سو-57.. تفاصيل صفقة المقاتلة الروسية التي ستمتلكها الجزائر
تاريخ النشر: 19th, February 2025 GMT
موسكو- أعلنت الجزائر رسميا أنها ستستلم الجيل الخامس من مقاتلات "سو-57" الحربية الروسية، لتكون بذلك أول دولة أجنبية تحصل على هذا النوع من الطائرات الحربية الروسية المتطورة، وأضافت أن الطيارين الجزائريين موجودون الآن في روسيا للتدرب على قيادتها.
ومن المقرر أن تبدأ عمليات تسليم هذه الطائرات ذات القدرات الشبحية قبل نهاية العام الحالي، وفق تأكيدات رسمية روسية وجزائرية، لكن لم يتم الكشف عن عدد الطائرات المنوي تسليمها وسعرها أيضا، بينما تفيد تقارير عسكرية روسية وغربية أن تكلفة الطائرة الواحدة تبلغ 35 مليون دولار.
ولكن كما هو الحال عادة مع السلع العسكرية، من المرجح أن يكون سعر التصدير أعلى، ومن المتوقع كذلك أن تمول الجزائر جزءا من عملية الشراء من خلال "صفقات مضادة"، إذ تتمتع البلاد بموارد طبيعية قد تكون موضع اهتمام بالنسبة لروسيا.
تصف روسيا "سو-57" بأنها "طائرة معجزة" تملك قدرات تكنولوجية لا مثيل لها، وقال عنها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إنها "أفضل طائرة في العالم".
وفي السنوات الأخيرة، شاركت شركة سوخوي المصنعة لـ"سو-57″ في المعارض الجوية في الصين والهند، بهدف جذب المشترين، وفي أغسطس/آب 2011، تم عرض الطائرة لأول مرة للجمهور في معرض "ماكس" الدولي للطيران، مع ذلك، تم تأجيل الإنتاج التسلسلي إلى منتصف عام 2019، كما سبق أن ساهمت الهند ماليا في تطوير المشروع قبل أن تنسحب منه في عام 2018.
ويشير محلل الشؤون العسكرية يوري كنوتوف إلى أن معظم المعلومات حول طائرة "سو -57" سرية، ولهذا فإن المعروف حاليا هو الخصائص التقريبية.
إعلانووفق رأيه، تعد "سو-57" واحدة من الطائرات الأكثر تقدما في العالم، نظرا لاحتوائها على العديد من الأنظمة الجديدة، بما في ذلك الصواريخ التي تسمح بتدمير الأهداف على مسافة لا يمكن الوصول إليها باستخدام الطائرات الأخرى، الروسية والأجنبية على حد سواء.
ويشرح كنوتوف أن "سو-57" تعتبر أكبر من "إف -22" من ناحية طول الجناحين والهيكل، ولكنها أصغر من طائرة "سو-27" من حيث الوزن، وتنتمي في العموم إلى فئة المقاتلات الثقيلة.
ويتابع بأنها تلبي بشكل كامل جميع متطلبات مقاتلات الجيل الخامس من حيث انخفاض الضوضاء، بسبب المزيج الذي تمتلكه من تقنيات التخفي وأنظمة الحرب الإلكترونية، كما أن لديها سرعة تفوق سرعة الصوت، وقادرة على المناورة مع الأحمال الزائدة العالية، ومجهزة بإلكترونيات متقدمة ومتعددة الوظائف.
علاوة على ذلك، تتمتع الطائرة بالقدرة على التحكم بها عن طريق الذكاء الاصطناعي أو عن طريق المشغل عن بعد، وعلى مسافات كبيرة من القاعدة، دون الحاجة لأن تكون مأهولة، ويعني ذلك إزالة القيود المتعلقة بالجانب الجسدي للطيارين في حالات السرعة والمناورة، وبالتالي ستتوقف الأحمال الزائدة عن لعب دور في تكتيكات القتال.
تعاون تاريخييعود تاريخ التعاون العسكري بين البلدين إلى الحقبة السوفياتية، حيث بدأت الجزائر بعد حصولها على الاستقلال بعملية تشكيل القوات الجوية للجيش الجديد، وحصلت على أولى مقاتلاتها السوفياتية من طراز "ميغ-15" من مصر عام 1962.
وفي الوقت نفسه، تسلمت الجزائر طائرات مروحية متعددة الأغراض من طراز "مي 4" من الاتحاد السوفياتي، حيث تدرب طيارو القوات الجوية الجزائرية الشابة فيه، وفي بعض الدول العربية المجاورة.
وبحلول نهاية الستينيات من القرن الـ20، تم استلام المزيد من مقاتلات "ميغ-21" الحديثة وقاذفات "إيل-28″، وحصلت الجزائر لأول مرة على أنظمة صواريخ مضادة للطائرات من طراز "إس 75" السوفياتية الحديثة، التي تم استخدامها في ذلك الوقت في فيتنام ضد الطائرات الأميركية.
إعلانتجدر الإشارة إلى أن الجزائر كانت قد جددت أسطولها الجوي ليس فقط بالمعدات الجوية السوفياتية، بل اختارت العروض الأكثر فائدة واشترت طائرات ومروحيات من بلدان مختلفة، فبالإضافة إلى طائرات "ميغ-23" و"ميغ-25″، اشترت الجزائر في أواخر الثمانينيات أحدث قاذفات الخطوط الأمامية من طراز "سو-24 إم" من الاتحاد السوفياتي.
وفي تسعينيات القرن الـ20 والألفينيات، جرت عملية إعادة تسليح حقيقية للطيران الجزائري بطائرات من الجيل الرابع، حيث تم استلام مقاتلات "ميغ-29″ من أوكرانيا وبيلاروسيا، وطائرات إضافية من طراز"سو- 24" وأحدث طائرات "سو-30" من روسيا.
وخلال العقد الأول من القرن الـ21، تم توقيع عقد لتوريد مقاتلات تدريب من طراز "ياك -130" ومقاتلات روسية أخرى متعددة المهام.
يقول الخبير الإستراتيجي رولاند بيجاموف إن "الجزائر شريك تقليدي لروسيا في المجال العسكري والتقني، وهي الدولة الوحيدة من بين شركاء روسيا التي تعتبر الأكثر التزاما في مجال شراء السلاح، خلافا للهند ومصر اللتين قامتا بإلغاء صفقة مشابهة لشراء طائرات "سو -35".
وعلى هذا الأساس، يعتبر المتحدث أن الصفقة لها أبعاد سياسية أيضا، مشيرا إلى أن روسيا كانت تبيع الأسلحة إلى فنلندا، ولكن بعد أن أصبحت هلسنكي ضمن حلف شمال الأطلسي "الناتو" فلن يتم بطبيعة الحال نقل أي شيء إليها بعد الآن.
وحسب ما يوضح للجزيرة نت، تتيح الصفقة للجزائر رفع وزنها الإقليمي، لا سيما على ضوء إعلان المغرب شراء 25 طائرة "إف-16" من الولايات المتحدة، كما أن الإعلان عن الصفقة يقلل من المزاعم بوجود تباينات بين موسكو والجزائر حيال الأوضاع في إقليم أزواد، ودعم روسيا للحكومة المركزية في مالي.
كما يرجح بيجاموف أن يؤدي تصدير طائرات "سو-57" للجزائر إلى توسيع الإنتاج التسلسلي لهذه الطائرة، "وستسمح العائدات ليس فقط بزيادة القدرة الإنتاجية، ولكن أيضا بإجراء أعمال التحديث عليها".
إعلانويضيف أن "العقوبات الغربية والحرب مع أوكرانيا أثرتا على وتيرة تصنيع وتصدير هذه الطائرات إلى حد كبير، على الرغم من أن الطائرة تحظى باهتمام كبير من قبل العملاء الأجانب".
المصدر: الجزيرة
إقرأ أيضاً:
أوكرانيا تعيد كتابة قواعد الحرب
في صباح يوم الأحد، الموافق 7 ديسمبر 1941، أعادت البحرية الإمبراطورية اليابانية تعريف قواعد الحرب، لم يكن يتخيل أحد أن اليابانيين قد ينجحون في عبور محيط كامل لمهاجمة ما وصفه الاستراتيجيون الأمريكيون بـ«الحصن الذي لا يُخترق» ـ هاواي. ومع ذلك، هذا ما فعلوه بالضبط. فقد انطلقت طائرات يابانية من ست حاملات طائرات، وتمكنت من تدمير أو إلحاق أضرار بـ328 طائرة أمريكية و19 سفينة تابعة للبحرية الأمريكية، منها ثماني بوارج. مثّل هجوم بيرل هاربر لحظة حاسمة أظهرت هيمنة حاملات الطائرات كقوة رئيسية في الحروب البحرية.
ومرة أخرى، أعادت أوكرانيا كتابة قواعد الحرب هذا الأحد. لا بد أن القيادة العسكرية الروسية شعرت بالصدمة ذاتها التي أصابت الأمريكيين عام 1941، عندما شنت أوكرانيا هجوما مفاجئا على خمسة قواعد جوية روسية، اثنتان منها تقعان على بعد آلاف الأميال في أقصى شمال روسيا وسيبيريا. نجحت أجهزة الاستخبارات الأوكرانية في تهريب أعداد كبيرة من الطائرات المسيّرة داخل روسيا عبر كبائن خشبية على شاحنات، ثم إطلاقها عن بُعد.
وقد أعلن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي أن العملية، التي أطلق عليها الأوكرانيون اسم «شبكة العنكبوت»، دمّرت أو عطلت ثلث القاذفات التي كانت روسيا تستخدمها لإطلاق صواريخ كروز بعيدة المدى على أوكرانيا. ومن بين الطائرات التي قيل إنها تضررت: طائرات «تو-95» و«تو-22»، بالإضافة إلى طائرات «A-50» للإنذار المبكر والسيطرة ـ وهي نظيرات لطائرات «أواكس» الأمريكية. (لم يتم تأكيد حجم الضرر بشكل مستقل بعد).
ليس من المستغرب أن قارن بعض المدونين العسكريين الروس هذا الهجوم بهجوم بيرل هاربر قبل 84 عامًا. ورغم أن التشبيه غير دقيق ـ فبيرل هاربر كان بداية حرب جديدة، بينما كان الهجوم الأوكراني مجرد محاولة دفاعية ضمن حرب بدأها فلاديمير بوتين عام 2022 – إلا أن هناك جانبًا من الصحة فيه: فكلا الهجومين أظهر تراجع فعالية أنظمة تسليح كانت سائدة، مثل البوارج في 1941، والطائرات المأهولة اليوم. فقد تكون أسراب الطائرات المسيّرة الأوكرانية، التي ربما لم تتكلف سوى عشرات الآلاف من الدولارات، قد ألحقت أضرارًا تُقدّر بملياري دولار بأسطول الطيران الروسي المتطور.
وبهذا، كشفت أوكرانيا عن ثغرة أمنية يجب أن تُقلق جميع جنرالات العالم. فإذا كانت الطائرات المسيّرة الأوكرانية قد تسللت إلى قواعد جوية محصنة داخل دولة بوليسية مثل روسيا، فما الذي يمنع الصين من فعل الأمر نفسه مع القواعد الأمريكية؟ أو باكستان مع القواعد الهندية؟ أو كوريا الشمالية مع القواعد في كوريا الجنوبية؟
ستضطر الجيوش التي كانت تظن أن قواعدها الجوية آمنة بسياج كهربائي ونقاط تفتيش إلى مواجهة خطر جديد من السماء يتمثل في طائرات صغيرة زهيدة الثمن يسهل تحويلها لأغراض عسكرية. وسيستلزم هذا استثمارات ضخمة في أنظمة مضادة للطائرات المسيّرة. إنفاق الأموال على أنظمة الأسلحة التقليدية المأهولة بات يبدو عديم الجدوى ـ كما كان الإنفاق على سلاح الفرسان في ثلاثينيات القرن الماضي.
ورغم أن عملية «شبكة العنكبوت» لن تُوجه ضربة قاضية للجيش الروسي ـ تماما كما لم ينجح هجوم بيرل هاربر في تدمير القوة العسكرية الأمريكية ـ إلا أنها أظهرت مرة أخرى مدى صمود المقاتلين الأوكرانيين وقدرتهم على التكيّف. رغم الجمود في الخطوط الأمامية، فإن أوكرانيا تعوّض نقص عدد الجنود بتطوير صناعة مسيّرات متقدمة. فقد أنتجت أوكرانيا 2.2 مليون طائرة مسيّرة العام الماضي، وتستهدف إنتاج 4.5 مليون هذا العام. وبالرغم من أن روسيا، بدعم من إيران، تصنع مسيّراتها الخاصة، إلا أنها بقيت دائما خلف أوكرانيا بخطوة أو اثنتين، كما أثبتت عملية الأحد.
كانت «شبكة العنكبوت» مقامرة بارعة وشجاعة لتعويض نقص صواريخ «باتريوت» للدفاع الجوي، خصوصًا في ظل عدم استعداد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لإرسال المزيد منها. ورغم محاولات أوروبا المساعدة، فإن هذه الصواريخ نادرة. وبدلًا من محاولة إسقاط الصواريخ الروسية، قرر الأوكرانيون استهداف الطائرات التي تطلقها وهي لا تزال على المدرج.
خلال نقاش حاد بين ترامب وزيلينسكي في البيت الأبيض في فبراير، قال الرئيس الأمريكي لنظيره الأوكراني: «أنت لا تملك الأوراق الرابحة». لكن زيلينسكي لعب ـ إن جاز التعبير ـ ورقته الرابحة: الإبداع الأوكراني. لقد أثبت الأوكرانيون مرارًا أنهم أكثر شجاعة ومهارة من خصومهم، حتى وإن تحسّن أداء الجيش الروسي مقارنة ببداية الحرب.
وعلى الرغم من رمزية الهجوم، فإنه قد يُزعزع التوازن النووي، لأن القاذفات التي تُستخدم لضرب أوكرانيا بصواريخ تقليدية يمكن أن تُستخدم أيضًا لحمل أسلحة نووية. هذا يعكس خطورة الوضع في ظل إدارة أمريكية مضطربة. فغياب مجلس أمن قومي فعّال، واستبداله بفريق غير متمرس بقيادة وزير خارجية يشغل منصبين، يزيد من هشاشة الموقف.
بينما يستمر ترامب في التنديد بهجمات روسيا الجوية على المدنيين الأوكرانيين، فإنه لا يفعل شيئًا حقيقيًا لوقفها. أما الأوكرانيون، فقد قرروا الاعتماد على أنفسهم. وقد يكون هذا الهجوم بالطائرات المسيّرة، رغم تصعيده للموقف وإثارة ردود فعل روسية، هو التكتيك الضروري للضغط على بوتين للجلوس إلى طاولة المفاوضات، بالتزامن مع محادثات جديدة في تركيا. من خلال هذه العملية، تؤكد أوكرانيا للعالم أنها لن تُهزم وأنها تملك الوسائل للاستمرار في القتال.
ماكس بوت هو كاتب عمود في صحيفة واشنطن بوست، وزميل أول في مجلس العلاقات الخارجية. كان أحد المتأهلين لجائزة بوليتزر في فئة السيرة الذاتية، ومؤلف الكتاب الأكثر مبيعًا في نيويورك تايمز مؤخرًا بعنوان «ريغان: حياته وأسطورته»، والذي اختير ضمن قائمة أفضل عشرة كتب لعام 2024 بحسب صحيفة نيويورك تايمز.