الجزيرة:
2025-07-30@14:52:36 GMT

الأزمة الجديدة للبشرية والانزلاق الكبير

تاريخ النشر: 22nd, August 2024 GMT

الأزمة الجديدة للبشرية والانزلاق الكبير

شهد الإنسان عبر التاريخ فترات من الانزلاقات الكبيرة، التي كانت نتيجتها تحولات كبرى، وكوارث عظيمة، وتغيرات جذرية. فبعد فترة الاستعمار والثورة الصناعية؛ اجتاحت العالم اضطراباتٌ كبيرة، وتحولات، وحروبٌ، ونتيجة لذلك، تغيّرت توازنات القوى في العالم، بما في ذلك الوضع الاقتصاديّ، وقيادات الدول، وعلم الاجتماع بالكامل.

الانهيار من الداخل

ويبدو أننا نمرّ بفترة مشابهة في تاريخ البشرية. في هذه المرحلة، يعيش الإنسان "الثورة الرقمية"، ويبدو أنها أحدثت أكبر وأشمل تأثير شهده العالم عبر التاريخ. هذه الثورة أكبر من الثورة الصناعية، وأكثر انتشارًا، وأسرع تطورًا. لهذا السبب، نلاحظ انزلاقات واضطرابات وتغيرات كبيرة في جميع مجالات الحياة، وفي كافة المناطق الجغرافية على السواء.

الثورة الرقمية لم تتسبب في تطور التكنولوجيا فحسب، بل تؤثر بشكل كبير على السلوك البشري، وانتشار العلوم، وعلم النفس، والسياسة. نحن في منتصف هذه الثورة، وبالتالي لا يمكننا بعدُ فهم كل تأثيراتها والتغيرات التي أحدثتها. ومع ذلك، يجب أن ندرس الحروب والهجرات والانهيارات التي يشهدها العالم، والأزمات التي يعيشها الإنسان كاضطرابات ناتجة عن هذه الثورة.

إن الولايات المتحدة هي القوة الدافعة الكبرى لهذه الثورة الرقمية والمتقدمة بأشواط فيها، ولكن التغير الكبير والتحلل في بنيتها الاجتماعية قد يدفعها نحو الانهيار من الداخل. فالتيارات اليمينية المتطرفة، والقومية الشعبية، والسياسات المبنية على تصورات دينية، والسياسات الخارجية العدوانية، وانتشار الجهل، والانحلال الأخلاقي أصبحت مشاكل خطيرة لم يجد المثقفون الأميركيون حلولًا لها.

إنهم خائفون؛ لأن هذه البنية الاجتماعية يمكن أن تضع شخصًا غير متزن وغير ملتزم بالقوانين مثل ترامب في منصب رئيس الولايات المتحدة.

تغيير التوازنات

الغرابة تكمن في أن الدول التي نهضت بفضل الثورة الصناعية والنموذج الحضاري الذي أنشأته، تلك الدول تتهاوى تدريجيًا، بينما لم تتبلور بعد مراكز القوة الجديدة والنموذج الحضاري الجديد الذي سيحلّ محلها.

الصين والهند، وفقًا لجميع الباحثين، هما القوتان العظميان القادمتان؛ فبهذا النمو السريع والتركيبة السكانية، ستغير هاتان الدولتان قريبًا التوازنات السياسية والاقتصادية والعسكرية في العالم.

لكن ما هي القيم الإنسانية التي تقدّمها هاتان الدولتان للعالم المضطرب المتدهور؟ وما هي الحلول المقترحة لانعدام العدالة في توزيع الثروات، وللشعوب المستغلة، والجوع، والفقر، والانحلال الأخلاقي؟ هذا غير واضح بعد.

لم يتعلم العالم منهما سوى المزيد من السعي لتحقيق الثروة والمزيد من التجارة. لكن هذا يعني أيضًا مشاركة الموارد الطبيعية اللازمة للثراء، وبناء طرق تجارية جديدة، وإعادة تشكيل العلاقات الاقتصادية.

اليوم، الحروب الأهلية في أفريقيا، والفوضى في الشرق الأوسط، والتوتر في آسيا؛ كلها نتيجة مباشرة لهذا. قد تنشأ دول وشعوب جديدة ثرية، ولكن السلام والسعادة لن يتواجدا فيها؛ لأن السلام والسعادة لا يأتيان من إنتاج السلع المادية، بل من إنتاج القيم الإنسانية.

أزمات جديدة

وهنا يكمن التحدي الأكبر للبشرية. فالثورة الرقمية تذيب كل ما هو إنساني، وتجعله فاسدًا، ومجردًا من المشاعر، كما لو أنه شاشة رقمية. الثورة الصناعية جعلت قيم الإنسان ميكانيكية، بينما الثورة الرقمية تجعل قيمنا الإنسانية تشبه الشاشات الرقمية الباردة، عديمة اللون، والحياة، والمشاعر، وبدون خصوصيّة.

هذه هي الأزمة الجديدة للبشرية؛ فيما يبقى المرشّحون من القوى العظمى الصاعدة اليوم ليس لديهم بعد ما يقترحونه لهذه الأزمة.

لكنّ الوضع الأكثر خطورة هو: بينما لم يجد الإنسان حلًا للانزلاق الذي أحدثته الثورة الرقمية، فإنه يواجه الآن الفوضى الكبرى التي أحدثها الذكاء الاصطناعيّ، الذي قفز بالثورة الرقْمية إلى مستوى جديد، وهذه بداية أزمة جديدة للبشرية.

وسط كل هذا، يشاهد العالم مجازر مثل تلك التي تحدث في غزة، والتي تزلزل كيان الإنسانية جمعاء. ولمثل هذا السبب، فإن الانزلاق الكبير أصبح في تسارع مخيف.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2024 شبكة الجزيرة الاعلامية

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات الثورة الصناعیة الثورة الرقمیة هذه الثورة

إقرأ أيضاً:

طريق الموت من أجل الطحين.. مجاعة غزة تحصد الأرواح وسط صمت العالم | تقرير

"الجوع وغياب كل شيء يدفعنا إلى المخاطرة" بهذه الكلمات اختصر المواطن الفلسطيني محمد القدرة (33 عامًا) معاناة آلاف الفلسطينيين الذين باتوا يخاطرون بأرواحهم يوميًا في سبيل الحصول على القليل من الغذاء. 

محمد، الذي نُقل مؤخرًا إلى مستشفى ميداني تابع لجمعية UK-Med البريطانية في جنوب غزة، أُصيب برصاص في اليد والساق أثناء محاولته الحصول على كيس دقيق من مركز توزيع تابع لما يُعرف بـ"مؤسسة غزة الإنسانية" المدعومة من الولايات المتحدة وإسرائيل.

ويقول محمد في حديثه لمراسل متعاون مع هيئة الإذاعة البريطانية (BBC) "كنت أستجدي أحدهم لحملني ونقلي إلى المستشفى، أنقذني أحد المارة وأحضرني إلى هنا." ورغم وعيه بالخطر، لم يكن أمامه خيار آخر سوى المجازفة: "أنا المعيل الوحيد لأسرتي، وسأعود لتلك المراكز فور شفائي مهما كلفني الأمر"

ترامب يمنح ستارمر "الضوء الأخضر" للاعتراف بدولة فلسطينيةترامب يهدد إيران: سنقصف المنشآت النووية مرة ثانية

ومن أمام مستشفى UK-Med في منطقة المواصي، جنوب غزة، تتجلى الصورة القاتمة: مرضى ينتظرون في العراء، وأطقم طبية تعمل بلا توقف وسط نقص حاد في الإمدادات والمواد الغذائية. 

ووفقًا للمكتب الأممي لحقوق الإنسان، قُتل أكثر من ألف فلسطيني خلال الشهرين الماضيين أثناء محاولتهم الحصول على مساعدات غذائية، من بينهم 766 ضحية قُتلوا قرب مراكز تابعة لمؤسسة GHF الواقعة ضمن مناطق عسكرية إسرائيلية ومؤمّنة بواسطة شركات أمنية خاصة أمريكية.

وتتهم السلطات الإسرائيلية حركة حماس بإثارة الفوضى حول مراكز المساعدات، وتدّعي أن جنودها لا يطلقون النار إلا تحذيرًا. بينما تؤكد منظمات حقوقية وأممية أن الوضع بات كارثيًا ومتعمدًا.

سام سيرز، مسعف بريطاني يعمل في مستشفى UK-Med، يصف الوضع بقوله: "نتعامل مع نحو 2000 مريض شهريًا، معظمهم مصابون بأعيرة نارية وشظايا، والبعض فقد أطرافه أو يعاني من إصابات خطيرة في الصدر."

وتصف الدكتورة أسيل حرابي، طبيبة فلسطينية في المستشفى، محاولات الحصول على المساعدات بأنها “طريق إلى الموت”، فقد أصيب زوجها أثناء محاولته جلب الغذاء، وتقول: "إذا كُتب لنا أن نموت من الجوع، فليكن." 

تعيش الطبيبة في خيمة مع أسرتها بعد تدمير منزلهم في رفح، وتؤكد أنها لم تأكل منذ يوم كامل بسبب الأسعار الجنونية وندرة المواد الغذائية.

وتضيف حرابي: "نستقبل يوميًا عشرات المصابين. لا وقت لدينا للراحة أو حتى لشرب الشاي، نحن نُعالج مرضى جوعى بينما نحن أنفسنا جائعون" 

وتختم بمرارة: "نحن لا نقترب من المجاعة، نحن نعيشها الآن. العالم يشاهد ويصمت."

وفي ظل هذه الأوضاع، اتهمت أكثر من 100 منظمة دولية إسرائيل بفرض "حصار مميت" على غزة، يقود إلى تجويع جماعي من خلال تقليص دخول السلع والمساعدات. 

وعلق المدير التنفيذي لمنظمة الصحة العالمية، الدكتور تيدروس أدهانوم، علّق قائلاً: "ما يحدث في غزة هو تجويع جماعي متعمد، إنه حصار من صنع الإنسان."

طباعة شارك غزة مستشفى ميداني مؤسسة غزة الإنسانية جنوب غزة منطقة المواصي حقوق الإنسان حركة حماس السلطات الإسرائيلية أسيل حرابي

مقالات مشابهة

  • أكاذيب الكيان الصهيوني التي لا تنتهي
  • وداعا للورق.. الثورة الرقمية تعيد تشكيل الوظائف خلال الـ 3 سنوات الأخيرة
  • طريق الموت من أجل الطحين.. مجاعة غزة تحصد الأرواح وسط صمت العالم | تقرير
  • دكتور هيثم يشيد بالتقدم الكبير الذي يشهده القطاع الصحي بالشمالية
  • فضيحة مدوية.. شاهد ما الذي كانت تحمله شاحنات المساعدات الإماراتية التي دخلت غزة (فيديو+تفاصيل)
  • لقاء قبلي مسلح في مقبنة بتعز دعمًا لغزة وإعلانًا للجاهزية
  • عاجل | الجزيرة تعرض بعد قليل مشاهد حصلت عليها لكمين خان يونس الذي نفذته كتائب القسام مؤخرا
  • تورك يطالب بالضغط على الاحتلال لإيقاف المجازر في غزة
  • الرجل الذي أنقذ العالم من جحيم الحر.. من هو كارير مخرع التكييف؟
  • تدخل رئاسي لإنتشال شركة الخطوط الجوية اليمنية يفضي للكشف عن الجهة التي تسببت في تدهورها الكبير