لجريدة عمان:
2025-06-10@14:57:03 GMT

إسرائيل تواصل مهاجمة الصحفيين

تاريخ النشر: 11th, November 2024 GMT

«مطارَد»!!

هكذا وصف حسام شبات أخيرا حياته باعتباره صحفيا في شمال غزة.

قبل أيام قليلة، اتهمه الجيش الإسرائيلي وخمسة صحفيين آخرين من الجزيرة بأنهم مقاتلون في حركتي حماس والجهاد الإسلامي الفلسطينيتين. هذه الاتهامات، التي وصفتها الشبكة بأنها «لا تقوم على أي أساس» وأنكرها شبات والآخرون، تستهدف هؤلاء الصحفيين فعليا وتأتي وسط هجوم إسرائيلي مروع وقع أخيرا في شمال غزة.

وكانت هذه المجموعة الصغيرة من الصحفيين قد قدمت الشهر الماضي توثيقا مهما لما قاله رئيس حقوق الإنسان في الأمم المتحدة عن «جرائم محتملة ضد الإنسانية».

لقي ما لا يقل عن 129 صحفيًا وعاملًا فلسطينيًا في مجال الإعلام مصرعهم منذ بدء الحرب في غزة العام الماضي، وفقا للجنة حماية الصحفيين، ويرفع مكتب الإعلام في غزة هذا الرقم بشكل كبير ليصل إلى 188. ولقد كان هذا العام هو الأكثر دموية للصحفيين منذ بدأت لجنة حماية الصحفيين تسجيل الأرقام في عام 1992. وقالت المجموعة: إن الأسابيع العشرة الأولى من الحرب شهدت قتل عدد من الصحفيين يفوق عدد القتلى منهم في أي بلد على مدار عام كامل. وحددت لجنة حماية الصحفيين خمسة صحفيين لقوا مصرعهم، ومنهم صحفي في لبنان، نتيجة «استهداف مباشر» من القوات الإسرائيلية، وتحقق المنظمة في حالات أكثر من عشرين آخرين. (وقد نفى الجيش الإسرائيلي مرارا استهدافه للصحفيين).

لم يلق هذا العدد القياسي من الصحفيين القتلى استجابة تذكر من أهم حليف لإسرائيل، أي الولايات المتحدة. وذلك في الوقت الذي تمتلك فيه إدارة بايدن أدوات قوية للمساعدة في متابعة المساءلة عن عمليات القتل هذه. كما أن بوسعها ضمان استقلالية التحقيقات، وتطبيق قانون ليهي الذي يحظر على الولايات المتحدة مساعدة الوحدات العسكرية الأجنبية المشتبه في ارتكابها انتهاكات لحقوق الإنسان، أو حتى فرض عقوبات، مثلما فعلت لأسباب أهون كثيرا قبل بضعة أشهر فقط ردا على قانون جورجي يمكن أن يحد من حريات الصحافة.

إن قدرة العالم على معرفة ما يحدث في غزة معرضة للخطر في ظل عقود مما وصفته جماعات حقوق الإنسان بأنه نمط لإفلات إسرائيل من العقاب على قتل الصحفيين، بجانب اتهامات إسرائيل لهم بأنهم مقاتلون. فضلا عن أن استجابة واشنطن الهزيلة تؤكد للجيش الإسرائيلي أنه لن تكون هناك من عواقب.

قبل أسبوعين من اتهام السلطات الإسرائيلية للصحفيين الستة بالارتباط بجماعات مسلحة في غزة، نجا شبات وصحفي آخر، يدعى أنس الشريف، مما قالا إنه هجوم مروع شنته القوات الإسرائيلية. وقال الشريف: إن أحد زملائهم، وهو مصور يدعى فادي الوحيدي، قد أصيب برصاصة في العنق في أثناء محاولة المجموعة الفرار من طائرة رباعية المراوح طاردتهم ثم أطلقت النار عليهم. وبعد إطلاق النار على الوحيدي، بدأ زملاؤه التصوير. ويظهر الوحيدي في اللقطات منكفئا على وجهه على الرصيف. وكانت السترة الصحفية الزرقاء الداكنة التي يرتديها واضحة على قميصه الأبيض، وازدادت وضوحا بضآلة الحماية التي وفرتها له.

تمثل صورة الوحيدي وهو طريح الأرض بينما يناديه زملاؤه صدى مؤلما لإطلاق النار على مراسلة الجزيرة شيرين أبوعاقلة، التي لقيت مصرعها في الضفة الغربية المحتلة في مايو 2022. في فيديو ذلك الهجوم، ظهرت شيرين أيضا منكفئة على وجهها في الشارع، بلا حراك، وكلمة «صحافة» على سترتها الواقية من الرصاص كبيرة وواضحة. وقد تبين للعديد من التحقيقات أن شيرين ومن كانت معهم من الصحفيين كانوا على الأرجح مستهدفين. وبعد بضعة أشهر من مصرعها، قال الجيش الإسرائيلي: إن هناك «احتمالا كبيرا» بأن يكون جندي إسرائيلي قد أطلق عليها النار لكنها لم تكن مستهدفة ولن يتم توجيه اتهام لأي جندي.

في عام 2022، قمت أنا وزملائي بالتحقيق في مقتلها لصالح قناة الجزيرة الإنجليزية التي سبق أن عملت فيها منتجا للأفلام الوثائقية. أجرينا مقابلة مع شقيقها أنطون في منزله في القدس الشرقية، حيث ظهر محاطا بصورها فهي شقيقته الوحيدة. لم يحك لنا أنطون فقط عن أخته وأهمية الصحافة بالنسبة لها، بل حكى أيضا عن سعي أسرته شبه المستحيل إلى تحقيق العدالة. وقال لنا: «إذا لم تتم محاسبة أحد، فسوف يستمر الأمر إلى ما لا نهاية». لا تزال عائلتها تنتظر. ورغم أن شيرين أبو عاقلة كانت مواطنة أمريكية، أصدرت إدارة بايدن ملخصا سريعا لمقتلها بناء على تقارير من الجيش الإسرائيلي والسلطة الفلسطينية، بالإضافة إلى تحليل غير حاسم لإطلاق النار. ومنذ عامين، كانت هناك تقارير عن فتح مكتب التحقيقات الفيدرالي تحقيقا مستقلا عن البيت الأبيض، لكنه لم يصدر بعد أي نتائج ملموسة.

في العقدين السابقين على وفاة شيرين أبو عاقلة، وجدت لجنة حماية الصحفيين أن ما لا يقل عن تسعة عشر صحفيا آخرين قد تعرضوا للقتل على يد القوات الإسرائيلية في الأراضي المحتلة. ولم يتم توجيه اتهام إلى أي شخص في أي من تلك الهجمات أيضا. وتبين لتقرير صادر عن لجنة حماية الصحفيين في مايو 2023 وجود نمط للرد الإسرائيلي «يبدو أنه مصمم للتهرب من المسؤولية» وقال التقرير: إن السلطات الإسرائيلية دأبت على اتهام الصحفيين بأنهم إرهابيون دون تقديم أدلة موثوقة على ذلك. وقد اعترفت قوات إسرائيلية بقتل صحفيين فلسطينيين، سواء أكان ذلك في أثناء الحرب الحالية أو قبلها. وقالت في بعض الحالات إن صحفيين وقعوا في مرمى النيران المتبادلة، وفي حالات أخرى بررت القتل بزعم أن الصحفيين كانوا مقاتلين أو كانوا على صلة بجماعات مسلحة، وأصدرت وثائق قالت إنها عثرت عليها باعتبارها أدلة، وتبين لمنظمات مراقبة وجماعات حقوقية بعد النظر في بعض هذه المزاعم أنها غير مثبتة أو ذات مصداقية.

لقي مراسل الجزيرة إسماعيل الغول مصرعه في 31 يوليو، إلى جانب المصور رامي الريفي. وبعد مقتلهما، أصدر الجيش الإسرائيلي وثيقة قال إنها تدعم العديد من المزاعم ومنها أن الغول حصل على رتبة عسكرية من حماس في عام 2007 - عندما كان عمره عشر سنوات. وكان الغول والريفي من الصحفيين الخمسة الذين انتهت لجنة حماية الصحفيين إلى أنهم لقوا مصرعهم في عمليات قتل مستهدفة.

تبدو الاتهامات الأخيرة الموجهة للرجال الستة وقحة ومرعبة. ومن الصعب أن ننظر إلى قائمة الأسماء إلا بوصفها قائمة اغتيالات ويزعم الجيش أن المعلومات الاستخباراتية تدعم اتهاماته، ولكن رئيسة لجنة حماية الصحفيين قالت: إن الوثائق لا تبدو ذات مصداقية. وقالت إنها تخشى أن تكون الاتهامات محاولة «لتبرير أي هجوم محتمل في المستقبل على هؤلاء الصحفيين الستة بما يجعلهم معرضين لمزيد من الخطر، إذ أنهم بالفعل معرضون له بشدة».

ومن المستحيل أن نتجاهل توقيت توجيه الاتهامات إلى الصحفيين الستة، إذ يأتي خلال إحدى أكثر مراحل الحرب الإسرائيلية في غزة احتداما وتدميرا حتى الآن. فقد أمر المسؤولون الإسرائيليون نحو أربعمائة ألف شخص بمغادرة منازلهم في الشمال، دونما ضمان حقيقي للسلامة أو العودة. والشعب كله الآن معرض لخطر المجاعة، وكل تصريح جديد يصدر من مسؤولي الأمم المتحدة أو من الأطباء القلائل المتبقين إنما يكون أشد قتامة. ومع استمرار إسرائيل في منع وسائل الإعلام الأجنبية من دخول غزة بشكل مستقل، فإن عبء توثيق هذه الحرب أصبح يقع بالكامل تقريبا على عاتق الصحفيين الفلسطينيين. ومع كل صحفي يلقى مصرعه، يسكت صوت آخر، وتصبح النافذة التي يرى العالم منها غزة أصغر حجما.

وفقا لمتحدث باسم قناة الجزيرة، أصيب الوحيدي - وهو مصور الجزيرة الذي أصيب برصاصة في التاسع من أكتوبر- بالشلل نتيجة لإصاباته، وهو الآن في غيبوبة في مستشفى في غزة. ومع تدمير النظام الصحي في غزة، يحتاج الوحيدي، وكذلك علي العطار، وهو صحفي آخر من الجزيرة أصيب في هجوم آخر، إلى إجلاء طبي فوري لم تسمح به السلطات الإسرائيلية حتى الآن.

قال شبات في بث مباشر أخيرا: «إننا على مدى عام كامل نعرض المشاهد نفسها – والنزوح نفسه، والمجازر نفسها والقصف نفسه فوق رؤوس المدنيين. وكل ما نحتاج إليه هو ألا تتركونا وشأننا، نصرخ حتى تبح أصواتنا، ولا أحد يسمعنا».

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: لجنة حمایة الصحفیین الجیش الإسرائیلی من الصحفیین

إقرأ أيضاً:

ماذا وراء مهاجمة عدنان إبراهيم لحسن البنا ولجماعة الإخوان؟

هاجم الباحث في الفكر الإسلامي، الدكتور عدنان إبراهيم في ورقته المقدمة لندوة "تنظيم الإخوان المسلمين.. خطاب التطرف والتضليل" التي نظمتها جامعة محمد بن زايد الإنسانية في أبو ظبي بتاريخ 27 تموز/مايو الماضي، مؤسس جماعة الإخوان المسلمين، الشيخ حسن البنا هجوما قاسيا وعنيفا، ووصفه بـ"الشخصية الاستحواذية الإقصائية الفاشية المرعبة، وهو عكس ما يصور تماما"، مضيفا "حسن البنا شأنه شأن أبي الأعلى المودودي كانا يحبذان الفاشية".

وفور انتشار المقطع المصور لمحاضرته السابقة استرجع ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي مقاطع أخرى مصورة له وهو يمدح البنا ويثني عليه، ويصفه بـ"الإمام الشهيد حسن البنا.. الذي رُشح للمجلس النيابي مرتين، وهو يرى شرعية ذلك، وقد مضى شهيدا سعيدا ولم يكن يساوم على دينه..".

هذا التغير الجذري في موقف عدنان إبراهيم من مؤسس جماعة الإخوان، الشيخ البنا أثار جملة من التساؤلات عن أسباب ودوافع تغير رأيه وموقفه منه؟ فهل يعود تغيره لاطلاعه على مواد وأفكار وخفايا جديدة حملته على تغيير رأيه وموقفه منه أم أن تغيره يرجع إلى أسباب سياسية محضة تتعلق بجهات الدعم والتمويل، ومحاولة التماهي مع موقف تلك الجهات من الإخوان والبنا وفق مراقبين؟

ومن الملاحظ أن تغير رأي وموقف إبراهيم من حسن البنا، من كيل المديح له والإعجاب به إلى الهجوم المقذع عليه، أثار حفيظة عدد من متابعيه ومريديه، الذين رأوا في موقفه الجديد تصرفا انفعاليا مندفعا، أبعد ما يكون عن شخصيته الناقدة، التي تحاكم الأفكار بموضوعية وتزنها بميزان علمي دقيق، معتمدا في ذلك كله على الأدلة والبينات والبراهين.

في تحليله لأسباب تغير عدنان إبراهيم من حسن البنا ومهاجمته له، قال الباحث والناشط الأردني، نائل أبو عاصم "هناك عدة مستويات لتفسير هذا التغير، فعلى صعيد المستوى المعرفي/النقدي، فمن المحتمل أنه أعاد النظر في التراث الحركة للإخوان بعد اطلاع أوسع على أدبياتهم، وخصوصا العلاقة بين فكر البنا وتطرف بعض تلامذته كسيد قطب والمودودي".

وأضاف "وقد يكون هذا التحول نابعا ـ وفق رأيه بالطبع ـ من مراجعة فكرية جادّة، يرى فيها البنا مسؤولا عن التأسيس لفكر الجماعة والتنظيم السري، والتربية المغلقة، أما على صعيد المستوى النفسي/ الشخصي فعدنان إبراهيم شخصية تميل إلى المبالغة في تأييدها أو خصومتها، ولا يخفي إعجابه أحيانا أو خصومته لاحقا بشكل قاطع".

وتابع أبو عاصم وهو المتابع لإبراهيم من بدايات ظهوره "هذه الثنائية تظهر كثيرا في مواقفه السابقة تجاه شخصيات مثل الغزالي والشافعي، ما قد يعني أن جزءا من التغير يتصل بطبيعته المزاجية، أو النزعة الخطابية".

وردا على سؤال "عربي21" بشأن تغير عدنان إبراهيم من منظور سياسي/ واقعي لفت أبو عاصم إلى أنه "لا يُستبعد أن موقفه الأخير يعكس تحوّلات سياسية أو استجابة لضغوط مرتبطة بجهات إعلامية أو داعمة، خصوصًا في ظل تراجع شعبية الإخوان في بعض الأوساط الإقليمية، ومحاولة عدنان تبرئة نفسه من تهمة "الإخواني المتخفي" التي لاحقته سابقًا" على حد قوله.


                                                  نائل أبو عاصم باحث وناشط أردني

ورجح أن يكون "للعامل السياسي الحضور الأقوى في تغير عدنان إبراهيم الأخير، وليس لاطلاعه على مواد وأفكار جديدة، لا سيما أن التحول لم يكن نقدا موضوعيا متدرجا، بل هجوما حادا ومشحونا بالصفات السلبية القاطعة، وهو ما لا يتناسب عادة مع شخصية فكرية تعتز بمنهج البحث والتوثيق".

وأردف "ومع أن نقد حسن البنا وارد وممكن وله مسوّغاته، إلا أن التحول من مديحه المطلق إلى شيطنته التامة يطرح تساؤلات حول دوافع أخرى غير معرفية، خصوصا إذا قورن بتوقيت التصريح ومنصّته وسياقاته السياسية".

وعن تداعيات هذا التغير على صورة عدنان إبراهيم ومكانته في أوساط محبيه والمعجبين به، أكد أبو عاصم، وهو المتابع له والمعجب بمنهجيته النقدية التحقيقية، أن "هذا التناقض الصارخ يُضعف من صورة عدنان إبراهيم كمثقف موضوعي، ويؤكد اتهامات سابقة بالتقلب والانفعال الخطابي، مما يؤثر سلبا على ثقة جمهوره به".

وتابع: "كثير من مريديه يرون أنه خان اتساقه الفكري، وبدأ يملي مواقفه بحسب الاتجاه السائد إعلاميا، ما قد يؤدي إلى انكماش قاعدته المتعاطفة معه، وخصوصا في الأوساط التي كانت ترى فيه صوتا حرا لا ينحاز للسلطة، ولا يتبنى خطابا إقصائيا".

وخلص إلى القول "تحول عدنان إبراهيم في موقفه من حسن البنا لا يبدو نتاجا لنقد علمي موضوعي، بل يعكس حالة من الانفعال الأيديولوجي أو الاصطفاف السياسي، كان الأولى به أن يفكك فكر البنا نقديا، لا أن يصفه بالفاشية بلا تفصيل، هذه الخفة في التغير تُضعف رصيده كمثقف، وتفتح الباب للشك في دوافعه".

وفي ذات الإطار رأى الكاتب والأديب اليمني، خالد بريه "أنَّ تغير موقف عدنان إبراهيم من حسن البنا من الثناء إلى التهجّم العنيف يكشف أولا عن اضطراب منهجي في تقييم الشخصيات الإسلامية التاريخية، وهو اضطراب متكرر في خطاب عدنان، حيث تنقلب مواقفه فجأة دون مسوغات معرفية معلنة، ما يدل على أنَّ المراجعات عنده ليست ناتجة عن تأصيل علمي، وإنما عن مزاج فكري متقلب، ودونك رأيه المتقلب في بعض الصَّحب الكرام رضوان الله عليهم".

وواصل حديثه لـ"عربي21" بالقول "كما إن القسوة التي صبّها على شخصية كالبنا، بوصفها (فاشية إقصائية مرعبة)، لا تعبّر عن قراءة نقدية متأنية، بل هي أقرب ما تكون إلى محاولة تشويه تعسفي تسقط أوصافا لا تنطبق على واقع الرجل، ولا على مشروعه الدعوي الذي بُني على التربية، والتدرج، والحكمة، بل إن البنا ـ كما هو معلوم ـ كان حريصا على وحدة الصف، ومدّ الجسور مع مختلف التيارات، حتى تلك التي تخالفه جذريا".

وأضاف: "ولعل من المفيد أن أشير إلى (نزعة العدوان على الرموز) لدى عدنان إبراهيم، التي تظهر كلما أراد أن يُعيد تسويغ مواقفه الجديدة في الفضاء السياسي أو الإعلامي، وكأن مهاجمة البنا أو المودودي أو الصحابة في أوقات مختلفة هي بمثابة (كفّارات) يقدمها للمنظومات التي ينخرط فيها، وهذا ينزع عن نقده المصداقية العلمية، ويضعه في خانة الاستخدام الأداتي للفكر" وفق قول.
.
وعن أسباب ودوافع عدنان إبراهيم في تغيير موقفه من البنا نبّه بريه إلى أنه "من حيث الاحتمالات، قد يُفترض أن هناك مواد جديدة اطّلع عليها، لكن اللافت أنه لم يقدم في نقده الأخير أي وثيقة جديدة، أو تحليل لمصدر مغفول عنه، بل اكتفى بإسقاطات إنشائية وأوصاف شديدة الغلظة، وهذا ما يرجح أن الدافع ليس معرفيا بل سياسيا".


                                                       خالد بريه كاتب وأديب يمني

وتابع: "عدنان يعيش في فضاء إعلامي تتقاطع فيه الحسابات السياسية، ويبدو أنه أُدرج ضمن منظومة ناعمة تشتغل على إعادة صياغة الوعي الديني بما يتماشى مع أجندات ما بعد (الربيع العربي)، ومع هذا فإن تماهيه مع الخطاب الرسمي لبعض الجهات في مهاجمة الإسلاميين، وخاصة الإخوان، يجعل من موقفه الأخير امتدادا لهذا التوظيف السياسي، لا نتاجا لتطور فكري ناضج، ولا يعني هذا بحال أن الإخوان أو البناء فوق النقد، وإنما نحاول أن نصف الأمور كما هي".

وأبدى الكاتب والأديب اليمني بريه تخوفه الشديد على صورة عدنان إبراهيم في أوساط محبيه بعد تقلباته الحادة، مشددا على أن "ما يفقد العالم أو المفكر هيبته هو خفة التحول، لا مجرد التحول، فالناس تتقبل أن يغير المفكر رأيه، بل يحترمون من يراجع مواقفه إذا قدّم حجته، وأبان وجهته، لكن ما وقع من عدنان إبراهيم هو انقلاب فجّ دون تأسيس، وشتائم دون برهان، ما جعل الكثيرين يشعرون بالخذلان".

وأردف متسائلا "إذ كيف لرجل كعدنان إبراهيم يتحول في موقفه من رجل واحد إلى النقيض دون تقديم شيء، وإنما أحسن إليه في السابق بكلام يقطر أدبا وجمالا، ثم حمل عليه وأساء إليه الآن بكلام لا يليق ولا ينبغي أن يصدر عنه، فعدنان قد بنى ثقة الناس به من خلال تقديمه صورة للمثقف المستقل، المتحرر من الإملاءات".

وختم بالقول "وللأسف فقد باتت صورة عدنان إبراهيم مرتبطة بالتماهي مع الاتجاهات الرسمية لبعض الدول، وتحوله إلى بوق ناعم لتصفية التيارات الإسلامية، وإن أجهد نفسه في عقلنة النقد الذي يوجهه للخصوم، وهذا الانكشاف السياسي، إضافة إلى تهجمه على رموز كبرى في لحظات حرجة من تاريخ الأمة، جعله يفقد المصداقية التي لا تعوّضها البلاغة، ولا الاطلاع الموسوعي".

من جانبه وصف الناشط على مواقع التواصل الاجتماعي، المهتم بالقضايا الفكرية، سمير خوجه "أسباب تغير عدنان إبراهيم من حسن البنا بالمركبة، لكن من الواضح أنه انتقل من خطاب تربوي توفيقي إلى خطاب نقدي هجومي متشدد، يُحمّل البنا شخصيا مسؤولية كاملة عن تصور الجماعة ومآلاتها".


           سمير خوجه ناشط على مواقع التواصل الاجتماعي مهتم بالقضايا الفكرية

وأكمل فكرته بالقول "هذا الانزياح لا ينبع فقط من خلاف فكري، بل يتغذى أيضا على نزعة نرجسية معرفية تسعى للتفرد، ولإظهار النفس على أنها "أكثر وعيا" و "أشد استقلالا"، حتى لو كان ذلك عبر الانقلاب على قناعات سابقة".

وعن طبيعة تغير عدنان إبراهيم الأخير، أكدّ الناشط خوجه في تصريحاته لـ"عربي21" على أن "التحول الفكري حق مشروع لكل مفكر وباحث، إلا أن طريقة الدكتور عدنان في الطرح ـ المزج بين العنف اللفظي والتحقير الشخصي ـ لا تشير إلى مراجعة علمية عميقة، بل توحي أن التغير له بعد سياسي واصطفافي".

وأردف "إضافة إلى أن السياق الإقليمي الذي تراجعت فيه حظوظ الإسلاميين، والضغوط الإعلامية لبعض الجهات الممولة، جعل من نقد الإخوان (بطاقة عبور) للمقبولية في فضاءات سياسية معينة، ما يجعل فرضية التماهي مع جهة الدعم قائمة بقوة، خاصة أن لهجة الخطاب باتت أقرب للدعاية منها للنقد الموضوعي".

وأنهى كلامه بالتأكيد على أن "ما نراه ليس تحولا ناضجا في الرأي والموقف، بل انزياح خطابي يتقاطع فيه الضغط السياسي مع الرغبة في التمايز الشخصي، على حساب الاتزان العلمي، والإنصاف التاريخي".

مقالات مشابهة

  • خبير في الشؤون الإسرائيلية: إسرائيل تستعد لهجوم واسع على إيران
  • ماذا وراء مهاجمة عدنان إبراهيم لحسن البنا ولجماعة الإخوان؟
  • لجنة أممية: إسرائيل ارتكبت جريمة إبادة باستهداف المدنيين في مدارس غزة
  • “دعم المتحركات”.. والي الجزيرة يشيد بجهود لجنة الإسناد والإعمار بالولاية
  • في اليوم الـ 4 من العيد.. قوات النازية الإسرائيلية تواصل ارتكاب جرائم الإبادة بغزة.. فيديو
  • رئيس لجنة كسر الحصار: هجوم إسرائيل على مادلين قرصنة وإرهاب دولة
  • الجزيرة تدين الهجوم الإسرائيلي على السفينة مادلين
  • لجنة كسر الحصار: الهجوم الإسرائيلي على مادلين قرصنة وإرهاب دولة
  • والي الجزيرة يتفقد جرحى ومصابي معركة الكرامة
  • بالفيديو.. شاهد تواصل التظاهرات في ألمانيا وفرنسا وبريطانيا والسويد تنديداً بمجازر الاحتلال الإسرائيلي في غزة