن بحروفها ودمائها، وأن الحق، مهما تآمر العالم عليه، لا يموت.

بهذه القصة، تبقى ليلى خالد أيقونة الأمل، وشمسًا لا تغيب عن سماء فلسطين.

 

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

كلمات دلالية: لیلى خالد

إقرأ أيضاً:

تفوق كاسح يطمئن المنتخب السعودي قبل مواجهة فلسطين في كأس العرب

البلاد (جدة) تترقّب الجماهير العربية مواجهة من العيار الثقيل عندما يلتقي المنتخب السعودي بنظيره الفلسطيني يوم الخميس المقبل ضمن منافسات الدور ربع النهائي من كأس العرب 2025 المقامة في قطر. تأهل الأخضر لهذا الدور بعد احتلاله وصافة المجموعة الثانية برصيد 6 نقاط عقب الخسارة أمام المغرب بهدف دون رد في الجولة الأخيرة. فيما جاء فلسطين في صدارة مجموعته ليضرب موعدًا مثيرًا أمام الأخضر السعودي في طريق البحث عن بطاقة العبور لنصف النهائي. وعند النظر إلى سجل المواجهات المباشرة بين المنتخبين، تميل الكفة بشكل واضح لصالح المنتخب السعودي الذي لم يخسر في أي مواجهة رسمية أو ودية أمام فلسطين. وخاض المنتخبان 9 مباريات تاريخيًا في مختلف البطولات، انتهت بـ 5 انتصارات للسعودية، و 4 تعادلات. محطات بارزة في تاريخ المواجهات 1992 – كأس العرب: أول لقاء بين المنتخبين، فاز به الأخضر 2-1. 2005 – ألعاب غرب آسيا (قطر): السعودية تجدد التفوق 2-0. 2012 – كأس العرب: أول تعادل بين المنتخبين 2-2. 2014 – مباراة ودية: الأخضر يكرر التفوق 2-0. 2015 – تصفيات كأس العالم 2018: السعودية تنتصر 3-2. 2015 – تصفيات كأس العالم 2018: تعادل 0-0. 2019 – تصفيات كأس العالم 2022: تعادل جديد 0-0 في فلسطين. 2021 – تصفيات كأس العالم 2022: السعودية تنتصر 5-0. 2021 – كأس العرب 2021: آخر مواجهة بينهما انتهت 1-1. ويدخل الأخضر المواجهة بهدف استعادة نغمة الانتصارات وبلوغ نصف النهائي، بينما يبحث منتخب فلسطين عن أول فوز تاريخي على نظيره السعودي ومواصلة مسيرته الناجحة في البطولة.

مقالات مشابهة

  • الفريق أحمد خالد: الإسكندرية ارتبط اسمها منذ نشأتها بالفكر والتنوير والانفتاح على العالم
  • وزير الصحة: مستشفى العاصمة بها أحدث قسطرة قلب ومخ على مستوى العالم
  • كانت رايحة تحضر مؤتمر علمي .. وزير الصحة ينعى طبيبة توفيت في حادث سير
  • الليلة.. سماء العالم تترقّب عرضًا سماويًا فريدًا لأفضل زخات الشهب لهذا العام
  • للعام الـ11 على التوالي.. أوروبا تجدد حظر الطائرات العراقية في سمائها
  • ما الدول التي يفضل «ترامب» استقبال المهاجرين منها؟
  • حشود نسائية تحتفي بميلاد الزهراء وتجدد ثبات الموقف تجاه فلسطين والمجاهدين
  • ترامب يكشف عن الدول التي يفضل استقبال المهاجرين منها
  • خالد حنفي: 500 مليار دولار حجم مشروعات إعادة الإعمار التي تستهدفها مبادرة عربية - يونانية جديدة
  • تفوق كاسح يطمئن المنتخب السعودي قبل مواجهة فلسطين في كأس العرب