بغداد اليوم- متابعة

لا يمكن للكلمات أن تصف شعور الإنسان الذي يقع ضحية للتحرش الجنسي، ولا تتوفر الكثير من المعلومات أو حتى الإحصاءات حول مدى انتشار هذه الظاهرة وخطورتها، خاصة في الدول التي يعتبر التطرق فيها لمثل هذه القضايا أمرا في غاية الحساسية.

ففي العراق، يسلط ما تتناقله وسائل الإعلام الرسمية، الضوء على حالات الابتزاز بصورة عامة، وتنقل عن لسان مسؤولين، الحملات التي تنفذها السلطات للقضاء على التحرش، دون أن تكون هناك صورة واضحة لحجم المعاناة التي يعيشها الضحايا.

تحرش جنسي تعرضت له اللاعبة هبة محمد (22 عاما) جعلها تصمت طويلاً، قبل أن تكسر حاجز الخوف وترفض بشدة المساومة على جسدها، مقابل أن تحظى بفرصة المشاركة في إحدى المنافسات الرياضية خارج العراق.

وطالما رغبت الشابة محمد في أن تحقق حلمها بأن تصبح إحدى بطلات العراق في ألعاب القوى، لكن ما واجهته من تحرش و"مساومة جنسية"، حطم آمالها بالوصول إلى مبتغاها. 

وتقول محمد إن "العادات والتقاليد والأعراف المجتمعية ورفض الأسرة"، من أهم العوامل التي كانت تعيق بدء مشوارها ومواصلة تدريباتها بغية الاحتراف. 

وبعد جهود طويلة لإقناع عائلتها بإكمال مسيرتها، وقعت الشابة في شباك التحرش الجنسي، ومحاولات لإقناعها بالموافقة على "إشباع الرغبات" مقابل سفرها إلى خارج العراق للمشاركة في بطولة دولية.

لم تتوقع محمد أن يصل الحال إلى هذا "المستوى من تدني الأخلاق" في الوسط الرياضي، كما تقول، معربة عن خيبة أمل كبيرة بعد أن صُدمت بهذا الواقع المؤلم.

المرصد العراقي لحقوق الإنسان حذر في عام 2022، من تزايد حالات التحرش الجنسي واللفظي في كثير من المنشآت الحكومية والخاصة، بما في ذلك المنازل، وفق شهادات لضحايا وشهود عيان.

المرصد استمع للشهادات الشخصية وأجرى مقابلات عديدة، تحدثت خلالها نساء وكذلك رجال عن تفاصيل حوادث تحرش وقعت في مستشفيات وجامعات ومدارس ودوائر حكومية وأخرى خاصة، وكذلك في وسائل إعلام.

وطلب المتحدثون جميعهم عدم ذكر أسمائهم أو كشف معلومات تقود إلى التعرف عليهم أو على مرتكبي حالات التحرش، خشية "الوصمة المجتمعية" والملاحقات العشائرية.

"كبت وشهوات وتربية خاطئة"

تعزو الباحثة الاجتماعية، ندى العابدي، أسباب انتشار حالات التحرش الجنسي، إلى "الكبت المتزايد في مجتمعاتنا الشرقية، والنظرة الدونية للمرأة من قبل الرجل، التي يكتسبها خلال تربيته وسط الذكورية الطاغية في المجتمع".

وأشارت كذلك إلى ما اعتبرتها "الصورة النمطية الخاطئة للمرأة، التي تقول إن مكانها في البيت، وأنها ليست سوى وسيلة للمتعة وإفراغ الشهوات، وتلبية رغبات الرجل والإنجاب" على حد تعبيرها.

وأضافت أن "الفصل بين الجنسين وتفضيل الذكر عن الأنثى، كان نتيجة التربية الخاطئة في المجتمعات الفقيرة، وتلك التي أرهقتها الحروب والأزمات السياسية والاقتصادية، التي شوهت صورة ومكانة المرأة في المجتمع العراقي". 

وشددت الباحثة الاجتماعية ندى العابدي، على ضرورة "تغيير هذه المفاهيم، من خلال التوعية، وتطبيق حزمة إجراءات، وتفعيل القانون، لتعزيز مكانة المرأة وتغيير الصورة النمطية غير المنصفة لها في المجتمعات الشرقية".

اللاعبة محمد التي تعرضت لتحرش جنسي، اعتبرت أن من أهم أسباب استمرار هذه الظاهرة هو "عدم خوف الرجل من الردع عندما يقدم على التحرش، خاصة أنه على يقين بأن المرأة لا تتمكن من البوح بتعرضها لمضايقات ومساومات جنسية"، فيبقى الصمت "وسيلتها الوحيدة وسط نظرة المجتمع، التي غالباً تلقي اللوم على المرأة فيما يفلت الجاني من العقاب".

تحرش جنسي في الوسط الرياضي

أكد الخبير الرياضي غزوان العبادي، تراجع الرياضة النسوية الجماعية في العراق، مثل كرة القدم وألعاب أخرى، واقتصار مشاركة النساء على ألعاب فردية، "بسبب تزايد حالات الابتزاز الجنسي" التي تتعرض لها النساء في الوسط الرياضي، وما تخلفه من تبعات تجعل المرأة تتجنب الدخول في هذا المجال.

الإشكالية الأساسية، حسب العبادي، هي "إثبات حالات التحرش، لعدم تمكن النساء من تسجيل شكاوى أو دعاوى رسمية، لأسباب تتعلق بطبيعة المجتمع العشائري، خشية الفضيحة، مما يعيق تطبيق القانون لمحاسبة المبتزين".

وطالب العبادي بـ"تفعيل الدور الرقابي للجهات المعنية، عبر تشكيل لجان مختصة سرية تتيح لضحايا الابتزاز والتحرش تقديم شكاوى في طي الكتمان، لا تكشف عن هوية المرأة وتجنب وقوعها ضحية للتشهير"، مبيناً أن هذا الإجراء "سيحد من جرائم الابتزاز والتحرش"، بعد انتشارها مؤخراً بشكل كبير.

العبادي دعا أيضا إلى إبراز "أهمية توعية وتثقيف العنصر النسوي، بضرورة عدم الرضوخ للمبتز وتقديم شكوى لوزارة الداخلية، التي لديها أقسام مختصة تتابع هذه الحالات وتعمل على مكافحتها".

"تثقيف" وإجراءات "أكثر ردعا"

ويحذر الخبير الرياضي العبادي، من تبعات أخرى للتحرش الجنسي، معتبر أن عدم الحد من هذه الظاهرة "سيحجم دور الرياضة النسوية في العراق، بسبب خوف أولياء الأمور من زج بناتهم في هذا المجال وتعرضهن للابتزاز أو التشهير"، داعياً الجهات المعنية إلى "اتخاذ إجراءات فاعلة، وتطبيق رقابة صارمة، توفر من خلالها الأجواء المناسبة للنهوض بالرياضة النسوية العراقية إلى مستويات متقدمة".

أما أستاذ علم النفس، أحمد الذهبي، فقد طالب من جهته بـ"ضرورة العمل الجدي" لوضع معالجات حقيقية تهدف إلى "تثقيف المجتمع بمكانة المرأة".

وأشار الذهبي إلى أن التحرش الجنسي، له "آثار نفسية خطيرة، قد تدفع بعض الضحايا إلى الانتحار، ويؤدي إلى اضطرابات نفسية سلوكية، يصعب على الضحية التخلص منها".

ودعا الذهبي إلى "تفعيل القوانين" لحماية المرأة من التحرش والابتزاز، وفرض عقوبات رادعة بحق المتورطين، للحد من هذه الظاهرة والقضاء عليها تدريجيا.

المصدر : الحرة

المصدر: وكالة بغداد اليوم

كلمات دلالية: التحرش الجنسی حالات التحرش هذه الظاهرة فی المجتمع فی العراق

إقرأ أيضاً:

قومي المرأة بالشرقية يطلق حملة الـ 16 يوما لمناهضة العنف ضد النساء

أكد المهندس حازم الأشمونى محافظ الشرقية أن المرأة شريك أساسي وقاسم مشترك مع الرجل في بناء وتنمية المجتمع وتعمل على خلق بيئة متوازنة لتحقيق التنمية الشاملة ، مؤكداً على ضرورة تعزيز الثقافة المجتمعية الرافضة لكل أشكال العنف ضد المرأة وحمايتها من خلال تنظيم الندوات التوعوية لجميع فئات المجتمع لتعزيز ثقافة الحفاظ على المرأة لكونها الدعامة الأساسية لبناء وتنمية المجتمع.

في أول أيام عملها.. وكيلة الشباب والرياضة بالشرقية تحيل مسئولين بمركز شباب كفور نجم للتحقيقالاثنين.. الزقازيق تستضيف معرض تجربة شخصية لفناني الشرقية ضمن فعاليات المواجهة والتجوالبسبب الميراث.. مشاجرة بين أبناء عمومة بالشرقية

ومن جانبها أشارت الدكتورة عايدة عطية مقررة فرع المجلس القومي للمرأة بالشرقية قيام الفرع بإطلاق عدة ندوات تحت عنوان "مناهضة العنف ضد المرأة" خلال الفترة من ٢٥ نوفمبر إلى ١٠ ديسمبر بالتعاون مع مكتبة مصر العامة ومديرية الشئون الصحية والتي تتضمن التعريف بحملة "ال١٦ يوم" لمناهضة العنف ضد المرأة وأنواع العنف وصوره المختلفة وأثره على المجتمع.

وأوضحت مقررة الفرع المجلس القومي للمرأة بالشرقية أن حملة "ال ١٦ يوم" لمناهضة العنف ضد المرأة هى حملة عالمية تدعو إلى وضع حد للعنف ضد النساء والفتيات تقام كل عام وتبدأ ٢٥ نوفمبر اليوم العالمي للقضاء على العنف ضد المرأة وتنتهي في يوم حقوق الإنسان ١٠ ديسمبر من كل عام وتتضمن الحملة هذا العام مجموعة متنوعة من الأنشطة والفعاليات.

طباعة شارك الشرقية محافظ الشرقية تعزيز الثقافة المجتمعية العنف ضد المرأة

مقالات مشابهة

  • نائب رئيس جامعة عين شمس تفتتح فعاليات «16 يومًا لمناهضة العنف ضد المرأة»
  • قومي المرأة ينظم ندوة بجامعة سوهاج حول أشكال التحرش الإلكتروني
  • قومي المرأة ينظم ندوة بجامعة سوهاج حول أشكال التحرش الالكتروني
  • قصور الثقافة تشارك في ندوة توعوية بطنطا حول ظاهرة «العنف ضد المرأة»
  • الأمم المتحدة تحذر من تفاقم الأزمة الإنسانية في الصومال جراء الجفاف
  • المجلس القومي للمرأة: الابتزاز والتنمر الإلكتروني شبح يؤثر على كل امرأة ناجحة
  • "القومي للمرأة": الابتزاز والتنمر الإلكتروني شبح يؤثر على كل امرأة ناجحة
  • بين حصار لا ينتهي وموت بطيء .. الحقيقة التي يحاول العالم تجاهلها في غزة
  • قومي المرأة بالشرقية يطلق حملة الـ 16 يوما لمناهضة العنف ضد النساء
  • كلاوت الإطار التي لا تنتهي..الإطار يدين استهداف حقل كورمور الغازي من قبل ميليشياته