أنقرة- لا تزال الجهود التركية لإيجاد حل للأزمة المستمرة بين الصومال وإثيوبيا متواصلة، إذ سبق لأنقرة أن رعت لقاءين بين الطرفين لم يُسفرا عن نتائج حاسمة حتى الآن، بينما ألغيت الجولة الثالثة التي كان من المقرر إجراؤها في سبتمبر/أيلول الماضي.

ويبدو أن الاهتمام التركي بهذه القضية ينبع من علاقاتها القوية مع مختلف الأطراف الأفريقية، إذ تسعى أنقرة إلى استخدام هذه الروابط لتعزيز الاستقرار في المنطقة وطرح حلول تضمن مصالح البلدين بشكل متوازن.

وخلال مؤتمر "المراجعة الوزاري الثالث للشراكة التركية الأفريقية" الذي عُقد في جيبوتي يومي السبت والأحد، أكد وزير الخارجية التركي هاكان فيدان أن بلاده تكثف جهودها لطرح حل شامل للنزاع بين إثيوبيا والصومال، وذلك عبر اتفاق إطاري جديد يجري تطويره ليتوافق مع احتياجات البلدين ومصالحهما.

محددات الاتفاق

أوضح فيدان أن الاتفاق الإطاري يتطلب معالجة التحديات التاريخية بين البلدين، داعيا قادتهما إلى اتخاذ قرارات تخدم الحاضر وتواكب المتغيرات الراهنة.

ووفقا له، يعتمد جوهر الاتفاق على الاعتراف بسيادة الصومال بشكل غير مشروط، مع ضمان وصول إثيوبيا إلى البحر عبر مسارات سلمية ومستدامة، مبرزا أهمية ذلك للاقتصاد الإثيوبي باعتبار أن أديس أبابا دولة غير ساحلية ذات تعداد سكاني ضخم، تعتمد بشكل كبير على التجارة البحرية.

وكشف وزير الخارجية التركي عن إجراء محادثات مع نظيره الجيبوتي محمود علي يوسف حول القضية لتعزيز فرص التعاون وفتح المجال لأفكار ومقترحات تدعم الاتفاق. واختتم مؤكدا التزام تركيا بمواصلة دعمها لتحقيق الاستقرار الإقليمي، ومعربا عن أمله في التوصل إلى اتفاق يعزز الأمن والازدهار لكل من إثيوبيا والصومال والمنطقة كلها.

وكان التوتر قد تصاعد بين مقديشو وأديس أبابا بعد إعلان الحكومة الصومالية، الثلاثاء الماضي، طرد دبلوماسي إثيوبي بارز وإمهاله 72 ساعة لمغادرة البلاد إثر اتهامه "بالتدخل في شؤونها الداخلية".

وأفادت وزارة الخارجية الصومالية -في بيان لها- بأن علي محمد عدنان المستشار في السفارة الإثيوبية بمقديشو "انخرط في أنشطة لا تتوافق مع دوره الدبلوماسي"، معتبرة إياه "شخصا غير مرغوب فيه". وأضافت أن تصرفاته "تُعد خرقا لاتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية، وخاصة المادتين 41 و42 اللتين تشترطان على الدبلوماسيين احترام قوانين الدولة المضيفة والامتناع عن التدخل في شؤونها الداخلية".

وساطة محايدة

بدأت الأزمة بين البلدين بعد توقيع إثيوبيا مذكرة تفاهم لاستئجار ميناء في منطقة أرض الصومال "الانفصالية"، وهو ما قد يشير إلى اعتراف ضمني باستقلال المنطقة. وأثار هذا الاتفاق استياء مقديشو التي تعدّه انتهاكا لسيادتها، خاصة أن "أرض الصومال"، التي أعلنت انفصالها عن الصومال في 1991، لم تحصل على اعتراف دولي كدولة مستقلة.

وترى الحكومة المركزية في مقديشو أن أي اتفاق دولي يتعلق بأرض الصومال هو "تعدٍّ على وحدتها وسيادتها"، وذلك ما أدى إلى تصعيد الأزمة بين البلدين الجارين.

ويرى الكاتب والباحث المتخصص في الشؤون التركية محمود علوش أن المبادرة التركية لحل النزاع بين إثيوبيا والصومال تأتي نتيجة لخبرة أنقرة المكتسبة من جولات التفاوض السابقة بين الطرفين.

وأوضح للجزيرة نت أن أنقرة تقدم نفسها كوسيط محايد وتحظى بثقة الطرفين، مما يجعل وساطتها "الفرصة الوحيدة المتاحة للتوصل إلى حل دبلوماسي للنزاع". وترتكز الوساطة التركية على 3 محددات رئيسة هي:

تغليب الحل الدبلوماسي. الحفاظ على سيادة الصومال. التوصل إلى تسوية تلبي تطلعات مقديشو وأديس أبابا.

وأضاف الباحث علوش أن هذه الأسس تشكل محفزا للطرفين للانخراط في العملية الدبلوماسية، وأن التوصل إلى تسوية مرضية للطرفين ممكن إذا توافرت الرغبة السياسية لديهما.

من جانبه، أكد المحلل السياسي المختص بالشأن التركي طه عودة أوغلو أن التوصل إلى اتفاق بين إثيوبيا والصومال يمثل أولوية قصوى لأنقرة، مشيرا إلى الجهود الكبيرة التي بذلها وزير الخارجية هاكان فيدان في هذا السياق من خلال زيارات "مكوكية" واجتماعات مكثفة عُقدت في أنقرة.

وأوضح للجزيرة نت أن تركيا لم تحقق اتفاقا نهائيا حتى الآن رغم عقد جولتين من المفاوضات، لكنها تهدف في النهاية إلى تحقيق نجاح ينهي هذا النزاع، مستشهدا بخبرة أنقرة الطويلة في الوساطات الدولية، والتي كان آخرها بين روسيا وأوكرانيا حيث "نجحت في تحقيق تقدم ملموس في تلك الأزمة".

أهداف تركيا

وبرأي الباحث محمود علوش، لتركيا دوافع متعددة من وراء وساطتها في النزاع بين إثيوبيا والصومال، أهمها تعزيز حضورها في منطقة القرن الأفريقي كوسيط استقرار، والحفاظ على شراكاتها المتنوعة مع الطرفين، ومنع تطور النزاع إلى صراع مسلح و"هو سيناريو قد يحمل تحديات جسيمة لدور أنقرة في المنطقة".

وأوضح أن أي نجاح للوساطة التركية سيعزز صورتها في القارة الأفريقية كوسيط سلام وسيمنحها ميزات إضافية للتفاعل مع دول القارة. وأشار إلى أن جهود الوساطة تُظهر أن تسوية النزاع الإثيوبي الصومالي عبر طرق دبلوماسية "إبداعية" أمر ممكن إذا توفرت النوايا الصادقة من جميع الأطراف، سواء كانوا مؤثرين مباشرين أو غير مباشرين في هذا الصراع.

ووفقا له، لا تقتصر فوائد هذه التسوية على البلدين فقط، بل تمتد أيضا لتشمل الأطراف الخارجية الفاعلة في القرن الأفريقي، إذ إن تحقيق الاستقرار الإقليمي سيسهم في الحد من المخاطر الأمنية ويتيح فرصا للتعاون الإقليمي القائم على حسن الجوار.

ويرى المحلل السياسي طه عودة أوغلو أن تأكيد أنقرة على سيادة الصومال ووحدة أراضيه يمثل دافعا مهما وضمانة حقيقية لاستقرار البلاد، خاصة في ظل الخلافات والتوترات التي شهدتها الفترة الماضية بين إثيوبيا والصومال.

وأشار إلى أن جولات التفاوض السابقة، ورغم عدم نجاحها حتى الآن، تؤكد إصرار أنقرة على تقريب وجهات النظر، وأنها تواصل جهودها بلا كلل أو ملل لرأب الصدع بين الطرفين، واضعة نصب عينيها هدف التوصل إلى تسوية سلمية تعزز من استقرار القرن الأفريقي.

من جانب آخر، لفت الكاتب علوش إلى وجود عقبات كبيرة تعترض طريق الوساطة التركية، أبرزها حالة انعدام الثقة المتجذرة بين أديس أبابا ومقديشو والتي تعود جزئيا إلى الطموحات الإثيوبية في المنطقة. وأوضح أن تعدد الجهات الإقليمية والدولية المؤثرة في الصراع يعقد مسار الوساطة، قائلا إن أنقرة ستحتاج إلى إشراك هذه الأطراف للحد من أي تأثيرات سلبية محتملة على جهود الوساطة.

وأكد أن تركيا وسعت نطاق اتصالاتها ليشمل مصر، وجيبوتي، وكينيا، وقطر، والإمارات، والولايات المتحدة، سعيا منها لضمان دعم إقليمي ودولي واسع لعملية الوساطة. ويرى أن هذا الدعم يعدّ ضروريا لتعزيز فرص نجاح المبادرة التركية في حل النزاع وتحقيق الاستقرار في القرن الأفريقي.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات بین إثیوبیا والصومال القرن الأفریقی التوصل إلى

إقرأ أيضاً:

تطور جديد بشأن تنقيب الصومال عن الغاز والنفط

تفقد الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود، اليوم الخميس سفينة الأبحاث التركية "أوروتش رئيس" بعد إتمامها بنجاح عمليات المسح الزلزالي البحري قبالة سواحل الصومال.

 التنقيب عن الغاز في الصومال

وأشاد الرئيس الصومالي من على متن السفينة بهذا الإنجاز، معتبراً إياه خطوةً حاسمةً في جهود الحكومة المتواصلة لاستغلال موارد الصومال الكامنة، بحسب البيان الصادر عن الرئاسة الصومالية.

وزير الخارجية: مصر حريصة على دعم الاستقرار في الصومال في أقرب وقت ممكنمن بروكسل .. مصر تؤكد دعمها للأمن الإفريقي وتدعو لتعزيز الشراكة مع أوروبا ودعم الصومالالصومال.. انفجار عبوة ناسفة يعطل مهبط طائرات في مطار براوةرئيس الصومال: فلسطين محور القضايا العربية واختبار حقيقي لوحدة الصف

وقال شيخ محمود،: "يعزز هذا الإنجاز هدفنا المتمثل في تمكين الصومال من الاستفادة الكاملة من موارده الطبيعية وتحويلها إلى فرص اقتصادية وتنمية اجتماعية لطالما قادت تركيا، حكومةً وشعباً، مبادراتٍ تُثبت أن الصومال وجهةٌ واعدة للاستثمار".

 اتفاق تركيا والصومال

وبدأت سفينة الأبحاث السيزمية التركية أوروتش رئيس، أكتوبر الماضي، أنشطة المسح الزلزالي للنفط والغاز الطبيعي في 3 مناطق مرخصة في الصومال، تمثل كل منها مساحة 5 آلاف كيلومتر مربع.

وتأتي هذه المهمة في إطار مذكرة تفاهم وقعت بين تركيا والصومال في مارس 2024، لتطوير التعاون في مجال النفط والغاز الطبيعي.

طباعة شارك الرئيس الصومالي أوروتش رئيس المسح الزلزالي تنقيب الصومال الغاز والنفط التنقيب عن الغاز في الصومال اتفاق تركيا والصومال

مقالات مشابهة

  • تطور جديد بشأن تنقيب الصومال عن الغاز والنفط
  • الدفاع التركية: استسلام 6 عماليين فارين
  • باحث إسرائيلي: تركيا تملأ فراغ إيران وتعيد تشكيل تحالفات الشرق الأوسط
  • «غرفة الشارقة» تبحث تعزيز التعاون الاقتصادي مع إثيوبيا
  • أنقرة ترسل وفداً رسمياً إلى بغداد في جعبته ملفات ساخنة
  • إثيوبيا تمدد تعليق رحلاتها الجوية مع السودان لـ 30 يونيو
  • مساعد وزير الخارجية الأسبق: مصر ما زالت مستمرة في جهود الوساطة مع قطر من أجل غزة
  • وزير الخارجية: مصر حريصة على دعم الاستقرار في الصومال في أقرب وقت ممكن
  • التنافس الجيوسياسي يواكب تطور العلاقات بين إثيوبيا وفرنسا
  • المغرب وغانا يعتزمان إلغاء التأشيرات بين البلدين