الجزيرة:
2025-06-03@13:55:34 GMT

الأزمة الجديدة للبشرية والانزلاق الكبير

تاريخ النشر: 22nd, August 2024 GMT

الأزمة الجديدة للبشرية والانزلاق الكبير

شهد الإنسان عبر التاريخ فترات من الانزلاقات الكبيرة، التي كانت نتيجتها تحولات كبرى، وكوارث عظيمة، وتغيرات جذرية. فبعد فترة الاستعمار والثورة الصناعية؛ اجتاحت العالم اضطراباتٌ كبيرة، وتحولات، وحروبٌ، ونتيجة لذلك، تغيّرت توازنات القوى في العالم، بما في ذلك الوضع الاقتصاديّ، وقيادات الدول، وعلم الاجتماع بالكامل.

الانهيار من الداخل

ويبدو أننا نمرّ بفترة مشابهة في تاريخ البشرية. في هذه المرحلة، يعيش الإنسان "الثورة الرقمية"، ويبدو أنها أحدثت أكبر وأشمل تأثير شهده العالم عبر التاريخ. هذه الثورة أكبر من الثورة الصناعية، وأكثر انتشارًا، وأسرع تطورًا. لهذا السبب، نلاحظ انزلاقات واضطرابات وتغيرات كبيرة في جميع مجالات الحياة، وفي كافة المناطق الجغرافية على السواء.

الثورة الرقمية لم تتسبب في تطور التكنولوجيا فحسب، بل تؤثر بشكل كبير على السلوك البشري، وانتشار العلوم، وعلم النفس، والسياسة. نحن في منتصف هذه الثورة، وبالتالي لا يمكننا بعدُ فهم كل تأثيراتها والتغيرات التي أحدثتها. ومع ذلك، يجب أن ندرس الحروب والهجرات والانهيارات التي يشهدها العالم، والأزمات التي يعيشها الإنسان كاضطرابات ناتجة عن هذه الثورة.

إن الولايات المتحدة هي القوة الدافعة الكبرى لهذه الثورة الرقمية والمتقدمة بأشواط فيها، ولكن التغير الكبير والتحلل في بنيتها الاجتماعية قد يدفعها نحو الانهيار من الداخل. فالتيارات اليمينية المتطرفة، والقومية الشعبية، والسياسات المبنية على تصورات دينية، والسياسات الخارجية العدوانية، وانتشار الجهل، والانحلال الأخلاقي أصبحت مشاكل خطيرة لم يجد المثقفون الأميركيون حلولًا لها.

إنهم خائفون؛ لأن هذه البنية الاجتماعية يمكن أن تضع شخصًا غير متزن وغير ملتزم بالقوانين مثل ترامب في منصب رئيس الولايات المتحدة.

تغيير التوازنات

الغرابة تكمن في أن الدول التي نهضت بفضل الثورة الصناعية والنموذج الحضاري الذي أنشأته، تلك الدول تتهاوى تدريجيًا، بينما لم تتبلور بعد مراكز القوة الجديدة والنموذج الحضاري الجديد الذي سيحلّ محلها.

الصين والهند، وفقًا لجميع الباحثين، هما القوتان العظميان القادمتان؛ فبهذا النمو السريع والتركيبة السكانية، ستغير هاتان الدولتان قريبًا التوازنات السياسية والاقتصادية والعسكرية في العالم.

لكن ما هي القيم الإنسانية التي تقدّمها هاتان الدولتان للعالم المضطرب المتدهور؟ وما هي الحلول المقترحة لانعدام العدالة في توزيع الثروات، وللشعوب المستغلة، والجوع، والفقر، والانحلال الأخلاقي؟ هذا غير واضح بعد.

لم يتعلم العالم منهما سوى المزيد من السعي لتحقيق الثروة والمزيد من التجارة. لكن هذا يعني أيضًا مشاركة الموارد الطبيعية اللازمة للثراء، وبناء طرق تجارية جديدة، وإعادة تشكيل العلاقات الاقتصادية.

اليوم، الحروب الأهلية في أفريقيا، والفوضى في الشرق الأوسط، والتوتر في آسيا؛ كلها نتيجة مباشرة لهذا. قد تنشأ دول وشعوب جديدة ثرية، ولكن السلام والسعادة لن يتواجدا فيها؛ لأن السلام والسعادة لا يأتيان من إنتاج السلع المادية، بل من إنتاج القيم الإنسانية.

أزمات جديدة

وهنا يكمن التحدي الأكبر للبشرية. فالثورة الرقمية تذيب كل ما هو إنساني، وتجعله فاسدًا، ومجردًا من المشاعر، كما لو أنه شاشة رقمية. الثورة الصناعية جعلت قيم الإنسان ميكانيكية، بينما الثورة الرقمية تجعل قيمنا الإنسانية تشبه الشاشات الرقمية الباردة، عديمة اللون، والحياة، والمشاعر، وبدون خصوصيّة.

هذه هي الأزمة الجديدة للبشرية؛ فيما يبقى المرشّحون من القوى العظمى الصاعدة اليوم ليس لديهم بعد ما يقترحونه لهذه الأزمة.

لكنّ الوضع الأكثر خطورة هو: بينما لم يجد الإنسان حلًا للانزلاق الذي أحدثته الثورة الرقمية، فإنه يواجه الآن الفوضى الكبرى التي أحدثها الذكاء الاصطناعيّ، الذي قفز بالثورة الرقْمية إلى مستوى جديد، وهذه بداية أزمة جديدة للبشرية.

وسط كل هذا، يشاهد العالم مجازر مثل تلك التي تحدث في غزة، والتي تزلزل كيان الإنسانية جمعاء. ولمثل هذا السبب، فإن الانزلاق الكبير أصبح في تسارع مخيف.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2024 شبكة الجزيرة الاعلامية

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات الثورة الصناعیة الثورة الرقمیة هذه الثورة

إقرأ أيضاً:

المتة.. مشروب النجوم الذي يشعل حماس ميسي وسواريز ويغزو ملاعب العالم

برز شاي “يربا ماتيه”، المعروف عربياً بـ”المتة”، كمشروب مفضل لعدد من نجوم الرياضة حول العالم، من أبرزهم ليونيل ميسي ولويس سواريز، ولاعب كرة السلة الأميركي جون كولينز. ويأتي ذلك في ظل تزايد الاهتمام العالمي بهذا المشروب العشبي القادم من أميركا الجنوبية، لما يحمله من فوائد صحية لافتة.

ويتميز يربا ماتيه باحتوائه على كافيين معتدل يمنح الجسم طاقة مستمرة دون التسبب بـ”الانهيار المفاجئ” في النشاط، الذي يرتبط عادة بالقهوة، ويُعزى ذلك إلى مزيج من المركبات الطبيعية مثل الثيوبرومين والثيوفيلين، التي تدعم التركيز والهدوء في آنٍ معاً، ما يجعله مثالياً للرياضيين أو من يحتاجون إلى يقظة ذهنية دون توتر.

ويحتوي الشاي على نسبة عالية من مضادات الأكسدة مثل البوليفينولات وأحماض الكلوروجينيك، التي تقلل من الالتهابات المزمنة وتحمي من أمراض مرتبطة بتقدم العمر، مثل السرطان وألزهايمر وباركنسون.

ويشير خبراء تغذية إلى أن مكونات يربا ماتيه، وعلى رأسها الصابونينات، تُظهر خصائص مضادة للالتهابات، مما يجعلها خياراً داعماً لمصابي التهاب المفاصل، كما يسهم الشاي في ضبط الشهية وتقليل تراكم الدهون، ما يعزز فرص فقدان الوزن ضمن نظام غذائي متوازن.

وفيما يخص صحة القلب، يُعد يربا ماتيه مساعداً في خفض الكوليسترول الضار (LDL)، إلى جانب غناه بالبوتاسيوم والمغنيسيوم، وهما عنصران مهمان للحفاظ على ضغط دم صحي.

يحظى شاي يربا ماتيه بطقوس تحضير خاصة في دول مثل الأرجنتين وباراغواي، حيث يُستخدم كأس تقليدي يُعرف بـ”القرعة” وأنبوب معدني يُدعى “البومبيا”، يتم ملء نصف الكأس بالأوراق الجافة، ثم يُسكب ماء ساخن (دون غليان) بدرجة حرارة تقارب 170 فهرنهايت، وتُترك الأوراق لتتخمر قبل الشرب.

ورغم فوائده، يحذر الأطباء من تناوله لدى من يعانون من مشكلات قلبية أو النساء الحوامل دون استشارة طبية. كما يُنصح بتجنب الإفراط في تناوله لتفادي آثاره الجانبية المحتملة.

ويقدم يربا ماتيه بديلاً صحياً واجتماعياً للقهوة، يجمع بين الطعم الفريد والفوائد الصحية، ويمنح فرصة لاحتساء مشروب دافئ في جلسة حميمية على الطريقة اللاتينية.

آخر تحديث: 31 مايو 2025 - 20:16

مقالات مشابهة

  • 9 سنوات على رحيل محمد على كلاي.. الصوت الذي هز الحلبة والعالم
  • وزير خارجية بريطانيا: السودان يعيش أسوأ كارثة إنسانية في العالم
  • “تصديري الصناعات الغذائية”: الطباعة الرقمية والاتجاهات المستدامة تقود الثورة الجديدة
  • بوريطة: الموقف الذي عبرت عنه المملكة المتحدة بشأن قضية الصحراء المغربية سيعزز الدينامية التي يعرفها هذا الملف
  • توثيق لحقوق الإنسان: نستنكر بأشد العبارات الهجوم الإجرامي الذي شنته ميليشيا الدعم السريع على مستشفى “الضمان”
  • الشوربجي: الثورة الرقمية بدأت في الصحف القومية.. والأرباح تطرق الأبواب
  • السوداني:تبرعنا إلى لبنان (20) مليون دولار رغم الأزمة المالية التي يمر بها العراق
  • المتة.. مشروب النجوم الذي يشعل حماس ميسي وسواريز ويغزو ملاعب العالم
  • صحيفة إسرائيلية: تركيا أصبحت القوة الجديدة التي تُقلق إسرائيل في الشرق الأوسط!
  • الهيئة النسائية في حجة تنظم وقفات تضامنية مع الشعب الفلسطيني