هناك تحولات كبرى حدثت في الوضع السياسي في السودان ،مشروع النهر والبحر يمثل بعداً جديداً في منظومة التيارات السياسية ، ولكن ليس بالطريقة التقليدية التي سادت في الستينات ، بمعنى أن المشروع خلق نقله في طبيعة التعاطي مع الشأن السياسي في السودان ،وهو بداية فعلية لنهاية الايدلوجيات المتعددة التي كانت تسود التنظيمات السياسية لصالح توجهات أكثر محلية ترتكز على الهويات المناطقية ، المشروع نفسه تنبأ بزوال الاحزاب الحالية التي تفككت عضويتها عند أول طلقة وجعلت منتسبيها يرجعون لخلفياتهم المناطقية ، على الرغم من إدعاء تلك التنظيمات بتحصينهم ضد أمراض القبلية والعنصرية والجهوية .

.
ستصبح المشاريع الايدلوجية نفسها محصورة داخل مكونات إجتماعية متجانسة ،وذلك بسبب نشوء حالة ارتياب ناجمة عن الاصطفافات القبلية داخل الأحزاب السياسية ، التي لم تستطع برامجها ولا مناهجها الخاصة تحصينها .تجاوز حالة الإنتماء الايدلوجي لصالح الانتماء المناطقي هو جوهر المشروع الذي تتماشى قراءاته وتحليلاته مع واقع الحرب . يستخدم ناقدو المشروع حجة أن المشروع شعبوي وهي كلمة لايفهم مطلقوها معناها ، أو أنهم ينطلقون من نفس المدخل الليبرالي الذي يهاجم الشعبوية باعتبارها نهجاً مخالفاَ للقيم الليبرالية الحديثة ،الشعبوية نفسها تخدم المشروع وتعرف به، بل تعطيه حضوراً ووجوداً وطريقاً مغايراً لما تعود عليه السودانيون من تنظيمات وخطابات لاتخرج عن الفكر السياسي الستيني ، بدءا من المحجوب والأزهري وعبد الرحمن والميرغني ومروراً بالترابي ونقد والصادق ، وهو طريق جديد رسم معالمه عمسيب بطريقة ذكية .

فلو كانت حركة أمريكا اولاً التي أطلقها الرئيس الأمريكي السابق وودرو ويلسون كتوجه انعزالي رافض لانخراط أمريكا في الحرب العالمية الأولى ، واستعادها دونالد ترامب بعد ما يقارب تسعين عاماً وجعلها نهجاً ومشروعاً كاملاً لرؤيته لامريكا، فإن عمسيب أنتج المصطلح ” النهر والبحر اولاً ” واستفاد من نتائج الحرب الحالية التي كانت جزءا من خطابه التحذيري ووظفه لصالح رؤيته الجديدة..
لو أخذنا الجانب الخاص بالتحذير كخطاب شعبوي ” وهنا انا لا استخدم المصطلح سلباً او ايجاباً ” باعتباره تحذيراً يندرج ضمن الطلب ” demand ” بكونه خطاب ينبع من الأزمات والانقسامات التى عاني منها السودان ، والتي تمثلت في وجود حالة من الغربة وعدم وجود قيم مشتركة بين مكوناته كما ورد في الأسس النظرية للمشروع . أما العرض “offer ” فيأتي لتقديم سردية لازمة لخلق تعبئة حول المحاذير والقضايا المشتركة لمجتمعات النهر والبحر ، ويقوم بتنظيم ذلك الطلب ويقدم الانفصال كحل وعرض للذين عانوا من حالة الانقسام والحرب ..

حتى هذه النقطة يظل المشروع حلاً لمشكلة الانقسام ، وهو جزء من الحلول التي تنادي بها الحركات الشعبوية ، بكونه يركز على الدفاع عن مجتمعات الشمال وتجنب التهديدات القادمة من الجنجويد باعتبارها تمثل تهديداً لاستقرار هذه المجتمعات ، ولكن المشكلة وهي النقطة الأهم في هذا المنشور ، أن الوضع الحالي غير إعتيادي ، حيث إن المهدد ليس فقط ثقافياً من الخارج ، بل هو داخلي يسعى للهيمنة والسيطرة بقوة السلاح ولن يسمح باتمام العرض ” الانفصال” بل سيستخدم هذا الخطاب ويوظفه في ظل الحرب لزيادة أعداد الداعمين له من معسكر الجيش ..

وفي ظل وجود الحركات المسلحة التي تعد ايضاً رافداً جديداً للمعادلة السياسية، وهي ايضاً في حالة عداء مع الجنجويد وفي صف الجيش ، وليست في حالة عداء مع المواطن، بل هي في نفس حالة الضرر ، فمن الأفضل أن يقوم أصحاب مشروع النهر والبحر بتجاوز خلافاتهم بخلق تسوية مع الحركات المسلحة لمواجهة خطر أكبر وتهديد مشترك ، وإعادة تكييف الخطاب ليصبح أكثر مرونة من خلال التركيز على خطر الجنجويد بدلاً عن اي طرف آخر ، هذا التحالف او فلنقل هذا التقارب مهم وضروري لخلق أرضية لتسوية يمكن أن تفتح الباب مستقبلاً لأي تشاور وحوار بين البحر والنهر والحركات وباقي المكونات الأخرى ..
#السودان

حسبو البيلي

إنضم لقناة النيلين على واتساب

المصدر: موقع النيلين

كلمات دلالية: النهر والبحر

إقرأ أيضاً:

توقيع عقد مشروع شركة «CWA» للمنسوجات بالمنطقة الصناعية بالسخنة

شهد وليد جمال الدين، رئيس الهيئة العامة للمنطقة الاقتصادية لقناة السويس، صباح اليوم، بمقر الهيئة بالعاصمة الإدارية، مراسم توقيع عقد مشروع جديد لصالح شركة “CWA” للمنسوجات، إحدى الشركات المصرية المتخصصة في مجال الغزل والنسيج وتجهيز وتطريز وحياكة المنسوجات.

يأتي ذلك لإقامة مصنع داخل نطاق المطور الصناعي، شركة التنمية الرئيسية “MDC”، بالمنطقة الصناعية بالسخنة على مساحة 15 ألف متر مربع، وبتكلفة استثمارية تبلغ 970 مليون جنيه مصري، بما يعادل 19.9 مليون دولار، بتمويل ذاتي من الشركة (على عدة مراحل)، على أن يبدأ التشغيل الفعلي والإنتاج خلال الربع الثالث من عام 2026، ويُتوقع أن يوفر المشروع نحو 200 فرصة عمل مباشرة في مرحلته الأولى، مع خطة للتوسع التدريجي وصولًا إلى 500 فرصة عمل خلال خمس سنوات، وقد قام بتوقيع العقد كل من اللواء وليد يوسف، العضو المنتدب لشركة التنمية الرئيسية “MDC”، و أشرف أبو العينين، مدير شركة CWA للمنسوجات، وذلك بحضور عدد من القيادات التنفيذية بالهيئة.

وفي هذا الإطار، صرح وليد جمال الدين، رئيس الهيئة العامة للمنطقة الإقتصادية لقناة السويس، أن المشروع يمثل خطوة مهمة في سبيل تعميق الصناعة المحلية داخل المنطقة الإقتصادية لقناة السويس، لافتًا إلى أن الهيئة تعمل على جذب استثمارات صناعية مستدامة تسهم في تعزيز القيمة المضافة للمنتج المصري، وزيادة قدرته التنافسية إقليميًا ودوليًا، مشيرًا إلى أن المزايا التي تقدمها الهيئة من بنية تحتية متكاملة، وموقع استراتيجي، وتكامل بين المناطق الصناعية والمواني، تُشكل عوامل جذب رئيسية أمام المستثمرين الجادين.

وأضاف وليد جمال الدين أن قطاع المنسوجات يُعد من القطاعات الصناعية الواعدة التي توليها الهيئة أهمية متزايدة في خطتها الاستراتيجية، لما له من دور محوري في توفير بدائل محلية للمنتجات المستوردة، ودعم سلاسل الإمداد لصناعات متنوعة مثل الملابس الجاهزة والمفروشات، فضلاً عن قدرته على التوسع في التصدير، خاصة مع توافر المقومات اللازمة من عمالة ماهرة وخدمات لوجستية متكاملة داخل نطاق الهيئة.

ومن جانبه، صرّح أشرف أبو العينين، مدير شركة CWA للمنسوجات، أنه من المقرر أن يتم تنفيذ المشروع خلال فترة تتراوح من 12 إلى 48 شهرًا، ويأتي هذا المشروع في إطار استراتيجية الشركة للتوسع الصناعي وتقديم منتج مصري عالي الجودة موجه للأسواق المحلية والعالمية، مع إستهداف تحقيق صادرات بقيمة لا تقل عن 10 ملايين دولار في السنة الأولى من التشغيل، ترتفع تدريجيًا لتصل إلى 30 مليون دولار خلال خمس سنوات، وذلك مع التزام كامل بتطبيق أعلى معايير الجودة والتطوير المستمر.

الجدير بالذكر أن مشروع شركة CWA يأتي ضمن سلسلة من المشروعات الصناعية التي تشهدها منطقة السخنة الصناعية في إطار خطة الهيئة لتعزيز التصنيع المحلي وتوفير بيئة محفزة للإستثمار الصناعي، بما يسهم في تعظيم الاستفادة من المقومات المتاحة بالمنطقة وزيادة مساهمة القطاع الصناعي في الإقتصاد الوطني، ويستهدف المشروع إنتاج مجموعة متنوعة من المنسوجات وأغطية الأرضيات وحافظات السجاد بمقاساتها المختلفة، بالإضافة إلى الصناعات التكميلية المرتبطة مثل الطباعة، التجهيز، اللصق، الحفر، القص، والحياكة، وذلك لتلبية احتياجات السوق المحلي والتوسع نحو التصدير.

مقالات مشابهة

  • تدشين إعادة تأهيل مشروع بئر الغول في الراهدة
  • اجتماع موسع بمصيرة لمتابعة مشروع ميناء متعدد الأغراض
  • إنجاز 65% من مشروع شبكات توزيع المياه في عبري وبهلا
  • الرفض الاقليمي والدولي لإعلان جنرالات الحرب
  • توقيع عقد مشروع شركة «CWA» للمنسوجات بالمنطقة الصناعية بالسخنة
  • محللة إسرائيلية: هناك رقابة عسكرية وإخفاء للمعلومات حول محاولات انتحار الجنود 
  • عاصم الجزار: حزب الجبهة الوطنية يؤمن بأن التنوع الفكري يمثل عنصر ثراء في الحياة السياسية
  • الجبهة الوطنية: الدول التي تسقط لا تنهض مجددا وتجربة مصر العمرانية هي الأنجح
  • رؤية مشروع الجبل العالي
  • في سنغافورة.. مشروع جزيرة من صنع الإنسان لمواجهة خطر البحر المتصاعد