العزاوي: صدام دعم فلسطين ماديا وعسكريا ورفض خيانة الروس مع أميركا
تاريخ النشر: 19th, October 2024 GMT
وكان الرئيس العراقي السابق صدام حسين قد استدعى العزاوي من عمله سفيرا في الاتحاد السوفياتي "سابقا" إلى العراق عام 1983، وعرض عليه منصب مدير المخابرات خلفا لأخيه غير الشقيق برزان التكريتي الذي كان على خلاف معه.
وبعد أن رفض العزاوي المنصب وطلب تعيينه نائبا لمدير المخابرات قبل توليه المنصب بشكل رسمي، جاء صدام حسين بفاضل البراك على رأس الاستخبارات العراقية، لكن هذا الأخير أعدم لاحقا بتهمة الخيانة العظمى والعمالة لإسرائيل.
ويقول العزاوي -في شهادته لبرنامج "شاهد على العصر" ويبث على منصة "الجزيرة 360"- إنه تولى منصب مدير المخابرات بعد 4 سنوات من عمله نائبا لمدير المخابرات فاضل البراك، ثم تولى المنصب بعده سبعاوي التكريتي، الأخ غير الشقيق لصدام، وهو الذي اتهم فاضل البراك بالخيانة العظمى.
وعن عمله في المخابرات، يؤكد العزاوي أنه حاول تغيير الصفة العسكرية التي كانت سائدة على المخابرات وجعلها أقرب إلى جهاز الخدمة الخارجية بوزارة الخارجية، ويقول إنه تمكن من تحقيق ذلك.
ومن التفاصيل التي يكشفها العزاوي دور جهاز المخابرات الذي كان يرأسه في دعم القضية الفلسطينية، ويقول إنه هو نفسه كان مسؤولا عن تسليح منظمة التحرير الفلسطينية ودعمها بالمال.
ويشدد على أن الرئيس العراقي الراحل صدام كان مخلصا وصادقا في دعمه للقضية الفلسطينية، وأن المخابرات العراقية كانت تدعم الفلسطينيين ماديا وعسكريا، وفنيا وسياسيا وإعلاميا.
كما يكشف مدير مخابرات صدام أنه كان على علاقة وطيدة بالزعيم الفلسطيني الراحل، ياسر عرفات، وعندما كان عرفات يأتي إلى العراق يستقبله في مزرعته التي يقول إن الدولة الجديدة في العراق صادرتها "زورا وبهتانا".
ويقول في هذا الصدد: "كنت على علاقة وثيقة جدا بياسر عرفات، وكنت مسؤولا على تسليح الفلسطينيين وبالاحتياجات الأخرى".
ويصف عرفات بأنه كان صبورا ومتوازنا، وكانت عليه ضغوط لا تحتمل من الأطراف الدولية الموالية لإسرائيل ومن بعض الدول العربية، وكان يشتكي كثيرا من سوريا ومن قلة دعم بعض الدول الخليجية للفلسطينيين.
ومن جهة أخرى، يتطرق العزاوي في شهادته إلى حادثة تصفية صدام لوزير الصحة العراقي الأسبق رياض إبراهيم بعد أن طلب منه التنحي مقابل وقف الحرب العراقية الإيرانية.
وحول هذا الحادثة، يسرد ضيف برنامج "شاهد على العصر" روايتين قال إنهما انتشرتا حينها في العراق، الأولى تقول "إن وزير الصحة وخلال اجتماع لمجلس الوزراء كان هناك نقاش حول كيفية التخلص من الحصار ومن الهجمة الأجنبية والصهيونية، فقال الوزير لصدام تنح أنت ونقول للأجانب والأمم المتحدة إنك تنحيت حتى يرفع الحصار عن العراق.. ويقال إنه أعدم بعد ذلك".
والرواية الثانية تتعلق باستيراد وزارة الصحة العراقية دواء للجرحى، تبيّن لاحقا أنه يسبب السرطان، وبعد وصول الخبر لصدام قرر إعدام وزير الصحة، ويقول العزاوي إن هذه الرواية هي الأقرب للتصديق.
كما يتطرق مدير مخابرات صدام في شهادته لبرنامج "شاهد على العصر" إلى قضية دعم الرئيس الأميركي الأسبق رونالد ريغان للمخابرات العراقية، ويعلق على الموضوع بالقول "الأميركان لعبوا على كل الأوتار، فقد تعاونوا مع العراق بالقدر الذي تعاونوا به مع إيران".
وكان ريغان أصدر عام 1983 تعليمات إلى المخابرات الأميركية بالتعاون الكامل مع المخابرات العراقية.
ويكشف العزاوي أن الأميركيين أرادوا مرة أن يعرفوا أسرار وتفاصيل الدبابة الروسية "تي 72″، مقابل تزويد العراق ببعض الأسلحة، لكن صدام رفض هذا الطلب، لأنه اعتبر ذلك خيانة للأصدقاء الروس.
19/10/2024المزيد من نفس البرنامجفاضل العزاوي يكشف سبب خلاف صدام مع أخيه غير الشقيق برزان وطردهتابع الجزيرة نت على:
facebook-f-darktwitteryoutube-whiteinstagram-whiterss-whitewhatsapptelegram-whitetiktok-whiteالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات مدیر المخابرات شاهد على العصر
إقرأ أيضاً:
الملفات الغامضة بين صدام والقذافي من صواريخ سكود إلى معسكرات المعارضة
كثيرة هي الملفات التي جمعت بين الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين والزعيم الليبي الراحل معمّر القذافي، ولا سيما أن العلاقة بين الرجلين كانت بين شدّ وجذب كغيرها من علاقات زعماء المنطقة في الربع الأخير من القرن الـ20.
وقد بدأت الحكاية في أواخر ستينيات وسبعينيات القرن الماضي حين تزامن صعود الرجلين في وقت واحد، ودخولهما في صراع على النفوذ والكلمة في المنطقة.
من التأييد إلى التنافسحين أزاح العقيد معمر القذافي نظام حكم محمد إدريس السنوسي في فجر الأول من سبتمبر/أيلول 1969، كانت بغداد تتابع المشهد من موقع المنتصر الثوري الآخر، وقد ترسخت فيها سلطة حزب البعث بعد انقلاب جرى بقيادة أحمد حسن البكر ونائبه وقريبه القوي صدام حسين في العام السابق على انقلاب القذافي.
وحينها لم تتردد العراق في إعلان الترحيب بـ"الثورة الليبية الفتية"، بل أرسلت وفدا رفيعا يقوده صدام نفسه إلى طرابلس الغرب، حاملا وعودا بالدعم المطلق سياسيا وعسكريا، فضلا عن المالي والسياسي لتثبيت أركان النظام الجديد الذي يبدو أنه كان يتفق فكريا مع النظام العراقي الجديد.
لكن هذا التقارب الذي بدا واعدا في بدايته، لم يكن سوى ومضة عابرة في سماء مشحونة بالتناقضات، ذلك أن القذافي سرعان ما تبنى رؤية الرئيس المصري الأسبق جمال عبد الناصر، الرجل الذي اعتبره قائده الروحي ونموذج الزعامة في المنطقة.
إعلانكان ناصر وقتها على خلاف عميق مع البعثيين في العراق وسوريا على الرغم من تبني كلا الفريقين خطاب القومية العربية، وخصوصا صدام حسين، الذي وصفه عبد الناصر ذات مرة بـ"البلطجي"، كما يروي جواد هاشم وزير التخطيط العراقي السابق، في مذكراته "مذكرات وزير عراقي مع البكر وصدام".
ومع رحيل عبد الناصر في سبتمبر/أيلول 1970 سرعان ما طفت الخلافات المكتومة بين الرجلين إلى السطح، لتتخذ منحى صداميا في الملفات الإقليمية.
ففي صيف عام 1971، اختار العراق دعم انقلاب شيوعي في السودان كان يستهدف إسقاط الرئيس جعفر النميري، وكما يذكر محمد عبد العزيز في كتابه "أسرار جهاز الأسرار: جهاز الأمن السوداني" فقد تحركت ليبيا بسرعة لإجهاض ذلك الانقلاب، بل ألقت القبض على اثنين من أبرز قادته وهما بابكر النور وفاروق عثمان، وسلّمتهما لاحقا للنميري، ليُنفَّذ فيهما حكم الإعدام.
كانت تلك اللحظة بمثابة إعلان قطيعة صامتة بين طرابلس وبغداد، ورسالة واضحة أن تحالفات الشعارات القومية باتت لا تصمد أمام صراع الأجندات والثأر التاريخي بين الناصرية والبعث في ملفات المنطقة المختلفة.
ولم تمضِ سوى أشهر على هذا التوتر حتى دخل المشهد العربي منعطفا جديدا، ففي عام 1972، طرح الرئيس المصري وقتها أنور السادات مشروعا طموحا لتشكيل اتحاد الجمهوريات العربية بين مصر وليبيا وسوريا في كيان وحدوي ثلاثي.
وقد بدا هذا المشروع جزءا من تطلعات وشعارات القذافي الناصرية، كما أيده حافظ الأسد بحذر كدأبه في مشاريع المنطقة، لكن البعث العراقي بقيادة صدام رأى فيه كارثة قومية، وربما إهانة شخصية له، ففي نظره كانت الخطوة محاولة "استسلامية" تُمهّد لتنازلات سياسية في القضية الفلسطينية، وفق ما يذكره الباحث عباس البخاتي في دراسته عن موقف دول المغرب العربي من الحرب العراقية-الإيرانية.
إعلانولم تلبث الأوضاع أن اتخذت منحى آخر مع اندلاع حرب أكتوبر/تشرين الأول 1973، فأمام التحدي الوجودي الذي فرضته الحرب، التقت مصالح العرب، فتوحدوا خلف قرار تاريخي بوقف ضخ النفط إلى الدول الغربية المؤيدة لإسرائيل، كان ذلك اصطفافا استثنائيا فرضه واقع الحرب أكثر من كونه ثمرة مصالحة سياسية عميقة.
لكن أمل الالتقاء ما لبث أن تبدّد مع توقيع الرئيس المصري أنور السادات اتفاقية كامب ديفيد مع إسرائيل في أواخر السبعينيات، هذه الخطوة المثيرة للجدل دفعت ليبيا إلى التحرك السياسي والدعوة إلى إنشاء جبهة مواجهة سمتها "الصمود والتصدي"، التي ضمّت أبرز العواصم العربية المعارضة للتطبيع مثل بغداد ودمشق والجزائر.
ورغم ما حملته الجبهة من شعارات الوحدة والمواجهة، فإن واقعها كان مختلفا، فقد كانت في جوهرها أداة للمناورة الإقليمية، أكثر منها جبهة صلبة لمواجهة المشروع الإسرائيلي.
ففي نهاية السبعينيات كانت ملامح السلطة في العراق قد تغيّرت جذريا، إذ لم يعد صدام حسين مجرد نائب لأحمد حسن البكر، بل أصبح هو المحرك الفعلي للدبلوماسية والسياسة العراقية، يتحكم في بوصلتها بتوازن مدروس بين الطموح السياسي والإحساس بالخطر.
كما لم يكن يدير الملفات الخارجية فقط، بل كان يُمهد بهدوء لوراثة الحكم، وهو ما تحقق حين دفع البكر إلى التنحي، ليصعد صدام رسميا إلى رأس الدولة في يوليو/تموز 1979.
لم يفتح هذا التحول فصلا جديدا في الحكم العراقي فقط، بل فجر صراعا شخصيا وسياسيا طالما كان كامنا تحت السطح، حيث التنافس المحموم بين صدام حسين ومعمر القذافي، فعقب وفاة عبد الناصر، بدا أن الاثنين يتسابقان على ملء الفراغ القيادي في المشهد العربي.
وهذا ما يذكره عبد السلام التريكي وزير الخارجية الليبي الأسبق، في شهادته التي وثّقها غسان شربل في كتابه "في خيمة القذافي"، فإن هذا الصراع اتخذ طابعا عدائيا منذ البداية، لا تحكمه فقط الخلافات الأيديولوجية، بل أيضا خصومة شخصية لا تهدأ.
إعلانوما إن أمسك صدام بمقاليد الحكم في يوليو/تموز 1979، حتى بادر بالانسحاب من "جبهة الصمود والتصدي" التي أنشأتها ليبيا ردا على اتفاقية كامب ديفيد، ولم يُخفِ صدام سبب قراره بل وجّهه صراحة نحو سوريا التي كان يقودها حافظ الأسد، غريمه اللدود، حيث اتهمها بمحاولة زعزعة نظامه من الداخل.
وكانت هذه الاتهامات أكثر من مجرد خلافات دبلوماسية، إذ استُخدمت كذريعة لحملة تمحيص لصفوف الداخل من المعارضين، بمن فيهم المحتملون، وحملت رسائل قاسية عن طبيعة النظام الجديد الذي أراد صدام منه ألا يتحكم فيه من رآهم خصومه وقتئذ.
وكما يرصد بعض الباحثين، فقد تحول التنافس بين النظامين الليبي والعراقي إلى ما يشبه حرب زعامة باردة، فيها كل أدوات التأثير، من التحالفات الإقليمية إلى التصعيد الإعلامي، مرورا بالاغتيالات السياسية والدعم العابر للمعارضات، ولقد كانت تلك الفترة إحدى أكثر مراحل النظام العربي الرسمي توترا، حيث بدا أن وحدة الصف شعار يتهاوى أمام طموحات الزعامة المتضاربة.
لم يمضِ وقت طويل حتى جاء رد القذافي على خصمه العراقي، حيث اختار أن تتحول طرابلس إلى ملاذ آمن لقيادات المعارضة الكردية العراقية، ووفر لهم القذافي غطاء سياسيا وإعلاميا يعزز موقعهم في مواجهة النظام العراقي.
ولم تكن الخطوة مجرد تضامن، بل رسالة لاذعة لصدام في وقت كان يخوض فيه مواجهات دامية ضد ما اعتبره التمرد الكردي في الشمال.
لكن التصعيد لم يتوقف عند هذا الحد، فقد وجّه القذافي ضربته الثانية إلى الداخل الليبي نفسه عندما ضيّق الخناق على حزب البعث الليبي الذي كانت له ميول نحو البعث العراقي، ومع تصاعد الحملة انتهى الأمر بمقتل القيادي البارز في الحزب عامر الدغيس في مطلع الثمانينيات، في حادثة فُهمت في بغداد على أنها تصفية سياسية ورفض مطلق لأي نفوذ بعثي عراقي في الجماهيرية الليبية.
وهكذا تحول التوتر بين الزعيمين إلى صراع استنزاف مفتوح كل منهما يستهدف العمق الإستراتيجي للآخر، ويضربه في خاصرته الضعيفة، فبينما سعى القذافي إلى زعزعة شمال العراق بدعم الأكراد، ردّ صدام بتقويض نفوذ طرابلس في الجنوب الليبي كما سنرى عبر دعم أعدائها.
إعلانوتُوّج الخلاف بين الرجلين بمواقف علنية محرجة ومواجهات ساخنة على هامش المؤتمرات العربية، واحدة من أكثر هذه اللحظات شهرة ما جرى في قمة الدار البيضاء في أوائل الثمانينيات، التي جمعت الزعيمين في لقاء مباشر، تحوّل إلى مشادة ساخرة علنية.
فخلال القمة، وكما يروي عبد الرحمن شلقم مندوب ليبيا السابق في الأمم المتحدة في مقابلة صحفية، لم يُخف صدام كراهيته واستهزاءه حين خاطب القذافي بنبرة ساخرة قائلا: "أخ معمر، ماذا سميت ليبيا؟ أعطني العنوان الكامل". وكان يشير بذلك إلى الاسم المبالغ فيه الذي اختاره القذافي رسميا لدولته: "الجماهيرية العربية الليبية الشعبية الاشتراكية العظمى".
وتعالت ضحكات خافتة في القاعة، بينما تجمد وجه القذافي، فصدام كما يذكر شلقم كان شرسا لم يكن يكتفي بالخلاف السياسي، بل استثمر اللحظة لإهانة رمزية تنتقص من مشروع القذافي الأيديولوجي، ومن تلك اللحظة الحاسمة لم تعد العلاقة بين الرجلين قابلة للترميم.
وقد عبر الوزير الليبي عبد الرحمن شلقم لاحقا عن تلك اللحظة بقوله: العلاقة بينهما تحولت إلى كراهية صريحة.. وكان أحد أوجه تلك الكراهية أن القذافي سلم صواريخ إلى إيران استخدمتها لاحقا لقصف المدن العراقية أثناء الحرب".
وكما يروي سالم الجميلي، ضابط المخابرات العراقي في زمن صدام، في كتابه "المخابرات العراقية 1968- 2003، أسوار وأسرار"، فإنه في عام 1985 وبينما كانت الجبهات مشتعلة على طول الحدود الشرقية في معركة العراق مع إيران، تلقّت بغداد ضربة صادمة من حيث لم تكن تنتظر صاروخ سكود سوفياتي الصنع يدخل المعركة ويسقط على مبنى البنك المركزي العراقي وسط العاصمة، محدثا دمارا هائلا وذعرا أكبر، ولم يكن الصاروخ إيراني المنشأ، إذ لم تكن إيران آنذاك تمتلك هذا النوع من الصواريخ ضمن منظومتها العسكرية.
إعلانوبحسب الجميلي، فإن ما كشفه التحقيق العسكري والاستخباري العراقي كان أخطر من مجرد صاروخ، فبعد تحليل بقاياه تبين أن هذا السلاح قد شُحن من ليبيا إلى إيران، في خطوة اعتبرتها بغداد طعنة في الظهر، نفذها العقيد معمر القذافي بدافع شخصي صرف، تمثل في كراهيته العميقة لصدام حسين.
وكالعادة لم يتنظر صدام طويلا للرد، وهو الذي كان يرى في الضربة إهانة مقصودة تستدعي ردا إستراتيجيا، أصدر أوامره بسرعة إلى جهاز المخابرات والقيادة العسكرية بالتوجه نحو الحدود الليبية، لم تكن الخطة غزوا مباشرا، بل فتح ساحة ضغط متقدمة على النظام الليبي من خاصرته الجنوبية.
وهنا لعبت تشاد دور المحور، حيث كانت علاقات العراق آنذاك متينة مع الرئيس التشادي حسين حبري، الذي كان يخوض حربا مفتوحة ضد القذافي في منطقة شريط أوزو، وبالمقابل كانت طرابلس تدعم فصائل متمردة ضد حبري، مما جعل الأرض التشادية بيئة خصبة للحروب بالوكالة.
وفي قلب الصحراء المحاذية للحدود الليبية التشادية، بدأت ملامح خطة عراقية جريئة بالتشكل، تمثلت في إنشاء شبكة دعم منظم لحركات المعارضة الليبية، وتزويدها بالتمويل والسلاح والمشورة الاستخباراتية.
تلك الفصائل التي كانت حتى وقت قريب مشتتة وهامشية، تحوّلت فجأة إلى أداة ضغط حقيقية على نظام معمر القذافي، بعد أن باتت مدعومة مباشرة من بغداد، وتتلقى تعليماتها من ضباط مخابرات عراقيين نافذين ومدربين.
ولم يكن هذا التحول تكتيكيا عابرا، بل كان رسالة صريحة من صدام حسين يهدد من خلالها القذافي، وهكذا انزلقت العلاقة بين العراق وليبيا إلى مرحلة من التصعيد المتبادل لا رجعة فيها، وخرج التنافس الشخصي بين الزعيمين من دوائر السياسة ليغدو صراعا ميدانيا ممتدا، تتخلله العمليات السرية والتحركات العابرة للحدود.
وبحسب شهادة الجميلي، أحد الضباط المشاركين في الملف، فقد أُنشئ معسكر خاص للمعارضة الليبية على الشريط الحدودي بين ليبيا وتشاد، نُقل إليه المعارضون المقيمون في بغداد وتشاد على حد سواء، وخضعوا هناك لتدريبات عسكرية مكثفة.
إعلانولضمان استمرار الإمداد، تم تسيير جسر جوي مباشر من قاعدة الرشيد العسكرية في بغداد إلى مطار أنجامينا التشادي، نُقلت عبره كميات ضخمة من الأسلحة الخفيفة والمتوسطة، بما في ذلك قاذفات مضادة للدروع وهاونات.
وكانت العمليات تحت إشراف مباشر من ضباط بارزين في جهاز المخابرات العراقي، وبتنسيق سياسي قاده طارق عزيز نائب رئيس الوزراء آنذاك، الذي تولى ملف العلاقات مع المعارضة الليبية.
وبعد استكمال التدريب، شنت قوات المعارضة الليبية عملية هجومية مباغتة على وحدات الجيش الليبي في تشاد بقيادة الرائد خليفة حفتر، وقد أسفرت هذه العملية عن تكبيد القوات الليبية خسائر فادحة، أجبرت حفتر على الانسحاب من ساحة المواجهة.
وفيما بدا أنه اعتراف بجدية التهديد، قرر القذافي إرسال مدير استخباراته أحمد قذاف الدم إلى بغداد في مهمة سرية، وقد كان في استقباله كبار المسؤولين الأمنيين، يتقدمهم فاضل البراك مدير المخابرات، والفريق حسين كامل قريب صدام وزوج ابنته.
وقد أفضى اللقاء إلى اتفاق غير مكتوب بأن يوقف العراق دعم المعارضة الليبية، في مقابل وقف طرابلس دعمها العسكري لإيران في حربها ضد بغداد، بحسب ما يروي الجميلي، وهكذا كانت نهاية صفحة من صفحات الخلاف بين الزعيمين.