قمة الخزي العربي في الرياض.. بيان أجوف ومخرجات مخيبة للآمال
تاريخ النشر: 16th, November 2024 GMT
يمانيون/ تقارير في ظل الصراع العربي – الصهيوني المستمر منذ سبعة عقود، دأب معظم حكام الأنظمة العربية والإسلامية الموالين لقوى الاستكبار العالمي بقيادة أمريكا وبريطانيا والكيان الصهيوني، على خذلان قضايا الأمة وفي مقدمتها القضية الأولى والمركزية “فلسطين”.
تعرضت الأمة الإسلامية عبر تاريخها لنكسات، أبرزها الحروب الصليبية والغزو المغولي، إلاّ أن إصرار المسلمين وقوة إيمانهم وثقتهم بالله وتوكلهم عليه، أعطاهم الثقة في مواجهة كل التحديات والمخاطر والانتصار للحق في مواجهة الباطل عبر تجميع عناصر القوة من الوحدة والتمسّك بخيار المقاومة ضد الأعداء في مراحل متعددة ومتفرقة من تاريخها.
ما تعاني منه الأمة الإسلامية اليوم من انكسار وضعف وخضوع للقوى الاستعمارية، شبيه بما حصل لها نهاية الخلافة العباسية، عندما غزاها التتار وأسقطوا الدولة الإسلامية، وهو الأمر ذاته، باختلاف أن الأعداء زرعوا الكيان الصهيوني اللقيط في “فلسطين” كذريعة لهم لاحتلال البلدان والشعوب العربية والإسلامية ونهب الخيرات والثروات التي تمتلكها.
ما تعيشه الأمة الإسلامية حاليًا أسوأ بكثير مما طالها سابقًا من مؤامرات استهدفت وجودها البشري، وما يُقدّمه محور المقاومة الإسلامية اليوم من تضحيات في فلسطين ولبنان واليمن والعراق وسوريا وإيران شواهد حيّة على المضي في التحرر من هيمنة القوى الاستعمارية.
لطالما انعقدت قمّم عربية وإسلامية وراء قمم ومشاورات واجتماعات ولقاءات منذ منتصف القرن الماضي، لتدارس القضايا على الساحة العربية والإسلامية، وفي مقدمتها “قضية فلسطين”، لكن مخرجاتها مع الأسف تأتي مخيبة لآمال وتطلعات الشعوب في الحرية والكرامة والاستقلال ودحر المحتل الصهيوني من الأراضي العربية المحتلة.
بعد أكثر من عام على حرب الإبادة الصهيونية في غزة بمشاركة أمريكية وبريطانية مباشرة وسقوط ما يقارب من 150 ألف شهيد وجريح وأسير ومفقود، تداعى حكام العرب والمسلمين المتخاذلين لعقد قمة في مدينة الرياض السعودية، لبحث العدوان الإسرائيلي المتواصل على فلسطين ولبنان وانعكاساته على المنطقة والتحرك إزائه، ويا ليتها لم تُعقد!!
كالعادة لم تأت هذه القمة بأي جديد ولم تكن مخرجاتها عند مستوى التحدي الذي تواجهه الشعوب العربية والإسلامية إزاء العدوان الصهيوني الأمريكي البريطاني على غزة ولبنان ومعظم الدول المناهضة لإسرائيل، ولم تتخذ أية قرارات شجاعة، وإنما صدر بيان أجوف مشحون بعبارات الشجب والتنديد والمطالبة بإيقاف العدوان الصهيوني على غزة ولبنان.
وبالنظر إلى مستوى الجُرم الذي ترتكبه إسرائيل وما تزال حتى اليوم منذ أكثر من عام في غزة، وما تفرضه من حصار وتضييق وتجويع للمدنيين، كان يُؤمّل من المجتمعين في قمة الرياض، كأقل واجب تصنيف إسرائيل كياناً إرهابياً ومطالبة العالم بتصنيفه وإيقاف دعمه بالأسلحة المحرمة دوليًا التي تقتل المدنيين في فلسطين ولبنان وسوريا والعراق واليمن.
لكن من يُقيم مهرجانات الرقص والمجون ويستقطب فنانين وفنانات عرب وأجانب إلى بلاد الحرمين الشريفين، في ظل مأساة كبيرة يعيشها الشعبان الفلسطيني واللبناني، لا يُؤمل فيهم الانتصار لقضايا الأمة ولا إيقاف حملات التشويه التي تسيء للإسلام والمسلمين ولا دعم الدول والفصائل المناهضة للمشروع الأمريكي، الصهيوني، الأوروبي في المنطقة.
وبهذا الصدد قال قائد الثورة السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي في كلمة الخميس الماضي “لقد أدمى قلوبنا وأحزننا وأغضبنا وآسفنا جدًّا، إعلان النظام السعودي عن موسم الرياض، موسم الرقص والمجون، يستضيف فيه عدداً كبيراً من الفرق الغربية، من أمريكا وأوروبا من الفرق المروِّجة للشذوذ والفاحشة والرذيلة، بالتزامن مع ما يحصل في غزة من جرائم رهيبة من العدو اليهودي الصهيوني، ومن مأساة كبيرة للشعب الفلسطيني”.
وأضاف “أنَّ الأنظمة العربية ونعني أكثرها تفقد الجدية وانعدام الإرادة للتحرك الجاد تجاه ما يجري في فلسطين، في غزة، وهذا شيءٌ واضح، أكثر الأنظمة العربية لم تتوفر لديها الجدية، ولم تمتلك الإرادة للتحرك الجاد بحجم المسؤولية كما ينبغي، ولو في الحد الأدنى؛ ولذلك حتى مع القمة الأخيرة، التي هي عنوان قمة طارئة عربية إسلامية لـ 57 دولة، لم تخرج بأي موقفٍ أو إجراءٍ عملي، وهذا أمرٌ محزن، ومخزٍ”.
وتساءل السيد القائد “يقولون عن القمة أنها تمثل كل المسلمين، المليار وأكثر من نصف مليار مسلم، تمثل 57 بلداً عربياً وإسلامياً، وقمَّة طارئة، وتخرج فقط ببيان، وبيان مطالبة، ومطالبة كلامية، بدون أي مواقف عملية، هل هذه قدرات 57 بلداً مسلماً وعربياً؟! هل هذه هي قدرات وإمكانات وثقل ودور أكثر من مليار ونصف مليار مسلم وعربي؟! أن يخرجوا ببيان يمكن أن يصدر من مدرسة ابتدائية، يمكن أن يصدر من شخص واحد، يُصدِر بياناً يطالب فيه، ويناشد فيه، ويقدِّم ما قدَّموا فيه، ليس هناك أي إجراء عملي”.
خلاصة القول: كل عناوين القومية العربية، والحماية للعروبة والراية والحضن العربي، تلاشت مع ما يحصل في غزة ولبنان من مذابح صهيونية، بتخاذل عربي وإسلامي وتواطؤ دولي، وما يحتاجه حكام الأنظمة العربية والإسلامية اليوم، الجرأة والشجاعة في مواجهة المشروع الصهيوني، الأمريكي، الأوروبي، وليس المشاورات ولا انعقاد القمم الجوفاء.
المصدر: يمانيون
كلمات دلالية: العربیة والإسلامیة الأنظمة العربیة أکثر من فی غزة
إقرأ أيضاً:
رقابنا مثقلة بدمائكم.. آل غزة
كلمة الناطق الرسمي باسم كتائب القسام يوم 20 تموز/ يوليو 2025 كانت كما لو أنها كلمة "يأس" من الأمتين العربية والإسلامية، رغم أنه ظل دائما منذ انطلاق طوفان الأقصى يراهن على قوى الخير في الأمة ويأمل فيها خيرا تجاه أبناء غزة المرابطين لوحدهم في مواجهة قوى الشر العالمية. فقوله: "رقاب قادة الأمة الإسلامية والعربية ونخبها وعلمائها مثقلة بدماء عشرات آلاف الأبرياء ممن خُذِلوا بصمتهم"، هو قول مُرٌّ بل وقاتل لمن فيه هِمّةٌ العروبة ونخوة الإسلام وضمير الإنسانية، لقد كان المرءُ يقتله التعزير فكيف بهذا القول الصاعق؟
إن أي فرد سويّ من هذه الأمة لا يمكن إلا أن يتحسس رقبته مستشعرا دما غزيرا ينحدر منها إلى كتفيه ليستقر على ظهره بقعة حمراء يحملها معه يوم القيامة؛ شاهدة عليه بأنه كان غيرَ مبالٍ بما يحصل لإخوته في الدين وفي الإنسانية وهم يتعرضون لمجزرة بشعة لم يحدث مثلها في التاريخ، وهم يدافعون لوحدهم عن بقعة من الأرض صغيرة صارت باتساع مساحة الكون كله بمعايير جديدة أرساها طوفان الأقصى.
إننا جميعا في الأمة "قادة" ونُخبا" و"علماء" مثقلون فعلا بهذه الدماء الأزكى لكونها دماء مظلومين ودماء "قوم" رفضوا الاستسلام واختاروا الصمود والمقاومة؛ حتى يكون انتصارٌ جميلٌ أو يكون استشهادٌ أجملُ.
أما "القادة": فلكونهم هم من يمتلكون الأمر والنهي في بلدانهم، وكان عليهم أن يتخذوا من الإجراءات ما يساعد في تخفيف معاناة أبناء أمتهم، فهم لا يُنتَظَرُ منهم دفع الجيوش إلى الجبهات، بل وليس هذا ما تنتظره منهم المقاومة، فلم تُحمّلهم مسؤولية تجاه المقاومين وإنما حمّلتهم مسؤولية تجاه "عشرات آلاف الأبرياء ممن خُذلوا بصمتهم". لقد كان متاحا لقادة الأمة خوضُ معركة الإعلام ومعركة القانون الدولي للدفاع عن المدنيين وعن الأطفال والشيوخ والنساء، أما رجال الميدان فقد أذاقوا العدو الويلاتِ والخيباتِ وأذلوه أيما إذلال وكشفوا جبنه وعجزه وفشله، حتى فقد عقله وصار ينتقم من المدنيين في نومهم وفي طوابير تلقّي مساعدات الأغذية.
"قادة" الأمة هؤلاء لم يكتفوا بعجزهم وصمتهم، بل إن بعضهم صار شريكا في العدوان حين دفع للعدو من مال الأمة ما كان سيكفي لرفع الضيق عن أهلنا، حتى دون انخراط فيما يخشونه مما يرونه "تورّطا" في التسليح.
لقد كان خذلان أولئك "القادة" عظيما وهم يُبدون مودة للمعتدين ويساهمون في قُدراتهم المادية على الفتك، وربما فيهم من ساهمت استخباراتُه في مساعدة العدو على الوصول إلى بعض قادة المقاومة الميدانيين فكانوا شهداء.
وأما "النُّخَبُ" من مفكرين ومثقفين وفنانين وسياسيين، وهم المحمول عليهم نقد النظام الرسمي وتوعية الناس والتواصل مع نُخب العالم للتعريف بمظلمة الشعب الفلسطيني ولكشف جرائم العدو وبشاعة اعتداءاته، حتى وإن كنا في زمن سيلان المعلومة وتدفق الصورة وبلوغ صرخات الموجوعين عنان السماء وتجاويف الأرض، فإن فيها من يستشعر مسؤوليته فيفعل بقدر استطاعته، مع شعور مُرّ بالعجز ومع مداومة على الدعاء وعلى النشر وفق ما تسمح به معايير سلطة الفضاء الافتراضي.
وإن في هذه "النّخَب" أيضا من يتهيّب بطش سلطة بلاده المنخرطة في التطبيع، وفيها من يرى نفسه عاجزا عن فعل ما يناسب العدوان ولا يرى جدوى في بيان أو قصيدة أو خطاب، ومنها من هو مطبّع في سياق ما صار يُعرف عربيا بـ"التطبيع الأكاديمي"، ومنها من يمارس التضليل الإعلامي فلا ينقل الوقائع كما هي وإنما يتعّمد تلبيس الحق بالباطل بدعوى "الحياد"، حتى لا يكون المعتدي مدانا ولا يكون المعتدى عليه على حق تُقرّه الشرائع والقوانين الدولية والأخلاق الإنسانية.
وأما "العلماءُ"، فالأرجح أنه يقصد علماء الدين، إذ هم عادة محلّ تقدير عموم الناس؛ يثقون بهم ويستجيبون في الغالب لدعواتهم خاصة حين تكون دعوة في شكل "فتوى" تتخذ صبغة شرعية وتكون بمرتبة الفرض، عينا أو كفاية. وليس المطلوب مع غزة نفيرا للقتال، إنما المطلوب نفير سلمي في الشوارع والساحات للضغط على الحكومات، ولإرسال رسائل واضحة للغرب بأن حلفاءه العرب ليسوا محل ثقة شعوبهم بسبب تخاذلهم وتواطئهم وأنهم قد يُطاح بهم إذا استمر العدوان على أهلنا في غزة.
أولئك العلماء فيهم من غيّبه الموت، وفيهم من هم في غياهب السجون، وفيهم من صوته خافت، وفيهم من أسكته الخوف أو الطمع فباع آخرته بدنياه؛ وهو حال كثير من القادة والنخب أيضا.
لا يبدو أن المقاومة ما زالت تُعوّل على أولئك الذين رأت على أعناقهم دماء أبرياء غزة، فقد بلغ يأسها منهم مبلغه، إذ يقول المتحدث للجميع بكل مرارة: "أنتم خصومنا أمام الله عز وجل".
لقد خرجت جماهير في أكثر من بلد عربي وأوروبي، وصرخ كتاب وشعراء وفنانون وخطباء مساجد، وصرخت جماهير الرياضة على مدارج الملاعب، غير أن الحسم دائما للقوة، وما زالت المقاومة تُبدي قوة وعزما وثباتا ولن يكون الحسم لا بالقوانين الدولية ولا بخطب المنابر وإنما بتغيّر موازين القوة لصالح الشعوب حين تُطيح بالأنظمة الاستبدادية المتخاذلة، ولصالح المقاومة حين تتسع حاضنتها عربيا وإسلاميا فتزداد قوة واقتدارا.
x.com/bahriarfaoui1