الصراع الحالي.. والأفكار الكبيرة (البدايات)
تاريخ النشر: 29th, September 2024 GMT
صراعنا مع الغرب صراع قديم ممتد لم ينته، وما يحدث الآن في المنطقة محطة من محطات هذا الصراع. ويمثل الإسلام، دين أغلبية أهل المشرق، "المبرر الأصلي لكل عداء الغرب إزاء الشرق" كما يقول د. إدوارد سعيد (ت: 2003م) في كتابه العمدة "الاستشراق"، الذي صدر عام 1978م. والغرب الآن تمثل أمريكا فيه رأس السهم، والتي يمثل اليهود فيها قوة نافذة، فغير أنهم في أمريكا أكبر تجمع يهودي في العالم، يفوق في حجمه إسرائيل ذاتها، سنجد أن العلاقة بين إسرائيل وأمريكا علاقة خاصة وعميقة، الاثنان قاما على فكرة الاستيطان والإحلال ومحو تاريخ الأخر، كما يقول أستاذ الأساتذة د.
ولا نغفل بالطبع العلاقة "السياسية العملية" التي تجعل أمريكا هي المسؤول الأبوي مسؤولية كاملة عن "إسرائيل" التي تنوب عنها في المنطقة، فهي التي تحفظ للشرق الأوسط استمراره السياسي والاجتماعي على الشكل الذي يريده الغرب وتريده أمريكا، وينبغي أن يستمر ويبقى عليه، بعيدا عن الأفكار الكبيرة، أفكار البدايات.
* * *
وما نراه ونسمعه عن أن إسرائيل تتحدى أمريكا، ولا تخضع لبايدن وينتظرون ترامب، والديمقراطيون والجمهوريون، كل هذه أهازيج طريفة، للاستهلاك والتغني، الحقائق في جوهرها، هي هي، كما هي.
والمواقف الأخيرة لوزير خارجية أمريكا بلينكن (62 سنة) ليست فقط لكونه يهوديا كما يقول، بل لأنه يطبق ثوابت استراتيجية تمثل جوهر العقل الأمريكي في النظر والتعامل مع الشرق الوسط.
وكل ما يحدث من إبادة وتقتيل وتدمير في غزة، هو أمريكي بالأصل والأساس، لأسباب كثيرة على رأسها تأديب أهلنا في غزة، ويأتي هذا الهدف قبل محاربة المقاومة، لماذا؟ لأنهم احتضنوها. والمقاتل المجاهد، ما هو إلا لبن أمه، وحضن أمه، وخبز أمه، وقهوة امه (رحم الله محمود درويش).
* * *
ثلاثة من الكبار، أصحاب المواقف الكبيرة والأفكار الكبيرة (فيلسوف ومفكر وشاعر) كنت أتمنى أن يكونوا بيننا الآن، ولو أن أعطيهم من عمري أعمارا، ليشاهدوا بأعينهم ما قالوه وتوقعوه، وليتعرفوا أكثر وأكثر، على النضج الهائل الذي وصلت إليه المقاومة في الفهم والقراءة السياسية والقدرة وثبات القدم.
بل ورغم عمقها الإسلامي العميق سنجدها في غاية القرب والتفهم للآخر المقاوم المختلف، وأيضا الإعراض الجميل المترفع عن سفاهات السفيه هنا وهناك.. وهي سلوكيات شرب ماءها "المجاهد الجديد" من إناء "الإخلاص والحب والقرب والتجرد" للعلي العظيم، رب العالمين.
كما تمنيت أن يكونوا قد عاصروا قياداتها وتعرفوا على ثقافتها الواسعة وعقلها الرحب وصدرها الأرحب، وجرأتها وشجاعتها ودقتها في قراءة التاريخ، قراءة موصولة بالواقع.
* * *
من هم هؤلاء الثلاثة؟
- د. عبد الوهاب المسيري الذي قال لنا مرة إنه "كلما تحدثت مع أحد أعضاء النُخب العربية عن نهاية إسرائيل وجدته ينظر إليّ كما لو كنت مجنونا، ولذلك قررت أن أصدر كتابا عن "نهاية إسرائيل" كله من مقالات لكتاب إسرائيليين في الصحف الإسرائيلية، فالإسرائيلي يشعر أنه تم توريطه للعيش في فلسطين أي في قلب ووسط الأمة العربية والعالم الإسلامي، بكل ما يعنيه ذلك من صراع لا ينتهي".
- د. إدوارد سعيد (ت: 2003م) الذي قال: إن القضية الفلسطينية تم التخلي عنها خوفا من قول الحقيقة، والإقرار بوجود أقسى حالة من حالات الظلم في العالم (أكبر قضية عنف تاريخي ضد الإنسانية).
أين هو من مشهد المظاهرات في قلب الجامعات الأوروبية والأمريكية خاصة جامعته الشهيرة كولومبيا التي كان فيها نجما حقيقيا؟..
ويبقى كتابه الفريد "الاستشراق" أهم ما يقرأه العربي والمسلم والإنسان الشرقي عامة، في معرفة مقدار العداء والشراسة التي كان عليها الاستعمار الأوروبي للعالم وما مثله المستشرقون في تبرير هذه الشراسة.
- أما ثالثهم فهو محمود درويش (ت: 2008م) الذي كتب تلك القصيدة الرائعة، فور اندلاع الانتفاضة الأولى 1987م.. والتي اجتمع من أجلها الكنيست وهاجمه رئيس وزراء إسرائيل إسحاق شامير وقتها في الكنيست بمنتهى البذاءة.. وقال: كان بإمكاني أن أقرأ القصيدة أمام البرلمان لولا أني أربأ بأن أمنحها "شرف!!" تسجيلها في محاضر الكنيسيت.
تقول أبيات من القصيدة:
أيها المارون بين الكلمات العابرة
احملوا أسماءكم وانصرفوا
واسحبوا ساعاتكم من وقتنا وانصرفوا
أيها المارون بين الكلمات العابرة
منكم السيف ومنا دمنا
منكم الفولاذ والنار ومنا لحمنا
منكم دبابة أخرى ومنا حجر
منكم قنبلة الغاز ومنا المطر
وعلينا ما عليكم من سماء وهواء
* * *
سيبقى أن أجمل ما في المشهد الهائل الذي يعيشه الشرق الآن، أن جميع أطراف المقاومة الفاعلة والمساندة، تنتمي إلى "الأفكار الكبيرة"، أفكار البدايات، إذا نزعت عن هذا المشهد كل الرواسب الطائفية القديمة، والتي عمليا يتم التخلص منها فعليا كلما أوغل هذا الحدث الأعظم (طوفان الأقصى) في كل أجواء وساحات الشرق، ولامس فيه كل الأعصاب العارية: فكريا ومذهبيا وسياسيا واجتماعيا.
قد يبدو الأمر حتى الآن كأن شيئا لم يتغير في الظاهر، لكن علينا أن نعلم أن كل شيء قد تغير بالفعل، ليس فقط على مستوى الوعي العالمي الحاد بقضية فلسطين والشعب الفلسطيني..
وليس فقط على مستوى خلخلة الاستراتيجية الغربية بالنظر الى قوة إسرائيل التي لا تقهر وغير القابلة للتفوق عليها في أي مجال من مجالات المواجهة (العسكرية والاستخباراتية)..
وليس فقط على مستوى ضبط إيقاع الصراع على المستوى الإقليمي وفق رؤية المقاومة، لا رؤية النظام العربي الرسمي القديمة والجديدة.. ولكن على مستوى عودة "البدايات" التي عادة ما تمنح الرؤية قوة وعمقا ووضوحا أكثر.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه الغرب صراع المقاومة الغرب المقاومة صراع طوفان الاقصي مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة صحافة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة على مستوى
إقرأ أيضاً:
عماد الدين حسين: أمريكا تمد إسرائيل بالسلاح والمال والدعم السياسي
أكد الكاتب الصحفي عماد الدين حسين، عضو مجلس الشيوخ ، أن الموقف المصري تجاه القضية الفلسطينية راسخ وثابت، مشددًا على أن القاهرة ترفض تمامًا أي محاولات للتهجير أو تصفية الحقوق الفلسطينية، وأنها تتحرك بدافع قومي وأمني لا يقبل التهاون.
وفي مداخلة له عبر برنامج "منتصف النهار" المذاع على شاشة "القاهرة الإخبارية"، وتقدمه الإعلامية هاجر جلال، نوّه حسين إلى أن الرسائل التي وجهها الرئيس عبد الفتاح السيسي، وكذلك تصريحات وزير الخارجية الدكتور بدر عبد العاطي، تأتي في توقيت بالغ الأهمية، وتؤكد مجددًا أن مصر لن تسمح بتصفية القضية أو العبث بها.
وأوضح حسين أن "المصلحة القومية لمصر تقتضي بقاء الشعب الفلسطيني في أرضه"، مؤكدًا أن زعزعة الاستقرار في غزة أو الضفة الغربية يمثل خطرًا مباشرًا على الأمن القومي المصري، بعيدًا حتى عن البعد القومي أو العروبي.
وأضاف: "لا يمكن لأي طرف عاقل أن يتصور أن مصر قد تفرّط في حقوق الشعب الفلسطيني، أو تتغاضى عن مخطط تهجير بات واضح المعالم، مصر وقفت سدًا منيعًا أمام هذا المخطط منذ لحظاته الأولى".
وعن مدى تأثير الرسائل المصرية والعربية على صانع القرار الأمريكي، قال حسين: "الرئيس السيسي كان واضحًا ومباشرًا في حديثه إلى الرئيس الأمريكي، ودعاه إلى وقف الحرب، لأنه يدرك أن الطرف الوحيد القادر على كبح جماح إسرائيل هو الولايات المتحدة".
وتابع: “لكن، للأسف، واشنطن ليست فقط منحازة، بل شريكة بشكل مباشر في هذه الحرب، أمريكا تمد إسرائيل بالسلاح والمال والدعم السياسي، بل سحبت من مخزونها الاستراتيجي لصالح تل أبيب، وأصبحت تتعامل معها كما لو كانت الولاية رقم 52”.