#التاريخ_معلم
د. #هاشم_غرايبه
مما ذكره البروفيسور الي-هـودي “موشيه شارون” في محاضرة له بجامعة بن غوريون، انه لا يعتبر حروب الجيوش الإسلامية حروبا احتلالية كباقي حروب الأمم الأخرى، بل كانت تحريرا وإعادة الأمور الى نصابها لأن الدين الإلهي يعني الإسلام، وهو الأصل في الدين الذي دعا إليه كل الأنبياء منذ نوح، ولم يُعرّف أي نبي الدين بغير مسمى (الإسلام).
يستند أستاذ التاريخ في رأيه ذاك الى دليلين: آيات القرآن الكريم كونه الكتاب السماوي الوحيد غير المحرّف، وإلى الاستنتاج المنطقي التالي: بما أنه من الثابت أن موسى وعيسى عليهما السلام لم يدعوا الى الي-هـودية ولا الى المسيحية، فإلى أي دين كانا يدعوان إذاً ياترى!؟.. وهل يعقل أن يخالفا دعوة جدهم ابراهيم عليه السلام الذي سمى أتباعه بالمسلمين ولم يسمهم الإبراهيميين!؟.
كثيرا ما نقرأ كتابات لموتورين حاقدين على الأمة، أو لمن في قلوبهم مرض، اعتادوا ترديد مقولات المستشرقين المتحيزين من مزيفي التاريخ الإسلامي، يصفون الفتوحات الإسلامية بالحروب الإستعمارية، ويجعلونها شبيهة بحروب الإمبراطوريات الإستحواذية، وأنها كانت بهدف استرقاق الروميات الشقراوات، وجمع الجزية، وليست لنشر العقيدة وهداية البشر.
ولأن التاريخ خير شاهداً، وأصدق دليلاً، فقد تركزت جهودهم على تزوير التاريخ وتحوير الأحداث وفق هواهم، ولتحقيق مبتغاهم.
ربما كان تأثير دس المستشرقين سيبقى مقتصرا على سمّاعي أقوالهم من مواطنيهم الغربيين، ليؤجج أحقادهم، والقلة من الحاقدين ممن هم بين ظهراني الأمة، لولا أن المتطوعين الواهمين اللحاق بركب الغرب ممن يدعون أنفسهم بالعلمانيين، يتبرعون لترجمة كتاباتهم لأجل نشر أباطيلهم على أنها الحقيقة وأن التاريخ الإسلامي مزور ويجب تعديله وفق رواياتهم.
إذا ما سلمنا بأنه لا شيء يكتبه بشر في الغرب والشرق يكون محايدا، سواء كانوا مسلمين أم كفارا، الكتاب الوحيد مطلق الصحة ويعتبر مرجعا معياريا للحقيقةهو كتاب الله، وكل ما عداه خاضع للميول والأهواء، وإن بدرجات متفاوتة، لذا فليس من وسيلة للتحكيم في صحة الروايات التاريخية التي لم يرد بها نص قرآني سوى أمرين: الأول: المنطق والمعقولية، والثاني: توافق الروايات المختلفة المصادر.
سأورد تاليا نبذة من التاريخ الذي تطابقت كل الروايات حوله، متعلقة بمعركة “ملاذكرد”، للتدليل على حجم التلاعب بتاريخنا المجيد، وكيف أنه حين الحديث عن تاريخ الإسلام، يقوم المزورون بإخفاء النقاط المضيئة والتركيز على الأحداث السلبية.
حدثت هذه المعركة في عام 1071 م، بين الدولة السلجوقية برئاسة السلطان “ألب أرسلان” والإمبراطورية البيزنطية برئاسة الإمبراطور رومانوس الرابع.
كلنت الدولة السلجوقية تفرض سلطانها في آسيا الصغرى، لكنها تتعرض الى استفزازات واعتداءات من قبل ارمينيا وجورجيا، مما حدا بالسلطان للقيام بهجمات تأديبية، مما أثار غضب “رومانوس” فجهز جيشا ضخما قوامه مائتي ألف مقاتل من الروم والروس والأرمن والخزر والفرنجة والبلغاريين بهدف مهاجمة المسلمين في القلب من الدولة أي مكة، واجتثاث دينهم نهائيا.
أدرك ألب أرسلان حرج موقفه، فهو أمام جيش بالغ الضخامة كثير العتاد، في حين أن قواته لا تتجاوز عشرين ألفًاً، فحاول بداية مهاجمة مقدمة جيش الروم، ليحقق له ذلك التفاوض لابرام الصلح والهدنة، لكن امبراطور الروم رفض.
عندها توجه السلطان إلى جنوده يشعل في نفوسهم روح الجهاد وحب الاستشهاد، ووقف فقيه السلطان وإمامه أبو نصر البخاري يقول للسلطان مقوِّيًا من عزمه: إنك تقاتل عن دينٍ وعد الله بنصره وإظهاره على سائر الأديان، وأرجو أن يكون الله قد كتب باسمك هذا الفتح، فالقهم يوم الجمعة بعد الزوال، في الساعة التي يكون الخطباء على المنابر، فإنهم يدعون للمجاهدين بالنصر، والدعاء مقرون بالإجابة.
وفعلا صلّى بهم الإمام الجمعة، وخطب خطبة مؤثرة، أبكت السلطان، فبكى الناس لبكائه، ولبس البياض وقال: إن قتلت فهذا كفني، وهذا هو سر اعتياد السلاطين العثمانيون أن يجعلوا كفنهم عمامة يلبسونها دائما.
ولما أوقد الحماسة والحمية في نفوس جنوده، بدأ المعركة، وسريعا ما هزم طالبو الشهادة طالبي الدنيا، وأسر “رومانوس”، فسأله السلطان المسلم: ما كنت تفعل بي لو كنت مكانك؟ فقال: كل قبيح، فرد عليه: أما أنا فأطلق سراحك، فما جئنا لننتقم بل لنشر الهدى والصلاح.
هكذا يفعل المسلم حين يقاتل، يعلم أنه ما انتصر إلا لأن الله معه، لذا فهو يحافظ على عهده مع الله. مقالات ذات صلة
المصدر: سواليف
كلمات دلالية: التاريخ معلم هاشم غرايبه
إقرأ أيضاً:
أوليفييه روا: الغرب لا يرى الإسلام مشكلة ثقافية بل كتهديد وجودي وحقوق الإنسان استُخدمت أداة هيمنة
في حوار معمّق مع المفكر وأستاذ الدراسات الشرقية أوليفييه روا (المولود عام 1949) قدّم الأكاديمي الفرنسي قراءة نقدية جذرية لمسار العلاقة بين الغرب والعالم الإسلامي، مركزاً على تطور مفهوم الاستشراق وتحولاته، ودور الخطاب الغربي في إنتاج تصورات سلبية عن الإسلام والمسلمين، واستخدامه مفاهيم مثل التقدم وحقوق الإنسان كأدوات استعمارية مغطاة بغلاف أخلاقي.
وجاء ذلك في حوار مدير "الجزيرة 360" جمال الشيال مع روا مدير أبحاث مركز البحوث العلمية ومدير دراسات المدرسة العليا للعلوم الاجتماعية الفرنسي السابق، ضمن بودكاست (Center Stage) للجزيرة الإنجليزية الذي يستضيف شخصيات من قادة الفكر المؤثرين ويستطلع وجهات نظرهم حول القضايا العالمية الملحة.
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2رفاعة الطهطاوي أيقونة الحوار بين الشرق والغربlist 2 of 2الأنثروبولجية مايا ويند: هكذا تتواطأ "الجامعات الاستيطانية" مع الحركة الاستعمارية الإسرائيليةend of listوبدأ روا عمله في أفغانستان التي ذهب إليها صبيا عام 1969 عندما كان بالكاد قد أنهى دراسته الثانوية (الليسيه) وذهب مترحلا ومتجولا في شوارع كابل ومستكشفا الحياة في مدن الشرق، ولاحقا درس آسيا الوسطى في مدن أوزبكستان وطاجيكستان العريقة، قبل أن يعود لباريس وينال دكتوراة الفلسفة، ويدرّس في عدة جامعات ومعاهد فرنسية.
وقدم مؤلفات مهمة في علم اجتماع الإسلام والأديان ترجمت أغلبها للعربية، ومنها "الإسلام والعلمانية، الجهل المقدس.. زمن دين بلا ثقافة، الجهاد والموت، عولمة الإسلام، فشل الإسلام السياسي" وغيرها، واستضافت الجزيرة نت روا ليتحدث عن مستقبل الأديان والهوية والعلمانية، وفيما يلي أبرز ما جاء على لسانه من أفكار خلال المقابلة:
يؤكد روا أن الاستشراق لم يكن نتاج الحقبة الاستعمارية فقط، بل سبقها بكثير. فقد نشأ أواخر القرن الـ18 كمجال معرفي أكاديمي يتمحور حول دراسة "الشرق" بوصفه حضارة متميزة. وكان أول المستشرقين في أوروبا من المعجبين بالحضارة الإسلامية، ولكنهم نظروا إليها كماضٍ مجيد فقد صلته بالحاضر.
إعلانويرى أن تلك النظرة تغلغلت في الخطاب الغربي، إذ اعتُبر أن العالم الإسلامي "فاته ركب التقدم والعلمانية" وأن عليه أن يبدأ من جديد، وأن يتعلم من الغرب مسار "الحداثة". ويشير روا إلى أن هذا التوجه لم يقتصر على الغرب، بل تبناه عدد من القادة السياسيين في العالم الإسلامي، مثل مصطفى كمال أتاتورك الذي رأى ضرورة محو المؤسسات التعليمية والثقافية التقليدية وبناء مؤسسات "حديثة" على النموذج الغربي.
العلمانية كوسيلة للسيطرةينتقد روا الفرضية الغربية القائلة بأن "التقدم لا يتحقق إلا من خلال العلمانية" ويعتبر أنه تم تعميمها لتصبح شرطاً حضارياً للانتماء إلى العصر الحديث.
ويضيف أن تلك الرؤية لم تكن بريئة، بل وظفت سياسياً في سياق الاستعمار. ويضرب مثلاً بفرنسا التي لم تكن في البداية معنية بثقافة الجزائر، لكنها لاحقاً أنشأت مؤسسات مثل كليات الشريعة الإسلامية بإدارة فرنسية، لا بهدف الاعتراف بالثقافة المحلية بل بهدف السيطرة عليها وإعادة إنتاجها بما يخدم هيمنة المستعمر.
عالمية مزعومةينتقد روا بحدة الاستخدام الغربي لخطاب حقوق الإنسان، ويؤكد أن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان عام 1947 كان بتمثيل غربي شبه حصري، مما جعل "العالمية" المفترضة تميل إلى كونها "خصوصية غربية مصدَّرة".
ويشير إلى أن ذلك الخطاب تحول إلى وسيلة لفرض نموذج ثقافي محدد، يتجاهل السياقات المحلية أو يصنّفها كمعارضة للمفاهيم الكونية، مثل الدين أو القيم المجتمعية غير الغربية.
ويضرب مثلاً بالمواقف الغربية المتباينة من القضايا العالمية، مثل الحرب في أوكرانيا والمجازر في غزة، ليوضح أن ما يُفترض أنه موقف مبدئي "يُكيف حسب المصلحة الجيوسياسية".
من الحضارة إلى "مشكلة الإسلام"يُبيّن روا أن التحول الأخطر في الخطاب الاستشراقي الحديث يتمثل في الانزياح من رؤية "الشرق الإسلامي كحضارة" إلى رؤيته كـ"مشكلة دينية". فمنذ السبعينيات، لم يعد الإسلام يُنظر إليه كمكون ثقافي، بل كتهديد مباشر للغرب، وتحوّل إلى "ذريعة لتجريم المجتمعات الإسلامية". فالرموز الدينية مثل الحجاب أو الامتناع عن الخمر أصبحت تلقائياً تُربط بالسلطوية وغياب الحريات.
ويضيف أن الإسلام لم يعد يُعالج كجزء من تنوع الثقافات، بل كعدو مبدئي لحقوق الإنسان، في رؤية تُختزل في عنوان "الإسلام ضد الحداثة".
أزمة الغرب المعاصرة: الهوية بدل المبادئيقول روا إن الغرب يشهد اليوم انحداراً من "الخطاب القيمي الكوني" إلى "خطاب الهوية والإقصاء" وتحديداً مع تصاعد الخطاب الشعبوي. ويضرب مثلاً بفرنسا، حيث تُعامَل المظاهر الدينية الإسلامية كتهديد لوحدة الأمة، رغم أن دساتيرها تنص على حرية المعتقد. ويشير إلى أن المفارقة تكمن في أن تلك الدول التي تدّعي نشر التعددية في الخارج تسعى لطمس التنوع داخلياً.
ويضيف أن الديمقراطيات الغربية تعاني أزمة بنيوية، وليست "تتعرض لتهديد الإسلام" كما يُروّج، بل تُقوَّض من الداخل على يد الحركات الشعبوية، في حين أن المسلمين من الجيلين الأول والثاني بأوروبا في الغالب يؤمنون بالديمقراطية ويريدون الاندماج، لكن مع احترام حريتهم الدينية.
ويلفت روا إلى أن المسلمين في الغرب يطالبون بحقوق مضمونة في الدساتير، مثل الحق في المظاهر الدينية أو الغذاء الحلال، لكن يُواجَهون بالرفض. ويقول إن المسلمين ليسوا ضد الديمقراطية، ولكن يُصوَّرون كذلك في الخطاب السياسي الغربي، ويجري استثمار هذا الخطاب لأغراض سياسية داخلية.
إعلانويشير إلى أن الفارق في التعامل مع الأحزاب السياسية الإسلامية، مقارنة بالأحزاب القومية المتطرفة الصاعدة في أوروبا، مثل "رالي الوطنية" في فرنسا و"البديل من أجل ألمانيا" يُظهر الكيل بمكيالين، إذ يُحرَّم على الإسلاميين ممارسة السياسة، في حين يُسمَح لليمين المتطرف بالتمدد في السلطة.
أزمة الاستشراق ومأزق الغربيختتم روا بأن العالم الغربي يعيش اليوم صراعاً داخلياً بين مبادئ الكونية ونزعات الهوية والإقصاء. ويقول إن النزاع لم يعد بين حضارتين، كما ذهب صموئيل هنتنغتون، بل بين الهوية والمبدأ، في ظل تحوّل الإسلام في المخيال الغربي إلى تهديد جوهري لا مجرد اختلاف ثقافي أو ديني.
ويخلص المفكر والأكاديمي الفرنسي إلى أن مأزق الغرب يكمن في فشله في تحقيق المساواة في الداخل، وازدواجية معاييره بالخارج، وتراجع إيمانه بقيمه المؤسسة نفسها، وعلى رأسها الديمقراطية.