الحروب المشتعلة في العالم العربي تحدث تغييرات كبيرة وتصدعات.. محو حضاري
تاريخ النشر: 3rd, December 2024 GMT
شددت الكاتبة السودانية البريطانية نسرين مالك في مقال نشرته في صحيفة "الغارديان" على اندلاع الحرائق الكبيرة والصغيرة في مختلف أرجاء الجغرافية العربية، مشيرة إلى أن العالم العربي يتغيرإلى حد لا نستطيع التعرف عليه.
وقالت في البيان الذي ترجمته "عربي21" إنه خلال الأشهر القليلة الماضية، "كانت هناك طقوس جديدة قاتمة كلما التقيت بأشخاص من بعض البلدان العربية.
وأضافت أن "هناك راحة في ذلك، وفي الوقت نفسه حرج. راحة لأن الكلمات جادة، والتضامن صادق لدرجة لا تطاق تقريبا. ومحرج لأن حجم ما يتحمله الكثيرون أكبر من أن يتم التعبير عنه في تلك الكلمات. كل شيء يبدو ملطخا بذنب الناجي، ولكن أيضا بقليل من العزيمة في معرفة أن الكوارث التي تمزق دولنا قد قربت المسافات بيننا".
وأكدت أنه "في قلب كل هذا توجد فلسطين - جرح مفتوح يطارد كل التفاعلات. لقد ساد الصمت، حيث كان هناك من قبل غضب وصدمة. أضف إلى هذا لبنان. مشيرة إلى أنه قبل وقف إطلاق النار، أخبرتها صديقة لبنانية أنه من الغريب أن تشعري بأنك قد لا تجدي بلدا تعودي إليه قريبا. وأنه عندما سألت صديقة أخرى، عن الوضع الذي تعيشه أسرتها في بيروت، قالت: "سيء للغاية".
وأضافت أنه في الوقت نفسه، دخل السودان عاما ونصف العام في حرب وحشية محيرة. وحتى في الضفة الغربية المحتلة، سألها كل فلسطيني تقريبا التقت به عن السودان، حيث ازداد إحساسه بالحرب هناك حدة بسبب تجربته الخاصة. وقال لها أحد الرجال: "إنه لأمر مخزٍ للغاية، وغير ضروري على الإطلاق. إن قادتنا هم الذين يريدون القتال دائما، وليس الشعب".
أينما كان الأمر، يبدو الأمر وكأنه حرب واحدة، وأسبابها معقدة، لكن عواقبها على أولئك الذين يمرون بها بسيطة. نحن جميعا في ورطة مألوفة.
وأشارت الكاتبة إلى أنه إذا ابتعدنا أكثر، فإن المشهد في مختلف أنحاء العالم العربي يبدو قاتما تاريخيا. فالحرائق الكبيرة والصغيرة تحترق في كل مكان. والعديد من البلدان ــ ليبيا والعراق واليمن وسوريا ــ إما منقسمة بسبب صراعات منخفضة الدرجة (سوريا تتصاعد مرة أخرى)، أو تكافح من خلال الأزمات الإنسانية.
وقالت إن الخسائر التي تكبدتها تلك البلدان في السنوات القليلة الماضية مذهلة. ليس فقط من حيث عدد القتلى، بل وأيضا من حيث عدد النازحين. فقد تكررت مشاهد مئات الآلاف من اللبنانيين الفارين من القتال على مدى الأشهر السابقة في مختلف أنحاء المنطقة. والواقع أن الإرث الذي خلفته هذه الأحداث هو رحلة مؤلمة من التنقل والانقسام وإعادة التوطين غير المستقرة. وأشارت إلى أن كل السودانيين الذين تعرفهم تقريبا، يعيشون داخل السودان وخارجه، مع أفراد آخرين من الأسرة في ظروف مؤقتة، في انتظار المرة التالية التي يتعين عليهم فيها الانتقال مرة أخرى. وهم المحظوظون الذين نجوا من التطهير العرقي والمجاعة في أجزاء أخرى من البلاد.
ولفتت مالك إلى أن هناك ثمن آخر أقل إلحاحا عندما نتحدث عن الحياة والموت، يلوح في الخلفية. فالمدن التاريخية الكبرى تتعرض للدمار، وتجري عملية محو حضاري. فقد تضررت أو دمرت جميع المواقع المدرجة على قائمة التراث العالمي لليونسكو في سوريا. كما دمر الجيش الإسرائيلي المسجد العمري الكبير في غزة، الذي يعود تاريخه إلى القرن الخامس الميلادي والذي وصف بأنه "قلب غزة التاريخي". لقد تم تصنيف مدينة صنعاء القديمة في اليمن، والتي كانت مأهولة منذ أكثر من 2500 عام، على أنها "في خطر" منذ عام 2015. وفي هذا العام، تعرضت عشرات الآلاف من القطع الأثرية في السودان، بعضها يعود إلى العصر الفرعوني، للنهب. إن المدن يمكن إعادة بنائها، ولكن التراث لا يمكن تعويضه.
وبينت أنه حتى الدول المستقرة مثل مصر لم تنج من هذا التخريب الثقافي. فالمواقع التراثية تُهدم لإفساح المجال للتنمية الحضرية من قِبَل حكومة تسارع إلى إعادة بناء مصر بما يتوافق مع ثقافة الحكم العسكري الأحادية. وفي هذا استعارة تنطبق على مختلف أنحاء المنطقة. فمن أجل ترسيخ السلطة، فإن المؤسسة السياسية مستعدة لتخريب الهوية.
وقالت الكاتبة: "حتى في ذهني، أستطيع أن أشعر بأن الخطوط الثقافية تتلاشى مع اختفاء العمارة المادية. ومع هذا، يتم محو العديد من الأشياء الأخرى ــ الشعور بالتجذر، والاستمرارية، والمستقبل. أنظر إلى أطفالي وأشعر بالرعب من إدراكي أن تضاريس السودان ذاتها، والعالم العربي كما عرفته من خلال الأدب والفن والسفر، هي شيء لن يعرفوه أبدا. بالنسبة لهم، فإن الروابط التي تربطهم بوالديهم، كما ربطتني بوالدي، يتم قطعها".
وأضافت أنها قد تبدو بهذا الكلام وكأنها امرأة عجوز تحن إلى الماضي. وتغنّي أنغام المنفى، وتشيد بالماضي الذي كان دائما بعيدا عن المثالية، وتستعد لإزعاج الجيل الجديد وإخباره بأن الأمر لم يكن دائما على هذا النحو. وتقول: "لأنني كنت ذات يوم ذلك الجيل الجديد، أستمع إلى كبار السن وهم يدخنون سجائر مارلبورو ريدز ويشربون الشاي ويقولون لي إنه من المحزن أنك لم تشهدي العصر الذهبي، عندما كنا ندرس الطب في بغداد مجانا، ونذهب إلى المسرح في دمشق، ونستضيف مالكولم إكس في أم درمان. عندما كان لدينا دور نشر عملاقة وتضامن عربي. كنت أفكر، حسنا، أليس هذا الفشل فشلكم أيضا؟ لأن جيلكم لم يتمكن من ترجمة ذلك إلى مشروع سياسي لم يكن مختطفا باستمرار من قبل العسكريين والدكتاتوريين".
وأوضحت أنه مع تحول مركز القوة السياسية والاقتصادية في المنطقة إلى دول الخليج الغنية بالنفط، والتي أصبحت تعبيرات مركزة عن الاستهلاك المفرط والحداثة، تستطيع أن تسمع نفسها تقول أيضا: "لم يكن الأمر دائما على هذا النحو". لم تكن عروض الأزياء دائما، مثل العرض الذي أقامه المصمم اللبناني إيلي صعب في الرياض الشهر الماضي، هي التي هيمنت على وسائل التواصل الاجتماعي مع مقاطع فيديو لجنيفر لوبيز وسيلين ديون وهما تغنيان أغانيهما الناجحة أمام مؤثرين محليين وعالميين. أو الفعاليات الرياضية المهمة وحفلات الإبهار، بينما تتكشف حفلات العنف في أماكن أخرى. "لم تكن هذه الرغبة في تحديد مكانتنا وفقا لمدى قربنا من القوى العظمى، أو هذا التعطش لإظهار أذواقنا العالمية".
وقالت إنها أصبحت أكثر تسامحا الآن مع هؤلاء الكبار، وتريد أيضا أن تقول لهم: لم تكونوا على علم بمدى جودة ما كنتم عليه. وأنها تستطيع أن ترى الآن أن ما اعتقدت أنه فشلهم كان شيئا أكبر بكثير، وأكثر ارتباطا بالتحالفات العالمية والتحالفات المحلية التي منعت ظهور الانتفاضة الشعبية، أو سحقتها عندما قامت. و أن كل الاحتجاجات كانت ضد الوكلاء.
واختتمت الكاتبة مقالتها بالقول: "قدمت لي صديقة عراقية مؤخرا بعض العزاء بشأن السودان. قالت لي إن بغداد بدأت تشعر بأنها طبيعية لأول مرة منذ 20 عاما. كانت الأمور بعيدة كل البعد عن المثالية، ولكن كان هناك احتمال بأن تتاح الفرصة بعد بضعة عقود لبداية جديدة. وربما يكون أفضل ما يمكن أن نأمله هو بداية جديدة، وليس إعادة تأهيل الماضي. وفي غضون ذلك، كل ما يمكن قوله للأصدقاء والغرباء، وكل من أصبح الآن مواطنا، هو: أتمنى أن تكونوا في أمان. أتمنى أن تكونوا بخير. نحن معكم".
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي صحافة صحافة إسرائيلية العالم العربي فلسطين لبنان سوريا العراق سوريا لبنان فلسطين العالم العربي صحافة صحافة صحافة سياسة سياسة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة أتمنى أن إلى أن
إقرأ أيضاً:
أكثر من 122 مليون نازح... العالم يغرق في صمت الحروب ونقص التمويل
أعلنت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، أن عدد النازحين قسراً حول العالم بلغ رقماً غير مسبوق تجاوز 123.2 مليون شخص بحلول نهاية عام 2024، نتيجة النزاعات المسلحة والعنف والانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، وسط فشل مستمر في إيجاد حلول سلمية لأزمات، مثل الحرب في السودان والصراع في أوكرانيا. اعلان
وجاء في تقرير المفوضية، المنشور على موقعها الرسمي، أن الزيادة السنوية بلغت نحو 7 ملايين شخص، أي ما يعادل 6% مقارنة بعام 2023، ورغم أن معدل النزوح العالمي تباطأ في النصف الثاني من 2024، إلا أن الأرقام الإجمالية ما تزال تعكس تصاعداً حاداً في المعاناة الإنسانية.
وبحسب تقديرات المفوضية، انخفض العدد بشكل طفيف إلى 122.1 مليون نازح بحلول نهاية أبريل 2025، وهو أول تراجع يُسجل منذ أكثر من عقد، لكن المفوضية حذّرت من أن استمرار هذا التراجع يبقى مرهوناً بتطورات ميدانية وسياسية حساسة، مثل فرص وقف إطلاق النار في جمهورية الكونغو الديمقراطية والسودان وأوكرانيا، وتحسن الأوضاع في جنوب السودان، إضافة إلى إمكانية عودة اللاجئين إلى بلدانهم مثل سوريا وأفغانستان.
Relatedالأونروا في لبنان تطمئن اللاجئين: لن نتأثر بتجميد المساعدات الأمريكية أو القانون الإسرائيلي الجديدرسالة خاطئة من إدارة ترامب تثير الذعر بين اللاجئين الأوكرانيين في الولايات المتحدةمسؤولو الأمم المتحدة يحذرون: تقليص التمويل الأميركي يهدد خدمات ملايين اللاجئينأزمة تمويل خانقة تهدد حياة الملايينوأعربت المفوضية عن قلقها العميق من الانخفاض الحاد في تمويل برامج المساعدات الإنسانية، الذي عاد إلى مستويات عام 2015، في وقت تضاعف فيه عدد اللاجئين منذ ذلك الحين. ووصفت الوضع المالي الحالي بـ"الأزمة غير المسبوقة" التي تواجهها الأمم المتحدة في تاريخها الممتد لثمانين عاماً.
وأكد المفوض السامي، فيليبو غراندي، أن أكثر من مليوني شخص نزحوا في الأشهر الأولى من عام 2025 فقط، رغم عودة عدد مماثل من السوريين إلى ديارهم عقب سقوط نظام بشار الأسد. وأرجع التقرير هذا النزوح المتواصل إلى تصاعد النزاعات في السودان وميانمار وأوكرانيا، وفشل المجتمع الدولي في وضع حد للقتال.
وقال غراندي في بيان مرفق بالتقرير: "نعيش في عصر مضطرب من العلاقات الدولية، رسمت فيه الحروب الحديثة مشهداً هشاً ومروعاً تتخلله معاناة إنسانية قاسية".
تحذيرات من انهيار المنظومة الإنسانيةوذكرت المفوضية أن الخفض "الوحشي والمستمر" في المساعدات يهدد بتقويض قدرة الوكالات الإنسانية على توفير الدعم اللازم للملايين. كما حذرت من أن هذا النقص في التمويل يزيد من مخاطر تعرض النساء اللاجئات للاغتصاب، ويضاعف تهديدات الاتجار بالبشر بحق الأطفال، خصوصاً في مناطق النزاع التي تفتقر إلى الحماية.
ويلقي عاملون في المجال الإنساني باللوم على غياب القيادة السياسية وعدم وجود إرادة دولية حقيقية لإبرام اتفاقيات سلام، ما يؤدي إلى إطالة أمد الحروب ويُثقل كاهل منظمات الإغاثة.
الولايات المتحدة تتراجع عن التزاماتهاوكانت الولايات المتحدة -المانح الأكبر تاريخياً للأمم المتحدة- قد خفضت بشكل كبير دعمها الخارجي، في ظل إدارة الرئيس دونالد ترامب، ووجهت جزءاً متزايداً من الإنفاق نحو الدفاع، وبحسب المفوضية، تأخرت واشنطن مطلع هذا العام عن سداد ما يقرب من 1.5 مليار دولار من مدفوعات الميزانية العامة، إضافة إلى 1.2 مليار دولار من مساهمات عمليات حفظ السلام.
في مواجهة هذه التحديات، كشفت مذكرة داخلية صادرة عن كبار مسؤولي الأمم المتحدة أن المنظمة تدرس خطة إصلاح شاملة تتضمن دمج العشرات من وكالاتها في أربع إدارات رئيسية: السلم والأمن، الشؤون الإنسانية، التنمية المستدامة، وحقوق الإنسان.
وتشير الوثيقة، المصنفة "سرّية للغاية"، إلى اقتراحات بدمج الجوانب التشغيلية لبرامج رئيسية، مثل برنامج الأغذية العالمي، ومنظمة اليونيسف، ومنظمة الصحة العالمية، والمفوضية السامية لشؤون اللاجئين، في كيان موحد يتولى إدارة الشؤون الإنسانية على مستوى عالمي.
انتقل إلى اختصارات الوصولشارك هذا المقالمحادثة