أصوات انفجارات سُمعت في طرابلس.. هذا ما تبيّن
تاريخ النشر: 29th, December 2024 GMT
أفاد مواطنون في مدينة طرابلس خلال الساعات الماضية عن سماع أصواتٍ قويَّة ترددت أصداؤها في مُختلف أرجاء المدينة، ما أثار جملة من التساؤلات والقلق عن أسبابها. وفي السياق، قالت مصادر مطلعة إنَّ هذه الأصوات ناجمة عن تدريباتٍ عسكريّة يجريها الجيش اللبناني في منطقة جبل تربل، وذلك في إطار رفع مستوى الجهوزية للقوات المُسلّحة.
المصدر: لبنان ٢٤
إقرأ أيضاً:
ليبيا .. ومفترق طرق حاسم!!
ليس من المبالغة القول إن اشتباكات العاصمة الليبية في طرابلس الثلاثاء والأربعاء والخميس من الأسبوع الماضي أعادت التطورات في ليبيا الشقيقة إلى سابق عهدها، بل إنها وضعت هذه التطورات في مفترق طرق جديد ظل يبحث عنه طوال فترة تولي السنغالي عبد الله باتيلي منصبه، باعتباره مبعوث الأمم المتحدة إلى ليبيا اعتبارا من أول سبتمبر 2022 حتى قبول استقالته عمليا من جانب مجلس الأمن الدولي في الثاني من مارس الماضي، تمهيدا لتعيين «هانا سيروا تيتيه» المبعوثة الأممية العاشرة في ليبيا، وكانت تشغل منصب وزيرة خارجية غانا في الفترة من 2013 حتى 2017، ثم شغلت منصب الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة في القرن الإفريقي منذ 2022 وحتى تعيينها في ليبيا في مارس الماضي.
جدير بالذكر أن مهمة الأمريكية «ستيفاني ويليامز» مستشارة جوتيريش في ليبيا قد انتهت في يوليو الماضي، بعد جهود مكثفة على مدى عدة سنوات لتمهيد الطريق أمام تنظيم إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، من جانب حكومة الوحدة الوطنية التي تعترف بها الأمم المتحدة ويترأسها عبد الحميد الدبيبة منذ عام 2021، والتي فشلت لأسباب عديدة في الإعداد لهذه الانتخابات حتى الآن، لأسباب ومبررات يتعلل بها الدبيبة للاستمرار في الحكم، خاصة وأنه نجح - حتى الآن على الأقل- في إفشال جهود مجلس النواب الليبي برئاسة «عقيلة صالح» في إقالته من منصبه أو في دفعه للإعداد للانتخابات الرئاسية والبرلمانية، برغم تعهده العلني بأنه لن يترك منصبه إلا لحكومة منتخبة.
وبرغم صدور أكثر من قرار لإقالة الدبيبة من منصبه، بل وتكليف البرلمان أسامة حماد بتشكيل حكومة إلى جانب حكومة الدبيبة واعتبارها هي الحكومة المسؤولة رسميًا عن الشؤون الليبية، وفي الوقت نفسه يقوي سلطتها أمام الهيئات والأجهزة الأخرى المنافسة لها في هذا المجال، وخاصة مجلس النواب ومجلس الرئاسة ومجلس الدولة، واللجان العديدة العسكرية وغير العسكرية، فإنه لم تتهيأ الظروف المواتية لتنظيم انتخابات عامة رئاسية وبرلمانية شفافة وذات مصداقية حتى الآن، خاصة في ظل تعدد المشكلات السياسية والتنظيمية أمام الانتخابات، بسبب تعدد وتكاثر الهيئات والتنظيمات واللجان ذات الصلة بتنظيم الانتخابات، والتي قال البعض إنها ستحتاج إلى نحو ثمانية أشهر للإعداد لها من تاريخ البدء في ذلك، والأمر يظل حتى الآن مجرد تصريحات لكسب الوقت باستمرار، خاصة بالنسبة للسياسيين الراغبين في الاستمرار في السلطة بشكل أو بآخر.
وإذا كان عشرة مسؤولين دوليين كبارًا، منهم عرب وأفارقة وأمريكيون وأوروبيون وبريطانيون، قد تناوبوا، وبترشيح ودعم من الأمين العام للأمم المتحدة، على رئاسة بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا لتنظيم الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، في ليبيا، لم ينجحوا - حتى الآن على الأقل - في أداء مهمتهم في الإعداد للانتخابات والأسس التي ترتكز عليها، وكذلك إدارة وتخفيف حدة التعقيدات الليبية العديدة التي تعاني منها ليبيا، فإنه من المأمول أن تنجح المبعوثة الغانية «هانا سيروا تيتيه» في القيام بهذه المهمة التي تتسم بالصعوبة، والتي لخصها سلفها المبعوث السنغالي عبد الله باتيلي قبل استقالته، في «الافتقاد للإرادة السياسية للتوصل إلى حل، وذلك من جانب الأطراف المعنية داخليًا وإقليميًا ودوليًا في ليبيا».
ومع ذلك، فإن الوضع في ليبيا، والذي يتسم بالتفكك وانتشار السلاح في يد الميليشيات المتعددة، وكذلك الاستعانة بقوات المرتزقة من جانب بعض الأطراف الليبية لتغطية اتساع الرقعة الجغرافية للأراضي الليبية، والقلة النسبية لعدد السكان، والمساحات الواسعة بين المحافظات الليبية، فإنه من الطبيعي أن تتعدد مشكلات المجتمع والداخل الليبي على مختلف المستويات، خاصة وأن ليبيا لديها ثروة نفطية تجعل عيون دول كثيرة تتجه نحو الاستفادة منها بشكل أو بآخر، خاصة وأن تلك الثروة لم تُستغل لصالح تنمية المجتمع والمواطن، لا خلال حكم العقيد القذافي الذي استمر على مدى أربعين عامًا تقريبًا، ولا في سنوات الدمار التي استمرت منذ عام 2011 حتى الآن، والتي دفع القذافي نفسه حياته ثمنًا لها. والمؤسف أن تلك السياسات والمشكلات المرتبطة بها مستمرة بشكل أو بآخر حتى الآن، وتعرض ليبيا وأمنها وتماسكها لصعوبات ومشكلات عديدة سياسية واجتماعية واقتصادية لا يمكن التقليل منها على أي نحو.
وفي هذا الإطار، فإنه يمكن الإشارة إلى بعض هذه المشكلات على سبيل المثال، ومنها ما يلي:
أولًا: اندلعت اشتباكات طرابلس الأسبوع الماضي، يوم الثلاثاء الموافق 22 من مايو الجاري، بالتزامن مع عملية اغتيال عبد الغني الككلي في العاصمة طرابلس. والككلي معروف أيضًا باسم «غنيوة»، وكان يتمتع بنفوذ وتأثير كبيرين في طرابلس وفي مناطق أخرى في ليبيا بسبب صلاته الواسعة مع دوائر عديدة خارجة على القانون في طرابلس وخارجها منذ سنوات عديدة، ولذا فإن أعداءه كثر، مما كان يفرض عليه الحذر في التعامل مع الكثيرين. ولعل ما يزيد من أهمية افتراض وجود عملية اغتيال وراء مقتل «غنيوة» ارتباط مقتله بهجوم شنه أشخاص تابعون له على مقر الشركة القابضة للاتصالات (المدار) الواقع في منطقة النوفليين في طرابلس واختطافهما، مما أثار أنصارهما وسارع أيضًا بعملية الثأر لهما، بسبب خلافات قديمة مع «غنيوة».
ومن جانب آخر، فإنه برغم العلاقة غير المتوترة بشدة بين «الككلي» وبين «الدبيبة»، فإن رد الفعل السريع من وصف الدبيبة لمقتل «الككلي» يكشف موقف الدبيبة المرحب بمقتل «الككلي»، حيث وصف الدبيبة مقتل الككلي بأنه «عملية ناجحة وسريعة»، وأنه لم تترتب عليها خسائر بين المدنيين، رغم أنها تمت في منطقة كثيفة السكان في طرابلس وهي منطقة «أبو سليم». وبالرغم من العلاقة بين «جهاز دعم الاستقرار» الذي كان يترأسه عبد الغني الككلي، والذي كان يتعاون أحيانًا مع الدبيبة في مواجهة ميليشيات أخرى، فإن سرعة التخلص من «غنيوة» بقتله رميًا بالرصاص كما ذكرت بعض المصادر، تشير إلى عملية اغتيال مدبرة ومحسوبة، وليس إلى حادث وقع بالصدفة، كما يفسر ذلك اتساع نطاق الاشتباكات بين الجانبين يومي الأربعاء والخميس الماضيين، قبل أن يتم في طرابلس اتفاق على وقف إطلاق النار.
ثانيًا: إن عملية الإعداد للانتخابات الرئاسية والنيابية تواجه صعوبات عديدة، منها على سبيل المثال استكمال كشوف الناخبين، والأسس السياسية التي ستستند إليها عملية الانتخابات، والحاجة إلى وضع دستور ليبي دائم، والاتفاق على ضمانات تضمن حياد الانتخابات وضمان شفافيتها ونزاهتها. وهناك من تحدث عن ثمانية أشهر للإعداد للانتخابات، وفي المقابل هناك من يتعجل إجراؤها. وفي المظاهرات التي جرت في طرابلس قبل أيام ودعت إلى إنهاء وجود حكومة الدبيبة باعتبارها حكومة فساد، دعا المتظاهرون إلى إجراء الانتخابات في موعد أقصاه 25 يوليو القادم، وهو موعد قريب جدًا.
ثالثًا: إن تركيا تواجه في الواقع مشكلات متعددة في التعامل مع الدبيبة وحكومته، خاصة في مجالات التعاون الدفاعي والأمني، بسبب اعتبارات عديدة لها صلة بالحدود الطويلة بين مصر وليبيا من ناحية، وكذلك بتخطيط الحدود البحرية بين ليبيا وتركيا، وتحفظ مصر حيال ذلك، قبل التحسن النسبي في العلاقات بين القاهرة وأنقرة من ناحية ثانية. وهي أمور مؤجلة لمرحلة لاحقة من العلاقات بين البلدين اللذين يريدان بالفعل تطوير العلاقات بينهما بشكل أكبر بكثير مما هو قائم الآن بالفعل.
رابعًا: إنه في الوقت الذي رفضت فيه ليبيا تهجير أعداد من الفلسطينيين إليها ونفت بقوة قبولها لتهجير الفلسطينيين، فإنها نفت أيضًا قبولها نقل أسلحة روسية من سوريا إلى ليبيا بدون تنسيق بين البلدين وموافقة ليبية على ذلك، وهو أمر قد يخضع لمفاوضات في المستقبل بين طرابلس وموسكو إذا تغيرت الظروف الراهنة بينهما في المستقبل. وعلى أية حال، فإن موقف مصر له أهميته، حتى لو لم تعبر مصر عن ذلك بوضوح فيما يتصل بالتطورات في ليبيا؛ لأن المسألة أمن قومي في النهاية، ولذا فإن التطورات في ليبيا تمر بمفترق طرق حاسم إلى حد كبير.