تشبع إحساس و تبلد مشاعر أم أرقص فَرفِش و انسى همومك
تاريخ النشر: 29th, October 2024 GMT
بسم الله الرحمن الرحيم و أفضل الصلاة و أتم التسليم على سيدنا محمد.
في زمان ليس بالبعيد كانت الناس تخاف الموت و في ذات الوقت توقره ، و كانت تحتفي بالموتى من حيث إقامة المأتم و إعلان الحداد ، و خلال فترة الحداد يعم الحزن و الأسى الناس و المكان ، و تختفي جميع مظاهر الإحتفالات ، و يمتنع الأهل و الأقارب و المعارف و الجيران عن إظهار الفرح و سماع الأغاني و عن الغنآء ، فتغلق جميع أجهزة المذياع ، و تلغي حفلات الأعراس المتزامنة مع حدوث الموت ، و تؤجل تلك التي حانت أو قربت مواعيدها ، و كان النصيب الأوفر من إظهار الحزن و الأسى على الميت من نصيب النسآء ، و قد جرت العادة على أن ترتدي أرملة المتوفى و قريباته الملابس الخشنة مثل ثياب الدَّمُورِيَة و القَنجَة ، كما تعزف النسآء عن إستخدام جميع أدوات التجميل مثل الأصباغ و الحنآء و الكحل و زيوت و كريمات البشرة.
أما في هذه الأيام و مع وفرة الموت و حضوره الدآئم و تكاثر أعداد قتلى الحرب فقد أصبحت الناس تستهين بالموت و لا تأبه له كثيراً و لا تقيم له وزناً ، و مع روتين المذابح الجماعية اليومية غدت أهوال القتل و التمثيل بجثث الموتى من جز الرؤوس و بقر البطون و أكل الأحشآء و الأعضآء من الأمور اليومية العادية التي لا تسترعي الإنتباه أو تثير الشفقة و البكآء أو تستدعي الحزن و إظهار الأسى ، و قد إمتد الإهمال/عدم الإهتمام إلى أيام التعزية التي تقلصت و إلى مظاهر الحداد التي اختفت تماماً ، و هكذا لم تعد أجوآء الإحتفآء بالموت و الموتى حية كما كانت في سابق الزمان!!!...
و الشاهد هو أن سعير الحرب و موجات القتل و الدمار الغير منقطعة و الخوف و الإرهاب المصاحب قد حول حياة الملايين من السودانيين من الذين قرروا عدم النزوح أو الذين عجزوا عن الفرار لأسباب مختلفة إلى رعب و جحيم تخطى حالة الحزن بمراحل عديدة ، فقد تسبب تفاقم أحاسيس الخوف و الهلع و تعاظمها إلى ظهور حالات وبآئية من الكوابيس و الإضطرابات النفسية ، و على الرغم من ذلك فقد أصبح العديد من السودانيين يطيقون المآسي و الألام النفسية و المصاعب المصاحبة و يتعايشون معها كأمر واقع و روتيني لا مفر منه ، و قد إنتقلت تلك الأحاسيس إلى الأهل و الأقارب في بلاد الإغتراب و المهاجر علاوة على الإكتئاب...
و على الرغم من هذه الخلفية المأساوية الكئيبة و الإكتئاب الوبآئي الذي أصاب قطاعات عريضة من السودانيين داخل و خارج الوطن إلا أنه قد تلاحظ أن هنالك نفر/بعض من السودانيين من الذين فروا من ويلات الحرب و نزحوا إلى دول الجوار و العالم يبدوا أنهم لم يتأثروا/يأبهوا كثيراً بالحرب و تبعاتها ، فقد تلاحظ أن سير حياة هؤلآء النفر من السودانيين لم يتغير ، حيث أنهم لم ينقطعوا عن ممارسة حياتهم اليومية و جميع المباهج و الزينات المرتبطة بها من شهوات البطون و الفروج و جمع الذهب و الفضة و الدولار و رصفآءه من العملات الصعبة و كذلك متابعة دوريات كرة القدم الأوروبية و البطولات القارية و العالمية...
و الشاهد هو أن الحرب السودانية الراهنة و موجات النزوح الغير مسبوقة قد أتاحت فرص ذهبية/بلاتينية لجمهرة الناشطين و جماعات اللايفاتية الباحثين عن الشهرة و المشاهدات و الإستحسانات و المشاركات الذين هرعوا إلى تحميل أسافير الشبكة العنكبوتية و منصات التواصل الإجتماعي بدقآئق الأهوال و المستجدات في جبهات القتال و كذلك تفاصيل و أسرار الصراع في الساحات السياسية و دقآئق فضآئح الساسة و الأرزقية و الطفيلية السياسية و الإقتصادية ، و قد شملت التغطيات وجهات نظر الفرقآء المختلفة و أحدث ما تجود/جادت به بعض من الألسن السودانية من الكذب و التدليس و خطابات العنف و الكره العنصري و القبلي و الجهوي المنمقة بفحش القول و أقذر المفردات البذيئة المنتقاة بعناية فآئقة من معاجم ما تحت الصُّرَة و ما بين الفخذين...
كما لم يفت عليهم توثيق الجانب الفرآئحي من حياة النزوح/الفرار فكانت تغطية مراسيم عقود القران و التعديلات التي طرأت على تقليعات حفلات الزواج الباذخة و آخر المستجدات التي أضيفت إلى رقيص العروس حتى يواكب العصر و خطوط الموضة العالمية ، هذا إلى جانب تغطية ما يجري في عالم القُونَات و ما يدور في وسط مطربي الحيرة ، بالإضافة إلى بث حفلات عروض الأزيآء النسآئية و إحتفالات التخريج الجامعي الفاخرة فيما ورآء الحدود و البحار ، و ذلك في تزامن مع بث حلقات مسلسل تعليم اللسان السوداني لغير الناطقين به المصحوبة بدليل صنع الدِّلكَة و اللَّخُوخَة و زيت الكَركَار إلى جانب وصفات الإكيل السوداني و طرق تحضير الكميات التجارية من عصيدة الدُّخُن و مَدِيدَة الحِلبَة و الفسيخ و الشطة المطبوخة و الأَقَاشِي و أُم فِتفِت و كبدة الإبل بالدَّكوَة و الليمون و البصل و الشطة الخضرآء و الحمرآء...
و يظن/يعتقد بعض من المراقبين و المختصين المهتمين بمنصات التواصل الإجتماعي السودانية و بأمر الحرب في بلاد السودان أن مسلسل القتل و المجازر و أهوال الدمار و مآسي التشريد و النزوح قد أوصلت أجهزة الإستقبال الحسية و العصبية عند بعض من جماعات السودانيين و كذلك المراكز الدماغية المختصة بالمشاعر و الأحاسيس إلى درجة التشبع ، و يبدوا أن هذا التشبع قد أفضى إلى حالة من التبلد العاطفي تجمدت فيها المشاعر و أحاسيس الحزن و الأسى و بقية الإنفعالات المصاحبة مما دفع/قاد بعض من السودانيين إلى التصرف مع الأحداث من منطلق أن شيئاً لم يكن...
و على الجانب الآخر فهنالك من يرى أن لا علاقة لتفاعلات هذا البعض من السودانيين النازحين/الفارين بتشبع الأحاسيس أو تبلد المشاعر أو أي شيء من هذا القبيل ، و يعتقدون أن ضآلة/حكمة هؤلآء النفر في التفاعل مع الحرب و أحداثها المأساوية هي أغنية الفنان شرحبيل أحمد:
أرقص و فَرفِش و انسى همومك...
أَوعَك تَزعَل...
فَكِّر و اعمل...
بكرة بتنجح و تعيش أيامك...
تعيش أيامك حلوة جميلة...
و الحمد لله رب العالمين و أفضل الصلاة و أتم التسليم على سيدنا محمد.
فيصل بسمة
[email protected]
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: من السودانیین بعض من
إقرأ أيضاً:
دراسة دنماركية: الحزن الشديد قد يقود إلى الوفاة خلال عقد من الزمن
توصلت دراسة جديدة إلى أن الأشخاص الذين يعانون من الحزن الشديد والأطول أمداً كانوا أكثر عرضة للوفاة في غضون عقد من الزمن بعد وفاة أحد أحبائهم. اعلان
يشير بحث علمي جديد إلى أن الحزن العميق الناتج عن فقدان شخص عزيز قد لا يقتصر تأثيره على الجانب النفسي فقط، بل يمكن أن تكون له عواقب جسدية خطيرة تؤدي إلى الوفاة، حتى بعد مرور سنوات على الفاجعة.
ورغم أن الحزن يُعتبر ردّ فعل طبيعيًّا بعد الموت، إلا أن بعض الأشخاص قد يواجهون مضاعفات صحية خطيرة – سواء على المستوى الجسدي أو النفسي – تمتد لسنوات، وقد تكون مميتة.
شدة الحزن وتأثيرها على معدل الوفياتوقد أظهرت دراسة حديثة أن الأفراد الذين يستمرون في الشعور بالحزن الشديد على المدى الطويل هم أكثر عرضة للموت خلال فترة عشر سنوات بعد فقدان أحبائهم مقارنة بغيرهم.
وقد أجرى فريق من الباحثين في الدنمارك دراسة طويلة الأمد امتدت لعشر سنوات، تابعوا خلالها أكثر من ١٧٠٠ شخص بالغ فقدوا مؤخرًا شريك حياة أو أحد الوالدين أو قريبًا مقرّبًا. وقام الفريق بتصنيف المشاركين إلى خمس مجموعات، بناءً على شدة أعراض الحزن واستمراريتها بمرور الوقت.
وأظهرت النتائج أن الأشخاص المصنفين في "مسار الحزن المرتفع" – وهم من عانوا من أقسى مستويات الحزن وأكثرها استمرارًا – سجّلوا معدل وفيات أعلى بنسبة 88 في المئة مقارنة بأولئك الذين كانت مستويات الحزن لديهم منخفضة، بحسب ما ورد في الدراسة التي نُشرت في مجلة Frontiers in Public Health
كما تبيّن أن الأشخاص ضمن مجموعة الحزن الشديد كانوا أكثر عرضة بكثير لاستخدام مضادات الاكتئاب أو الخضوع لعلاج نفسي بعد مرور أكثر من ثلاث سنوات على وفاة أحبائهم، في حين تضاءلت هذه الفجوة بعد سبع سنوات من الفقد.
Related بلدٌ يشيخ: عشرات آلاف اليابانيين بلا أسرة أو معيل لا يجدون من يدفنهم عند الوفاةدراسة تكشف: الأطعمة المعالجة بشكل مفرط قد تزيد من خطر الوفاة المبكرة دراسة جديدة: الرياضة تهزم السرطان.. دور التمارين في تقليل خطر الوفاة ومنع عودة المرض أسباب محتملة وأبعاد صحية للحزن العميقولا يزال السبب الدقيق وراء ارتفاع خطر الوفاة لدى هذه الفئة غير واضح تمامًا، إلا أن ميت كييرجارد نيلسن، باحثة ما بعد الدكتوراه في جامعة آرهوس وواحدة من مؤلفي الدراسة، أوضحت في بيان أن دراسات سابقة ربطت بين مستويات الحزن العالية والإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية والمشاكل النفسية، بل وحتى حالات انتحار، مؤكدة الحاجة إلى المزيد من البحث لفهم العلاقة مع الوفيات.
وأشارت نيلسن إلى أن المشاركين الأكثر حزنًا كانوا غالبًا من ذوي التحصيل التعليمي المنخفض، كما أنهم استخدموا أدوية للصحة النفسية حتى قبل وفاة أحبائهم، ما قد يدل على وجود هشاشة نفسية مسبقة تجعلهم أكثر عرضة لتدهور الحالة بعد الفقد.
يُذكر أن متوسط أعمار المشاركين في الدراسة كان 62 عامًا عند انطلاق البحث، وهو عامل قد يفسّر بعض المشكلات الصحية التي ظهرت خلال فترة المتابعة. كما كانت غالبية المشاركين من النساء.
ورغم أهمية النتائج، إلا أن حجم الدراسة يُعد محدودًا، إذ شملت 107 أشخاص فقط في المجموعة ذات الحزن الشديد، مقابل 670 شخصًا في مجموعة الحزن المنخفض، ما يشير إلى ضرورة إجراء دراسات أوسع لتأكيد هذه النتائج.
آثار الصدمات العاطفية على صحة القلبلكن هذه الدراسة تضاف إلى مجموعة متزايدة من الأبحاث التي تبحث في كيفية تأثير الصدمات النفسية والعاطفية على صحة الإنسان. ومن بين المخاطر المعروفة في هذا السياق ما يُعرف بـ"متلازمة القلب المكسور"، أو تاكوتسوبو، وهي حالة مرضية تصيب عضلة القلب نتيجة لتعرض الشخص لأحداث مرهقة عاطفيًّا، مثل وفاة أحد الأحباب.
وتتسبب هذه المتلازمة في تضخّم مؤقت في القلب وفشل في ضخ الدم، وقد يتم تشخيصها خطأ على أنها نوبة قلبية، بحسب ما أوضحته دراسات منشورة في مجلة جمعية القلب الأميركية.
وقد أظهرت دراسة أخرى أن النساء أكثر عرضة للإصابة بمتلازمة القلب المكسور، بينما يكون الرجال أكثر عرضة للوفاة نتيجة لها.
كذلك، أظهرت أبحاث سابقة أن البالغين الذين يفقدون أزواجهم يكونون أكثر عرضة للوفاة خلال السنوات الثلاث التالية، نتيجة لأمراض القلب أو الانتحار، كما أن الرجال تحديدًا يواجهون خطر الموت جراء أمراض في الجهاز الهضمي أو التنفسي بعد هذه الفاجعة.
انتقل إلى اختصارات الوصول شارك هذا المقال محادثة