د. عصام محمد عبد القادر يكتب: دولة وشعب وقيادة ومؤسسات وطنية
تاريخ النشر: 15th, December 2024 GMT
ندرك ما يدور حولنا من مجريات أحداث على الساحة الدولية والإقليمية، ونعي حجم التحديات والتهديدات المحيطة بنا، ونرى تغيرات لمواقف الدول تجاه قضايا المنطقة في ضوء فلسفة المصالح وسياسة الأمر الواقع ومبدأ القوة على الأرض وفرض السيطرة.
وفي مقابل هذا كله نثق أن مصر لديها ما يؤمنها ويجعلها بلدا ناهضا قادرا على استكمال مسيرة الإعمار والبناء والتنمية، وقادرا على ردع كل من تسول له نفسه بث السموم، أو تنفيذ المخططات، أو السعي لتحقيق مآرب تفكيك الدولة والنيل من مقدراتها.
وتتأتى القناعة بقوة مصر من منطلق تماسك جبتها الداخلية وامتلاكها لجيش وطني انتماؤه وولاءه للدولة وفي القلب شعب مصر العظيم، وقناعتي أيضًا في وجود قيادة سياسة رشيدة تحملت مسئولية كبرى في وقت عصيب، لديها إرادة وعزيمة تسعى من خلالها إلى نهضة الدولة وركوبها قطار التنمية بغية التقدم والازدهار في جميع المجالات، بما يسهم في تلبية احتياجات ومتطلبات المواطن وبما يضمن توفير حياة كريمة له وللأجيال في المستقبل.
ونرصد حال المؤسسات المصرية الوطنية ومدى تماسكها واصطفافها خلف الدولة بغية تحقيق مصالح الوطن العليا.
وأرى أن مؤسسات الدولة وجميع منتسبيها يقدرون المسئولية ويجتهدون من أجل بلوغ حد الريادة في مجالاتها المختلفة؛ فالكل يدرك أن التنمية تتحقق بتلاحم وتضافر الجهود، وأن مسارات التنمية يجب ألا تتوقف مهما تفاقمت التحديات وضاقت السبل؛ فالعمل المتقن والسعي الدؤوب تجاه الوصول للغاية والأمل والتفاؤل أدوات النجاح لا ريب.
وتحتضن الدولة المصرية في مؤسساتها بجميع ربوعها رجالا مخلصين، يتحملون المسئولية ويتحلون بخصائص مشتركة تقوم على رؤى سديدة وإيمان باستراتيجية الدولة، ومن ثم نرصد حالة سعة الأفق وحكمة التصرف في ضوء رجاحة العقل والوعي الصحيح، ومن ثم القدرة على صناعة القرار واتخاذه في الوقت المناسب بما يعود بالنفع العام ويحدث الأثر المنشود منه.
وتعالوا بنا نرى الأمور من زاوية جديدة؛ حيث سباق المصالح التي تحققها دول بعينها مقابل خسائر فادحة لدول أخرى؛ فهناك المستفيد من لهيب النار، وهناك المنتفع من تفاقم النزاعات خاصة المسلحة منها، وهناك المنتظر والمترقب لسقوط الدول كي ينقض على أنقاضها ويحقق مآربه الخبيثة بالسيناريو المرسوم له، وهناك ضحايا لا حصر لهم، يحصدون الألم والحسرة بعد ضياع الأوطان وسقوطها في بئر سحيق وظلام دامس، وخير دليل على ذلك ما يشهده الواقع الحالي من صراعات في منطقتنا العربية.
وهنا ندرك تمامًا أهمية دولة قوية وشعب واعي وقيادة رشيدة ومؤسسات وطنية مخلصة، ونقدر ما يقوم به الجميع من أجل بقاء الوطن والحفاظ على مقدراته وحماية جهاته الأربعة وأمنه القومي بأبعاده المختلفة، وردع المعتدي من خلال تعبئة مادية وجاهزية نفسية واستعداد تام في أي وقت وفي أي مكان على أرض المحروسة.
نحن المصريون نبغض فكرة الصراع، ونكره كل من يأجج لهيب النزاع، ونهجر كل من يستخدم فلسفة الغاية تبرر الوسيلة، وفي المقابل لا نقبل الدنية، أو التخاذل، وندافع بصدورنا عن بلدنا؛ فنحن في وسط النيران نصطف ونتماسك ويزداد ترابطنا وقوتنا ولحمتنا خلف وطننا وقيادته الحكيمة ومؤسساتنا الوطنية في كل وقت وحين.
وفي دولة المؤسسات التي يحميها الدستور والقانون ويحكمها من يحترم العهد والميثاق ويحافظ على شرف الكلمة ويطابق قوله فعله، نؤكد أننا داعمون لوطننا الحبيب لنحقق غايتنا الرئيسة المتمثلة في نهضة وإعمار واستقرار وأمن وأمان بلادنا التي على أرضها تحافظ على كرامة الإنسان وتسعى إلى بناء بنيان يستطيع أن يحافظ ويصون ويحمي مقدراتها، ويعلى دومًا من شأنها ويرفع رايتها.
إن الرهان بات واضحًا؛ حيث المحبة والإخلاص واللحمة والتماسك والتضافر والتكاتف من أجل بقاء واستقرار ونهضة الدولة المصرية، ولا نغالي إذا ما قولنا إننا دومًا ما نكسب الرهان وندهش العالم بدولة المؤسسات التي تحافظ على شعبها وتحميه لأن الوطن يسكن القلوب ويتربع في الوجدان ويجري عروق الدماء محبته.
ورغم ما لدينا من هموم وأوجاع تتعلق بصعوبة المعيشة؛ إلا أننا نتناساها في مقابل هموم الوطن وما يواجه من تحديات وتهديدات؛ فلا أغلى لدينا من بقاء وطننا آمن مستقر نطمئن فيه على فلذات أكبادنا ونسير على أرضه رافعين الهامة ولا نخشى من عدوان أو جور، وفي سبيل الوطن نضحي بالغالي والنفيس كي يبقى، وفي كل يوم نجدد العهد والنية على العطاء من أجل البقاء أحرار آمنين مطمئنين.. ودي ومحبتي لوطني وللجميع.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: الدولة المصرية مؤسسات الدولة المؤسسات المصرية المزيد من أجل
إقرأ أيضاً:
عادل الباز يكتب: لماذا نتفاوض مع الإمارات؟ وعلى ماذا يدور هذا التفاوض؟ (1/2)
1 خلفية التفاوض : من المليشيا إلى الدولة الراعية
أصبح الحديث علنيًا في أروقة السياسة العامة والخاصة يدور حول التفاوض مع الإمارات، وليس مع المليشيا. فقد انقضى أمر هذه الأخيرة، ويُنتظر إعلان انهيارها التام في أي لحظة مع تقدم طلائع الجيش إلى دارفور.
الحقيقة أن محاولات التفاوض مع الإمارات لم تتوقف، أو لنقل إن مساعي الإمارات للتواصل مع السودان لإيجاد مخرج من مأزقها لم تنقطع. في هذا السياق، شهدنا اتصالين معلنين: الأول في 19 يوليو 2024، حين تواصل محمد بن زايد مع الرئيس البرهان بوساطة إثيوبية عقب زيارة رئيس إثيوبيا إلى بورتسودان. أما المناسبة الثانية فكانت في 20 يناير 2024، حين شاركت الإمارات في مفاوضات سودانية-سودانية فيما عُرف باتفاق المنامة.
هناك العديد من التقارير التي تشير إلى لقاءات غير معلنة، وآخرها تقرير من “Africa Intelligence” الذي أشار إلى رفض الجيش السوداني المشاركة في اجتماع سري مع الإمارات في 12 مايو 2025 بسبب مطالب مبالغ فيها من أبوظبي. ولم يحدد التقرير تلك المطالب، وراجت أنباء أن الإمارات طالبت بضرب الإسلاميين ومنحها استثمارات محددة كشرط لوقف الحرب، غير أن هذه التقارير لم تُؤكد من مصادر رسمية أو مصادر موثوقة. لكن يظل السؤال قائمًا: لماذا التفاوض مع الإمارات؟ وما هي محددات هذا التفاوض؟ وعلى ماذا يدور تحديدًا؟ هذا ما سنناقشه في هذا المقال.
2
عندما يتمدد تمرد داخلي إلى هذا الحد، ويبلغ هذا المستوى من التسليح والمساعدات اللوجستية، ويصمد لسنوات رغم ضراوة المعارك، يصبح السؤال المركزي: من أين له كل هذا الدعم؟
الدعم الكبير والمؤكد الذي تلقته قوات الدعم السريع من الإمارات أصبح حقيقة مثبتة في تقارير الأمم المتحدة، والتحقيقات الدولية، وشهادات شهود الحرب، وحتى في أروقة الكونغرس الأمريكي. لم يعد الأمر محل جدل. التفاوض مع الإمارات إذًا ليس تراجعًا عن مواجهة العدو الداخلي، بل هو اعتراف سياسي بأن المليشيا لم تكن سوى أداة عسكرية لمشروع خارجي، وأن مفتاح الحل لم يعد في الميدان، بل في أبوظبي.
3
لماذا التفاوض مع “دولة العدوان”؟
لأن معادلة الحرب تغيّرت، فمن يملك قرار استمرار أو إنهاء الحرب لم يعد قادة المليشيا، بل غرف التحكم الخارجية. المليشيا فقدت السيطرة على الأرض والشعب وحتى حواضنها، وانتقل القرار العسكري والسياسي والمالي إلى أبوظبي، التي تواصل تقديم الدعم تحت واجهات متعددة: مساعدات إنسانية، مبادرات سياسية، وتأثير مباشر في مراكز القرار في الغرب عبر استثماراتها ونفوذها المالي.
إذن، التفاوض هنا مع من يمول الحرب ويخطط لها ويغذي استمرارها.
4
التفاوض: أداة مكملة للحسم العسكري
التفاوض ليس بديلًا عن الحسم العسكري، بل أداة مكمّلة له. فكما أن النصر في الميدان يتحقق بالإنهاك والتطويق والتقدم، فإن النصر السياسي يُصان ويُستثمر بالتفاوض من موقع القوة.
إذا كانت الإمارات قد استثمرت في الحرب لتحقيق مكاسب استراتيجية أو اقتصادية أو جيوسياسية، فالتفاوض وسيلة لإقناعها بأن كلفة هذه المقامرة باتت تفوق عائدها، وأن مشروعها خاسر على كل المستويات، وأن السودان لن يُدار من الخارج ولا بالمليشيات.
التفاوض هنا هو رسالة واضحة: نحن ندرك من أنتم، ونعرف ما تريدون، وندير الصراع على كل مستوياته العسكرية والاقتصادية والدبلوماسية. التفاوض يُكمل الحسم العسكري.
5
إذا كانت هذه مسببات التفاوض مع الإمارات، فإن شرطًا واحدًا يظل هو الحاسم في أي حديث عن التفاوض، ألا وهو وقف العدوان ابتداءً؛
بمعنى أن تتوقف أبوظبي عن تمويل المليشيا بالسلاح وكافة أشكال دعمها، ثم بعدها يمكن أن نذهب إلى موائد التفاوض.
أما أن يكون السلاح متدفقًا، والإمارات مستمرة في تسعير الحرب بواسطة المليشيا أو وكلائها في المنطقة، حفتر وغيره، فإن ذلك مجرد عبث سياسي ومضيعة للوقت.
6
محددات التفاوض
المشكلة ليست في التفاوض بحد ذاته، بل في محدداته وشروطه. فلا ينبغي أن يُدار التفاوض من موقع المساواة بين طرفين متكافئين، بل من موقع دولة تخاطب دولة أخرى تجاوزت الأعراف الدبلوماسية والسيادة، واتخذت العدوان وسيلة لتحقيق أهدافها.
لذا، يجب أن يُدار التفاوض عبر قنوات دبلوماسية سيادية وشفافة، من موقع قوة، وليس من موقع مساواة مع دولة تجاوزت السيادة.
ثانيًا : التفاوض من موقع القوة.
السودان ليس دولة تابعة ولا خانعة، وهو اليوم في لحظة مفصلية تمنحه أوراقًا تفاوضية نادرة:
فلا استقرار في البحر الأحمر دون السودان، ولا نمو حقيقي في شرق أفريقيا دون ممراته، ولا مستقبل للمشاريع الإقليمية مهما تكاثرت الموانئ دون إرادته المستقلة.
كل هذا يجب أن يكون على الطاولة، لا من باب التهديد، بل من باب إثبات الحضور والندية.
ثالثًا : التفاوض مع الإمارات لا يجب أن يتحول إلى رهن سيادة السودان أو فرض خارطة سياسية على مقاس طرف خارجي.
ما قد يُطلب اليوم كتنازل سياسي، قد يصبح غدًا سببًا في انفجار جديد إذا شعر السودانيون أنهم استُبعدوا لإرضاء جهة أجنبية، أو أن مواردهم نُهبت باسم الاستثمار.
المطلوب اليوم ليس فقط الانتصار في الميدان، بل الانتصار في معركة الحفاظ على القرار الوطني.
طلبات أبوظبي قد تُعرض، لكن قبولها أو رفضها يجب أن يتم من داخل مؤسسات دولة ذات سيادة، وينبغي أن يكون التفاوض شفافًا ومعلنًا. على ماذا نتفاوض مع الإمارات ؟ نواصل في الحلقة القادمة.
عادل الباز
إنضم لقناة النيلين على واتساب