هل يواجه الحوثيون مصير الميليشيات الإيرانية في سوريا؟
تاريخ النشر: 2nd, December 2024 GMT
تُلقي الأحداث الميدانية المُتسارعة، التي يشهدها الشمال السوري منذ يومين، بظلاله على واقع حال الحوثيين في اليمن، خصوصًا مع تقهقر الميليشيات الموالية لإيران الموجودة في سوريا.
ومع تقدّم الفصائل السورية على الأرض، وانتزاع السيطرة على عدد من المناطق والمدن في تلك النواحي لا سيما في حماة وإدلب وحلب ثاني أكبر المدن السورية والأكثر تعدادًا سُكانيًّا، التي كانت تشترك الميليشيا التابعة لإيران مع الجيش السوري في السيطرة عليها، يبرز تساؤل هام يتمحور في فرضية تكرار السيناريو مع الحوثيين في اليمن.
*التضييق على الأذرع الإيرانية*
تعيش إيران حالة من الانكسار إثر الضربات الأخيرة التي قسمت ظهرها، وجعلتها تقف عاجزة عن فعل أي شيء وهي تشاهد أبرز وأقوى حلفائها في المنطقة حزب الله اللبناني يخرُّ منهارًا.
وعجز طهران عن دعم حليفها الأبرز، فتح أعين الفصائل السورية لاستغلال الوضعية تلك متيقنة من عدم مقدرة النظام الإيراني على دعم حليفها الآخر في سوريا، وبالتالي احتمالية انعكاس الأمر ذاته على التعاطي والتعامل مع حليف إيران في اليمن.
وكيل وزارة الإعلام في الحكومة اليمنية المُعترف بها دوليًّا أسامة الشرمي، قال: "إيران لا تُريد أن تتخلى عن ميليشياتها في العالم العربي من تلقاء نفسها، ولكن الأوضاع التي تمر بها والانتكاسات الكبيرة التي مُنيت بها واذرعها خلال الأشهر الماضية، تجعل من الممكن للمجتمع الدولي والدول في الإقليم أن تنفذ إجراءات وتقوم بعمليات تسهم من خلالها في التضييق على الأذرع الإيرانية وقطع طرق إمداد تلقي الأسلحة قبل أن تصل إليها".
ويرى الشرمي، أن "ما يحصل في سوريا، هو مثال لهذه الخطوات العملية على الأرض، وفي اليمن بالإمكان أن يحصل الأمر ذاته، وبالتحديد إذا ما تمت عملية تحرير الحديدة من سيطرة ميليشيا الحوثي".
وبيّن الشرمي: "هذا سيوقف عمليات تهريب الأسلحة إليها التي تجري عبر البحر الأحمر، وفي الوقت ذاته سيوقف ذلك العمليات الإرهابية التي تشنها ميليشيا الحوثي على خطوط الملاحة الدولية".
مضيفًا: "اللحظة الآن مناسبة أكثر من أي وقت مضى، وبالإمكان أن تتحقق الكثير من الإنجازات الإستراتيجية، بأقل الإمكانيات مقارنة بالمراحل الماضية".
وذكر المسؤول اليمني، أنه: "إذا قُطع الدعم الإيراني عن ميليشيا الحوثي، فستعود إلى حجمها الحقيقي، ميليشيا أقل حتى من أن تكون طائفية، هي عبارة عن مجاميع مسلحة تتبع عبد الملك الحوثي بشكل مباشر وأعدادهم ليست بالكثيرة، وتسليحهم يعتمد على شريان التهريب الايراني إلى اليمن".
*مواجهة مفتوحة*
وأوضح: "بالتالي فإذا رُفِع غطاء الدعم الإيراني عن ميليشيا الحوثيين، ستكون العمليات في اليمن أسهل بكثير مما جرى تحمل نتائجها خلال المراحل الماضية، وستكون ميليشيا الحوثي في أحسن الأحوال مُتمّترسة في جبال صعدة، وليس كما هي الحال الآن تسيطر على العاصمة اليمنية صنعاء وعلى مؤسسات الدولة، وعلى المحافظات ذات الكثافة السكانية الأكبر".
وبدوره، يقول المحلل السياسي خالد سلمان: "ما يحدث في حلب يرمي بظلاله وبقوة على اليمن، وعلى أطراف الصراع فيه، من جهة الحوثي الذي يعيش كابوس معركة قادمة يحتشد ويتجهز لمواجهة مفتوحة، لم يبق وفق حساباته سوى تحديد موعد الضغط على زر الحرب".
وأضاف سلمان، لـ"إرم نيوز": "من الجهة المقابلة الأطراف المناهضة للحوثي، هي الأخرى تستلهم ما حدث ويحدث في حلب؛ ما يجعلها تغادر قشرة تهيبها، وتعيد قراءة الموقف الميداني بمعنوية مغايرة، بالانتقال من وهم القوة الحوثية إلى الإقرار بضعفه، ومن رفع سقف قدراته العسكرية إلى إمكانية هزيمته".
ولفت سلمان إلى أن: "القيادة الفعلية في حلب للحرس الثوري الإيراني، فهو حاكم المدينة والممسك بكل مفاصلها العسكرية والسياسية وحتى السلطات التنفيذية، ومع ذلك تخطت هزيمته وسرعة فراره من الميدان، تسليم الموصل لداعش؛ ما يَطرح لدى الطرف الشرعي والمكونات العسكرية الأُخرى، استنتاجًا مفتاحيًّا يتأسس عليه قادم الصراع".
وتابع: "إيران ليست بتلك القوة، وأن هزيمتها وكل الميليشيات التابعة لها باتت في حكم الممكن، بل وحتى الضرورة الملحة، في سياق إخراج طهران بعد اجتثاث أدواتها من معادلة رسم قادم المنطقة".
*إسناد إقليمي ودولي*
وأكد سلمان، أن "ما يحتاجه اليمن، هو استلهام تجربة حلب بحتمية هزيمة الحوثي، مع الإقرار برفض خوض الصراع على أساس ديني، وأن معركة اليمن هي استعادة الدولة الوطنية القائمة على الإيمان بالمواطنة ورفض الإقصاء والاعتراف بالتنوع وإقرار الحقوق".
إلى ذلك، يمتلك المحلل العسكري عدنان الجبرني وجهة نظر مُغايرة، إذ يستبعد تكرار سيناريو سوريا مع ميليشيا الحوثي في اليمن على الأقل خلال هذه الفترة، مع الإبقاء على إمكانية حدوثه مستقبلًا، لكن في الوقت الراهن لا يتوقع ذلك.
واستند الجبرني، في حديثه لـ"إرم نيوز" في رأيه ذلك، على أن: "ميليشيا الحوثي ستستفيد من ما يحدث في سوريا، إذ سيبقون خلال هذه المرحلة أكثر يقظة وسترفع من درجات جاهزيتها القتالية، وستُشدّد من تحصيناتها، لتجنب الوقوع في السيناريو ذاته".
وأضاف الجبرني: "عنصر المفاجأة والمباغتة الذي حصل في سوريا، بات غير متوفر هنا في اليمن، كون الحوثيين سيتوقعون احتمالية تكرار الأمر معهم، وبالتالي سيظلون على أهبة الاستعداد دائمًا".
واستدرك الجبرني: "إلا إذا انطلقت عملية عسكرية كبرى، يقف وراءها إسناد إقليمي ودولي، وتجتمع فيها جميع فصائل القوى المحلية المتواجدة على الساحة، هنا من الممكن أن يختلف الأمر".
المصدر: مأرب برس
إقرأ أيضاً:
توحّش الميليشيات الحوثية يتجاوز الخطوط.. مؤيدوها تحت سيف القمع بعد الخصوم
في مشهد يعكس اتساع دائرة القمع الحوثي وتحول سلطتهم إلى كيان لا يرحم أحدًا، بات الموالون أنفسهم في مرمى العنف والانتهاك، كما حدث مؤخرًا مع الناشط المؤيد للجماعة فارس أبو بارعة، الذي تعرّض لاعتداء مسلح مروّع أمام منزله في صنعاء، على يد مجهولين يُعتقد أنهم مرتبطون بقيادات نافذة في الجماعة، بعد أيام فقط من منشور انتقد فيه فساد أحد أركانها.
الحادثة فتحت كشفت حقيقة ما يدعيه النظام القائم في صنعاء، وسلوكه القمعي الذي لم يعد يفرّق بين خصومه ومن كان بالأمس جزءًا من أدواته الإعلامية والدعائية.
فارس أبو بارعة، ناشط موالٍ للحوثيين ومرتبط إعلاميًا بميليشيا الحوثي المدعومة من إيران، نشر قبل أيام منشورًا على حسابه في "فيسبوك" هاجم فيه القيادي في الجماعة عبد المجيد الحوثي، رئيس هيئة الأوقاف، متهمًا إياه بتعيين زوج ابنته مديرًا لمكتب الهيئة في محافظة إب، عقب ما وصفه بـ"تصفية معنوية" للمدير السابق أثناء احتجازه.
لم يمضِ على المنشور أكثر من ثلاثة أيام، حتى تعرّض أبو بارعة لهجوم مسلح من قبل سبعة رجال مدججين بالسلاح والهراوات، هاجموه أمام منزله وأمام عيني طفله الصغير، البالغ من العمر ست سنوات، والذي طاله الاعتداء أيضًا أثناء محاولة والده حمايته بجسده.
زوجة أبو بارعة، وفي منشور مقتضب على حساب زوجها، وصفت حالته الصحية بأنه "بين الحياة والموت"، مؤكدة أنه نُقل إلى المستشفى وهو يعاني كسورًا في اليد والأصابع وجراحًا متعددة، وسط غياب تام لأي تحرك أمني أو رسمي من سلطات صنعاء.
ما يلفت الانتباه أن الجهات الأمنية التابعة للجماعة، كعادتها، لم تعلن فتح أي تحقيق، في حين تتوالى الأسئلة بشأن هوية الجناة، الذين استقلوا سيارة "مجهولة الهوية" ثم فرّوا من موقع الجريمة دون أن يتعرضوا للملاحقة أو التعقب، الأمر الذي يُغذّي الشكوك بوجود توجيه أو غطاء رسمي للاعتداء.
يتفق متابعون وناشطون يمنيون على أن الحادثة تمثل نموذجًا صارخًا لطبيعة الحكم القائم في صنعاء، والذي يُدار وفق ما وصفه البعض بـ"المزاج النزق"، حيث يغدو القمع خيارًا دائمًا، يتخذ أشكالًا شتى: من إرسال مسلحين لتأديب المعارضين، إلى تفجير البيوت، ومداهمات المنازل، والاعتقال التعسفي، والتشهير والتشريد... وكلها أدوات تستخدمها الجماعة ضد من يعارضها أو حتى ينتقدها نقدًا داخليًا.
الكاتب والسياسي المعروف محمد المقالح، علّق على الاعتداء قائلًا إن ما تعرّض له أبو بارعة يختلف في الشكل فقط عن اعتداءات سابقة، بينها الاعتداء على الدكتور إبراهيم الكبسي، والذي أُخذ إلى قسم الشرطة بعد تعرضه لضرب مبرح وتحطيم سيارته، ثم خُيّر بين السجن والصمت، فاختار الصمت.
واعتبر المقالح أن أبو بارعة لم يُؤخذ إلى قسم الشرطة ولم يُعرض عليه الخيار ذاته، لأن "الجهة المعتدية في حالته لا تزال مجهولة"، مضيفًا بسخرية: "ربما السيارة فقط مجهولة، لا المعتدون"، قبل أن يعلن تضامنه الكامل مع الناشط المصاب.
لكن ناشطين آخرين رأوا أن التفرقة بين مسلحين بزي أمني وآخرين مدنيين باتت بلا معنى، طالما أن الجميع يتحركون تحت مظلة سلطة واحدة، وصفوها بـ"العصابة التي تحكم بلا قانون ولا مساءلة".
في أول منشور له بعد الحادث، كتب أبو بارعة – رغم آلامه وإصاباته – أنه لن يتراجع عن كشف الفساد مهما كان الثمن، مؤكدًا أن هدفه ليس الانتقام، بل محاسبة المعتدين في إطار القانون. وخاطب قادة الأمن الحوثيين قائلًا: "الأمن ليس شعارات.. بل فعل. والعدالة لا تأتي بالتمني، بل بالإرادة والقرار".
لكنه لم يوجّه الاتهام لأي جهة مباشرة، معتبرًا أن "من الصعب استبعاد أحد، في ظل غياب أي تحرك أمني حقيقي"، في إشارة ضمنية إلى البيئة الأمنية المختنقة في صنعاء، التي أصبحت غير آمنة حتى للموالين للجماعة.
الكثير من النشطاء الموالين في صنعاء أصبحو تحت مطرقة الانتهاكات الحوثية، فالولاء لم يعد كافيًا لحمايتهم، فإن خالفت مزاج المتنفذين أو لامست ملفاتهم الحساسة، فمصيرك الاعتداء أو الاختفاء".
في الوقت الذي تواصل فيه ميليشيا الحوثي الحديث عن "الدولة والعدالة ومحاربة الفساد"، تتسع قائمة ضحاياها لتشمل معارضين، وأكاديميين، وناشطين، وأخيرًا مؤيدين حاولوا ممارسة النقد الذاتي... ليجدوا أنفسهم بين الحياة والموت.
وما يفاقم خطورة الانتهاكات التي تمارسها ميليشيا الحوثي بحق حتى الموالين لها، هو الطابع العنصري والطبقي الذي بات واضحًا في تعاملها مع المنتقدين. فبينما يتم تجاهل الانتقادات الصادرة عن نشطاء محسوبين على عائلات هاشمية أو من يُعرفون بـ"آل البيت"، بل وتُعامل على أنها "نقدٌ بنّاء"، يُقابل نفس النقد حين يصدر عن نشطاء من خلفيات اجتماعية "دونية" – وفق التصنيف الحوثي – أو ممن لا ينتمون لصعدة أو للسلالة الحاكمة، بـالعنف والتأديب والإذلال.
قضية فارس أبو بارعة تمثل هذا الواقع بوضوح، إذ لم يشفع له ولاؤه السياسي والإعلامي للجماعة، لأنه لا ينتمي لدوائرها الطبقية المغلقة، مما جعل انتقاده يُعامل كجريمة تستحق العقاب، بعكس ما يحدث مع آخرين من داخل "السلالة" تُغض الطرف عن مواقفهم الأكثر حدة.
ويرى ناشطون أن هذا التمييز العنصري داخل صفوف الموالين أنفسهم يعكس بنية فكرية عنصرية تتعامل مع اليمنيين وفق مبدأ "السيد والخادم"، ويؤكد أن الجماعة لا تسعى لبناء دولة أو مشروع وطني، بل إلى تثبيت منظومة سلالية ترى النقد امتيازًا لا يُمنح إلا لـ"الصفوة"، بينما يعامل غيرهم كخونة أو خصوم في حال تجرؤوا على الكلام.
ويصف أحد النشطاء في صنعاء أن المشهد في المدينة مرعب، ليس فقط للرافضين للحوثيين، بل حتى للمؤمنين بهم، فالجماعة لم تعد تسمح بوجود أي رأي، حتى لو كان نابعًا من قلب مؤيديها. فارس أبو بارعة ليس أول من يدفع ثمن كلمة، وقد لا يكون الأخير، ما لم يُرفع الصوت مجددًا ضد سلطةٍ لم تعد ترى أمامها سوى سلاحها، ولا تسمع إلا صدى بطشها.