حاكم رأس الخيمة: روابط الشراكة بين الإمارات والصين تمتد لقرون مضت
تاريخ النشر: 12th, September 2024 GMT
زار الشيخ سعود بن صقر القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم رأس الخيمة، خلال زيارته التي استغرقت 6 أيام إلى الصين، عدداً من المواقع التاريخية والثقافية، في مدينتي شيامن، ودنغقوان.
وشملت المواقع والمعالم التي زارها حاكم رأس الخيمة، جزيرة قولانغيو، في مدينة شيامن، بمقاطعة فوجيان، المدرجة على قائمة التراث العالمي لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة "اليونسكو"، والتي تشتهر باحتوائها على متحف البيانو الوحيد في الصين، وبكونها كانت مقراً للمقيمين الغربيين قديماً.كما زار مدينة دونغقوان، بمقاطعة قوانغدونغ، حيث تعرف على تاريخها، وثقافتها، واقتصادها، من خلال تجوله في "مركز معارض دونغقوان"، ومتحف "العود" الذي يعرض أنواعاً مختلفة من "العود" ذو الرائحة العطرية المميزة، وتشتهر المدينة بزراعة تلك الأشجار منذ قرون.
وأكد حاكم رأس الخيمة، أن "التاريخ والثقافة ركيزتان أساسيتان لفهم ماضي وحاضر ومستقبل الشعوب والأمم"، مشيداً بعمق العلاقات التي تربط الإمارات عموماً، وإمارة رأس الخيمة على وجه الخصوص، بالصين، والتي تمتد لقرون.
وقال: "بالرغم من تنامي وازدهار علاقاتنا الاقتصادية في العقود القليلة الماضية، فإن روابط الشراكة والصداقة بين بلدينا تمتد لقرون مضت، وهو ما كشف عنه علماء الآثار في رأس الخيمة عندما وجدوا قطعاً خزفية نادرة من عهد أسرة يوان في القرنين الـ 13 والـ 14 في الإمارة".
وأضاف الشيخ سعود بن صقر القاسمي "تعد هذه القطع الأثرية النادرة دليلاً قاطعاً على متانة علاقاتنا التجارية، والاقتصادية، والثقافية على امتداد طريق الحرير القديم، وتعتبر شاهدة على قوة الصداقة بين شعبي البلدين"، معرباً عن تطلعه إلى تعزيز العلاقات الثقافية والاقتصادية مستقبلاً، والارتقاء بها نحو آفاق أرحب من الازدهار والتنمية.
المصدر: موقع 24
كلمات دلالية: الهجوم الإيراني على إسرائيل رفح أحداث السودان غزة وإسرائيل الإمارات الحرب الأوكرانية حاكم رأس الخيمة الإمارات الإمارات حاكم رأس الخيمة حاکم رأس الخیمة
إقرأ أيضاً:
الإسفين الإستراتيجي.. هل يستطيع ترامب شق الصف بين روسيا والصين؟
في صيف عام 1971، حلّقت طائرة تحمل مستشار الأمن القومي الأميركي، هنري كيسنجر، فوق جبال الهيمالايا متجهةً نحو بكين، في رحلةٍ سرية غيّرت مسار التاريخ. حينها، كانت الصين الشيوعية في عزلة دولية، تخوض نزاعات حدودية دامية مع حليفها السابق، الاتحاد السوفياتي. أدرك كيسنجر أن ثمة فرصة ذهبية لأميركا يمكن من خلالها اختراق المعسكر الشيوعي وتغيير توازنات الحرب الباردة بشكل جذري.
مهّدت تلك الزيارة السرية لزيارة الرئيس الأميركي ريتشارد نيكسون التاريخية عام 1972، التي فتحت باب الاعتراف الأميركي بالصين ومحاولات احتوائها ضمن نظام عالمي تسيطر عليه الولايات المتحدة. لم يكن هذا التقارب مبنيًا على حُسن النوايا، بل على حسابات جيوسياسية دقيقة لكلا الطرفين: كانت واشنطن بحاجة إلى تحييد بكين لمنع موسكو من توسيع نفوذها في آسيا ومنع أي فرصة مستقبلية للالتحام بين أكبر تكتلين في العالم الشيوعي، بينما وجدت الصين في واشنطن حليفًا تكتيكيًا ضروريًا لمواجهة السوفيات الذين باتوا يمثلون تهديدًا وجوديًا لاستقرارها.
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2كيف بنى الاتحاد السوفياتي أقوى قنبلة نووية في التاريخ؟list 2 of 2الهزيمة في البحر.. كيف تحولت روسيا إلى شريك صغير للصين؟end of listوالآن؛ بعد أكثر من نصف قرن، يبدو أن إدارة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، تفكر في معادلة مشابهة، ولكنها معكوسة، من خلال ما يسمى سياسة "عكس كيسنجر" (Reverse kissinger)، إذ يحاول ترامب خلال ولايته الثانية إبعاد روسيا عن التحالف مع الصين، وإعادة احتوائها في منظومة علاقات جديدة مع الولايات المتحدة، من خلال تسوية للحرب في أوكرانيا يبدو أنها تنحاز -نوعا ما- إلى روسيا في رأي بعض المراقبين. ومؤخرا قال وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو، بعبارات صريحة، إن على الولايات المتحدة "إقامة علاقة مع روسيا بدلًا من تركها تعتمد كليًا على الصين".
إعلانلكن الوقائع الجيوسياسية تقول إن هذه الفكرة ليست إلا محاولة "إسقاط ميكانيكي" لمناورة تاريخية ناجحة على سياقات مختلفة تماما تشكّل واقع اليوم، فما الذي تغير خلال 5 عقود ليجعل من فكرة ترامب مغامرة مستحيلة وقراءة خاطئة لمقتضيات الجغرافيا السياسية لكل من روسيا والصين؟
عندما دخل الرئيس نيكسون البيت الأبيض عام 1969 كانت العلاقات الصينية-السوفياتية تمر بحالة من الانقسام والتوتر الشديد. فما بدأ بخلافات أيديولوجية بين الزعيم السوفياتي نيكيتا خروتشوف والزعيم الصيني ماو تسي تونغ حول قيادة الحركة الشيوعية العالمية وتفسير المقولات الماركسية، سرعان ما تطور إلى مواجهة حقيقية.
وبحلول أواخر الستينيات، وصلت العلاقات بين الدولتين الشيوعيتين إلى حد المواجهة العسكرية المباشرة عام 1969 على نهر أوسوري الفاصل بينهما، حيث وقعت اشتباكات مسلحة دموية أسفرت عن مئات القتلى. هذه المواجهات، جعلت بكين تدرك أن التهديد العسكري المباشر قد يأتي من جارها الشمالي، الاتحاد السوفياتي، قبل أن يأتي من الغرب، وهو ما خلق أرضية خصبة للتقارب مع الولايات المتحدة.
على الجانب المقابل، كانت الصين وقتها في حالة عزلة دولية شبه كاملة، بعدما أضعفت الثورة الثقافية التي أطلقها ماو تسي تونغ عام 1966 الاقتصاد الصيني بشكل كبير، وأحدثت فوضى داخلية ضخمة أثرت على استقرار الحكم والمجتمع.
وفي ظل انعدام أي شراكات دولية جدية، وعدم توفر التكنولوجيا أو الاستثمارات الخارجية الضرورية، كانت بكين بحاجة ماسة إلى منفذ يخفف من حدة هذه الضغوط. هنا جاء كيسنجر، يحمل معه عرضًا أميركيًا مغريًا: اعتراف دبلوماسي صريح، وفتح باب العلاقات الاقتصادية مع العالم، والتعاون التكنولوجي الذي كان الصينيون بأمس الحاجة إليه.
إعلانمن وجهة النظر الأميركية، كان التقارب مع الصين استجابة مرنة لضرورات الواقعية السياسية، وخطوة ناجحة نحو إضعاف الاتحاد السوفياتي.
وأكثر من ذلك كانت الولايات المتحدة حينها متورطة بشكل مأساوي في حرب فيتنام، وتبحث عن مخرج مشرّف يخفف الضغوط عليها، فارتأت إدارة نيكسون أن فك الارتباط بين الصين والاتحاد السوفياتي سيجعل من مهمة موسكو في دعم فيتنام الشمالية أكثر تعقيدًا، وسيعطي واشنطن حرية أكبر في المناورة العسكرية والسياسية في جنوب شرق آسيا.
وداخليا في الولايات المتحدة، كان الرأي العام جاهزًا لتقبل مثل هذا التقارب التاريخي بسبب الإرهاق من حرب فيتنام والرغبة العامة في الحد من التوتر الدولي. في الوقت ذاته، كان الاتحاد السوفياتي يعاني من صعوبات اقتصادية وعسكرية كبيرة جعلته أقل قدرة على مواجهة هذا التحرك الأميركي المفاجئ.
هذه البيئة هي التي جعلت واشنطن مستعدة لتقديم تنازلات جوهرية لبكين، منها الاعتراف بمبدأ "الصين الواحدة"، والتخلي عن تايوان كممثل رسمي للدولة الصينية في مجلس الأمن الدولي لصالح بكين، وهو الأمر الذي عزز موقف ماو تسي تونغ وأعطاه المبرر لهذه الانعطافة الحادة في سياسته الخارجية.
الفكرة هنا أن كيسنجر ونيكسون لم يكونا قادرين على إحداث هذا التحول التاريخي داخل المعسكر الشرقي ما لم تكن ظروف المعسكر نفسه مهيأة لذلك، وما لم يكن ماو مستعدا لهذه المقايضة ومستفيدا منها. لكن العلاقات الروسية-الصينية اليوم لا تمر بنفس المرحلة، كما أن علاقة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بالرئيس الصيني شي جين بينغ، ليست مثل علاقة ماو تسي تونغ ونيكيتا خروتشوف.
منذ سقوط الاتحاد السوفياتي عام 1991، عادت العلاقات الصينية الروسية لتنمو بصورة مطردة. وفي نفس العام، وقع البلدان اتفاقية مشتركة لضبط الكثير من النزاعات الحدودية بينهما، ولاحقا جرت معالجة آخر هذه النزاعات في اتفاقية عام 2004 التي تناولت الجزء الشرقي من الحدود. وفي عام 2001 وقّع البلدان معاهدة صداقة، وهي اتفاقية مدتها 20 عامًا تُوفّر أساسًا لعلاقات متينة ومستدامة.
إعلانفي عام 2008، ضربت الأزمة المالية روسيا لتكشف العديد من نقاط الهشاشة الهيكلية في اقتصادها المرتبط بالغرب، وفي نفس العام عقد حلف شمال الأطلسي (الناتو) القمة المشهورة في بوخارست، التي فتحت الباب لمناقشة انضمام أوكرانيا وجورجيا إلى الحلف، وأثبتت نية الولايات المتحدة توسيع نطاق عضوية الناتو في شرق أوروبا.
وبعد سنوات قليلة كانت أوكرانيا تخرج من العباءة الروسية تماما بعد ثورة 2014 التي دعمتها واشنطن، مما دفع روسيا لغزو والسيطرة على شبه جزيرة القرم في العام نفسه. هذه التطورات مجتمعةً دفعت موسكو إلى تعزير اتجاهها شرقا وتعميق تحالفها مع الصين، وتعزز هذا التوجه مع وصول الرئيس شي جين بينغ إلى الحكم في بكين عام 2013، والذي يتبنى خطابا طموحا واستثنائيا لمواجهة الهيمنة الأميركية المنفردة على العالم.
وفي 4 فبراير/شباط 2022، على هامش دورة الألعاب الأولمبية الشتوية في بكين، جلس الرئيس الصيني شي جين بينغ والرئيس الروسي فلاديمير بوتين في قاعة فخمة ليعلنا للعالم بداية حقبة جديدة من العلاقات الثنائية. لم يكن الإعلان تقليديًا، إذ جاء في خضم التوترات بين موسكو والغرب بشأن أوكرانيا واستعدادات بوتين لشن غزوه الشامل الذي هز أوروبا.
في غضون ذلك، نمت العلاقات الاقتصادية بين البلدين بشكل ملحوظ، مع تزايد حاجة الصين إلى مصادر الطاقة، واعتماد روسيا على صادرات النفط والغاز لدعم اقتصادها. وبحلول عام 2023، بلغت قيمة التبادل التجاري بين البلدين نحو 190 مليار دولار، مع وجود اتفاق على زيادته إلى 250 مليارا بحلول عام 2030.
تزامن ذلك مع إنشاء خط أنابيب "سيلا سيبيري" (قوة سيبيريا) الذي يضخ نحو 38 مليار متر مكعب من الغاز الروسي إلى الصين سنويًا، مع التخطيط لمضاعفة الكمية عبر خط "قوة سيبيريا 2" إلى 100 مليار متر مكعب بحلول عام 2030.
إعلانلكن التعاون الاقتصادي، رغم ضخامته، لم يكن سوى مقدمة لتعاون ثنائي أعمق في المجالين العسكري والأمني. منذ عام 2018، ازدادت وتيرة التدريبات العسكرية المشتركة بشكل ملحوظ، إذ شاركت القوات الصينية لأول مرة في مناورات "فوستوك 2018″، التي كانت أكبر مناورات عسكرية روسية منذ انهيار الاتحاد السوفياتي.
وفي 2021، أجرت الدولتان مناورات بحرية مشتركة في بحر اليابان، أعقبتها مناورات جوية مشتركة شملت قاذفات استراتيجية حلقت قرب المجال الجوي لكوريا الجنوبية واليابان (حلفاء الولايات المتحدة). هذه المناورات العسكرية كانت رسائل واضحة تشير إلى مدى التنسيق بين جيشي البلدين في مواجهة التحديات المشتركة في آسيا.
كذلك، لم تقتصر العلاقة على الاقتصاد والجيش فقط، بل امتدت أيضًا إلى الجوانب الدبلوماسية والاستراتيجية. في مجلس الأمن الدولي، استخدمت الصين وروسيا حق النقض (الفيتو) بشكل متزامن ضد القرارات الغربية المتعلقة بسوريا وفنزويلا وميانمار. كما أعلنت الدولتان عام 2022 عن اتفاق لتعزيز التعاون في مجالات التكنولوجيا المتقدمة والأمن السيبراني والفضاء، وهي قطاعات حساسة كانت دائمًا محل خلاف في العلاقات الدولية.
وعلى مستوى النظرة الأوسع للنظام الدولي، تتقارب رؤى موسكو وبكين بشكل ملحوظ، وتتشارك الدولتان في محاولات إقليمية ودولية لهندسة تحالفات وبنى مؤسسية موازية للبنى الغربية التي تُمارَس من خلالها الهيمنة الأميركية، مثل مؤسسة شنغهاي للتعاون، التي توصف بأنها مشروع لبناء "ناتو شرقي"، فضلا عن منظمة البريكس، وغيرهما من أطر التعاون.
تاريخيًا، يختلف وضع هذه العلاقة كثيرًا عما كانت عليه العلاقة بين الصين والاتحاد السوفياتي. في الخمسينيات والستينيات، كانت العلاقة الصينية السوفياتية تقوم على أيديولوجيا شيوعية مشتركة، لكن سرعان ما تفككت بسبب الخلاف على الزعامة العالمية للحركة الشيوعية. في المقابل، تقوم العلاقة الصينية الروسية اليوم على أسس براغماتية واضحة، وحسابات جيوسياسية وموازنة عقلانية للمصالح المشتركة في مواجهة الهيمنة الأميركية الغربية.
إعلانورغم أن بكين اتخذت موقفا حذرا من الحرب في أوكرانيا، فإنها ساعدت روسيا على تجاوز العقوبات ولم تتجاوب مع المساعي الأميركية لتركيع موسكو اقتصاديا. وحينما أغلق الاتحاد الأوروبي تدريجيًا أسواقه أمام النفط الروسي، برزت الصين كأكبر مشترٍ للنفط الروسي، مستفيدةً من تخفيضات كبيرة قدمتها موسكو. وفي الأشهر الستة الأولى فقط من الحرب، زادت الصين وارداتها من النفط الروسي بنسبة 55% مقارنة بالفترة نفسها من العام السابق.
في الوقت نفسه، دعمت الصين روسيا بصورة فعالة في المجال المالي والنقدي. وعندما بدأت العقوبات الغربية تؤثر على قدرة موسكو على استخدام الدولار واليورو في التجارة الدولية، توسعت بكين في استخدام اليوان الصيني في معاملاتها التجارية مع موسكو. وفقًا لتقرير نشرته وكالة "رويترز" في أبريل/نيسان 2024، ارتفعت نسبة المعاملات التجارية الروسية-الصينية التي تُسوّى باليوان والروبل من حوالي 20% قبل الحرب إلى أكثر من 85% خلال عامين فقط، ما قلّص بشكل حاد تأثير العقوبات المالية الغربية.
وليس لدى ترامب اليوم ما يعوض به روسيا نظير قطع أو تقليص علاقتها مع الصين، فموسكو ليست بحاجة إلى اعتراف دولي كما كانت بكين في أوائل السبعينيات، وليست بحاجة إلى إنقاذها من جار قوي يهدد حدودها، في حين أن معركتها اليوم مع الغرب ذاته، لا مع الصين.
الجدير بالذكر أن كل ما سبق لا يعني بالضرورة أن التحالف بين روسيا والصين بصدد أن يسفر عن قوة مشتركة أو حلف دائم بصورة مطلقة، فهناك تناقضات لا يمكن جسرها بين الضرورات الجيوسياسية للبلدين، لكنها كلها تقع دون أولوية المواجهة المشتركة للهيمنة الغربية.
فعلى الرغم من أن البلدين يتجاوران جغرافيًّا عبر أطول حدود دولية في العالم، بطول يزيد عن 4200 كلم، فإن المراكز السكانية الرئيسية في روسيا تتواجد غربًا في جوارها الأوروبي بعيدا عن الصين، بينما يعيش معظم سكان الصين على الساحل، وينخفضون بشكل حادٍ غرب خط هطول الأمطار السنوي، حيث الهضاب والسلاسل الجبلية القاحلة والتضاريس الوعرة في شمال الصين وغربها. ومن ثم، لا توجد صلات عميقة بين الشعبين الروسي والصيني، كما أن الأصول البعيدة للحضارتين الصينية والسلافية تختلفان جذريا.
إعلانعلى جانب آخر، تفرض الجغرافيا على روسيا والصين أولويات استراتيجية متباينة، حيث يمثل تأمين العمق الغربي للحدود الروسية أولوية قصوى لموسكو، تحديدا في بيلاروسيا وأوكرانيا بصورة أكثر إلحاحا، وفي البلطيق بصورة تالية، في حين تحدد الجغرافيا أولويات بكين في الانعتاق البحري شرقا وكسر الطوق المفروض عليها عبر سلاسل محكمة من القواعد العسكرية الأميركية وشبكات الدول الحليفة لواشنطن.
هذا فضلا عن تباين العقليات الاستراتيجية الصينية والروسية من حيث تحديد أولويات الانتشار الخارجي وطرق بسط النفوذ والهيمنة، حيث تميل الصين إلى التمدد الاقتصادي الهادئ والتعاون في مجالات التنمية مع دول العالم، والذي يُرجح أن يتحول في المستقبل إلى نفوذ سياسي وأمني، بينما تميل موسكو إلى المجالات الأمنية المباشرة وتقديم نفسها للدول المستهدفة بصفتها مزودا للأمن المحلي وداعما لاستقرار الأنظمة عبر شبكات واسعة من الشركات الأمنية وموردي الأسلحة.
هذا التباين هو ما يقلل من فعالية الأوعية الجماعية المشتركة التي تجمعهما معا، مثل منظمة شنغهاي للتعاون، حيث يختلف الطرفان في كيفية توظيفها وتطويرها. لكن هذه التباينات الثنائية تتلاشى بشكل كبير حين يتعلق الأمر بالمواجهة مع النفوذ الغربي، وهو ما يؤكد أن فرص ترامب محدودة للغاية في عكس مسار كيسنجر مجددا.
كيف يتعامل بوتين مع نوايا ترامب؟في الحقيقة، لم يكن ترامب أول رئيس أميركي يسعى لاحتواء روسيا وتقليل حدة عدائها للغرب عبر تقديم إغراءات اقتصادية ودبلوماسية مقابل تحجيم حضورها كقوة عالمية منفردة، لكن هذه الخطط كانت مصيرها دائما هو الفشل.
ففي الأشهر التي سبقت غزو روسيا لأوكرانيا في فبراير/شباط 2022، سعى بايدن إلى "ترميم" العلاقات الثنائية مع موسكو من خلال إقامة حوار حول الاستقرار الاستراتيجي خلال اجتماعه مع بوتين في يونيو/حزيران 2021. في الاجتماع، وصف بايدن روسيا بأنها "قوة عظمى" لتهدئة مخاوف موسكو من معاملتها كشريك أصغر للصين.
إعلانلكن روسيا، بحسب تحليل معهد "ستراتفور"، اعتبرت ذلك دليلا على ضعف واشنطن وتراجع قوتها، وقدّر الكرملين لاحقاً أن الولايات المتحدة، بغض النظر عن الحزب الذي يتولى الرئاسة، ستعود على الأرجح في النهاية إلى فكرة "إعادة ضبط" العلاقات مع روسيا للأسباب الاستراتيجية نفسها. ومن المرجح أن ثقة الكرملين بهذا التقييم طمأنت بوتين عندما أصدر الأمر بغزو أوكرانيا، إذ كان يعلم أنه من شبه المحتوم أن تسعى الإدارة الأميركية القادمة إلى تحقيق انفراج في العلاقات مع موسكو، مما يعني أن أي رد أميركي أولي سيكون قصير الأمد، وبالتالي غير قادر على كسر عزيمة الروس.
وحاليا، يحاول ترامب مرة أخرى تقديم الحوافز التجارية والاقتصادية لموسكو من قبيل الوعد برفع العقوبات الاقتصادية، والتعاون في مجال المعادن النادرة، والتنقيب في القطب الشمالي وغيرها، لكن هذه الحوافز كلها تكشف لبوتين نقطة ضعف إدارة ترامب الرئيسية، وهي عدم رغبته في الانخراط في هذه الحرب وغياب الإيمان بمبرراتها أو بأولوية خوضها.
صحيح أن نتائج الحرب -حتى الآن- لم تأت موافقة لطموحات بوتين، وما زالت موسكو عالقة في أوكرانيا، فلم تستطع السيطرة على العاصمة كييف ولا تغيير نظامها السياسي، ولا انتزاع موقف أميركي أو غربي يتعهد بحياد أوكرانيا، ولكن في المقابل أيضا؛ لم يتمكن الغرب من دحر الغزو الروسي ولا إقناع القيادة الروسية بالفشل.
وبدلا من ذلك، بدأت الخلافات تضرب عمق التحالف الغربي حول حدود الدعم الذي يجب تقديمه لأوكرانيا وجدوى استمرار الحرب، مما يعطي بوتين دفعة معنوية هائلة للاستمرار في حربه، بصرف النظر عن تجاوبه الحذر والتكتيكي مع دعوات التفاوض، حتى لو أسفرت عن اتفاقات هدنة محدودة.
ويبدو أن هذه الرسالة قد وصلت إلى ترامب، بصورة أو بأخرى، ومؤخرا نقلت "وول ستريت جورنال" عن "مصادر مطلعة" أن الرئيس الأميركي أخبر قادة أوروبيين، في اتصال هاتفي، أن الرئيس الروسي ليس مستعدا لإنهاء الحرب، لاعتقاده بأنه في موقع المنتصر.
إعلانفي هذا السياق، تبدو محاولة احتواء موسكو أميركيا وعزلها عن بكين -في جوهرها- محاولة لعكس حركة التاريخ. لم يحقق بوتين بعدُ أهدافه العميقة من الحرب في أوكرانيا، وليس مستعدا للتخلي عنها بعد هذه التضحيات الهائلة، وكييف أيضا ليست مستعدة للاستسلام لمطالب موسكو بعد كل هذه الدماء، وترامب ليس مستعدا للفشل في تحقيق وعوده والظهور بمظهر الضعيف أمام بوتين، وتلك هي معضلة الحرب التي لن يسعفها الاستدعاء المبسط لأحداث تاريخية تبدلت سياقاتها منذ عقود.