يوسف العربي (أبوظبي)
قطعت دولة الإمارات أشواطاً كبيرة لتحقيق هدفها المتمثل في أن تصبح رائدة عالمياً في مجال الذكاء الاصطناعي بحلول عام 2031، كما اتخذت خطوات سريعة للانتقال للجيل التالي من الخدمات الحكومية من خلال توظيف تقنيات الذكاء الاصطناعي، بحسب خبراء تقنيين. وأكد هؤلاء لـ «الاتحاد» أن الذكاء الاصطناعي يسهم بدور رئيس في تطوير الجيل التالي من الخدمات الحكومية من خلال دمج خوارزميات الذكاء الاصطناعي وتحليل البيانات الضخمة لتقديم خدمات أكثر تطوراً ومواءمة لكل مستخدم، وتسهم هذه التقنيات في مثل رفع الإنتاجية، وتسريع الخدمات، وتقليل الوقت اللازم للحصول عليها، فضلاً عن الارتقاء بمستويات الموثوقية والأمان.

وأشاروا إلى توظيف تقنيات الذكاء الاصطناعي لجعل الخدمات العامة أكثر ذكاءً وكفاءة بداية من أنظمة إدارة حركة المرور التي تقلل من الازدحام، ووصولاً إلى أدوات الرعاية الصحية التنبئية التي تتوقع احتياجات المرضى إلى التكنولوجيا التعليمية التي تسهم في رفع جودة العملية التعليمية. وحددت استراتيجية الإمارات للذكاء الاصطناعي 2031 الأولويات الرئيسية لتحقيق هذا الهدف، ويشمل ذلك تطوير منظومة شاملة وجاهزة للذكاء الاصطناعي، وتبني أحدث التقنيات، وإنشاء قاعدة قوية للمواهب، وضمان الحوكمة الفعالة، وتعزيز القدرة التنافسية لدولة الإمارات العربية المتحدة. وأطلقت دائرة التمكين الحكومي- أبوظبي الجيل الثالث من منظومة «تم» المدعومة بتقنيات الذكاء الاصطناعي. ومن جانبها، أكدت «دبي الرقمية» الأهمية الاستثنائية للذكاء الاصطناعي والتقنيات الناشئة في تطوير الخدمات الحكومية ضمن مسيرة التحول الرقمي، ونجحت دائرة الشارقة الرقمية في دمج تقنيات الذكاء الاصطناعي في الإصدار الثاني من منصة الشارقة الرقمية، حيث تمت إضافة خدمة الدردشة الفورية المدعومة بالذكاء الاصطناعي التي تسهل الوصول إلى المعلومات الحكومية الموثوقة.

منظومة متكاملة 
ومن جانبه، أكد الدكتور محمد عبد الحميد العسكر، مدير عام برنامج «تم» في دائرة التمكين الحكومي، أن منظومة «تم» لديها استراتيجية ورؤية واضحتان في مجال استخدامات الذكاء الاصطناعي، حيث يتم توظيف هذه التقنية في مجمل المنظومة، بدءاً من تقديم الخدمات، وجمع وتحليل البيانات، وتحديد نسبة رضا المتعاملين. 
وقال: «يعد الجيل الثالث من منظومة (تم) نموذجاً فريداً ورائداً في مجال توظيف الذكاء الاصطناعي في تطوير الخدمات الحكومية الرقمية، ما يعكس الجهود الكبيرة التي بذلتها جهات حكومية عديدة في إمارة أبوظبي، ما يمكِّننا من إرساء معايير جديدة لتميُّز الخدمات والكفاءة وتجربة المتعاملين».
وأضاف: «إن إطلاق هذه النسخة الجديدة من (تم) يأتي تجسيداً لجهودنا في دعم الابتكار وتبنّي تقنيات الذكاء الاصطناعي، ويؤكِّد سعينا المستمر لصياغة تصوُّر جديد للخدمات الحكومية من أجل استمرار ريادة إمارة أبوظبي وفق رؤيتها الاستراتيجية».

ترسيخ التميز 
ومن جانبها، قالت المهندسة لمياء الشامسي، إن دائرة الشارقة الرقمية تلتزم بتوظيف التقنيات الناشئة، مثل الذكاء الاصطناعي، إيماناً منها بأهمية هذه التقنيات في ترسيخ التميُّز الرقمي والابتكار لتقديم خدمات سلسة تتسم بالموثوقية والأمان، وفقاً لرؤية الإمارة وتوجهات دولة الإمارات لتعزيز دور الذكاء الاصطناعي في دفع عجلة النمو الاقتصادي والاجتماعي قدماً.
وأضافت: «إن الذكاء الاصطناعي مجال واسع ومتشعب وحالياً، ونحن في صدد تطوير قدرات الحكومة في هذا المجال، إذ أطلقنا شراكة مع (مايكروسوفت) لتمكين الموظفين الحكوميين بالمهارات التي تؤهلهم للاستفادة من إمكانيات الذكاء الاصطناعي».
وقالت: «دمجنا تقنيات الذكاء الاصطناعي في الإصدار الثاني من منصة الشارقة الرقمية، حيث أضفنا خدمة الدردشة الفورية المدعومة بالذكاء الاصطناعي التي تسهل الوصول إلى المعلومات الحكومية الموثوقة، كما سنعمل على تسخير الذكاء الاصطناعي في أمور مثل رفع الإنتاجية وتسريع الخدمات، وتقليل الوقت اللازم للحصول على الخدمات».
وأوضحت أنه عند الحديث عن الذكاء الاصطناعي، لا بدّ من ذكر البيانات، حيث يُعتبر الذكاء الاصطناعي إحدى الأدوات الأساسية في تحليل البيانات الضخمة بشكل فوري، وتوفير نظرة شاملة تساعد في اتخاذ القرارات الاستباقية السليمة.

كفاءة العمل
ومن ناحيته، أكد مروان آل علي، مدير عام دائرة المالية في عجمان، أن توظيف التقنيات الناشئة، مثل الذكاء الاصطناعي، من شأنه أن يلعب دوراً ملموساً في تحسين فاعلية وكفاءة العمل المالي الحكومي وتحقيق التحول الرقمي الكامل، وجعل الخدمات المالية أكثر استجابة لاحتياجات المجتمع والاقتصاد، مشيراً إلى أن الدائرة حريصة على دمج أحدث الحلول والتطبيقات التكنولوجية القائمة على الذكاء الاصطناعي لتطوير المنظومة المالية في الإمارة، بما يواكب توجّهات الإمارة ودولة الإمارات في تسخير هذه التقنيات من أجل دفع عجلة التنمية المستدامة قدماً، وتعزيز الجاهزية للمستقبل، ودعم تنافسية الدولة على الصعيد العالمي. وأوضح أنه عبر تقنيات الذكاء الاصطناعي أصبح بالإمكان تحسين تجربة المستخدمين عبر أتمتة العمليات وتقليل الأخطاء البشرية، وتبسيط الإجراءات، ما يعزز شفافية وفاعلية العمل الحكومي، ويسهم في تحسين جودة الحياة، إضافة إلى الدور الكبير الذي يلعبه الذكاء الاصطناعي في تحسين عملية التخطيط المالي، وإدارة الموارد بشكل أكثر كفاءة. ونوه بأنه على سبيل المثال تم إطلاق النسخة السحابية لنظام التخطيط المالي الذكي في جيتكس 2024 الذي يعتمد على أدوات الذكاء الاصطناعي في تحليل البيانات الحالية والتاريخية المتاحة، مثل المؤشرات الاقتصادية الكلية والجزئية، ما يتيح توليد توقُّعات مالية تُمكّن الجهات الحكومية من التنبؤ بالإيرادات والنفقات على مدى فترات طويلة الأجل.

أخبار ذات صلة الإمارات تتصدر أكبر صفقات الدمج والاستحواذ بالشرق الأوسط 27 مليار درهم التبادل التجاري بين الإمارات وعُمان

تقديم الخدمات
ومن جانبه، أكد أحمد عدلي، نائب الرئيس للهندسة السحابية للتكنولوجيا في الشرق الأوسط وأفريقيا وتركيا في أوراكل «Oracle»، أن الذكاء الاصطناعي يساعد الحكومات المحلية على العمل بكفاءة وشفافية أكبر، فهو يعمل على تسريع تقديم الخدمات، ويوفر أيضاً فهماً أعمق وأكثر دقةً لاحتياجات المجتمع، وإضافةً إلى ذلك، يمكنه أيضاً أتمتة وتبسيط المهام الإدارية الروتينية، مما يوفر الوقت والأموال، إلى جانب إجراء تحليلات البيانات المتطورة لمساعدة المديرين العموميين على اتخاذ قرارات أكثر ذكاءً.
وقال «يمكن تلخيص الفوائد الرئيسة للذكاء الاصطناعي في القطاع العام من خلال تقديم خدمات أسرع للمواطنين، فوفقاً لبحث أجرته شركة الخدمات المهنية Avanade في عام 2024، يعتقد حوالي 98% من الحكومات أن المواطنين يفضلون التواصل معها عبر التقنيات الجديدة، وتتيح برامج الدردشة القائمة على الذكاء الاصطناعي باللغة الطبيعية للمواطنين الحصول على إجابات سريعة لأسئلتهم حول الخدمات المحلية، وتقديم طلبات الخدمة، ومشاركة أفكار التحسين وإبداء الملاحظات حول أداء الحكومة.
وتسهم هذه التقنيات أيضاً في زيادة الإنتاجية، حيث يساعد الذكاء الاصطناعي موظفي الحكومة على مدى السنوات القليلة القادمة في أداء وظائفهم بشكل أسرع وأفضل، فمن خلال سحب البيانات تلقائياً من مختلف الهيئات والأقسام، يستطيع الذكاء الاصطناعي تسريع العمليات الروتينية وتحرير الموظفين من العمل اليدوي الذي يستغرق وقتاً طويلاً ويعرضهم للأخطاء».
ولفت إلى أن تقنيات الذكاء الاصطناعي تسهم في اتخاذ قرارات أكثر استباقية وتخطيط طويل الأمد من خلال تُحسّن أدوات تحليل البيانات التي تعمل بخوارزميات الذكاء الاصطناعي في اتخاذ القرارات والتخطيط طويل الأمد، ووفقاً لاستطلاع «بلومبرج للأعمال الخيرية» لعام 2023، تستكشف 58% من المدن التطبيقات المحتملة للذكاء الاصطناعي التوليدي لتحليل البيانات، و76% لوضع السياسات القائمة على البيانات، وستعتمد الحكومات المحلية على الذكاء الاصطناعي للمساعدة في تلبية اتجاهات المجتمع والتنبؤ بطلب الخدمة، فضلاً عن ترقية التخطيط الحضري والتنمية والسلامة العامة، وإنفاذ القانون، وإدارة الطاقة، والمزيد.
وأكد أن شركة Oracle تدعم طموحات دولة الإمارات في مجال الذكاء الاصطناعي بشكل كامل من خلال توفير أحدث التقنيات، وتوسيع القدرات المحلية، والمساعدة في تطوير المواهب المتميزة والحلول المبتكرة للتحديات المحلية.

خدمات مبتكرة
من جهته، أكد المهندس فراس كيالي، المدير العام لشركة «ترست تيك تريدينج»، أن دولة الإمارات تسعى إلى تعزيز استخدام الذكاء الاصطناعي في جميع القطاعات لتقديم خدمات مبتكرة وفعالة، مشيراً إلى أن تأسيس مجلس الإمارات للذكاء الاصطناعي، الذي يعمل على تنفيذ استراتيجية الإمارات للذكاء الاصطناعي يمثل أحد أبرز المبادرات التي تسهم في ترسيخ مكانة الإمارات كقائد عالمي في قطاع الذكاء الاصطناعي بحلول عام 2031، من خلال تشكيل لجان فرعية لدعم هذه الجهود.
الكفاءة التشغيلية 
وتوقع كيالي أن يشهد المستقبل القريب زيادة في تبني الحكومة الإماراتية لتقنيات الذكاء الاصطناعي بهدف تعزيز الكفاءة التشغيلية، وتحسين تجربة المستخدم في مختلف الخدمات، مما يحقق رؤية الإمارات في الابتكار والاستدامة.
وأوضح أن تسارع وتيرة الطلب على تبني تقنيات وأدوات الذكاء الاصطناعي فتح آفاقاً جديدة أمام الشركات العاملة في هذا القطاع، لتوفير هذه التقنيات مثل منتجات جالاكس المدعومة بمعالجات إنفيديا، حيث تساعد هذه الأجهزة المتطورة في تشغيل برامج الذكاء الاصطناعي وتحسين قدراتها في تحليل البيانات وتعلم الآلة، كما توفر البنية التحتية الأساسية لتسريع البحث والتطوير في هذا المجال، مما يساهم في تمكين المؤسسات العامة والخاصة من تبني حلول تعتمد على الذكاء الاصطناعي. وأضاف المدير العام لشركة ترست تيك تريدينج، أن النمو المتسارع في الطلب على التكنولوجيا الرقمية في دولة الإمارات بوجه عام، حفز شركات التقنية على الاستفادة من الفرص القوية في الأسواق، لاسيما في مجال الألعاب الإلكترونية الذي يشهد معدلات نمو قوية مدعوماً ببرنامج دبي للألعاب 2033، الذي يسعى إلى وضع دبي ضمن أفضل 10 مدن في صناعة الألعاب العالمية وخلق 30,000 وظيفة جديدة في قطاع الألعاب. وأكد كيالي أن الآفاق الواعدة لهذا القطاع من شأنها أن تحفز الشركات على مواصلة تقديم وتطوير حلول وخدمات تكنولوجية مبتكرة، وبناء شراكات قوية مع علامات تجارية عالمية، لتلبية الاحتياجات المتزايدة في سوق الألعاب الإلكترونية.

مكانة رائدة
أكد علي صباغ، خبير تكنولوجيا وتطوير أعمال، أن دولة الإمارات تتبوأ مكانة رائدة بين دول العالم في سباق ثورة الذكاء الاصطناعي، الذي أصبح أداةً حيوية لتحقيق التقدم ورمزاً لرؤى مستقبلية طموحة، وتعمل الإمارات على وضع خطط استراتيجية لمستقبل مزدهر قائم على التكنولوجيا، من خلال جهودها المستمرة لدمج الذكاء الاصطناعي في مختلف القطاعات.
ونوه بأنه في عصر التكنولوجيا الحديثة، تشهد وسائل الدفع بين الشركات تحولاً جذرياً بفضل الابتكارات المستمرة في مجالي الـ«فينتك»، «التكنولوجيا المالية»، والذكاء الاصطناعي.  وأوضح أن وسائل الدفع الرقمية، مثل المدفوعات عبر الهاتف المتحرك والمحافظ الإلكترونية، من أبرز هذه الابتكارات، وأحدثت هذه الوسائل نقلة نوعية في كيفية إجراء المعاملات، حيث تتيح للشركات إجراء المدفوعات بسرعة وسهولة، مما يُقلل من الاعتماد على النقد ويعزز من فعالية العمليات المالية في هذا الإطار. وقال: «تؤدي تكنولوجيا الفينتك دوراً محورياً في إعادة تعريف المشهد المالي، وتُقدم الشركات الناشئة في هذا المجال حلولاً مبتكرة تسهم في تبسيط العمليات المالية، مثل إدارة الفواتير والمدفوعات بكل سهولة». وأضاف: «بالنسبة للذكاء الاصطناعي، فيُعتبر عنصراً أساسياً في تطوير وسائل الدفع، من خلال استخدام تقنيات التعلم الآلي، تستطيع الشركات تحليل سلوك العملاء وتوقع احتياجاتهم، مما يُساعدها في تقديم خدمات مالية أكثر تخصيصاً».

نقلة نوعية في خدمات القطاعين العام والخاص إركي كيلدو
أكد إركي كيلدو، وزير التجارة والصناعة الإستوني: «أصبح الذكاء الاصطناعي ضرورة أساسية في تطوير الخدمات العامة، ومن خلال تبنّي الحكومات لهذه التكنولوجيا ستتمكن من تحسين كفاءة الخدمات المقدمة إلى مواطنيها، فضلاً عن خفض التكاليف وتخفيف الهدر في المال العام، ما يؤدي بدوره إلى بناء اقتصاد قوي قائم على بنية تكنولوجية متطورة، الأمر الذي يشكل نقلة نوعية في مجال الخدمات المقدمة في القطاعين العام والخاص».

المصدر: صحيفة الاتحاد

كلمات دلالية: الإمارات الذكاء الاصطناعي التحول الرقمي الشارقة عجمان دائرة المالية التنمية المستدامة دائرة الصحة تقنیات الذکاء الاصطناعی على الذکاء الاصطناعی الذکاء الاصطناعی فی للذکاء الاصطناعی الخدمات الحکومیة الشارقة الرقمیة تحلیل البیانات دولة الإمارات هذه التقنیات تقدیم خدمات الحکومیة من فی تطویر من خلال تسهم فی فی مجال فی هذا

إقرأ أيضاً:

احتيال شركات الذكاء الاصطناعي يجب أن يتوقف

مع تقدم الذكاء الاصطناعي وتغلغله في حياتنا على نحو متزايد، يبدو من الواضح أنه من غير المحتمل أن يخلق المدينة التكنولوجية الفاضلة ومن غير المرجح أن يتسبب في محو البشرية. النتيجة الأكثر احتمالا هي مكان ما في المنتصف ــ مستقبل يتشكل من خلال الطوارئ، والحلول الوسط، وعلى جانب عظيم من الأهمية، القرارات التي نتخذها الآن حول كيفية تقييد وتوجيه تطور الذكاء الاصطناعي.

باعتبارها الرائدة عالميا في مجال الذكاء الاصطناعي، تضطلع الولايات المتحدة بدور مهم بشكل خاص في تشكيل هذا المستقبل. لكن خطة عمل الذكاء الاصطناعي التي أعلن عنها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مؤخرا بددت الآمال في تعزيز الإشراف الفيدرالي، فاحتضنت بدلا من ذلك نهجا داعما للنمو في تطوير التكنولوجيا. وهذا يجعل التركيز من جانب حكومات الولايات، والمستثمرين، والجمهور الأمريكي على أداة مُـساءلة أقل إخضاعا للمناقشة، ألا وهي حوكمة الشركات ضرورة أشد إلحاحا. وكما توثق الصحفية كارين هاو في كتابها «إمبراطورية الذكاء الاصطناعي»، فإن الشركات الرائدة في هذا المجال منخرطة بالفعل في المراقبة الجماعية، وهي تستغل عمالها، وتتسبب في تفاقم تغير المناخ. من عجيب المفارقات هنا أن كثيرا منها شركات منفعة عامة (PBCs)، وهي بنية حوكمة يُزعم أنها مصممة لتجنب مثل هذه الانتهاكات وحماية البشرية. ولكن من الواضح أنها لا تعمل على النحو المنشود.

كانت هيكلة شركات الذكاء الاصطناعي على أنها شركات منفعة عامة شكلا ناجحا للغاية من أشكال الغسيل الأخلاقي. فبإرسال إشارات الفضيلة إلى الهيئات التنظيمية وعامة الناس، تخلق هذه الشركات قشرة من المساءلة تسمح لها بتجنب المزيد من الرقابة الجهازية على ممارساتها اليومية، والتي تظل مبهمة وربما ضارة. على سبيل المثال، تُـعَـد xAI التي يملكها إيلون ماسك شركة منفعة عامة تتمثل مهمتها المعلنة في «فهم الكون». لكن تصرفات الشركة ــ من بناء كمبيوتر خارق مُـلَـوِّث في السر بالقرب من حي تقطنه أغلبية من السود في ممفيس بولاية تينيسي، إلى إنشاء روبوت محادثة يشيد بهتلر ــ تُظهر قدرا مزعجا بشدة من عدم الاكتراث بالشفافية، والرقابة الأخلاقية، والمجتمعات المتضررة.

تُعد شركات المنفعة العامة أداة واعدة لتمكين الشركات من خدمة الصالح العام مع السعي إلى تحقيق الربح في الوقت ذاته. لكن هذا النموذج، في هيئته الحالية ــ خاصة في ظل قانون ولاية ديلاوير، الولاية التي تتخذها معظم الشركات العامة الأمريكية مقرا لها ــ مليء بالثغرات وأدوات الإنفاذ الضعيفة، وهو بالتالي عاجز عن توفير الحواجز اللازمة لحماية تطوير الذكاء الاصطناعي. لمنع النتائج الضارة، وتحسين الرقابة، وضمان حرص الشركات على دمج المصلحة العامة في مبادئها التشغيلية، يتعين على المشرعين على مستوى الولايات، والمستثمرين، وعامة الناس المطالبة بإعادة صياغة شركات المنفعة العامة وتعزيز قدراتها. من غير الممكن تقييم الشركات أو مساءلتها في غياب أهداف واضحة، ومحددة زمنيا، وقابلة للقياس الكمي. لنتأمل هنا كيف تعتمد شركات المنفعة العامة في قطاع الذكاء الاصطناعي على بيانات منافع شاملة وغير محددة يُزعَم أنها توجه العمليات. تعلن شركة OpenAI أن هدفها هو «ضمان أن يعود الذكاء الاصطناعي العام بالفضل على البشرية جمعاء»، بينما تهدف شركة Anthropic إلى «تحقيق أعظم قدر من النتائج الإيجابية لصالح البشرية في الأمد البعيد». المقصود من هذه الطموحات النبيلة الإلهام، لكن غموضها من الممكن أن يستخدم لتبرير أي مسار عمل تقريبا ــ بما في ذلك مسارات تعرض الصالح العام للخطر. لكن قانون ولاية ديلاوير لا يُـلزِم الشركات بتفعيل منفعتها العامة من خلال معايير قابلة للقياس أو تقييمات مستقلة. ورغم أنها تطالب بتقديم تقارير كل سنتين حول أداء المنفعة، فإنها لا تلزم الشركات بإعلان النتائج. بوسع الشركات أن تفي بالتزاماتها ــ أو تهملها ــ خلف الأبواب المغلقة، دون أن يدري عامة الناس شيئا. أما عن الإنفاذ، فبوسع المساهمين نظريا رفع دعوى قضائية إذا اعتقدوا أن مجلس الإدارة فشل في دعم مهمة الشركة في مجال المنفعة العامة. لكن هذا سبيل انتصاف أجوف، لأن الأضرار الناجمة عن الذكاء الاصطناعي تكون منتشرة، وطويلة الأجل، وخارجة عن إرادة المساهمين عادة. ولا يملك أصحاب المصلحة المتضررون ــ مثل المجتمعات المهمشة والمقاولين الذين يتقاضون أجورا زهيدة ــ أي سبل عملية للطعن في المحاكم. وللاضطلاع بدور حقيقي في حوكمة الذكاء الاصطناعي، يجب أن يكون نموذج «شركات المنفعة العامة» أكثر من مجرد درع للسمعة. وهذا يعني تغيير كيفية تعريف «المنفعة العامة»، وحوكمتها، وقياسها، وحمايتها بمرور الوقت. ونظرا لغياب الرقابة الفيدرالية، يجب أن يجري إصلاح هذا الهيكل على مستوى الولايات. يجب إجبار شركات المنفعة العامة على الالتزام بأهداف واضحة، وقابلة للقياس، ومحددة زمنيا، ومكتوبة في وثائقها الإدارية، ومدعومة بسياسات داخلية، ومربوطة بمراجعات الأداء والمكافآت والتقدم الوظيفي. بالنسبة لأي شركة عاملة في مجال الذكاء الاصطناعي، من الممكن أن تشمل هذه الأهداف ضمان سلامة نماذج المؤسسات، والحد من التحيز في مخرجات النماذج، وتقليل البصمة الكربونية الناجمة عن دورات التدريب والنشر، وتنفيذ ممارسات العمل العادلة، وتدريب المهندسين ومديري المنتجات على حقوق الإنسان والأخلاقيات والتصميم التشاركي. الأهداف المحددة بوضوح، وليس التطلعات الغامضة، هي التي ستساعد الشركات على بناء الأساس للمواءمة الداخلية الجديرة بالثقة والمساءلة الخارجية. يجب أيضا إعادة تصور مجالس الإدارة وعملية الإشراف. ينبغي لمجالس الإدارة أن تضم مديرين ذوي خبرة يمكن التحقق منها في أخلاقيات الذكاء الاصطناعي، والسلامة، والأثر الاجتماعي، والاستدامة. يجب أن يكون لكل شركة مسؤول أخلاقي رئيسي يتمتع بتفويض واضح، وسلطة مستقلة، والقدرة على الوصول المباشر إلى مجلس الإدارة. ينبغي لهؤلاء المسؤولين أن يشرفوا على عمليات المراجعة الأخلاقية وأن يُمنحوا سلطة وقف أو إعادة تشكيل خطط المنتجات عند الضرورة. وأخيرا، يجب أن تكون شركات الذكاء الاصطناعي المهيكلة كمؤسسات منفعة عامة مُلـزَمة بنشر تقارير سنوية مفصلة تتضمن بيانات كاملة ومصنفة تتعلق بالسلامة والأمن، والتحيز والإنصاف، والأثر الاجتماعي والبيئي، وحوكمة البيانات. وينبغي لعمليات تدقيق مستقلة ــ يديرها خبراء في الذكاء الاصطناعي، والأخلاقيات، والعلوم البيئية، وحقوق العمال ــ أن تعكف على تقييم صحة هذه البيانات، بالإضافة إلى ممارسات الحوكمة في الشركة وتواؤمها في عموم الأمر مع أهداف المنفعة العامة.

أكدت خطة عمل ترامب للذكاء الاصطناعي على عدم رغبة إدارته في تنظيم هذا القطاع السريع الحركة. ولكن حتى في غياب الإشراف الفيدرالي، بوسع المشرعين على مستوى الولايات، والمستثمرين، وعامة الناس تعزيز حوكمة إدارة الشركات للذكاء الاصطناعي بممارسة الضغوط من أجل إصلاح نموذج شركات المنفعة العامة. يبدو أن عددا متزايدا من قادة التكنولوجيا يعتقدون أن الأخلاقيات أمر اختياري. ويجب على الأمريكيين أن يثبتوا أنهم على خطأ، وإلا فإنهم يتركون التضليل، والتفاوت بين الناس، وإساءة استخدام العمالة، وقوة الشركات غير الخاضعة للرقابة تشكل مستقبل الذكاء الاصطناعي.

كريستوفر ماركيز أستاذ إدارة الأعمال في جامعة كامبريدج ومؤلف كتاب «المستغلون: كيف تقوم الشركات بخصخصة الأرباح وتأميم التكاليف»

خدمة «بروجيكت سنديكيت»

مقالات مشابهة

  • 89% من الإماراتيين يستخدمون الذكاء الاصطناعي في التخطيط لعطلاتهم
  • احتيال شركات الذكاء الاصطناعي يجب أن يتوقف
  • السباق الاستخباراتي على الذكاء الاصطناعي
  • معضلة الذكاء الاصطناعي والمؤلف العلمي
  • استمراراً لسلسلة الدورات المتخصصة في الذكاء الاصطناعي… التنمية الإدارية تواصل تطوير الكوادر الحكومية في تحليل البيانات
  • «إي آند» تطلق برنامج خريجي الذكاء الاصطناعي لعام 2025
  • ربنا يستر.. خالد الجندي: الذكاء الاصطناعي بيجاوب بفهلوة في المسائل الدينية
  • توجه لتحويل فحص القيادة العملي للسائقين ليعتمد على الذكاء الاصطناعي
  • الضريبة توظف تقنيات الذكاء الاصطناعي في اختيار عينة الاقرارات الضريبية المقبولة
  • حوارٌ مثيرٌ مع الذكاء الاصطناعي