حين يكون الإرهاب أمريكيا محلّي الصنع
تاريخ النشر: 4th, January 2025 GMT
تكشف الساعات الأولى التي تعقب كل هجوم إرهابي يقع في الولايات المتحدة رسوخ الخطاب السائد عن الإرهاب ومعجمه ومفرداته في اللاوعي السياسي، فيردد الساسة والكتبة والمعلقون عموماً ما يتصادى مع الرواية الرسمية السائدة منذ عقود، التي ترسّخت بعد الحادي عشر من أيلول/سبتمبر 2001، والتي تحيل العنف إلى «صراع الحضارات» وتخريجات تختزل وتبسط وتحصر العنف وتاريخه وتمظهراته بدين وثقافة دون غيرها.
لكن هناك، في بعض الحالات، تلكؤ أو تخبط وتردد يبيّن تناقضات هذا الخطاب وتهافته، وقد تجلّى ذلك بعيد الهجومين الأخيرين في مدينتي نيو أورلينز ولاس فيغاس في الأيام الأولى من هذا العام. حمل منفّذ الهجوم الأول شمس الدين جبّار، علم تنظيم «داعش» وكان قد أعلن ولاءه له، ممّا سهل وضع الهجوم ومنفّذه في خانة معروفة سلفاً.
لكن الكثيرين أشاروا بشيء من الاستغراب لكون جبّار أمريكي المولد وليس مهاجراً، لأن الافتراض طبعاً هو أن الإرهاب، ظاهرة أجنبية، منابعها ومصادرها خارج البلاد، وغريبة عن ثقافتها وتاريخها. وعبر الكثيرون عن استغرابهم من أن جبّار كان مجنداً في الجيش الأمريكي، لكن المعلومات التي رشحت في اليوم التالي للهجوم عن اعتناقه الإسلام مؤخراً وميله لنسخة محافظة ومتشدّدة منه تحرّم الكثير، طغت على عمله لسنوات طويلة في الجيش الأمريكي وفي العمليات الخاصة.
أما ماثيو لايفسبرغر منفّذ الهجوم الثاني في لاس فيغاس ضد أحد فنادق ترامب، ليل الأربعاء الماضي وباستخدام واحدة من سيارات حليفه الجديد أيلون ماسك، بعد أن ملأها بالمتفجرات، فلم يعلن ولاءه لتنظيم «داعش» ولا رفع علمه، ولم يعتنق الإسلام.
لكن ما يجمعه بجبّار هو الجيش الأمريكي. إذ أن لايفسبرغر يحمل رتبة عريف، وخدم في الجيش الأمريكي لتسع عشرة سنة، ثماني عشرة منها في القوات الخاصة ونفّذ هجومه أثناء إجازة رسمية من وحدته في ألمانيا. وكان قد حصل على خمسة أوسمة شجاعة، ووسام حملة أفغانستان بثلاثة نجوم، لشجاعته في القتال في ثلاث مراحل.
وتكررت لازمة عدم وجود أي دلائل على أي تنسيق بين الهجومين أو أي صلة تجمع منفذيهما باستثناء قتالهما في أفغانستان، مثل عشرات الآلاف من الأمريكيين. وذلك لطمأنة المواطنين إلى عدم وجود خطة منظمة لشن هجمات إرهابية داخل البلاد، لكن اللافت هنا هو القفز على حروب الولايات المتحدة ووحشية غزواتها، وكأن لا تأثير أو تبعات البتة لها ولعنفها على حيوات هؤلاء الجنود العائدين وأفعالهم.
ليس لايفسبرغر أول جندي أمريكي يشن هجوما إرهابيا داخل الولايات المتحدة
وهذا القفز ضروري، بالطبع، لحراسة الحدود الخطابية بين عنف شرعي ومنطقي ومقبول، وعنف آخر يبدو عدميا بلا هدف ولا منطق. والنتيجة هي تنزيه وتعقيم إرهاب الدولة والإمبراطورية، الذي يمارس خارج الحدود ضد البرابرة، والذي يجب أن يفسّر دائماً بأنه عنف شرعي وضروري لحماية الحضارة، وبين الإرهاب المحض الذي يعزى لتخلف حضاري، أو عدمية أو كراهية، وقد ذكر أكثر من سياسي ومعلّق «الكراهية» في سياق التعليق على الهجومين.
وليس لايفسبرغر أول جندي أمريكي يشن هجوما إرهابيا داخل الولايات المتحدة. ولعله كان يحاكي أو يقتدي بتيموثي ماكفي، الذي نفّذ أكبر هجوم إرهابي «محلي» في مدينة أوكلاهوما في 19 نيسان/أبريل عام 1998 في تفجير دمّر مبنى فدرالياً وقتل 167 وجرح 648.
وفي الساعات الأولى التي أعقبت الهجوم آنذاك أجمع المراقبون والمحللون على أن عملاً إرهابياً بذلك الحجم لا بد أن يكون من فعل العرب والمسلمين! خصوصاً أن الهجوم على مركز التجارة العالمي في 1993 كان ما يزال حياًّ في الذاكرة. وذكرت مذيعة شهيرة أن رجلاً بملامح شرق أوسطية شوهد وهو يهرب من مسرح الجريمة، لكن مكتب التحريات الفدرالية كشف أن الإرهابي كان شاباً أبيض، سبق أن حارب في الجيش الأمريكي.
التحق ماكفي بالجيش الأمريكي في العشرين من عمره وكان معجباً بمنظمة الـ«KKK» المعروفة بأيديولوجية التفوق العرقي العنصرية أثناء سني خدمته. وشارك في حرب الخليج عام 1991 وحصل على خمسة من الأنواط وأوسمة الشجاعة. بعد عودته من حرب الخليج تصاعدت نقمة ماكفي ضد سياسات الحكومة الفدرالية في الولايات المتحدة حتى إنه وصفها بأنها المتنمّر الأكبر.
وأخذ يتواصل مع ميليشيات يمينية. وأغضبه حصار واكو، في ولاية تكساس عام 1993، الذي فرضه مكتب التحقيقات الفدرالية على مجمع الطائفة الداوودية وزعيمها، ديفيد كوريش، والهجوم الذي أدى إلى حريق أودى بحياة العشرات، والذي عدّه ماكفي مثالاً آخر على تغول الحكومة الفدرالية. في مقابلة قبل إعدامه استعاد ماكفي ذكرياته عن حرب الخليج في 1991 التي حارب فيها، وكيف أطلق قذيفة من مدفع نحو جندي عراقي كان على بعد 1100 ياردة قطعت رأسه فوراً.
كما ذكر صدمته لمرأى جثث الجنود العراقيين المحترقة الذين قصفهم الجيش الأمريكي وحلفاؤه أثناء الانسحاب من الكويت على ما عرف في ما بعد بـ «طريق الموت». وهي واحدة من جرائم الحرب المنسيّة.. وما أكثرها.
تسابق الكتبة والساسة في الولايات المتحدة على استنكار الإرهاب وقتل المدنيين العزل الذي لا يمكن تبريره. إلا إذا كان المستهدفون في غزّة. فهناك دائماً استثناءات في العالم المتحضّر.
القدس العربي
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه هجوم الولايات المتحدة هجوم الولايات المتحدة اورليانز فندق ترامب مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد اقتصاد صحافة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة فی الجیش الأمریکی الولایات المتحدة
إقرأ أيضاً:
إصابة 14 شخصاً في حادث طعن في الولايات المتحدة
نيويورك-سانا
أصيب ما لا يقل عن 14 شخصاً في حادث طعن في أحد متاجر وول مارت بمدينة ترافيرس سيتي، في الجزء الشمالي من ولاية ميشيغان الأمريكية.
ونقلت شبكة إيه بي سي نيوز الأمريكية اليوم عن قائد شرطة مقاطعة جراند ترافيرس مايكل شيا قوله للصحفيين: “إن رجلاً يبلغ 42 عاماً دخل المتجر واستخدم سكيناً قابلاً للطي وطعن عدداً من الأشخاص، مشيراً إلى أن المشتبه به قيد الاحتجاز، وأن الهجوم يبدو عشوائياً”.
بدورها أفادت شركة مونسون للرعاية الصحية في بيان بأن ثلاثة أشخاص خضعوا لعملية جراحية في مركزها الطبي، بينما يرقد 11 آخرون من الضحايا في حالة خطرة إلى حرجة.
حادث طعن في بمدينة ترافيرس سيتي 2025-07-27najwaسابق الأجندة الثقافية في سوريا ليوم الأحد الـ 27 من تموز 2025التالي 271 قتيلاً جراء الأمطار الغزيرة في باكستانآخر الأخبار 2025-07-27271 قتيلاً جراء الأمطار الغزيرة في باكستان 2025-07-27إصابة 14 شخصاً في حادث طعن في الولايات المتحدة 2025-07-27الأجندة الثقافية في سوريا ليوم الأحد الـ 27 من تموز 2025 2025-07-27قيادة الأمن الداخلي في محافظة اللاذقية تقبض على المجرم وضاح سهيل إبراهيم، أحد قادة المجموعات الخارجة عن القانون، المتورطين بتنفيذ اعتداءات على حواجز أمنية ونقاط عسكرية خلال آذار الماضي 2025-07-27الأمن الداخلي في اللاذقية ينفذ عمليات نوعية ضد خلايا إرهابية ويلقي القبض على بعض عناصرها 2025-07-27مديرية الأمن الداخلي في منطقة جبلة تقبض على أحد قادة المجموعات الخارجة عن القانون، المجرم إبراهيم نضال عثمان، بالإضافة إلى المجرمين ماهر نضال عثمان وماهر حسين أحمد علي من المجموعة نفسها، وذلك لتورطهم بتنفيذ عمليات إرهابية استهدفت مواقع عسكرية وأمنية في الـ 6 من آذار الماضي 2025-07-26قوات الاحتلال الإسرائيلي تستولي على سفينة “حنظلة” المتجهة إلى غزة 2025-07-2679 مركز إيواء وآلاف الوافدين من السويداء… وزارة الطوارئ تواصل تقديم الاستجابة الشاملة 2025-07-26الرئيس الشرع يتسلّم النسخة النهائية من النظام الانتخابي المؤقت لمجلس الشعب 2025-07-26اقتصاديون أردنيون: العلاقات السورية الأردنية تشهد تحولاً نحو الانفتاح والتكامل
صور من سورية منوعات أمازون تغلق مختبرها للذكاء الاصطناعي بالصين 2025-07-25 بحث جديد: جلد القرش الأزرق يخفي تراكيب نانوية تساعده على تغيير لونه 2025-07-25
مواقع صديقة | أسعار العملات | رسائل سانا | هيئة التحرير | اتصل بنا | للإعلان على موقعنا |