العلاقات المصرية الصومالية.. تاريخ طويل وشراكة استراتيجية
تاريخ النشر: 11th, October 2024 GMT
تتمتع مصر والصومال بعلاقات تاريخية متينة تمتد لعقود طويلة، حيث كانت مصر دائمًا داعمًا قويًا لاستقرار ووحدة الصومال في مختلف المراحل التي مرت بها البلاد. تشكل هذه العلاقة جزءًا من استراتيجية مصر الأوسع لدعم قضايا القارة الأفريقية، وخاصة منطقة القرن الأفريقي، التي تتميز بأهمية استراتيجية وجيوسياسية بالغة.
ترتبط مصر والصومال بعلاقات دبلوماسية تعود إلى فترة ما قبل استقلال الصومال في عام 1960. خلال هذه الفترة، لعبت مصر دورًا فعالًا في دعم استقلال الصومال عن الاستعمار، حيث كانت القاهرة واحدة من الدول الأفريقية البارزة التي ساندت القضية الصومالية في المحافل الدولية. ومنذ الاستقلال، ظلت مصر حليفًا قويًا للصومال، سواء من خلال تقديم المساعدات الاقتصادية أو من خلال دعم مشروعات البنية التحتية والتعليم والصحة.
التعاون في مجال التعليم والثقافةيعتبر التعليم من أهم مجالات التعاون بين البلدين، حيث تقوم مصر بتقديم منح دراسية للطلاب الصوماليين في الجامعات المصرية. ويعد الأزهر الشريف من أهم المؤسسات التي ساهمت في تعزيز العلاقات بين البلدين من خلال تقديم الدعم الديني والثقافي للصومال. ويلعب الأزهر دورًا مهمًا في نشر التعليم الديني وتدريب الأئمة الصوماليين لمواجهة التطرف والإرهاب، مما يعزز من دور مصر في تحقيق الاستقرار الثقافي والديني في الصومال.
التعاون السياسي والدبلوماسيتستمر مصر في دعم الصومال على الصعيدين السياسي والدبلوماسي، حيث تقف إلى جانب الحكومة الصومالية في جهودها لتحقيق الاستقرار ومواجهة التحديات الداخلية، خاصة الإرهاب الذي تمثله حركة الشباب. وتعزز مصر من علاقاتها مع الصومال عبر تنسيق الجهود المشتركة في المحافل الدولية، بما يضمن حماية المصالح المشتركة للبلدين، ويؤكد التزام مصر بدعم وحدة الأراضي الصومالية.
التعاون الأمنيفي ظل التحديات الأمنية التي تواجه الصومال، ولا سيما مع تنامي أنشطة الجماعات الإرهابية، تقدم مصر دعمًا أمنيًا للصومال. يتمثل هذا الدعم في بناء قدرات الجيش الصومالي والقوات الأمنية، وتقديم التدريبات العسكرية، إلى جانب التنسيق الأمني في مواجهة الإرهاب، خاصة أن مصر تمتلك خبرة واسعة في هذا المجال. وقد لعبت مصر دورًا مهمًا في دعم الحكومة الصومالية لتعزيز الاستقرار ومحاربة الجماعات المسلحة.
التعاون الاقتصاديعلى الصعيد الاقتصادي، تمتلك العلاقات المصرية الصومالية إمكانيات كبيرة للنمو والتطور. إذ تسعى مصر إلى تعزيز التعاون الاقتصادي مع الصومال، خاصة في مجالات الزراعة والصيد البحري، التي تعد من أهم القطاعات الاقتصادية في الصومال. بالإضافة إلى ذلك، هناك توجه لزيادة الاستثمارات المصرية في البنية التحتية والطاقة في الصومال، وهو ما سيساهم في تعزيز التنمية الاقتصادية في كلا البلدين.
الرؤية المستقبليةفي إطار الجهود المستمرة لتعزيز العلاقات، تسعى مصر إلى لعب دور أكبر في إعادة إعمار الصومال ودعم جهوده للتغلب على الأزمات الاقتصادية والأمنية. وتعتبر القاهرة الصومال شريكًا استراتيجيًا مهمًا في منطقة القرن الأفريقي، وتسعى إلى تعميق التعاون بين البلدين على كافة المستويات، بما يحقق الاستقرار والازدهار في المنطقة.
في النهاية تمثل العلاقات المصرية الصومالية نموذجًا للشراكة الأفريقية الناجحة، حيث تتسم هذه العلاقات بالعمق التاريخي والمصالح المشتركة. ومن خلال التعاون في مجالات التعليم، الأمن، الاقتصاد، والدبلوماسية، تواصل مصر والصومال تعزيز هذه الشراكة، بما يخدم استقرار ورفاهية الشعبين، ويساهم في مواجهة التحديات الإقليمية والدولية المشتركة.
المصدر: بوابة الفجر
كلمات دلالية: العلاقات المصرية الصومالية الصومال مصر الصومال و مصر السيسي الرئيس عبدالفتاح السيسي
إقرأ أيضاً:
مؤشرات مرحلة جديدة للعلاقات المصرية الايرانية
بقلم د. حامد محمود
رئيس وحدة الخليج وايران بمركز العرب للدراسات السياسية القاهرة (زمان التركية)- تساؤلات عديده أثارتها الزيارة التى قام بها وزير الخارجية الايرانى عباس عراقجى للقاهرة لتؤشر على بداية مرحلة جديدة فى العلاقات المصرية الايرانية بدت ترسم ملانحها فى السنوات الخمس الاخيرة.
زيارة وزير الخارجية الايرانى التى جاءت بدعوه من نظيره المصرى بدر عبدالعاطى فى اشارة للدور الذى تحاول القاهرة ان تقوم به فى هذه المرحلة الحساسة من اعادة تشكيل الخارطة السياسية لمنطقة الشرق الأوسط، جاءت لتكمل ما بدأه عراقجى فى زيارته الاولى للقاهرة اكتوبر 2024، والتى جاءت بعد فترة طويلة من الفتور بين البلدين منذ العام 2013.
طهران رحبت من قبل بأية خطوات دبلوماسية بناءة من شأنها تطوير العلاقات الرسمية مع مصر بما يؤدى إلى رفع مستوى التمثيل الدبلوماسى بين الدولتين إلى درجة السفراء. وجاء هذا الترحيب من أعلى مستوى سياسى/ دينى فى طهران؛ حيث صرح المرشد الأعلى على خامنئى بأن بلاده «ليس لديها أى مشكلة فى عودة العلاقات بشكل كامل مع القاهرة فى إطار التوسع فى سياسات حُسن الجوار».
إيران ومسار جديد للعلاقات مع مصرهذه المؤشرات جاءت على خلفية محاولة طهران فتح مسارا للتقارب عبر قنوات دبلوماسية قامت بها دول عربية للتوسط بينها وبين القاهرة؛ كسلطنة عُمان والعراق وكلاهما تبنى محاولات دبلوماسية متعددة لتقريب وجهات نظر الطرفين تجاه القضايا الخلافية، لاسيما وجهة النظر المصرية؛ حيث تلقت القاهرة تلك المحاولات بقدر كبير من التروى والتريث دون الامتناع عن التفاعل مع المسار نفسه، وذلك من باب رسم الخطوط الرئيسية لطبيعة العلاقات التى ترغب مصر فى أن تلتزم بها إيران من ناحية، وتوضيح التحفظات المصرية العديدة تجاه تفاعلات إيران فى المنطقة، لاسيما تدخلاتها فى شئون عدد من الدول العربية ذات الأهمية للأمن الإقليمى المصرى من ناحية ثانية، فضلا عن تأثيرات طبيعة النفوذ الإيرانى فى بعض تلك الملفات على المصالح المصرية بصورة مباشرة من ناحية ثالثة.
بالرغم من اتجاه إيران إلى التهدئة الإقليمية مع خصومها فى المنطقة، وما نتج عن ذلك من عودة العلاقات بينها وبين السعودية خلال شهر مارس 2023، وما يعنيه ذلك بالنسبة لمصر التى تعتبر «أمن الخليج العربى» خطا أحمر، إلا أن مصر آثرت الاستمرار فى نهجها تجاه محاولات إيران للتقارب معها، والقائم على التريث وتقييم مدى استجابة إيران لوجهات النظر المصرية، لكنها فى الوقت نفسه أبدت قدرا من المرونة تجاه محاولات إيران المتعددة، فلم تغلق الباب أمام تلك المحاولات كليةً، ولم تفتحه على مصراعيه؛ حيث آثرت التأنى والانتظار ودراسة ما ستنتج عنه نتائج محاولات الوسطاء فى هذا الشأن. وقد تمثلت أولى خطوات تلك المرونة من جانب مصر بإعلان الحكومة، فى مارس 2023، فتح المجال أمام حركة السياحة الإيرانية إلى مصر بعد فترة انقطاع طويلة، وإن كانت قد ربطتها بشروط محددة. وقدمت القاهرة تلك الخطوة كبادرة على حسن نيتها كمرحلة أولى فى مسار دراستها لإمكانية إعادة العلاقات مع طهران.
استمرار حالة التأنى المصرية تجاه مساعى إيران لإعادة العلاقات إلى مستوى تبادل السفراء، بالرغم من «التغيير النسبى» فى سلوك طهران السياسى تجاه دول الخليج، يدلل على أن القاهرة تولى أهمية قصوى لمصالحها الاستراتيجية العليا. وأن ما تشهده المنطقة من تداعيات مهددة للاستقرار والأمن تتطلب التعاون بين كافة القوى الإقليمية، والاستناد إلى آلية الحوار، وتسوية الخلافات، وتسكين العديد من الملفات الساخنة.
ونظرًا لأن مصر تعتبر الدولة العربية الأكثر انخراطا من الناحيتين التاريخية والدبلوماسية فى دعم القضية الفلسطينية عامة، وفى مسار المواجهات بين المقاومة الفلسطينية وإسرائيل فى قطاع غزة على وجه الخصوص، عبر سنوات طويلة مارست فيها القاهرة دور الوساطة الرئيسى فى كل مراحل المواجهات المسلحة بين الجانبين، فإن التطورات الراهنة، الناتجة عن الحرب الإسرائيلية على القطاع منذ أكتوبر 2023، باتت تمثل «فرصة إقليمية» لمزيد من التقارب بين القاهرة وطهران، أو على أقل تقدير تمثل فرصة للعمل المشترك -انطلاقا من دعم كلتا الدولتين للقضية الفلسطينية- نحو تهدئة مسار تلك الحرب ومحاولة البحث عن حلول لها، لاسيما الدور الذى تقدمه القاهرة كوسيط فى مفاوضات وقف إطلاق النار المأمول.
واتساقًا مع هذه الرؤية، فقد رفضت القاهرة، انطلاقا من دورها الإقليمى، أن تكون جزءا من تحالف دولى بحرى تكون مهمته مواجهة النشاط الحوثى أو حتى تقويضه، رغم تضررها المباشر من تراجع حركة الملاحة فى البحر الأحمر وتأثيره على حركة التجارة عبر قناة السويس.
دلالات زيارة عراقجى للقاهرةوفى التحليل السياسى لمقردات زيارة عراقجى والتى اخذت منحى اكثر ودية وحميمية وبعيدا عن التناول الرسمى وحسبما قال رئيس «مكتب رعاية المصالح الإيرانية» في مصر، إن اللقاءات بحثت التطورات والأزمات الإقليمية، والقضايا ذات الاهتمام المشترك مثل السودان وليبيا وسوريا ولبنان وغزة، بالإضافة إلى إجراء مشاورات بشأن تطورات العلاقات الثنائية بين طهران والقاهرة، والخطوات اللازمة في هذا الصدد.
حيث يمكن القول ان مصر تهدف من وراء دعوة عراقجي للزيارة وهى الاولى لمسئول ايرانى بعد زيارة الرئيس احمدى نجاد لمصر، تهدف إلى تعزيز العلاقات مع إيران، كما تريد تعزيز دورها وسيطاً إقليمياً فاعلاً في مختلف القضايا، حيث إن القاهرة لديها رغبة في إحداث توازنات للقوى بالشرق الأوسط؛ لأنه ليس من مصلحة المنطقة أن تندلع حرب إقليمية بها.
فمصر رغم حرصها على تعزيز العلاقات مع إيران، فهي ستفعل ذلك بحذر، حيث ستبتعد عن التمثيل الدبلوماسي الكامل في هذه المرحلة، لكنها لا تمانع في التعاون بمجالات أخرى سياسية واقتصادية، وكذلك التعاون بشأن القضايا الإقليمية مثل حرب غزة وما يحدث في لبنان، وكذلك أطماع إسرائيل في سوريا، كما أن القاهرة تعطي إشارات بأنها تدعم الحلول الدبلوماسية للملف النووي الإيراني، وعراقجي بالطبع سيُطلع الرئيس المصري على تطورات المفاوضات غير المباشرة مع أميركا بوساطة عمانية.
فضلا عن ان مصر ترغب، من خلال الدعوة لهذه الزيارة، في توجيه رسالة للولايات المتحدة ومعها إسرائيل بأن لديها استقلالية في القرار وعلاقات مع إيران وفق مصالحها وما تقتضيه ظروف المنطقة، وستشهد الزيارة مناقشة أمن الملاحة في البحر الأحمر التي تضررت منها مصر كثيراً وسُبل ضغط طهران على الحوثيين باليمن لوقف استهداف السفن.
وعلى الجانب الاخر فان ايران ا تُولي اهتماماً بدور مصر المحوري عربياً وإسلامياً في كل ما يخص المنطقة، ولديها رغبة رسمية وشعبية في عودة العلاقات الدبلوماسية مع القاهرة، حيث ترى طهران أن القطيعة التي حدثت في الماضي بين البلدين قد ولى زمنها، وحالياً الظروف والمعادلات تغيرت، وهناك حاجة ماسة لتضافر الجهود، خاصة مع دولة محورية مثل مصر لحل القضايا الساخنة بالإقليم؛ وعلى رأسها القضية الفلسطينية.
وفى التحليل النهائىفان زيارة وزير الخارجية الايرانى عباس عراقجى للقاهرة جاءت هذه المرة مختلفة عن سابقتها، من حيث الشكل فدعوة القاهرة له لزيارتها امر له ابعاد هامة للغاية، وترتيب لقاءه بمدير عام الوكالة الدولية للطاقة النووية بالقاهرة فى اطار لقاء ثلاثى مع وزير الخارجية المصرى ازال العدبد من الاشكالات التى اعقيت تقرير الوكالة الدولية عنة ايران وبرنامجها النووى، كما ان الزخم السياسى الذى واكب الزيارة من خلال لقاءه مع نخبه من السياسيين.
والدبلوماسيين المصريين السابقين مؤشر هام لحالة العلاقات وإطارها المستقبلى، ونهاية الاشارة التى اراد وزير الخارجية الايرانى ارسالها من وراء الصلاة فى مسجد الامام الحسين بالقاهرة وتجوله فى منطقة خان الخليلى الاثرية .. كلها اشارات تؤشر لمرحلة جديدة من العلاقات المصرية الايرانية.
فى هذا الصدد؛ فان لقاء القاهرة سيكون بداية لمرحلة جديدة فى اطار اعادة صياغة التفاعلات فى اقليم الشرق الأوسط ومواجهة محاولات الهيمنة الامريكية الجديدة، لاسيما ان مصر وإيران هما الاكبر نفوذا وتأثيرا وان يجمعهما هدف مشترك وهو الحفاظ على امن الخليج العربى والملاحة فى البحر الاحمر.