إسرائيل تسلب ما تبقى للفلسطينيين من أوسلو باستهداف مناطق ب
تاريخ النشر: 13th, September 2024 GMT
بيت لحم– تلقت قرية المالحة في برية زعترة قرب مدينة بيت لحم جنوبي الضفة الغربية منذ أيام إخطارات إسرائيلية تقضي بهدم 10 منازل فيها، في خطوة وصفت بأنها الأخطر، ليس لأنها تأتي في مرحلة يعيش فيها الفلسطينيون كل أشكال التهجير والتدمير على يد الاحتلال فحسب، بل لأنها تنسف الوجود الفلسطيني وخاصة بمناطق "ب"، وتقضي على حلم الفلسطينيين وآمالهم في العيش بأمان.
إلى 18 يوليو/تموز الماضي يعود قرار الهدم بمناطق "ب"، ووقع قائد المنطقة الوسطى في جيش الاحتلال اللواء آفي بلوت -وفق ما ذكرته القناة السابعة الإسرائيلية آنذاك- على أوامر تنفيذية لهدم المباني الفلسطينية في المالحة وتقييد بناء منازل جديدة.
ظهرت التقسيمات المناطقية والإدارية للضفة الغربية بمسميات "أ" و"ب" و"ج" أو "سي" كأحد أبرز مخرجات اتفاق أوسلو بين الفلسطينيين وإسرائيل عام 1993، وظلت الأكثر حضورا بينهم بحكم معايشتهم اليومية لها.
وأعطى الاتفاق السلطة الفلسطينية التي انبثقت عنه أيضا صلاحيات للعمل في مناطق "أ" إداريا وأمنيا، و"ب" إداريا للفلسطينيين وأمنيا تخضع لإسرائيل، مع سيطرة إسرائيلية كاملة على مناطق "ج".
وتقدر مناطق "أ" بنحو 21% من مساحة الضفة الغربية (والتي تبلغ حوالي 5800 كيلومتر مربع) ومناطق "ب" بـ18.4% ويعيش فيها أكثر من 90% من الفلسطينيين وعليها يعلقون آمالهم في الثبات بما تبقى من أرضهم، في حين تزيد مناطق "ج" عن 61% من إجمالي مساحة الضفة ويعيش بها 10% من الفلسطينيين تقريبا.
وباستهدافها مناطق "ب" في قرية المالحة تكون إسرائيل قد دقت أول مسمار في نعش التهجير الفعلي للفلسطينيين خارج وطنهم، أو تكديسهم في ظروف قاهرة وضاغطة ليصلوا بنهاية المطاف للخيار المر نفسه، بعد أن أحكمت قبضتها على مناطق "ج" وطردت سكانها وقيَّدت وجود من تبقى بشروط وإجراءات عسكرية أرهقتهم.
وبفزع كبير تلقى أهالي المالحة إخطارات هدم منازلهم والتي ظنوا أنهم سيكونون بمأمن منها في ظل اعتداءات الاحتلال وانتهاكاته بحق الفلسطينيين، وباشروا باعتراضهم وإجراءاتهم القانونية ضد القرار الإسرائيلي، وتظاهروا رفضا له.
رئيس مجلس قرية المالحة مراد جدَّال قال إنهم يواجهون "خطة الضم والتوسع" الإسرائيلية على أرض الواقع، ويتحدّون خطة سياسية متطرفة تقوم على سحب الصلاحية الفلسطينية بكل المناطق وهدم كل الاتفاقات الموقعة "وهدم أوسلو بأكمله".
ويقول جدال للجزيرة نت "ما لم يتم التصدي له، سيوسع الاحتلال قراراته في مناطق (ب)، وليس الهدف 10 منازل من أصل 450 بيتا في قرية المالحة، بل يستهدف المحمية بأكملها، ثم ينتقل بالنهج ذاته ليصل إلى مناطق (أ)".
المحميات والآثار
وعام 1997 أفرز اتفاق واي ريفر برية بيت لحم كمحمية طبيعية للفلسطينيين، تقدر بـ3% (167 كيلومترا مربعا) من الضفة الغربية، وتمتد من جنوب القدس وحتى شمال الخليل مرورا بشرق بيت لحم.
وعبر أمرين اثنين استهدف الاحتلال مناطق "ب"، ومحمياتها الطبيعية كبرية بيت لحم، بسحب صلاحيات السلطة التخطيطية ومنعها من منح تراخيص بناء جديدة وهدم المبني بها، إضافة للمباني القريبة من المواقع الأثرية بمناطق "ب" والمقدرة بحوالي 600 موقع.
ويدق الاحتلال بهذا الإجراء، وفق مسؤول التوثيق بهيئة مقاومة الجدار والاستيطان (جهة رسمية) أمير داود، ناقوس "الخطر والدمار معا" على مستويين: الأول جيوسياسي، إذ يمنع قيام دولة فلسطينية على جغرافيا ممزقة ومسيطر عليها. الثاني، يعدم الأمل بشأن فكرة الدولة في الذهن الجمعي الفلسطيني، ليزج بالوجود الفلسطيني في مربعات على شكل جزر وتكتلات سكنية مكتظة داخل المدن وبلا تواصل جغرافي.
ويقول داود "هم قتلوا الفلسطيني، فهل يعجزهم أن يأخذوا أرضه؟! نحن أمام مخطط وضعه سموتريتش عام 2017 وأطلق عليه مخطط الحسم، وفيه إما أن يبقى الفلسطيني خاضعا وإما يهاجر وإما يُقتل إذا رفض".
وبإجراءاته تلك، مسح الاحتلال، وفق داود، كل أساس بني عليه اتفاق أوسلو ولم يبق شيئا منه، فهو يقتحم المدن والقرى ويدمر البنية التحتية ويعدم المواطنين، ويضيف "أجهزت إسرائيل على أوسلو ومخرجاته، وأجهزت على الأرض التي هي جوهر الصراع وأصل فكرة الدولة".
ويتفق الأمين العام للمبادرة الوطنية الفلسطينية مصطفى البرغوثي مع كل ما ذهب إليه داود، وقال إن ما يجري هو إسقاط لما أعلنه الوزير سموتريتش بالحرف بأنه سيجرد السلطة الفلسطينة من أية صلاحيات مدنية بمنطقة "ب"، كما جرَّد جيش الاحتلال السلطة من أي وجود في مناطق "أ".
ويقول البرغوثي للجزيرة نت "لم يبق شيء من اتفاق أوسلو، وكلهم دفنوه وإسرائيل قتلته بالكامل، والسلطة الفلسطينية هي التي تتمسك به، ولا أعرف لماذا؟ والشيء الوحيد المتبقي من أوسلو هو التنسيق الأمني الذي يعارض مصالح الشعب الفلسطيني".
ولهذا، توقع البرغوثي أن الهدم سيتوسع في مناطق "ب" ويطال "أ" أيضا، وأن ما يجري من اقتحام وهدم بهذه المناطق وتحت حجج أمنية هو مقدمة لذلك، فإسرائيل باستهدافها مناطق "ب" باتت تضع يدها على 82% من الضفة الغربية.
وما تقره حكومة الاحتلال المتطرفة ويقوم به جيشها يدل -حسب البرغوثي- على عجز السلطة الفلسطينية عن القيام بأي أمر آخر، "ورغم ذلك لا يدركون في السلطة أنه آن أوان التخلص من كل أوسلو وأعبائه".
ومن ناحيته، يرى السياسي الفلسطيني ونائب رئيس المجلس التشريعي السابق حسن خريشة أن الاحتلال وعبر توغلاته واقتحاماته لكل المواقع الخاضعة للسيادة الفلسطينية ينفذ ما تبنته حكومة الاحتلال، وأسقط كل الفواصل ما بين "أ" و"ب" و"ج"، وبالتالي أضحت كل الأرض مستهدفة، وأنه "لم يبق من أوسلو غير الاسم والتوقيع".
وأخطر من ذلك، يقول خريشة للجزيرة نت، أن "الاحتلال، سواء الحكومة أو المعارضة، بات يرفض حل الدولة والدولتين، وبالتالي فالرهان على تسويات وقيام دولة فلسطينية وهْم باعوه لنا طوال الوقت".
وأكد أن هدف إجراءات الاحتلال في مناطق "ب" و"أ" هو استعادته السيطرة على الضفة الغربية سيطرة كاملة لتصبح تحت الحكم العسكري الإسرائيلي بقيادة سموتريتش.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات الضفة الغربیة فی مناطق بیت لحم
إقرأ أيضاً:
خيوط الخيانة في أوسلو وما بعـد أوسلو
يمانيون|بقلم السفير: عبدالله علي صبري
يحار المرء ويستغرق في التفكير لكن دون جدوى، إذ لا يجد ما يفسر هذه الحالة العربية من الهوان غير المسبوق تجاه جرائم الإبادة في غزة ومشهد التجويع الممنهج، الذي يتعرض له أكثر من 2 مليون فلسطيني على مرأى ومسمع أمة العرب والإسلام.
ويبدو لي أن الصهيونية قد اخترقت النخبة السياسية العربية منذ فترة طويلة، بل وصلت إلى أصحاب القرار السياسي والأمني والاقتصادي في أكثر من دولة عربية، بمن في ذلك منظمة التحرير الفلسطينية، الأمر الذي أفضى إلى تشكل ” الصهيونية العربية ” بأذرعها الثقافية والإعلامية، التي تقدم إسرائيل كصديق موثوق، والمقاومة كعدو مغامر، لا تقبل منه صرفا ولا عدلا.
أمكن للعدو الصهيوني في اتفاق أوسلو 1993، أن يحقق اختراقا مهما على صعيد انتزاع الاعتراف بدولة الكيان، والتطبيع معها على خطى الاتفاق المصري الإسرائيلي. وبغض النظر عن المناخات الدولية والإقليمية التي ساعدت الكيان على تحقيق الاختراق الأكبر، فإن نجاح المهمة التي كانت تبدو مستحيلة قد أثارت إعجاب مهندسها من الطرف الصهيوني شمعون بيريز صاحب فكرة وكتاب ” الشرق الأوسط الجديد “.
ومما أثار أعجابه ودهشته، أن التنازلات التي قدمها الجانب الفلسطيني، كانت مشوبة بعاطفة مشوبة غير متوقعة، فالمفترض إن إسرائيل وقادتها أعداء لكل الفلسطينيين، وإن أجبرتهم الظروف على التفاوض السياسي مع العدو التاريخي للأمة.
يكشف بيريز في كتابه، أن أحمد قريع (أبو علاء) ممثل منظمة التحرير الفلسطينية، هنأه بالاتفاق وهو يبتسم قائلا: الاتفاقية هي هديتنا لك في عيد ميلادك. قلت في نفسي: يا لها من هدية، هدية متميزة وغير متوقعة بل من المستحيل تقييمها.
هكذا علق بيريز وهو يمهد لكشف خيانات أخرى على صعيد مضمون وشكل التفاوض، إذ يقول: في أوسلو توصلت إسرائيل إلى أكثر من مجرد كلمات، فقد حصلنا على تنازلات لم نكن نستطيع بدونها توقيع أي اتفاقية. وفي مكان آخر من الكتاب يفضح بيريز الدور المصري، الذي ساعد إسرائيل على تحقيق هذه النتيجة المدهشة، بقوله: إذا كنا قد اكتشفنا في أوسلو الطريق للتقابل مع قيادة المنظمة، فقد وجدنا في مصر الشرارة التي تطلق المحادثات، والحفاظ على الزخم، وإيجاد حلول خلاقة.
وبالطبع، فإن الحلول الخلاقة كانت تعني النتائج الكارثية التي قادت إليها أوسلو، حيث تضمنت الاعتراف بدولة الاحتلال، والتنازل الطوعي عن 78% من أراضي فلسطين المحتلة، في خيانة فجة للحقوق التاريخية والوطنية للشعب الفلسطيني، وتفريطـًا في دماء الشهداء الذين ناضلوا من أجل تحرير فلسطين بكل شبر فيها من البحر إلى النهر.
حتى ما بعد أوسلو وما بعد ياسر عرفات، فإن السلطة الفلسطينية، التي غدت مجرد جهاز أمني يخدم الاحتلال في الضفة الغربية وغزة، لم تحرك ساكنا تجاه العربدة الصهيونية وحروبها على غزة، وصولا إلى معركة طوفان الأقصى، وتداعياتها، التي لم تغير من حقيقة الخيانة المتجذرة في سلوكيات محمود عباس وزمرته في حركة فتح.
ولا عجب ففي 1993 وجه بسام أبو شريف المساعد الشخصي لياسر عرفات، رسالة بخط اليد إلى شمعون بيريز يمتدحه فيها ويقول: إن ما يعجبنا فيك نظرتك الواضحة للمستقبل وقدرتك على فهم واستيعاب الجديد في هذا العالم، وأفكارك الأصيلة التي تهدف لخلق شرق أوسط جديد، وهي أهداف نسعى إليها نحن كذلك..
” وقد كانت رسالة مفعمة بالعاطفة، لم أفكر يومـًا بأن شخصًا في مثل وضعه يمكن أن يكتب مثل هذه الأشياء لشخص في وضعي ” كما يسخر بيريز.
# عبدالله صبريخيوط الخيانة في أوسلو وما بعـد أوسلو