لجريدة عمان:
2025-07-30@04:22:13 GMT

استعصاء التنمية الاقتصادية دون تنمية ثقافية..

تاريخ النشر: 18th, August 2024 GMT

في الآونة الأخيرة تعاظم حضور مفهوم «التنمية» في الأوساط السياسية والفكرية العربية، بالذات بعد الكشوف النظرية التي رافقت تطوَّر هذا المفهوم، كشوف عَمِلت على تحريره من قيد الحقل الذي ظل مرتبطًا به (حقل الاقتصاد) وربطه بكافة أشكال الحياة الاجتماعية ليشمل: «الفقر والعدالة والحقوق والرأي... إلخ» ومن ضمن هذه الكشوف ما اشتغل عليه الاقتصادي الهندي أمارتيا كومار سن (المولود في 1933م) وبالذات في كتابه «التنمية حرية -1999م» وأمارتيا حائز على جائزة نوبل التذكارية في العلوم الاقتصادية سنة 1998م.

إن هذا الكتاب قد أحرز تفوقه الخاص حينما قارب مفاهيم سيسيولوجية يقع الاقتصادي منها كنتيجة لا مقدمة، فقد استطاع أن يبرهن بشكل عملي كيف يمكن للسِّياق الاجتماعي أن يكون فاعلًا لتحقيق التنمية في معناها المادي، ولجعل هذه المكونات قادرة على الفعل فإن أولى المهام هي تحرير الفرد من عوائق التقدم، تحريره من فرديته إلى المعنى الجماعي في الإصلاح، وهذا ما استطاع أن ينجزه بتحرير طاقات المجتمع وجعله شريكًا في عمليات البناء الاقتصادي، ومعه غدا مفهوم التنمية فلسفة اجتماعية تنادي بحرية العمل وتفجير طاقات الطبقات الاجتماعية لتحقيق رفاهها، والحقيقة أن نظريته في العدالة الاجتماعية سَبْقٌ معرفيٌّ لتحرير الوعي وتكسير تابوهاته الثقافية التي أقعدت بانطلاقته نحو النهضة.

ونحن إذ نشير لكتاب أمارتيا فهذا ليس طمعًا في الوقوف عند هذا الكتاب، فسعينا هو إدغام مفهوم التنمية في حيز الفعل الاجتماعي العربي، حيث لا يمكن تحقيقها دون اقتران بالنشاط الكلي، إذ هي ليست مجردةً من علاقات البنية الشاملة، وموقعها مشتبك ببقية الفاعليات، ومن متاعبنا حصر هذا المفهوم في التعبير عن معدلات الزيادة التي ينبغي أن تحدث في الناتج المحلي، دون إعطاء أهمية لطبيعته وتمظهراته الاجتماعية والثقافية.

إن هذا المفهوم الضَّيِّق للتنمية أثبت فشله عمليًا، فمعظم الخطط التي تضعها الحكومات لصالح التنمية الاقتصادية لن تكون قادرة على إحداث التغييرات الجذرية والقضاء على مظاهر الفقر ورفع مستوى المعيشة وتحسين الوعي بالمسؤولية الفردية تجاه المجتمع، والسبب وراء هذا العجز يعود إلى غياب الرؤية الكلية للبناء الاجتماعي، وهي رؤية تأخذ في الاعتبار أنه ولتحقيق طفرات إيجابية لا ينبغي إغفال الجوانب الثقافية والتي هي مناط فعل الفرد؛ الفرد الذي لا يجوز أن يغيب عن الإسهام في بناء مجتمعه، وصحيح أن للتنمية جوانبها الاقتصادية لكنها لا تنفك أن تكون تعبيرًا عن الحقيقة الاجتماعية بجذورها التاريخية وتمثلاتها الثقافية.

ونحن في هذا المقال القصير ندعو إلى بناء علاقة متينة بين التنمية بمعناها الكلاسيكي «الزِّيادة، والنَّماء، والكثرة، والوَفرة، والمضاعفة...إلخ» وبين «التنمية الثقافية». وهذا المفهوم يعود إلى الفرنسي جوفري دومازيدييه الذي نشر في ستينيات القرن الماضي مقالاً في مجلة «مجلس التعاون الثقافي التابع لمجلس أوروبا» يتنبأ فيه بالتطورات المستقبلية التي ستحدث في فرنسا وضرورة بناء سياسات ثقافية للدولة، ودومازيدييه كان يرى أنه لا يمكن أن يكون الفعل الثقافي فرديًا في الأمة الفرنسية، بل ينبغي التشريع له في الدولة لصالح تعزيز الحضور الثقافي لفرنسا في أوروبا.

ونحن في مجتمعاتنا العربية أحوج ما نكون إلى هذه الرؤية، إذ نحتاج إلى سياسات ثقافية منتجة تحقق لمجتمعاتنا الازدهار، فطالما أن الهدف من التنمية هو إحداث تحولات جذرية في واقع المجتمعات، فبناء هذه العلاقة بين (الثقافة والاقتصاد) ضرورة عملية، ولإنجاز ذلك نحتاج من صُنَّاع القرار أن يصنعوا سياسات ثقافية قائمة في ترابط مع الخطة التنموية العامة للدولة، وأن ينتقل الفعل الثقافي من فرديته إلى معنى جماعي، حيث تتحول الأفكار إلى منتجات، وبمعنى أكثر دقة، أن تكون التشريعات الاقتصادية متمحورة حول الفاعلية الاجتماعية في تجلياتها كافة. فبالنظر إلى أحد أهم الحقول الاجتماعية حقل «الثقافة» فالأمر منوط بتتويج أشغال المثقفين والمبدعين وتأسيسها على معنى السوق، أي أن تكون ذات عائد ربحي، وهذا ما بات يُعرف بـ«الصناعات الإبداعية» ولأجل ذلك فإنه يقع على عاتق المسؤولين تشجيع المثقف ونقله من حيز التأملات إلى الإنتاج المعرفي، ولكي يستطيع المثقف القيام بهذه المهمة، فإنه مطالبٌ كذلك ببناء مشروعه الثقافي على الراسخ من القيم المادية والمعنوية للمجتمع، وبذا يحقق لنفسه صفة «الناطقية» كونه سيصبح حالة مُجَسِدة لمجتمعه وبيئته وأهله، وهذا هو مطلبه العزيز وشكواه، ومن ناحية المؤسسات المعنية برعاية النشاط الثقافي فدورها أن توفر ميزانيات معقولة ومدروسة الأثر لتفعيل الحقل الثقافي بمختلف أنشطته ومجالاته، فإن تمت هذه الزِّيجة بين «الاقتصادي والثقافي» فإن الدولة ستكون قد حققت المعنى الرئيس من مفهوم «التنمية» تلك التي بموجبها تتجذر فاعلية الدولة لصالح بناء المجتمع وتشغيل أفراده على هدىً من منظومة كليانية قادرة على صناعة معنى التقدم في مظانه كافة، وتنقل الفرد من كونه عالةً على الدولة إلى فاعل إيجابي خدمة لمجتمعه وحقله الثقافي.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: هذا المفهوم

إقرأ أيضاً:

معيط: الحفاظ على معدلات نمو مرتفعة من أكبر التحديات التي تواجه الدولة المصرية

أكد الدكتور محمد معيط، المدير التنفيذي وممثل المجموعة العربية بصندوق النقد الدولي، أن من أكثر التحديات التي تواجه مصر الحفاظ على معدلات تنمية عالية من أجل خلق فرص العمل، فمصر لديها معدلات خصوبة عالية، وشباب أعماره صغيرة، وهناك 900 إلى مليون شاب يدخلون سوق العمل سنويا ويبحثون عن فرص عمل جديدة.

وأضاف «معيط»، خلال حواره مع برنامج «ستوديو إكسترا نيوز»، المُذاع عبر شاشة «إكسترا نيوز»: «وبالتالي، يجب أن نصل إلى اقتصاد يخلق مليون فرصة عمل جديدة سنويا، ولكن لا يمكن أن تعينهم الحكومة، فالحكومة تخلق عدد فرص محدودة، وبالتالي، فإن القطاع الخاص هو الذي يمكنه خلق مليون فرصة عمل».

وأشار إلى أنه يتم العمل على زيادة نشاط القطاع الخاص من أجل زيادة النمو تتبعه زيادة في فرص العمل، ثانيا، استثمارات الحكومة تمولها من خلال موازنة الدولة أو تمويل بتكلفة عن طريق الاقتراض، ولكن إدخال القطاع الخاص للقيام بجزء من الاستثمارات الخاصة أو العامة، فإن هذه التكلفة أو العبء لا تتحملها الموازنة العامة للدولة، ما يمنح الدولة فرصة استدامة أكبر في النمو ويخفف العباء على الموازنة العامة للدولة ويحقق هدفا أساسيا بخلق فرص عمل أكثر.

اقرأ أيضاًمعيط: صندوق النقد الدولي يستعد لبدء المراجعة الخامسة مع مصر

معيط: مصر ملتزمة بخطة رفع الدعم نهائياً عن الوقود والمحروقات بحلول ديسمبر 2025

معيط: كل المؤشرات تشير إلى أن مصر تسير على خطى اقتصادية سليمة

مقالات مشابهة

  • التنمية الاجتماعية تحدِّد مواعيد العام التأهيلي لمراكز الأشخاص ذوي الإعاقة
  • وزير التموين يبحث مع «تنمية المشروعات» التعاون لتطوير منافذ تجارة التجزئة
  • ننشر أسماء الفائزين بجائزة الدولة لعام 2025 في مجالات الفنون والآداب والعلوم الاجتماعية والقانونية
  • نظام موحد لدعم الأسر في غزة من وزارة التنمية الاجتماعية
  • معيط: الحفاظ على معدلات نمو مرتفعة من أكبر التحديات التي تواجه الدولة المصرية
  • ضياء رشوان: الأصوات التي تهاجم مصر لا تبحث عن الحقيقة بل عن التحريض
  • حمزة: أدعو جميع الشركات والمستثمرين الوطنيين والدوليين للمشاركة في هذا الحدث الاقتصادي النوعي كما أدعو الجميع لزيارة المعرض والتعرف على التطورات الاقتصادية والصناعية والثقافية والاجتماعية التي تشهدها سوريا
  • مشاريع على الورق وقروض لا تعود.. أموال الدولة تُستنزف باسم التنمية
  • وزير التخطيط يعقد اجتماعاً لمتابعة ميزانية «جهاز تنمية وتطوير المنطقة الوسطى» لعام 2025
  • وزير الثقافة: «ليالينا في العلمين» يؤكد توجه الدولة نحو دمج الثقافة بقلب التنمية الشاملة